24 يونيو 2018

محمد سيف الدولة يكتب: ليس لصفقة القرن اى علاقة بفلسطين


الذين يشغلون بالهم ليلا نهارا بالبحث والتفتيش والحديث عن خفايا وأسرار صفقة القرن، ويقدمون التحليلات والتكهنات ويهرولون وراء الشائعات، لا يقتربون من الحقيقة من قريب او بعيد.
فالصفقة لا تخص فلسطين ولا تتضمن بناء أى نوع من السلام الفلسطينى الاسرائيلى، ولا تتضمن بناء دولة فلسطينية على أى جزء من الضفة الغربية أو على أى جزء من سيناء او غيرهما، ولا تطرح "ابو ديس" بديلا عن القدس الشرقية، ولا تتحدث عن تبادل الاراضى، ولا تعنيها فلسطين من قريب ولا بعيد. حتى لو ورد كل ذلك فى ثرثرات مسئولين امريكان او صهاينة او عرب.
الصفقة ببساطة وباختصار هى دمج اسرائيل فى المنطقة بدون ان تعطى أى شئ للفلسطينيين، من اجل بناء وتأسيس علاقات سلام وتطبيع عربى اسرائيلى لمواجهة "اكذوبة المخاطر المشتركة" فى المنطقة المتمثلة فى ايران وداعش والاسلام الراديكالى المتطرف كما صرح بذلك ترامب ونتنياهو عشرات المرات.
ان صفقة ترامب لا تعدو ان تكون تحقيقا لحلم (اسرائيل) القديم بتحرير علاقاتها مع الدول العربية من المسألة الفلسطينية.
***
كما انه بالعقل وبالمنطق، لماذا تقبل (اسرائيل) بأى صفقة، تضطرها الى التنازل ولو عن شبر واحد من الضفة الغربية، وهى التى تستطيع ان تبتلع مزيد من اراضيها كل يوم؟
ما هى القوة أو الدوافع أو المكاسب او الضغوط أو الأطراف التى تدفعها الى ذلك؟ فى ظل حالة الوهن أو التواطؤ العربى الرسمى، التى عبر عنها بوضوح رئيس أكبر دولة عربية، حين قال "ليس بوسع مصر اليوم أن تفعل شيئا فى مواجهة القرار الأمريكى، لازم نشتغل ونكبر لكى يكون لنا تأثير".*
***
أما هذه الزيارات واللقاءات والتصريحات والدعايات التى تطلقها الشخصيات والوفود الامريكية كل يوم، فليس لها هدف سوى تمهيد الراى العام العربى لانسحاب رسمى عربى كامل من اى دعم لفلسطين، والتطبيع الكامل مع (اسرائيل) تحت ذريعة ((ها نحن قد حاولنا ان نجلب لكم شيئا ولكنكم رفضتم، فحلوا عنا واذهبوا انتم وقضيتكم الى الجحيم.))
وهو نفس السيناريو الذى قامت به مصر فى مفاوضات كامب ديفيد عام 1978، حين عقدت اتفاقيتين منفصلتين احداهما اتفاقية حقيقية تخص مصر، والثانية ورقة صورية تخص فلسطين وتعطى سكان الضفة الغربية وغزة نوعا من الحكم الذاتى تحت الاحتلال الاسرائيلى، وهو ما رفضه الفلسطينيون جميعا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فاتخذتها الادارات المصرية المتعاقبة منذئذ ذريعة للانسحاب التام من اى مسئولية لتحرير فلسطين ومن يومها والاعلام الرسمى المصرى، يعاير الفلسطينيين بأنهم قبلوا عام ١٩٩٣ ما سبق وجلبه لهم السادات عام ١٩٧٨ ورفضوه.
وهو سيناريو كان معروفا ومتوقعا، حيث أن فلسفة اتفاقيات كامب ديفيد وغايتها الاساسية هى انسحاب مصر من الصراع العربى ضد (اسرائيل) ومشروعها الصهيونى.
***
وحيث ان تكرار هذا السيناريو اليوم، لتمرير التحالف العربى الاسرائيلى الجديد وتمزيق مبادرة السلام العربية الصادرة عام 2002، يتطلب رفضا فلسطينيا قاطعا يتم شيطنته والتشهير به عربيا لاظهار الموقف الفلسطينى بمظهر المتصلب الذى لا يريد حلا، والذى يضيع الفرصة تلو الأخرى من يديه... فكان لابد من وضع السلطة الفلسطينية واى فصيل أو مسئول فلسطينى فى موقف يجبرهم على الرفض القاطع.
وهناك جاء توقيت قرار نقل السفارة الامريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة موحدة لاسرائيل، ليستهدف بالأساس عزل الموقف الفلسطينى عن الموقف الرسمى العربى التابع على طول الخط للادارة الأمريكية، والذى على استعداد لبيع ألف فلسطين من اجل رضا وحماية ودعم الأمريكان للعروش العربية.
***
ولقد كان اول من نادى بضرورة دمج اسرائيل فى المنطقة، هو عبد الفتاح السيسى على هامش مشاركته فى اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة عام 2015، حين صرح بالنص الصريح باهمية توسيع السلام مع اسرائيل، من اجل مكافحة الارهاب الذى يهدد الجميع، فى اول تصريح لمسئول عربى يفصل بين السلام مع اسرائيل وبين اقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.
وهو ما اعقبه مباشرة قيام كل من نتنياهو ومجلس الوزراء الاسرائيلى بتوجيه رسالة شكر رسمية لرئيس الدولة المصرية.
***
ولقد سبق أن طرحت ذات المعنى فى مقال قديم بعنوان"سلام ولكن بدون فلسطين"**نشرته فى فبراير 2017 واستشهدت فيه بالورقة التى اعدها مستشار الامن القومى الامريكى المستقيل" مايكل فلين" هو وفريق عمله، والتى تتحدث عن تأسيس منظمة جديدة باسم ((منظمة اتفاقية الخليج والبحر الأحمر)) لتكون بمثابة حلف عسكرى جديد تحت قيادة الولايات المتحدة الامريكية وعضوية مصر والسعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان والأردن، تحتل فيها اسرائيل صفة المراقب، وتكون لها ثلاثة أهداف محددة هى القضاء على داعش، ومواجهة ايران، والتصدى للإسلام المتطرف. وهى بمثابة إتفاقية دفاع مشترك، يكون الإعتداء على أى دولة عضوا فى المعاهدة، بمثابة إعتداء على الدول الأعضاء جميعاً، كما ورد بالنص فى الورقة المذكورة.
***
خلاصة القول أن معركتنا الحقيقية اليوم، ليست الهرولة والتيه وراء الثرثرات والتسريبات الزائفة والمغرضة للادارات الأمريكية والاسرائيلية والعربية حول ما يسمى بصفقة القرن، وانما هى التصدى بكل ما لدينا من صلابة وامكانيات لكل ترتيبات التطبيع والتحالف العربي الاسرائيلي الجارية اليوم على قدم وساق.
*****
الروابط:



القاهرة فى 24 يونيو 2018

ليست هناك تعليقات: