تتعالى أصوات من داخل إعلاميي النظام الحاكم حاليا في مصر تردد أن غالبية أعضاء نقابة الصحفيين المصريين حاليا ليسوا بصحفيين حقيقيين، وأنهم حصلوا على عضوية النقابة حينما كانت حكرا لتيارات سياسية معينة كاليساريين والإخوان المسلمين حينما كانت شخصيات منهم تهيمن على النقابة في فترات سابقة، ومؤخرا قال
أحد هؤلاء في برنامجه على احدى الفضائيات أن 80% من صحفيي مصر ليسوا أصلا بصحفيين.
أحد هؤلاء في برنامجه على احدى الفضائيات أن 80% من صحفيي مصر ليسوا أصلا بصحفيين.
ورغم أن الإعلامي صدق في جزء من كلامه، إلا أنه على الأرجح لم يكن يقصد هؤلاء منتحلي الصفة، ولا الذين حصلوا على عضوية النقابة بالواسطة والمجاملة وأحيانا بالرشوة، ولا من دست بهم الأجهزة الأمنية بين الصحفيين، ولكنه قصد هؤلاء الذين لديهم مواقف سياسية وفكرية مناوئة للسلطة، وهو في الحقيقة الدور الواجب على الصحفي الحقيقي كمراقب للمجتمع وناقل لنبضه وليس كموظف لدي السلطة ومهلل لإجراءاتها.
معركة سلم النقابة
والحقيقة أن هناك فعلا أعدادا كبيرة من أعضاء نقابة الصحفيين ممن لم يكتب أحدهم خبرا أو مقالا في حياته المهنية كلها، بل أن كثيرا منهم لا يجيد حتى القراءة والكتابة بشكل لائق بممتهن تلك المهنة، لكن السبب في هذا الخلل لا يعود كما تريد أبواق السلطة إيهامنا لفساد المعارضة، ولكن إلى فساد السلطة التي أرادت في لحظة ما، وفي خطوة غير مسبوقة، منح قطاعا كبيرا من المرشدين الأمنيين عضوية تلك النقابة مع مجموعات أخرى من “المشتاقين” و”السبوبجية”، من ثم مواجهة متظاهري سلم النقابة الذين صاروا شوكة في قلب رأس السلطة تسبب لها إحراجا عالميا بالغا بسبب قلة أعداد مناصريه من هذه الفئة التي دائما ما تجذب أنظار الرأي العام العالمي.
وبالتالي فإن الزج بتلك المجموعات الدخيلة يمكنها مع زيادة أعدادها انتزاع هذا السلم وتحقيق التوازن ليصبح لمبارك أعداد كبيرة من الصحفيين المؤيدين، وان ليس كلهم من المعارضين له، وأن الجميع كمؤيدين سواء أو معارضين يتظاهرون بحرية تامة
ونجم عن هذا سيادة نمط ذلك الصحفي الذي يحفل سجل حياته المهنية بكل ما هو مدح وإنشاد وتطبيل للسلطة في كل شيء وعلى أي شيء، فيكره ما تكره ويحب ما تحب، وينفذ ما تريد، ويدعو لما تدعو، وللأسف فان هذا النوع من الصحفيين “المحمولين جوا للمهمات الوطنية العسيرة” هو من يسيطر على المناصب القيادية في هذه المهنة، بينما الموهوبين بلا عمل.
ديمقراطية مشبوهة
حدث ذلك في مواجهة الغضب الذي كان يحتدم شعبيا وحتى داخل بعض الجهات السيادية للدولة التي كانت تخشى من قيام مبارك بنقل السلطة فعليا لابنه جمال الذي كان يحكمها بالفعل سرا، وتفويت ما تعتبره حقها الذي ورثته من السابقين في احتفاظها بكرسي الرئاسة والجهات والوزارات المتنفذة، ومن المرجح أن ما جرى في نقابة الصحفيين جرى أيضا في العديد من النقابات لا سيما النقابات المهنية.
لكن ماذا جرى؟
كان المشهد قبل عام 2005 لا يحوي في مصر إلا صحيفتين أو ثلاثة صحف خاصة، يتمتع بعضها بهامش يجيز لها انتقاد الخفير و”مكتب” الوزير، في عمليات كانت موجهة امنيا في الغالب لإعطاء صبغة أجواء الحرية الصحفية، ومن أجل إلهاء الناس بنزاعات مفتعلة، ثم مع اتساع رقعة الرفض الشعبي للسلطة المستبدة توسعت رقعة الانتقاد المسموح به لتشمل الوزير وحتى رئيس الوزراء، ثم عمدت السلطة إلى اصطياد عدة عصافير بحجر واحد وهي فتح باب إنشاء الصحف الخاصة والحزبية بشروط ميسرة، وهو ما يمكنها من استغلال الإجراء دعائيا للتدليل على اتساع سقف الحريات الصحفية والعامة في مصر على نقيض ما يروج له المعارضون، لكنها تستغل ذلك سرا في تأسيس أعداد كبيرة من الصحف لتكون سببا في قيد ألاف الموالين لها في نقابة الصحفيين وما أن أنجزت المهمة حتى توقفت تلك الصحف بزعم التعثر.
كان الصحفيون يتندرون أن هناك صحفا قيدت إعدادا من الصحفيين المزعومين بنقابة الصحفيين أكثر من عدد النسخ التي طبعتها تلك الصحف منذ صدورها، وأن هناك صحفيين ترقوا في مؤسساتهم بشكل تخطى الجميع رغم ضحالة فكرهم وقلة ثقافتهم، كما أن هناك صحفيين أخرين لم يعرفوا إلا بقدرتهم العجيبة على تعيين الناس في المصالح الحكومية وقضاء حاجيات يصعب قضائها والأغرب هو تودد المسئولون لهم!
واستمر النظام الحالي على نهج سابقه، فبنظرة سريعة على تطور أعداد الصحفيين المقيدين بجداول النقابة ستكتشف أنها قفزت في السنوات العشر الأخيرة لتقترب من ضعفي العدد الذي كانت عليه طوال تاريخها، فيما تناقصت أعداد الصحف الصادرة وصار غالبية الصحفيين بلا عمل أو يعانون من بطالة مقنعة خاصة في الصحف القومية.
لكن ما يخيفني أن تكون تصريحات إعلاميي النظام تلك هي تمهيد لخطوات ضد الصحفيين المفصولين والذين هم بلا صحف والمعارضين بحجة أنهم صحفيين دخلاء على المهنة رغم أن حبهم للمهنة هو من جعلهم كذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق