09 أبريل 2020

أحمد حسن الشرقاوي يكتب: - (عاصفة زواج) بالمنطقة الواقعة..بين الصحافة والسياسة!


( اليمين علوي) الشيخ علي يوسف ( اليمين من أسفل) صفية السادات
(اليسار ) الشيخ عبد الخالق السادات

أظن أن الكثيرين لم يسمعوا عنه، لكن البعض ربما سمع عن الشيخ (علي يوسف ) صاحب جريدة (المؤيد)، وهو من أوائل الصحفيين أو الجورنالجية في مصر.

وهو أول جورنالجي في مصر يمتلك جريدته الخاصة.
اليوم بطل قصتنا هو الشيخ علي يوسف، وقصته أقامت مصر، ولم تقعدها لشهور طويلة في العام ١٩٠٤.
إنها قضية زواج، انقسم حولها المجتمع والفقهاء بل والسياسيون أيضًا !!
بدأت القصة في شارع محمد علي حيث تقع في وسطه تمامًا "دار المؤيد" كبري الصحف اليومية في ذلك الوقت، وكان يعمل فيها الشيخ علي يوسف.
لشيخ علي يوسف كان من اسرة متواضعة الحال.
وقد جاء من احدى القرى النائية بصعيد مصر إلي القاهرة ليتلقي العلم في الأزهر الشريف، آملاً أن يكون فقيهًا، لكنه اصبح من كبار رجال الصحافة في ذلك الوقت وصار صديقا وجليسا للخديو عباس حلمي الثاني، الذي لدينا عنه الكثير من الحكايات التي سنحكيها لكم لاحقا.
المهم، كان الشيخ علي يوسف قد تزوج في شبابه من إحدى فتيات قريته، فلما اشتهر و أوتي المال الوفير وصار يخالط الحكام وعلية القوم، فكر أن يستكمل الشكل الاجتماعي بالزواج من فتاة جميلة وذات حسب ونسب .
اختار "صفية" ابنة الشيخ عبد الخالق السادات و هو احد مشايخ الطرق الصوفية المصرية وهو من قبائل الأشراف الذين يمتد نسبهم إلى سيدنا الحسين بن علي حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
تقدم الشيخ علي يوسف لخطبة (صفية) وقدم الشبكة وكانت تسمى في ذلك الوقت (النيشان)، وصار الجميع يعرف بأمر الخطوبة، وتدخل بعض الوشاة عند الشيخ السادات، وأوغروا صدره ضد الشيخ علي يوسف نظرا لكونه فقيرا في الماضي، وليس من النسب الشريف بما يليق بابنة الشيخ عبد الخالق السادات.
ظل والد صفية يحاول التملص من التزامات الزواج وعقد القران، فوسط العريس نخبة من رجالات ذلك الزمان. لكن السادات ظل يماطل حوالي ٤ سنوات في إتمام الزفاف ويختلق الأعذار ويضع العراقيل أمام إتمام عقد القران.
الشيخ علي يوسف، بالاتفاق مع صفية وشقيقتها الكبرى كانت لديهم خطة للتغلب على هذا التسويف غير المبرر من الشيخ السادات!!
ذات يوم خرجت "صفية" من بيتها مع بعض أهلها في زيارة إلي منزل شقيقتها الكبرى وزوجة السيد محمد توفيق البكري في حي الخرنفش، وكان البكري صديقا للشيخ علي يوسف، ونقيبا للأشراف بمصر.
وهناك نفذ الشيخ علي يوسف ما خفي من خطته، فذهب الى منزل البكري قبل وصولهم بالاتفاق مع صاحب المنزل ومع صفية طبعا!!
ذهب ومعه المأذون، وعدد كبير من علماء الدين، وما أن وصلت العروس حتى باشروا إجراءات عقد القران بعد أن وكلت العروس عنها أحد علماء الأزهر المعروفين، وهو الشيخ حسن السقا.
وبالتالي صار الزواج شرعيا، لكنه من ناحية العرف والتقاليد أثار جدلا كبيرا.
وبعد أن احتفل الحاضرون احتفالاً شكليا وسريعًا بالزفاف، اصطحب العريس عروسه إلى منزل الزوجية بحي الظاهر بالقاهرة.
وفي صباح اليوم التالي،استيقظ عبد الخالق السادات ليقرأ خبر زواج ابنته في صحيفة "المقطم" وهي الصحيفة المنافسة لصحيفة الشيخ علي يوسف (المؤيد)، وهنا جن جنون السادات!!
في عام ١٩٠٤، كان هذا التصرف من العروسين نوعا من الجنون الكامل، خصوصا لفتاة تنتمي لأسرة عريقة ومعروفة. وهز خبر الزواج كافة الأوساط السياسية والاجتماعية والثقافية بمصر.
قدم السادات بلاغًا للنيابة يتهم فيه الشيخ علي يوسف بالتغرير بابنته صفية، ووجدت النيابة أن صفية راشد، ومن حقها تزويج نفسها، وأن إجراءات الزواج سليمة، فتم حفظ البلاغ.
لم يسكت السادات أو يستسلم، فقد رفع دعوي أمام المحكمة الشرعية يطلب فيها بطلان الزوج استنادًا إلي أحكام الشريعة التي تشترط لصحة الزواج التكافؤ بين الزوجين!!
واستغل خصوم الشيخ علي يوسف القضية للتشهير به وبمهنته كصحفي أو جورنالجي، وأصوله الاجتماعية البسيطة.
أحيلت القضية لمحكمة شرعية كان قاضيها (الشيخ أحمد أبو خطوة) وتحددت الجلسة في 25 يوليو 1904.
وحكم القاضي (أبو خطوة) بتسليم صفية لأبيها، ووافق الشيخ يوسف على تنفيذ الحكم بينما رفضت صفية خوفًا من العقاب، فخيرها القاضي ان تذهب إلي بيت "محايد" ومؤتمن وخيرها بين بيته هو شخصيا، أو بيت مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ النواوي أو بيت عالم معروف وهو الشيخ عبد القادر الرافعي، صديق والدها، وهذا هو ما اختارته صفية. وفي الجلسة الثانية، أعلن أبو خطوة تنحيه عن القضية و كل القضايا حتي يتم تنفيذ الحكم الذي حكم به وهو أن تعود صفية لمنزل والدها، واختفى عن الأنظار للتهرب من ضغوط الخديوي عباس حلمي الثاني وكبار رجال الدولة.
نشر الشيخ علي يوسف حيثيات حكم القاضي أحمد أبو خطوة في جريدته (المؤيد)، ولم يعلق عليه، بل أعلن أنه سوف يتقدم باستئناف أمام المحكمة الشرعية العليا، لكن المفاجأة أن تلك المحكمة أيدت حكم التفريق بين الزوجين.
بعد ذلك تدخلت أطراف كثيرة في القضية وبعدما استشعر السادات بأنه استرد بعضا من كرامته بهذا الطلاق، إذ به يرضي ويوافق على زواج ابنته من الشيخ علي يوسف، لكن بعقد زواج جديد!!
المفارقة في تلك القضية المشهورة في التاريخ الصحفي والسياسي المصري، أن الزوجين لم ينعما بالسعادة بعد كل تلك المعاناة، وتوفي الشيخ علي يوسف عام ١٩١٣، وتزوجت صفية بعد وفاته من الممثل المصري زكي عكاشة، فكانت الوحيدة في جيلها التي تزوجت " جورنالجي" و " مشخصاتي"..وهما من المهن التي لا تحظى بقيمة اجتماعية كبيرة بمصر في تلك الفترة.
كانت آياااااام....

ليست هناك تعليقات: