المصريون
صبرى عكاشة هو بطل رواية الأشرار التى كتبها أحد الصحفيين الموالين للنظام الفاسد البائد، كان الصحفى مقربًا من لجنة السياسات، ومعنيًا بمهمة التشهير بالشرفاء الأحرار المعارضين للحكم البوليسى الفاشى، سواء فى كتاباته الصحفية، أو برنامجه التليفزيونى الحكومى. وفى إطار المنافسة كتب الصحفى المذكور رواية "الأشرار" ليعرّى نظيرًا منافسًا له يخدم النظام من خلال أجهزة الأمن تحت ستار المعارضة، وينشئ له الأمن صحيفة ثورية يرأس تحريرها ويعارض من خلالها!.
الحياة الثقافية والصحفية فيها كثير من نموذج صبرى عكاشة صاحب القلم الملوث، الذى لا يعرف غير مصلحته، ويؤمن أن النظام خير وأبقى من كل النظريات والأخلاق والمثل التى يستخدمها ليوهم القراء أنه مناضل وثورى ومعارض كبير.
نشأ صبرى عكاشة فى بيئة متواضعة وحضر إلى الجامعة بحذاء ممزق، ولكنه بدلاً من أن يرقى بنفسه روحيًا وخلقيًا، جعل هدفه جمع المال، والوصول إلى الشهرة، وخدمة النظام بدءًا من الوشاية بزملائه حتى ضرب المعارضة الحقيقية وتمزيقها والظهور بمظهر الثورى المناضل النقى بينما يتلقى فى الخفاء تعليماته من رجل الأمن الرابض فى قلاع الرعب والقهر!.
لدينا الآن صبرى عكاشة من نوع آخر! لم يتخرج من كلية الإعلام، ولم يجمع ذكاء صبرى النموذج وحرفيته، ولكنه بائس يحمل الإعدادية الصناعية، وكان عامل نسيج فى أحد المصانع، حتى التقطه شيوعى راحل، فأدخله عالم الصحافة والأدب دون مواهب حقيقية اللهم إلا موهبة التسلق والوصولية والوقوف على الأعتاب، تعرف على بعض الرفاق ممن يملكون الطموح ولا يملكون الأخلاق، أحدهم مثلاً كان ممرضًا، والآخر كان بائعًا سريحًا، والثالث كان عامل تلغراف، والرابع كان كاتبًا فى الشرطة، والخامس كان تاجر فاكهة، والسادس ... الرباط الذى يربط المجموعة التى تدعى الانتساب إلى الأدب هو الانتماء الشيوعى الحكومى وخدمة النظام فى ظل المعارضة المغشوشة.
لا عيب أن يكون الإنسان فقيرًا أو من أصل متواضع، فالإسلام يعلمنا أن الإنسان بعمله وعلمه وليس بأصله وطبقته، أنا مثلاً أفخر بانتسابى إلى الفقراء والبسطاء ولم أزل، ولكن صبرى عكاشة مع تواضع أصله ومؤهلاته ومواهبه الأدبية، يجد فى نفسه الجرأة ليسخر من شخصية عظيمة تحتل موقعًا تشريعيًا رفيعًا، فيصفه بأنه (صيدلى) تحقيرًا له واستهزاء!.. عامل النسيج الذى يحمل الإعدادية الصناعية يسخر من عالم جليل يملك شرف الانتساب والتفوق إلى قلة محدودة فى تخصصه العلمى الدقيق، فضلا عن تضحياته التى بذلها من أجل الدين والوطن، ولا يتكلم عنها ولا يشير إليها ابتغاء الفضل من الله وليس من الناس!.
الأخطر من ذلك هو محاولات المذكور للوقيعة بين الجيش المصرى وبعض قوى المجتمع المصرى، وخاصة مَن ينتسبون إلى الإسلام ويتهم الإخوان المسلمين أنهم يملكون ميليشيات وسيفككون الجيش المصرى ليلحق ببقية الجيوش العربية التى انهارت.. ويردد الأسطوانة المشروخة حول استيلاء الإخوان على مكونات الدولة، مجلسى الشعب والشورى، ثم الرئاسة، والآن – كما يزعم - يجرى التأهب لاحتواء الجيش والمخابرات العامة والداخلية والمراكز الثقافية، ويرى صبرى عكاشة حامل الإعدادية أن قَََسَم الرئيس فى التحرير ليس إلا تحد سافر للجيش والقضاء، وأن الإخوان شيئًا فشيئًا سوف يسيطرون على البلاد تمامًا كأي غزو أجنبى (!).
كأن مصر مجرد كشك حلويات يمكن الاستيلاء عليه ببساطة، ونسى كاتب النظام الفاسد ومادح مبارك؛ أن مصر أكبر مِن أن يستولى عليها أحد، وأن الجيش ليس تنظيم كشافة فى معسكر للأطفال، وأن هؤلاء الذين يتهمهم بالاستيلاء على الدولة انتخبتهم الملايين من أبناء الشعب المصرى لينوبوا عنها؛ ولم تنتخب الشيوعيين ولا الناصريين ولا الليبراليين ولا المرتزقة، ثم إنهم لم يأتوا بانقلاب عسكرى أو فوق دبابات دولة أجنبية غازية!.
لا ييأس صبرى عكاشة وأمثاله من تزوير الحقائق، وتعميق الخلافات، وبث الفتنة حين يدعى أن عددًا من الصحفيين الأجانب جاءوا من كل مكان خصيصًا لمقابلة خيرت الشاطر. دون أن يبذلوا أى جهود تبذل فى اتجاه مقابلة الرئيس المنتخب، وهو ما يعنى حسب مزاعم صبرى عكاشة أن الرئيس الجديد مجرد صورة ورقية لا وجود لها، وبغض النظر عن سوء الأدب، بل الوقاحة فى تطاوله على مقام الرئاسة وفقاً لتعبير سيده الناصرى، فقد أثبت الرئيس أنه صاحب شخصية مستقلة عرفها الناس ورأوها رأى العين فى ميدان التحرير وجامعة القاهرة ومعسكر الهايكستب.. ويزعم صاحبنا أن الثورة انتهت بالفعل يوم صعد الشيخ القرضاوى إلى منصة التحرير معلنًا بدء الدولة الدينية، ثم يرتدى ثياب الوطنية والدفاع عن الجيش المصرى، وينسى أن تلاميذ هنرى كورييل ولاؤهم الأول للصهيونية ودولة العدو مثل أستاذهم الخائن الذى لقنهم أن مقاومة الغزو الصهيونى جريمة قذرة، ثم يدعى صبرى عكاشة أن تصريحات هيلارى كلينتون عن تسليم السلطة تدخل فى شئون مصر، بينما لم نسمع صوته حين حطت طائرات أمريكا فى مطار القاهرة لتنتزع المتهمين بالتمويل الأجنبى، وتقلع بهم دون اعتبار لسيادة أو قيادة!.
وأخيرًا.. لتغذية معلومات صبرى عكاشة التاريخية حول الغزو العثمانى لمصر، أقول له إن أهل مصر وعلماءها هم الذين طلبوا من السلطان سليم الأول أن يخلصهم من المماليك، ومع تحفظنا على سليم الأول ورفضنا لطغيانه وقسوته التى طالت بعض أشقائه وذويه، فقد ظلت الدولة العثمانية درعًا يحمى بلاد المسلمين من الهمج الهامج الذين يكيدون لها، واليهود الذين خططوا لانتزاع فلسطين العربية المسلمة وتشريد أهلها!.
أتمنى أن يدرك صبرى عكاشة وأشباهه من خدم مبارك ونظامه؛ أن الزمان اختلف!.