في الاجتماع السادس عشر للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الثقافي غير المادي، المنعقد عبر الإنترنت من 13 إلى 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ضمّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) الخط العربي إلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
ورغم أن الخبر يبدو سارًّا -وهو فعلًا كذلك- فإنه جاء متأخرًا كثيرًا، خاصة إذا قورن الأمر بلغات وخطوط أخرى اعتنت بها اليونسكو ولم تكن أكثر انتشارًا من اللغة العربية، التي يوجد نحو مليارَي شخص تقريبًا في العالم يتحدثون بها ولو في صلواتهم.
واللغة العربية تستحق أكثر من ذلك، فهي من فرط تداولها بين الناس، جرى اعتمادها عام 1973 ضمن ست لغات رسمية للأمم المتحدة، بجوار الإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والصينية، بجانب أنها لغة رسمية معتمدة في نحو 20 منظمة دولية أخرى.
ومن حيث الأصل، فالعربية تندرج في عائلة اللغات السامية الوسطى، التي تضم الآرامية والأمهرية والكنعانية والعبرية والفينيقية والصهيدية.
عناية الأغراب
ورغم أن الاعتناء باللغة العربية بدأ يتلاشى في موطنها الأصلي، فإن هناك أممًا أخرى قدّرت قيمة تلك اللغة واعتنت بها، منها كوريا الجنوبية التي اختارتها لغة أجنبية ثانية في البلاد بعد الإنجليزية، وتقرّر اجتياز امتحان فيها شرطًا للالتحاق بالجامعة، مع أنها تدرس في 6 جامعات وطنية بالبلاد.
وكذلك فعلت فرنسا وبلجيكا التي بدأت اعتمادها في التعليم الثانوي والاعدادي ضمن لغات عدة أخرى.
وهكذا في بولندا، حيث خصصت جامعة كوبرنيكوس بمدينة تورون قسمًا خاصًّا باللغة العربية، يختص في تدريس الأدب والثقافة العربية.
وأظهر تقرير للمعهد الإيطالي للدراسات الشرقية أن عدد طلاب اللغة العربية في البلاد ارتفع منذ العام 2001 بنسبة 250% عما كان عليه قبل ذلك الوقت.
وأكدت مجلة (Science) المهتمة بالبحوث العلمية أن العربية ستشغل المرتبة الثالثة بين اللغات الأكثر انتشارًا بحلول العام 2050، بعد الصينية والهندية، وقبل الإنجليزية والإسبانية والفرنسية، وهي اللغات الأكثر انتشارًا الآن.
واشارت المجلة العالمية إلى اتساع شرائح الراغبين في تعلّم العربية، وانتقالها من المستشرقين والمترجمين إلى جميع الشرائح المجتمعية، مثل الصحفيين والحقوقيين والمحامين والأطباء وغيرهم، وأن السبب في ذلك يرجع إلى تزايد أعداد من يعلنون إسلامهم حول العالم.
وخصصت وزارة التعليم الأمريكية دعمًا ماليًّا سخيًّا لتدريسِ اللغات الأجنبية المهمة، وعلى رأسها اللغَة العربية، وقدّمت مِنحًا للراغبين بتعلّمها في مصر والأردن ولبنان وتونس، وصارت محطّ اهتمام العديد من الوزارات الأمريكية وليس فقط المراكز المتخصصة في الشرق الأوسط.
تفوّق العربية
وتمتاز اللغة العربية عن سائر اللغات بأنها تحتوي على حروف غير موجودة في أي لغة أخرى، مثل حرف “الضاد” الذي سُمّيت باسمه لتميّزها به، بجانب أنها لغة القرآن الكريم أعظم الكتب التي يتناقلها البشر، ولا يجوز قراءته إلا بها.
كما تحتل اللغة العربية المركز الأول بين اللغات في عدد المفردات التي تبلغ نحو 12 مليونًا و303 آلاف كلمة من دون تكرار، أي أكثر من 20 ضعفًا لعدد كلمات اللغة الإنجليزية التي لا تتجاوز 600 ألف كلمة، في حين أن اللغة الألمانية بها 5 ملايين و300 ألف كلمة، والكورية مليون و100 ألف مليون كلمة، والفرنسية 150 ألف مفردة، و130 ألفًا للروسية، و122 ألفًا للصينية، وهذا المؤشر اللغوي يدل على ثراء تلك اللغة مقارنة بغيرها من اللغات.
ولك أن تتخيل أن العربية تمتلك بمفردها 16 ألف جذر لغوي، في حين أن اللغة اللاتينية التي تنبثق منها معظم لغات أوربا الشرقية تمتلك 700 جذر لغوي فقط.
وأن الحرف العربي يُكتب به العديد من لغات العالم، منها الفارسية والكردية والأردية والملايوية والتركية سابقًا.
قداسة العربية
ناهيك عن القداسة التي أضافها القرآن إلى تلك اللغة، حيث كرّمها في مواقع عدّة، بقول الله تعالي: {بلسانٍ عربيٍّ مُبين}..{إنّا أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{إنّا جعلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{وكذلكَ أنزلناهُ حُكمًا عربيًّا}..{هذا لسانٌ عربيٌّ مُبين}..{وكذلكَ أنزلناهُ قرآنًا عربيًّا}..{قرآنًا عربيًّا غيرَ ذي عِوَج}..{كتابٌ فُصّلتْ آياتُهُ قرآنًا عربيًّا}..{هذا كتابٌ مُصدّقٌ لسانًا عربيًّا}.
وقال عنها رسول الله ﷺ: “أحبُّوا العربَ لثلاثٍ، لأنّي عربيٌّ، والقرآنُ عربيٌّ، وكلامُ أهلِ الجنّةِ عربيٌّ”.
وروى ابْنُ عَبَّاسٍ أن النَّبِيَّ ﷺ قال: “فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الْإِنْسَ فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلَامُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ” (رواه البخاري).
وقد قال: “أَوَّل مَنْ فَتَقَ الله لِسَانه بِالْعَرَبِيَّةِ الْمُبِينَة إِسْمَاعِيل” (حديث حسن سنده ابن حجر في الفتح وصححه الألباني).
كما ورد في أهميتها ما قاله عنها الفاروق عمر رضي الله عنه: “تعلَّموا العربية فإنها تُثبت العقل وتزيد في المروءة”، وما كتبه إلى أبي موسى: “أما بعد فتفقهوا في السنة، وتفقهوا في العربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي” رواه ابن أبي شيبة وسعيد ابن منصور والبيهقي في الشعب.
وقال فيها الخليفة عبد الملك بن مروان: “أَصلِحُوا أَلسِنَتَكُم فَإنَّ المَرءَ تَنُوبُهُ النَّائِبَةُ فَيستَعِيرُ الثَّوبَ والدَّابَةَ ولا يُمكِنُه أنْ يَستَعيرَ الِّلسانَ، وَجَمَالُ الرَّجُلِ فَصَاحَتُهُ”.
……
والخلاصة أن لغتنا العظيمة هانت علينا، فهُنّا في ألسنة الناس.
https://2-m7483.azureedge.net/opinions/2021/12/31/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%87%D8%A7%D9%86%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A8-%D9%88%D9%83%D8%B1%D9%85%D9%87%D8%A7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق