عبدالله حمدوك رئيس وزراء السودان |
في أول جلسة لمحاكمة الرئيس المعزول عمر البشير اعترف بتلقيه مبلغ 90 مليون دولار من محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، لم يكن هذا المبلغ لسواد عيون البشير وجمال طلعته بل لسبب موافقته على إرسال زهرة شباب السودان الى أتون حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في تهامة اليمن.
كان البشير قد أعلن الاشتراك في التحالف الذي يقوده النظام السعودي قائلاً إنه يشترك في هذا التحالف للدفاع عن الحرمين الشريفين والمقدسات الإسلامية، وثبت الآن أن هذه المقدسات في نظره هي
الرشوة التي دفعها له محمد بن سلمان. واعتراف البشير بتلقي الرشوة شخصياً يعني أنه حول دولة السودان الى مزرعة خاصة، وهو اعتراف بأنه كان يحكم كشيخ قبيلة، ولكن ضحالة تفكيره وعقله القاصر لا يسمح له بالوصول الى استنتاج كهذا.
الرشوة التي دفعها له محمد بن سلمان. واعتراف البشير بتلقي الرشوة شخصياً يعني أنه حول دولة السودان الى مزرعة خاصة، وهو اعتراف بأنه كان يحكم كشيخ قبيلة، ولكن ضحالة تفكيره وعقله القاصر لا يسمح له بالوصول الى استنتاج كهذا.
إن أول جريمة يجب محاكمة البشير عليها هي حنثه بالقسم عند تولى السلطة بالحفاظ على وحدة التراب السوداني، فقد تم في عهده البائس انفصال جزء لا بأس به من جنوب البلاد والتهجير المتبادل لأهله بين شمال وجنوب، كما أن قائمة جرائم الحرب طويلة، وهي مفصلة في محكمة العدل الدولية وينبغي معاقبته عليها وتوقيع أشد العقوبات عليه، لجعله عبرة لكل من يتولى منصباً عمومياً ولا يتحمل أمانة منصبه معتقداً أن مصلحته الشخصية فوق مصلحة الشعب والبلاد.
أما في موضوع إرسال جنود السودان إلى الحرب على اليمن فإننا لم نلاحظ أي احتجاج من قادة الجيش الممثلين في المجلس السيادي والذين يتولون الآن حكم البلاد. وتفسير ذلك في أحد أمرين:
فإما أنهم يتبعون الأوامر وينفذونها حرفياً وهذا يعني أنهم لا يمتلكون الحدس السياسي ولا يعرفون مصلحة الشعب، ولهذا عليهم الاستماع الى أوامر أعضاء الحرية والتغيير في المجلس.
أو أنهم استفادوا من زج الجيش في هذه الحرب، ولهذا عليهم أن يقدموا كشوفاً بممتلكاتهم وإعطاء تفسير لكل البنود المشكوك فيها.
وينطبق تقديم الكشوف بالممتلكات والأرصدة البنكية كذلك على أعضاء الحرية والتغيير وعلى رئيس الوزراء وكل من سيقوم بتعيينهم في المناصب العليا في الدولة، وهذه أولى الخطوات في محاربة الفساد المستشري في السودان، ففي دول العالم الثالث التي لا توجد فيها مؤسسات يكون رأس السلطة الفاسد هو السبب في المصائب التي تحل بشعبه.
شعب السودان هو الشعب الرائد وفي طليعة الشعوب العربية في القيام بالثورة على الأوضاع الفاسدة في البلاد، فقد انتكست الثورات السابقة وكان الجيش يتولى السلطة رافعاً شعارات براقة مثل الإنقاذ وغير ذلك. ولكن في هذه المرة فإن الثورة السودانية ستحقق أهدافها في الوصول الى حكم مدني ديمقراطي يتولى وضع البلاد على طريق التنمية والازدهار، ويتطلب ذلك إرجاع الجيش الى ثكناته وانكفائه على القيام بواجباته التي أهملها وهي الدفاع عن البلاد.
وهنا لا بد من تسجيل مدى رقي قادة الجيش التونسي الذين لا يتدخلون في السياسة وهو المفروض، وعلى الشعوب العربية النضال من أجل إدخال هذا المفهوم الى عقول العسكر الضيقة الذين يتعاملون مع شعوبهم بمبدأ القوة فوق الحق.
ولقد تمثل الانعطاف التاريخي الحاد في نجاح الثورة السودانية في نجاح العصيان المدني الذي دعت اليه قوى الحرية والتغيير في التاسع من حزيران/ يونيو 2019 ، حيث شل العصيان المدني كافة مرافق الحياة لمدة 3 أيام، فأدرك العسكر بعدها أنهم لا يستطيعون حكم السودان، فالشعب مصمم على نجاح ثورته، ولهذا قبلوا بالوساطة الأثيوبية التي أدت الى الوضع القائم الحالي في تعيين مجلس سيادي مناصفة بين العسكر والمدنيين وتعيين رئيس وزراء مدني وذلك تمهيداً لانتخابات ديمقراطية بعد 3 سنوات.
مخطئ من يظن أن الصراع قد انتهى في القمة بل العكس هو الصحيح، صراع واضح المعالم بين عسكر السودان يقف خلفهم ويدعمهم ويوجههم قوى الرجعية العربية الممثلة في محمد بن سلمان ومحمد بن زايد وعبدالفتاح السيسي، وبين القوى المدنية في المجلس السيادي إضافة لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك ويقف خلفهم الشعب السوداني بأكمله.
ولعل بيضة القبان في هذا الصراع هو رئيس الوزراء الذي يجب أن يضع في كل أفعاله مصلحة الجماهير السودانية ومستقبلها قبل أي أعتبار آخر.
مستقبل السودان هو إلزام العسكر ثكناتهم وعدم التدخل في السياسة أولاً ويلي ذلك مواضيع التنمية والتطوير التي طال اهمالهما. ومن أجل إلزام العسكر ثكناتهم فإن أول شرط هو تعيين وزير دفاع مدني تكون مهمته تجديد قيادات الجيش بمختلف أسلحته وإعفاء العسكر الموجودين في المجلس السيادي من مهامهم العسكرية حتى يتفرغوا للمناصب الجديدة. اي بإحالتهم جميعاً للتقاعد، وإذا لم يستطع رئيس الوزراء تعيين وزير دفاع مدني فعليه أن يتولى هذا المنصب بنفسه.
والنقطة الثانية الهامة هي تقوية جهاز الشرطة في المدن وإلحاقه بمجلس القضاء الأعلى بدلاً من وزارة الداخلية، فهناك فرق كبير بين أن تكون الشرطة في خدمة الشعب أو أن تكون سوطاً في يد السلطة التنفيذية تجلد به ظهر الشعب كلما احتج على مفاسدها. ولعل هذا الاقتراح لازم لكل دول العالم الثالث للحد من تغول السلطة التنفيذية وسيطرتها على السلطة التشريعية بالشطب أو التهميش.
النقطة الثالثة هي التحقيق في قضايا قتل المتظاهرين، تحقيقاً شفافاً علنياً، ومحاسبة كل من أصدر الأوامر بفض اعتصام القيادة ومظاهرة الأبيض وغيرهما ومقتل وجرح وإهانة الشعب. وهذه النقطة تثبت جدية الجانب المدني ورئيس الوزراء وعدم تهاونهم في حقوق الناس وهي اللبنة الأولى في إرساء الديمقراطية.
بقيت نقطة هامة أخرى لا بد من التنبيه إليها وهي أن قوة الجماهير هي قوة خفية لا تظهر إلا بالخروج الى الشارع في المناسبات المختلفة، ولعبور عنق الزجاجة التي يمر بها السودان اليوم فإن تفعيل هذه القوة وخروج الناس في مليونيات كل يوم جمعة هو عامل حاسم في تمرير النقاط السابقة، والجماهير الصابرة والمضحية مستعدة لتلبية النداء. كما أن وحدة قوى الحرية والتغيير في المجلس السيادي وعدم اختلافهم هو أساس لنجاح التجربة.
كل الأمل أن يكون السودان هو النموذج والقدوة لأقطار الوطن العربي التي ما زالت تائهة في الطريق ولم تصل بعد الى القرن الواحد والعشرين.
الفجر دائماً قادم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق