أعلن الرئيس الأمريكي دونلد ترامب منذ أيام قراره بسحب القوات الأمريكية من سوريا بداية العام الجديد وأسند القيام بالدور الأمريكي في الجزيرة العربية لتركيا حيث قال : لقد ناقشت مع الرئيس التركي مشكلة تنظيم «داعش» ، ومشاركتنا المتبادلة في سوريا ، والانسحاب البطيء والمنسق للغاية للقوات الامريكيه من المنطقة. وألمح ترامب أن تبادل الأدوار ليس مجانيا قال . ناقشنا أيضا التوسع الكبير في التجارة. وعقب إنه سيكون الرئيس الأشهر والبطل الأعظم عند الأمريكيين بفضل قرار الانسحاب هذا .معقبا : نحن عائدون إلى البيت ؟ ولكن ما جدوى الانسحاب من الشرق الأوسط الآن وترك روسيا لتتسيد الشرق ؟ إن إدارة ترامب قد منيت بهزات عنيفة من فضائح سياسية وأخلاقية فكان لا بد من إلهاء الرأي العام الداخلي بقضية ساخنة ذات أبعاد إعلامية لتفادي عزل ترامب . ورود تقارير استخباراتية تحمل في طياتها تهديدات خطيرة للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط بداية العام الجديد ستزيد من حرج إدارة ترامب المهتزة إن حدثت . إلهاء الرأي العام عن الركود الاقتصادي الذي تعاني منه إدارة ترامب وما ستسببه من خلق فوضى وأوضاع كارثية في حياة المواطن الأمريكي . ولكن لقرار الانسحاب تداعيات خطيرة على مستقبل أمريكا والشرق الأوسط . ففكرة الانسحاب تعد اعترافا صريحا من الإدارة الأمريكية بالفشل في الحفاظ على نفوذها في الشرق الأوسط ، ولا أدل على ذلك من عجزها عن تشكيل الحكومة العراقية وخاصة وزارتى الدفاع والداخلية بحيث تكونان موليتان لها وكذلك عجزها عن التدخل في تشكيل الحكومة اللبنانية مما عزز من نفوذ حزب الله ، وهو بالقطع يهدد وجود القوات الأمريكية في سوريا . فقرار الانسحاب من وجهة نظر ترامب قد يحمي القوات الأمريكية من خطر الهجمات الإيرانية في العراق وسوريا ، خاصة وأن الخناق يضيق على إيران فلا مفر لهم من افتعال أزمة عسكرية وشيكة في لبنان للتفاوض حول العقوبات المفروضة على طهران. ولكن لماذا تفتعل إيران حربا في هذا التوقيت وقد تنسحب القوات الأمريكية ؟ إن الدولة الشيعية في طهران قد زادت الأمور تعقيدا لديها بالعقوبات التي تفرضها عليها الأمم المتحدة وأمريكا ، وكذلك بفعل الاضطرابات لتردي الأوضاع الاقتصادية والثورة المكبوتة في نفوس الشباب الإيراني والأقليات التي تشكل شوكة في ظهورهم ، وإصرار إيران على إدارة الصراع في سوريا واليمن والبحرين ولبنان والبحرين وكذلك ملفها النووي الذي بات حقا على المحك وقد بدأت بوادر الأزمة في الظهور فقد كشف مركز الإحصاء الإيرانى أن معدل التضخم فى إيران قفز إلى 34.9% فى شهر نوفمبر الماضي بسبب العقوبات الأمريكية.وسبق وأن هدد سفير إيران في العراق الحكومة والشعب العراقيين بمواجهة عدة مشكلات في حال قررت الالتزام بالعقوبات الأميركية على بلاده قائلا :إن المشكلات الناجمة عن تلك العقوبات "لن تقتصر على إيران وحدها" ، كل هذا الكم من العقبات لا يجعل أمام الإيرانيين خيار سوى الحرب كضرورة لفرض وضع على الخليج بالقوة ، فقرار وقف تصدير النفط الإيراني سيدمر الحوزة الشيعية في طهران فليس أمام طهران غير الصين وأوربة لينقذاها من هذه العقوبات الخانقة ، أو شن حرب سريعة محدودة في المنطقة العربية تجبر العالم على الرضوخ لطلباتها ، وفي حالة حدوث مواجهة عسكرية شيعية سنية في المنطقة بقيادة إيران فإن كيانات ودول بأسرها ستتزلزل من جراء هذا الصدام المروع ، فكان لزاما على أمريكا الفرار من هذا الجحيم القادم . يبقى الدور التركي الذي قررت أنقرة أن تلعبه في سوريا نيابة عن أمريكا ، فتركيا الطموح للقضاء على الأكراد في سوريا غاب عنها أنه باتحادهم مع الأكراد لا إبادتهم يستطيعان تكوين أكبر حلف في الخليج العربي لأنهما دولتان سنيتان من عرق واحد وأن الحلف الذي لن يتم يحمي الحدود التركية ويوفر للترك دعم لوجيستي بثمن بخس ، فالنظرة التركية نظرة تعتمد على غطرسة القوة لا التعقل وعدم النظر للمستقبل بنظرة شمولية ، وقد بدأ الكيان الصهيوني في المراهنة على إرهاق تركيا في المواجهة ولا نستبعد ضلوعهم لإشعال الفتنة التي ربما تودي بهم هذه المرة فوزيرة العدل الصهيونية تقول : آمل بأن ينتصر الأكراد في حربهم ضد الأتراك، وآمل أن يمنع المجتمع الدولي أردوغان من قتل الأكراد. ، ولن يشفع لتركيا حالة نشوب حرب مغازلتها إيران على استحياء فقد صرح رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، أن "تركيا تعتبر أي مشلكة تتعرض لها إيران مشكلتها الخاصة". !! وبالعودة لترامب فربما كان مستقبلة السياسي قد بات حقا قاب قوسين أو أدنى من النهاية خاصة وأن الأسواق الأمريكية والعالمية تحبس أنفاسها فيستعد المستثمرون والشركات لمخاطر 2019 مثل رفع أسعار الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي وتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين نظرا لتعثر الوضع الاقتصادي الأمريكي سيؤدي لأوضاع اقتصادية كارثية على العالم ، وشبح الحرب في الخليج سيضاعف الأزمة. ترى ماذا يحمل العام الجديد في طياته من مغامرات ومقامرات للشرق العربي والاقتصاد العالمي في ظل ضبابية الرؤية من الأنظمة الدولية لمستقبل الشعوب ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق