لا تنفصل الحروب المتكررة التي تتعرض لها تركيا بتاتا عن التوجه الذي انتحته بالانفتاح باتجاه الوطن العربي والإسلامي والعودة للثقافة الإسلامية بعد طول تغريب، وقد وعى حزب العدالة والتنمية والسيد رجب أردوغان ذلك وراح يؤكد متحديا بان تركيا دولة
مسلمة وان السر وراء الحرب على تركيا هو كراهية البعض للإسلام.
مسلمة وان السر وراء الحرب على تركيا هو كراهية البعض للإسلام.
ومن الواضح أن الكثير من الحروب التي تشتعل في كثير من بقاع العالم مصدرها كراهية البعض للإسلام، وهو ما جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يشير في العديد من الأحاديث الصحفية له بأنه يعتبر “الإسلام” عدوا لأمريكا وانه ينبغي منع المسلمين من دخول هذا البلد ، وراح يؤكد بعد هجوم إرهابي نفذه مسلم “مثلي” ضد ملهى ليلي للمثليين بأمريكا أن رؤيته حول المسلمين تتعزز ، ناهيك عن اعتباره بان وجود 200 ألف لاجئ سوري في أمريكا يعني وجود 200 ألف إرهابي وان ملايين المسلمين جول العالم يحملون الحقد في قلوبهم تجاه أمريكا.
ونفس هذا المعنى ردده مايكل فلين مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي عام 2017 مؤكدا آن الإسلام سرطان خبيث في جسد 1.7 مليار مسلم يجب استئصاله كما تم استئصال النازية والشيوعية من قبل.
وكان الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب قد أعلنها صريحة في تسعينيات القرن الفائت عقب سقوط الاتحاد السوفيتي بأن أمريكا هزمت الفاشية – في إشارة ضمنية لهتلر وموسوليني -، وهزمت الشيوعية، وبقيت الحرب على الإسلام، وذلك قبل أن يخرج مساعدوه ليعلنوا أنها كانت مجرد زلة لسان.
وامتد الأمر إلى مطالبة سياسيين ومشاهير غربيين – وعرب للأسف – بحذف آيات من القرآن الكريم بدعوى التحريض على العنف متجاهلين كتبا مقدسة لديانات أخرى تحمل نفس المعاني، والغريب أن التحريض على الإسلام وصل لدرجة أن البعض تظاهر يجهرون فيها بالإفطار في نهار رمضان، ما جاء كدلالة واضحة أن الحرب التي تشن باسم الحرية هي حرب علي الإسلام في الأساس.
يأتي ذلك رغم كل هذا الاحتراب وسيول الدماء المسلمة التي تنهمر حول العالم وآلاف ساعات البث في آلاف الفضائيات التي تفرغت لهدم الإسلام في النفوس وشيطنة رجال الدين الإسلامي والمتدينين المسلمين دون غيرهم بالدراما والأخبار وصولا إلى برامج الطبخ والرياضة، إلا أننا قد نجد هناك من حسان النوايا يشككون في أن هناك حربا تشن على الإسلام من الأساس، فما بالك لو قلنا لهم أنها أيضا حربا عالمية لا تقل ضراوة عن حربين عالميتين خاضتهما البشرية القرن الماضي.
ومع ذلك لا يفوتنا التأكيد أيضا انه كما يوجد في الغرب من يكرهون الإسلام ويحاربونه، يوجد كثر بينهم من يدافعون عنه أكثر من دفاع المسلمين أنفسهم عنه.
الأمصال الميتة
ومن أنجع وسائل الحرب على الإسلام استخدام فكرة “الأمصال”، وهي تلك التي تستخدم في الطب لمكافحة الأمراض من خلال حقن الخلايا أو الميكروبات الحية بخلايا أو ميكروبات أخرى ميتة فتقتلها.
وتعود أهمية تلك الطريقة لوجود إيمان راسخ لدى خصوم الإسلام استقوه من تجارب التاريخ بأنه دين لا يمكن قهره في مواجهة مباشرة نظرا لعمق تأثيره في نفوس المؤمنين به لدرجة تجعلهم يقدمون حياتهم وأغلى ما يملكون لنصرته دون ندم، وأدرك هؤلاء الخصوم أيضا أن أضمن وسيلة للنصر عليه لا تأتي إلا من أتباعه وممن ينتسبون إليه، لذلك ليس من الصدفة أن يزجر ويضيق الخناق على كل مؤمن محافظ نابه، فيما يفتح باب الإعلام على مصراعيه لكل ناعق مشكك هادم من نماذج تلك الأمصال.
وإمعانا في التضليل تسبغ تلك الأمصال الميتة بصفات تغري الناس بالإنصات إليها بوصفهم من المفكرين المجددين الذين يطرحون أطروحات مقنعة، تبدو لسامعيها منطقية للغاية، رغم أن الثابت أن الأديان عامة لا تقاس شعائرها بالعقل لكونها تتحدث في كثير من فقهها عن غيبيات تفوق قدرات ومقاييس البشر المنطقية والعقلية ولكن يجب الإيمان بها جملة واحدة نقلا لا عقلا.
النزوع الإنساني
ومن الأساليب أيضا، استبدال التعاليم الدينية بالقيم الإنسانية، وخطورة هذا الأسلوب أن الفرق بين هذا وذاك لا يلفت انتباه العامة بسهولة خاصة أن هناك تشابها ظاهريا كبيرا بينهما حتى وإن اختلف الجوهر أو تناقض.
فالزنا مثلا هو فعل محرم في الإسلام وله عقوبة مغلظة، لكن إنسانيا هو علاقة خاصة مرحب بها ولكن يجب فقط سترها، وينطبق على من يخترق هذا الستر عرف “العيب” الذي صار هو الأخر عرفا مهددا بالزوال في مجتمعاتنا.
كما أن أهم فرق بين ما هو ديني وما هو أنساني أن العرف الاجتماعي قابل للتطور والتغير والزوال أما الفقه الديني فثابت لا يمكن تغييره.
ويتم التكريس للنزوع الإنساني كبديل للنزوع الديني في الأعمال الدرامية والفنية “الراقية” والهادفة والتي تحظى باحترام المشاهدين، وفي المقابل فان الأعمال التجارية أكثر وضوحا في عدائها فهي تحطم ما هو ديني وما هو إنساني معا.
ويضاف إلى ذلك محاولة “فتكنة” الإسلام وجعله دينا للسلوك الفردي، ويؤكد مستشرقون غربيون مثل “أرنست رونان” أن الإسلام لا يبقي إلا كدين للمجتمع ـ وانه ولو حصر في السلوك الفردي فسيندثر.
تشويه بيئة الإسلام
وتشمل الحرب أيضا الإساءة إلى كل ما يرتبط بالإسلام من شخوص ورموز وعادات ودول وثقافات ولكن كل ذلك دون الإشارة إليه مباشرة. كأن تهاجم مثلا الشخصيات الرمزية الإسلامية ونصمها بالإرهاب والدموية أو إتباع أساليب الغدر والخيانة أو الولع الجنسي وما إلى ذلك من نقائص، والافتراءات التي طالت صلاح الدين الأيوبي وعمرو بن العاص وأبي هريرة والبخاري ومسلم نموذجا.
وتهاجم أيضا تراث وثقافة العرب – التي هي في الأساس ثقافة الإسلام – واتهامها بالهمجية والتخلف والبداوة وعدم مواكبة الحضارة
وكما أن اعتبار معاناة أوربا من الاستبداد وحكم إمبراطورياتها العضود في القرون المظلمة لا يعبر عن المسيحية، وجب القول إن نظم الحكم المسلمين المستبدة لا تعبر أيضا عن الإسلام الذي سبق الجميع بالحديث عن الشورى والعدل والإحسان.
ولذلك ليس مستغربا أن نصف الهجوم على الدولة العثمانية – كممثلة لدولة الإسلام آنذاك وأحد أهم أسباب بقائه- ووصمها بالتخلف والاستبداد دون الحديث عن الوضع العالمي وما فيه من استبداد أفدح، هو قدح في الإسلام.
وأيضا يتم صناعة تعارض بين القومية العربية والإسلام من خلال أحزاب وحركات تتمسح بالرداء القومي ومع ذلك تحتقر حقيقة ارتباط القومية العربية العضوي بالإسلام وتحتكر الوطنية لنفسها، وفي عكس الاتجاه تقريبا يتم السعي لتخريب علاقة الإسلام بالقوميات الأخرى بمحاولة وصمه بأنه دين العرب لا سواهم، وبعد ذلك تأتي مرحلة تعظيم الاختلافات المذهبية داخل الإسلام وصب الزيت على نارها المستعرة.
المواقع الإباحية
أما عملية إفساد المجتمعات الإسلامية فهي تجري بخطى حثيثة وراسخة من خلال وسائل الإعلام والدراما والإنترنت وغيرها، ووصلت مستوى من النجاح لدرجة أنها أثرت في شرائح واسعة من المجتمع وأقنعتها بأن الانحراف الفكري والسلوكي قد يكون حلا لكثير من المشكلات الحياتية، وتم ذلك بتواطؤ واضح من النظم الحاكمة.
وفي عام 2011 وحيث كان المجلس العسكري يحكم مصر عقب الثورة، ارتفعت أصوات تطالب بحجب المواقع والفضائيات الإباحية فخرج على الفور الخبراء المحمولون على عجالة يؤكدون استحالة ذلك ماليا وتقنيا، إلا أنه في عام 2017 مع ذروة الثورة المضادة حجبت السلطات في أسبوع واحد ما قدره 500 موقع الكرتوني وعشرات الآلاف من صفحات الفيس بوك وتويتر فقط لأنها كانت تعارض النظام العسكري الحاكم، وفي المقابل اختفت أصوات الخبراء المحمولون أو خرجت لتبرر أهمية الحجب، فيما تضاعفت أعداد المواقع الإباحية!
الإسلام يتعرض لحرب ضروس وعلى كافة الأصعدة لكن أخطر ما فيها أن المسلمين أنفسهم لا يعتقدون أن هناك حالة حرب على دينهم.
دولة الخلافة
وفي الأصل ، كانت الحدود الجغرافية الفاصلة بين مناطق تواجد شعبنا العربي أو أمتنا الإسلامية، هي نتاج لجريمة شنعاء ارتكبها ألد أعدائنا فينا بغية إذلالنا وتركيعنا وتمزيق وطننا الكبير ، وقطع أرحمنا وتفريق وحدتنا ، ثم قاوم أجدادنا بكل عزم هذه الفتنة الكبرى بوصفها عملا يتنافى مع مبادئ الوطنية وتعاليم الدين التي تلزمهم بأن المسلمين أمة واحدة، إلا أنهم هزموا، ففرضت تلك الحدود عليهم فرضا ، وكانوا يكنون لها كل الأسف والإنكار ولكنهم مع مرور الوقت اعتادوا عليها حتى جاء الوقت الذي يقيسون فيه الوطنية بمدى تقديس تلك الحدود، بل أصبح الانتماء لها أهم من الانتماء للجنس والعرق والدين والثقافة، ثم مع زيادة انحطاط عصر الانحطاط ، تبدلت المعايير وأصبحت الوطنية هي أن تقدس تلك الحدود تارة وتبرر بيعها وإهدائها وإيجارها تارة أخرى، تماما كما يفعل الوثني الذي يصنع إلها من العجوة ليعبده وحينما يجوع يأكله.
وعموما لو كان هناك فضل لأحد بعد الله في بقاء حضارة الإسلام لكان للدولة العثمانية حتى وان كانت تعبر عن حكم عضود لا يمثل مبدأ الشورى الإسلامي، فهي ظهرت في عزم تساقط الممالك الإسلامية كأعشاش القش أمام جحافل المغول القادمين من الشرق ، وسيول المتطرفين الصليبيين القادمين من الغرب والذين أبادوا كل مظهر للحياة في طريقهم في تلك الأثناء، كما أنها في ظل انحسار العالم الإسلامي وفقدانه الملايين من شعبه وأراضيه كانت الدولة العثمانية هي من تجهض العدوان تارة وتدعو للإسلام تارة في زمن كان كل شيء فيه يؤخذ اغتصابا.
شعارات الوحدة
ولأن الشعوبية هي الوضع المثالي بما فيها من ضيق أفق وانتهازية ونفاق لتمكين الإمبريالية واستخدامها كبديل عن الانتماء للوطن للأوسع والأعم توجب صناعة مرحلة وسيطة يتم خلالها نقل الناس لحالة الضيق وذلك عبر نقلهم من الانتماء لدولة الإسلام التي اعتادوها كما كان في الدولة العثمانية , ولو ظاهريا – والتي انهارت بفعل الضربات الغربية في الحرب العالمية الأولى وتغلغل جواسيسه في داخل الجيش التركي وخيانة قادة الحلفاء المسلمين العرب – إلى الدولة القومية وهى الأصغر قليلا ثم استمر التقزيم وصولا للأمة الشعب وربما الأمة المدينة في الطريق.
وينبغي هنا التأكيد أن الدولة القومية تلقي قبولا في قلوب العرب وعقولهم نظرا لاعتزازهم المعروف بأسلافهم، إلا أن هذا النوع من الدول لم يكن أيضا مسموح به إمبرياليا أيضا بدليل ما جرى فيما بعد مع صدام حسين في العراق، ولكن تم استدعاء طيفه وإفشاله ليؤدي انتقالا ناجحا للشعوبية.
لذلك فليس عيبا أن تحن كعربي إلى الوحدة العربية والعودة لحدود ما قبل سايكس بيكو، وهو ما تعلمناه في المدارس واعتبرنا أن إنشاء الجامعة العربية عام 1946 بمثابة اللبنة الأولى لها، وليس عيبا أيضا أن تحن كمسلم لدولة الخلافة الإسلامية التي اختزلنا كل تاريخها الذي استمر 6 قرون حامية للإسلام والمسلمين في العالم في نصف القرن الأخير منه، والذي بدأت فيه تنهار حينما اتبعت سياسة “التتريك” عبر الجمعية المشبوهة “الاتحاد والترقي”.
رغم أن تلك الدول هي شجعت عبر الممثل السامي للاتحاد الأوربي “كاثرين أشتون” الانقلاب على الرئيس المنتخب في مصر، وهي من غضت الطرف عن جميع جرائمه وراحت تدعمه بكل ثقل لها.
هم لماذا يكرهون الدولة العثمانية دون كل الدول التي كانت قائمة آنذاك؟ هل لأنها مثلا كانت دولة غير ديمقراطية؟ إذن فليدلني أحدهم على اسم دولة واحدة كانت تعتمد الديمقراطية في هذا الوقت، وهل كانت فرنسا دولة ديمقراطية وهي تجتاح العالم وترتكب المجازر بحق شعوبه وقومياته وتخيرها بين الموت أو اعتناق دينها والتزام ثقافتها؟ هل كانت بريطانيا العظمى التي لا تغيب عن مستعمراتها الشمس دولة ديمقراطية؟ هل كانت الإمبراطورية الروسية دولة ديمقراطية وهي تستذل الشعوب المسلمة وتمسح هوياتهم وديانتهم؟
هل كانوا يكرهون الدولة العثمانية لأنها كانت إمبراطورية وراثية؟ فهل كانت هناك غير تلك النظم، جميع نظم الحكم كانت ممالك آنذاك إلى أن تفجرت الثورة الفرنسية لتتحول بعدها فرنسا إلى جمهورية ولكن وراثية!؟
يقولون إنها كانت دولة غير ديمقراطية، ولم يقولوا لنا أن كل نظم الحكم آنذاك لم تكن تعرف الديمقراطية، ويقولون إنها كانت إمبراطورية تخضع عددا من الشعوب والقوميات المختلفة تحت لوائها، ويتجاهلون أنها كانت مظلة لشعوب وقوميات مسلمة تكن لها الولاء والاحترام، ويتجاهلون في الوقت ذاته الإمبراطوريات الغربية التي كانت تناصبها العداء والتي استذلت شعوب الأرض وقتلتها ونهبت ثرواتها وأجبرتها على اعتناق دينها وتبني ثقافتها.
يقولون إنها كانت دولة متخلفة، مع أن أوربا لا الدولة العثمانية هي التي عاشت طيلة قرون ما يعرف بعصور الظلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق