انتفض الشعب اللبناني بعد أن بلغ السيل الزبى كما يقال، فالحكومة اللبنانية القاصرة والتي يعوزها الخيال في كيفية معالجة المشاكل الناتجة عن عجز المديونية الضخمة لا تجد سوى جيب المواطن الفقير تغرف منه كما تشاء، ففي عرف الطبقة البرجوازية الفاسدة أن الشعب هو الحلقة الأضعف في لبنان.
وقد كان كذلك فعلاً حتى 17 اكتوبر 2009. فهو منقسم الى عدة طوائف يتناحر زعماؤها فيما بينهم، والمفترض أن تناحرهم هو لمصلحة طوائفهم، ولكن
ثبت كما اكتشف اللبنانيون فيما بعد أنها في من يستطيع الحصول على أكبر قطعة من الكعكة.
ثبت كما اكتشف اللبنانيون فيما بعد أنها في من يستطيع الحصول على أكبر قطعة من الكعكة.
رأى المواطن أن دخله لم يعد يكفيه أو بالكاد ومع ذلك فهو يعتقد أنه أفضل من جاره العاطل عن العمل منذ فترة طويلة. ورأى الخدمات تتدهور دون أية بارقة أمل في تحسنها، وسمع عن صفقات بالملايين يقوم بها زعماؤه تتم بطرق ملتوية مستفيدين من ثغرات في القوانين اللبنانية الفضفاضة ومن وضعهم الطائفي، وسمع عن تضخم ثرواتهم بشكل عجيب.
وعرف عن المديونية الضخمة التي لم يستفد منها المواطن البسيط ولم يستفد منها لبنان، تضخمت جيوب اللصوص ولا يحتاج الأمر ذكاء أينشتاين لربط أن مسؤوليه كانوا يستدينون من أجل أنفسهم.
شاهد غابات لبنان تحترق وظهر له عجز الحكومة عن إطفاءها. فلم يعد يشعر بالأمان في وطنه.
أصبح مستقبله ومستقبل أولاده في مهب الريح.
واستنتج أن لا فائدة من السكوت بعد الآن، وكانت شرارة صغيرة أشعلت السهل كله، فهذه الضريبة الصغيرة على الواتساب ليست بذي بال ولكنها سابقة خطيرة تتناول مجال المعلومات تفكر بها الحكومة لتسرق من جيبه، وليس هناك من دولة في العالم فيها ضريبة كهذه.
عندما قامت حكومة سعد الحريري بعرض ميزانية 2020 وهي تخلو من الضرائب على المواطنين وبعجز يقارب الصفر، تأكدت الجماهير أن هذه الحكومة والحكومات التي سبقتها كانت تغط في النوم لفترة طويلة، ولم تكن تفكر ابداً في مصلحة مواطنيها، فتوصلت الجماهير الى النتيجة المنطقية وهي أن نظام الحكم اللبناني يعتبر منتهي الصلاحية.
توحّدت الجماهير وعبرت الحاجز الطائفي فهي تعرف أن الفساد المستشري المستفيد من الطائفية هو سبب مشاكلها فصرخت: ( كلكن)، أي كلكم فاسدون. ولم يستطع المتظاهرون المنتمون الى جميع الطوائف تحديد الفاسدين في كل طائفة، فلسان حالهم يقول: يوجد فاسدون في طائفتنا كما في كل الطوائف الأخرى. والأجيال الجديدة التي تملأ الساحات لا تؤمن بالطائفية وتريد الخلاص منها مرة واحدة والى الأبد.
خاطب رئيس الجمهورية المتظاهرين حياهم على ما قاموا به استنجد بهم وحثهم على الاستمرار في تظاهرهم وكان من جملة ما ذكره أنه قدم مشاريع قوانين الى مجلس النواب منذ 2013، وما زالت حبيسة الأدراج. وهنا يثور السؤال: من يساعد من؟ بغض النظر عن صلاحيات الرئيس المحدودة إلا أن مسؤوليته تتطلب أن يقوم بمبادرات تلبي مطالب الجماهير المشروعة.
نجح الرئيس عون في تقسيم المتظاهرين الى مؤيد ومعارض.
وعودة الى مشاريع القوانين حبيسة الأدراج، كيف يمكن لمجلس طائفي أن يحاسب نفسه وأن يقر قوانين ضد زعمائه، رأينا مثلاً بسيطاً على ذلك حين طلب زعيم القوات اللبنانية من وزراءه الأربعة تقديم استقالاتهم ففعلوا، فأعضاء المجلس الطائفي يأتمرون بأوامر زعمائهم. وهكذا عدنا الى المربع الأول.
هناك قانون عام ثبت وتثبت صحته دائماَ: فاقد الشيء لا يعطيه. فهل هناك حل في لبنان؟
نعم، الحل موجود ولكنه يحتاج الى جرأة وخيال وإحساس مرهف بالمسؤولية وتحسس للمخاطر القادمة، ففي منطقة حساسة مثل لبنان سيكون هدف أعداء لبنان والأمة العربية فصل الشعب عن المقاومة وسحب البساط من تحت أقدامها. ما لم تستطع إسرائيل الحصول عليه في الحرب تستطيع الحصول عليه بالتآمر في بيئة قابلة للانفجار.
كان على الرئيس عون أن يستفيد من تجربة سابقة عام 1958 عندما قام فؤاد شهاب بانقلاب وأنهى فترة مؤلمة من تاريخ لبنان.
النقاط التالية ربما تساعد على الحل في لبنان:
أن يقوم الرئيس عون بإعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة 3 أشهر.
أن يعتبر الحكومة الحالية في حكم المستقيلة وتعتبر حكومة تصريف أعمال حتى إشعار آخر.
أن يعتبر مجلس النواب الحالي محلولاً.
أن يعتبر لبنان دائرة انتخابية واحدة ويتم عقد انتخابات نيابية بعد 3 أشهر.
أن يطلب من أثرياء لبنان التبرع لسداد الدين العام (ربما على حسن نصرالله التبرع بمبلغ 100 دولار من راتبه البالغ 1300 دولار شهرياً).
أن يشكل محكمة خاصة لمحاكمة الفاسدين حتى لو كانوا وزراء في حكومة تصريف الأعمال. ( ولنا عبرة في التحقيقات مع الفاسد بنيامين نتانياهو وهو رئيس وزراء).
أن يقوم بتشكيل هيئة خاصة لاسترداد الأموال المنهوبة.
النقاط السابقة تلغي اتفاقية الطائف السيئة الذكر فقد آن الأوان لبدء مرحلة جديدة من التاريخ. ولا أعتقد أن الجماهير اللبنانية ستقبل بأقل من ذلك، ستشعر بأن النظام أصبح جدياً في حل مشاكله وقد استفاد من انتفاضته فأضاف عليها وقادها إلى مستقبل أفضل. وفي نفس الوقت فإن حلاً كهذا سيرمي الكرة في ملعب الجماهير لتثبت فعلاً أنها تخطت الطائفية وتخطت زعماءها.
ولا يتم هذا إلا بذهاب شباب لبنان الى صناديق الاقتراع بكثافة ليدافعوا عن مستقبلهم.
سيسجل التاريخ أن 17 اكتوبر نقطة فاصلة ومضيئة في التاريخ اللبناني.
الفجر قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق