15 ديسمبر 2018

محمد سيف الدولة يكتب: قل دولة نامية ولا تقل متخلفة

Seif_eldawla@hotmail.com

مرة أخرى يوجه السيد رئيس الدولة اهانة للمصريين ويقلل من ِشأنهم!
فمرة يهينهم كمصريين؛ فيصف مصر بشبه الدولة، وان احنا فقرا قوى. ويشبه الجيش المصري مقارنة بالجيش الإسرائيلي عام 1973 كالسيارة السيات بالنسبة الى السيارة المرسيدس، ويصف قرار الحرب بما يشبه الانتحار، وبان ما حققناه فى الحرب كان اقصى ما يمكن ان نحققه. أو يقول عن مصر انها لا تستطيع ان تفعل شيئا لفلسطين؛ فعلينا ان نعمل ونكبر علشان يبقى لنا تأثير وكأن مصر دولة صغيرة. وكذلك ما قاله فى المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى ماكرون فى اكتوبر 2017 ردا عن سؤال حول حقوق الانسان فى مصر حين قال "نحن لسنا فى اوروربا بتقدمها الفكرى والثقافى والحضارى".
***
ومرة أخرى يهينهم كمسلمين، فيصفهم بانهم ((أصبحوا يحملون سمعة سيئة في العالم .. ويريدون ان يقتلوا باقي شعوبه لكى يعيشوا هم .. امة فكرها مبنى على الحرب.. على الاقل فى المائتين سنة الماضية فهمها لدينها ان الحرب هى الاصل والاستثناء هو السلام...هل من المعقول ان يكون هناك فهم دينى كده؟))
***
اما هذه المرة فلقد قام باهانتهم كأفارقه، ووصفهم مع باقى الشعوب الافريقية بالدول المتخلفة، التى لا تستطيع ان تجارى الدول المتقدمة، والتى لا تستطيع ان تفكر او تخطط مثلهم وليس لديها كوادر على مستوى كوادرهم.
***
واذا تجاوزنا الخصوصية شديدة الحساسية لحالة افريقيا التى عانت دون غيرها من قارات العالم من ويلات العبودية على ايدى الرجل الابيض والتى راح ضحيتها عشرات الملايين من الافارقة اثناء عملية نقلهم الى الاسواق الامريكية والاوروبية، وما عانوه ولا يزالوا من تفرقة عنصرية هناك حتى يومنا هذا.
اذا تجاوزنا ذلك فاننا سنجد انفسنا امام ذات النظرية التى تبنتها جحافل الاستعمار الغربى لتبرير احتلالها لاوطان الاخرين، وابقاءها تحت الاحتلال لعقود وقرون طويلة، نظرية عنصرية تقول: ((لقد استعمرنا بلادكم يا ايتها الشعوب المتخلفة من اجل ان نساعدكم على التقدم والنهضة، فتخلفكم لا يؤهلكم لان تحكموا انفسكم))
قالها اللورد كرومر صراحة فى مستهل كتابه "مصر الحديثة" حين كتب قائلا: ((مصر تعانى من الجهل والانحطاط والتبديد والاسراف وكلها امور شهيرة فى الشرق وكلها امور اوصلت سيادتها وسلطانها الى حافة الانهيار.)) وقال فى موضع آخر ((ان الدقة كريهة بالنسبة للعقل الشرقى بينما .. الاوروبى ذو محاكمة عقلية دقيقة ويعمل ذكاؤه المدرب مثل آلة ميكانيكية. اما عقل الشرقى فهو على النقيض (صوريا) .. ومحاكمته العقلية من طبيعة مهلهلة الى اقصى حد .. خذ على عاتقك ان تحصل على تقرير صريح للحقائق من مصرى عادى، وسيكون ايضاحه بشكل عام مسهبا، ومفتقرا للسلاسة. ومن المحتمل ان يناقض نفسه بضع مرات قبل ان ينهى قصته .. ان الشرقى بوجه او بآخر وبشكل عام يتصرف ويتحدث ويفكر بطريقة هى النقيض المطلق لطريقة الاوروبى))
وقالها بلفور: ((ان الامم الغربية فور انبثاقها فى التاريخ تظهر تباشير القدرة على حكم الذات... لانها تمتلك مزايا خاصة بها.. ويمكنك ان تنظر الى تاريخ الشرقيين باكمله فيما يسمى، بشكل عام، المشرق دون ان تجد أثرا لحكم الذات على الاطلاق .. نحن فى مصر لسنا من اجل المصريين وحسب، مع اننا فيها من اجلهم؛ نحن هناك ايضا من اجل اوروبا كلها.))
ولا يزال هناك كثيرون منهم يرددون ذات المعانى حتى يومنا هذا.

***
الازدراء والعنصرية:
هذا بالاضافة الى ان فى وصف اى انسان او مجتمع بشرى سواء كان شخصا طبيعيا او اعتباريا بالتخلف، معانى العنصرية والاحتقار والتحقير والازدراء والتشويه والاهانة والاستهانة، لذلك أجمع علماء النفس على صك وصياغة واستخدام مصطلحات مثل ذوى الاحتياجات الخاصة.
وحذا حذوهم فى ذلك اساتذة علوم الاجتماع والاقتصاد والتنمية الذين صكوا وصاغوا مصطلحات "الدول النامية او دول الجنوب او دول العالم الثالث"، لوصف تلك الدول التى عانت لعقود او قرون طويلة من الاستعباد الاستعمارى ونهب الثروات، فتراجعت مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والتكنولوجية عن عديد من الدول الاخرى وبالاخص الدول الاستعمارية التى نهبت باقى شعوب العالم.
***
ولقد اجمع كل الباحثين الوطنيين فى بلادنا وفى كل بلدان الجنوب وكذلك الأكاديميين الموضوعيين فى كل بلاد العالم على التركيز دوما على دور الاستعمار فى اعاقة تقدم وتطور الشعوب والامم والدول من ضحاياه، حين يتصدون لتناول ودراسة وتحليل الفروق بين دول العالم فى المجالات المختلفة. وكذلك حين يتناولون ادوات ومؤسسات الاستعباد المالى الحالية والمعاصرة التى لا تزال تمتص دماء شعوبنا كالبنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمة التجارة العالمية، ولدينا فى مصر مفكرون وعلماء ابدعوا من النظريات العالمية لتفسير قوانين الاستغلال والنهب الراسمالى العالمى، اشهرهم المفكر الماركسى الراحل سمير امين مبدع نظرية "المركز والاطراف."
***
العزة والفصاحة:
لقد قال الرئيس ((اننى اقول ذلك عن الافارقة وانا واحد منهم، حتى لا يغضب منى احدا.))
ولكنى لا أظن أن الانتماء الى ذات الشعوب والجماعات يعطى تصريحا باهانتها، فللخطاب العام وللتحليلات والتوصيفات السياسية لغتها ومفرداتها الدقيقة التى يجب انتقائها بدقة وعناية، حتى تبعث الرسائل المطلوبة وتؤدى الغرض بدون ان تهين او تجرح أحد وهو ما يسمى بالفصاحة والبلاغة.
بل أن العكس تماما هو المطلوب؛ فعادة ما يلجأ رؤساء الدول وزعمائها وقادة الرأى العام فيها الى صياغة وتقديم خطاب سياسى وثقافى يبث العزة والثقة بالنفس بين الشعوب ويشيد بتاريخها وبقيمها وبهويتها الحضارية وبمساهماتها فى تطور البشرية وارتقاءها.
***
وأخيرا ماذا يمكن ان يفعل المرء اذا تعرض لاهانة من رئيس دولته؟ بكل ما يملكه من ادوات واجهزة القمع والعقاب التى نراها، خاصة اذا كان يكره كل ما يتعلق بالحريات وحقوق الانسان كما يصرح على الدوام، ويعتبر ان اى رأى معارض له يهدد الدولة المصرية ويعمل على هدمها.
هل مطلوب منا أن نبلع هذا الاهانات فى صمت خوفا من بطش السلطة؟ ام علينا أن نوكل أحد المحامين لتقديم بلاغ الى النائب العام على غرار عشرات البلاغات التى يقدمها محامو السلطة ضد المعارضة ليل نهار؟
ام انه لا يسعنا سوى التحذير بأعلى صوتنا، بأن كفى اهانة لهذا الشعب الكريم، فهذا كلام لا يليق بمصر ولا بدول الجنوب من ضحايا الاستعمار الغربى، سواء كانوا مصريين او عربا او مسلمين أو أفارقة.
*****
القاهرة فى 15 ديسمبر 2018

ليست هناك تعليقات: