29 أبريل 2018

محمد سيف الدولة يكتب : هل السلام فى وجدان المصريين؟

Seif_eldawla@hotmail.com
لا اتصور ان هناك مفكرا أو كاتبا او مثقفا او سياسيا فى مصر أياً كانت مرجعيته الفكرية او السياسية يجرؤ على ان يعقد ندوة يصرح فيها بان السلام مع (اسرائيل) فى وجدان المصريين. ولكن السيسى فعلها!
وقالها صراحة فى الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة المنعقدة يوم السبت 28/4/2018 حيث قال بالنص:
(( بعد 1967 .. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لاسرائيل) واستعداد للقتال للآخر (حتى آخر مدى) ..مكانش فيه حد فى المنطقة وفى مصر يقبل بمبادرة السلام ال الرئيس السادات طرحها...مكانش حد كتير مؤمن بفكرة السلام ساعتها...
مكانش حد شايف ال شايفه الرئيس السادات وهو بياخد القرار ده...
كان السادات لوحده......احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى اخر وحالة جديدة فى نفوس الناس هى حالة السلام والتشبث به))
وهذا هو رابط كلمته على اليوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=WZXN9pZ_XhQ
***
ليست هذه هى المرة الاولى التى يردد فيها السيد عبد الفتاح السيسى هذا الكلام، فلقد كرره كثيرا من قبل، كانت المرة الاولى خلال حملته الانتخابية الاولى عام 2014 حين قال فى اجتماعه مع عدد من الاعلاميين
أن ((معاهدة السلام استقرت فى وجدان المصريين.. وأنه لا يوجد عبث فى هذا الكلام))
..........
ولقد قمت حينها بالرد عليه فى مقال بعنوان " بل هو سلام بالاكراه" قلت فيه :
عن أى سلام وأى وجدان وعن أى مصريين تتحدث ؟
المصريون يعلمون جيدا أنه سلام بالاكراه، بدأ باحتلال سيناء بالقوة، وصمت مجلس الأمن، وتدخل الأمريكان ضدنا فى حرب 1973 لسرقة النصر، وإرغامنا فى 1974 على انسحاب قواتنا التى عبرت، وإكراهنا على توقيع هذه المعاهدة المُذِلة التى لا تمت للوطنية بصلة :
·فمعاهدة تعترف باسرائيل، وبحقها فى الأرض التى يعرفها المصريون بانها فلسطين، لا يمكن أن تكون فى الوجدان المصرى،
·ومعاهدة تخرج مصر من قيادة النضال ضد المشروع الصهيونى الذى يهدد مصر والأمة العربية كلها قبل أن يهدد فلسطين،
·ومعاهدة تحرم الشعب المصرى من حقه فى فرض سيادته الكاملة على أرضه، فتجرد ثلثى سيناء من القوات والسلاح، لا يمكن أن تكون فى وجدان أحد،
·ومعاهدة تنحاز الى الامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى، فتعطى لاسرائيل الحق فى ان تضع دباباتها على بعد 3  كيلومتر من الحدود المصرية، وتجبر الدبابات المصرية ان تكون على بعد 150 كيلومتر من ذات النقطة،
·ومعاهدة تلزمك باستئذان اسرائيل والتنسيق معها كلما اردت ان تزيد عدد قواتك فى سيناء المصرية، ولا تلزمهم بالمثل،
·ومعاهدة استبدلت الاحتلال الاسرائيلى بقوات اجنبية أمريكية وأوروبية لا تخضع للأمم المتحدة، تحت قيادة وزارة الخارجية الامريكية، لا يمكن ان تكون فى وجدان اى وطنى،
·ومعاهدة وضعت الامن القومى الاسرائيلى فوق الامن القومى العربى، وأعطت لنفسها الاولوية على اتفاقيات الدفاع العربى المشترك،
·ومعاهدة قيدت السياسة الخارجية المصرية وجردت مصر من حقها فى عقد اى معاهدات مستقبلية تتناقض مع احكامها،
·ومعاهدة أوقعت مصر وجيشها وتسليحها تحت رحمة وفى براثن المعونة العسكرية الأمريكية، تتحكم فيها وتسيطر عليها، لصالح اسرائيل،
·ناهيك على انها معاهدة باطلة دستوريا، اذ تخالف كل الدساتير المصرية التى تنص على ان السيادة للشعب المصرى وحده، بعد ان جردت سيناء من السيادة الكاملة،
·وتخالفها فى تنازلها عن جزء من الامة العربية لاسرائيل، اذ تنص الدساتير على ان مصر جزءا منها ويجب أن تعمل على وحدتها،
***
واليوم أضيف على ذلك فأقول له: ان الوعى والوجدان الثابت والمستقر لدى الشعب المصرى هو انه يكره (اسرائيل) ويعاديها ويرفض السلام والتطبيع معها، ويعشق فلسطين ويفخر بشعبها ويمجد مقاومتها التى لم تتوقف منذ قرن من الزمان، ويترحم على شهدائها، ويشفق علي الشعب الفلسطينى لأنه يقف وحيدا، بعد ان تخلت عنه كافة الدول العربية، فى مواجهة ماكينة القتل الصهيونية المدعومة بترسانة السلاح الامريكى وبمؤسسات المجتمع الدولى، ويشعر بالذنب طول الوقت لانه يقف عاجزا عن دعم ونصرة فلسطين، ويتمنى ان يشارك الجيش المصرى وكافة الجيوش العربية فى تحريرها...الخ
·ولكن بحكم القهر والاستبداد، يعجز هذا الشعب المصرى الكريم عن ترجمة هذه المشاعر وهذه المواقف على ارض الواقع.
·ويكفي تدليلا على ما اقول هو انه حين امتلكت الجماهير المصرية حريتها وحررت ارادتها واتيح لها التعبير عن حقيقة مشاعرها بعد ثورة يناير فانها حاصرت السفارة الاسرائيلية واغلقت مقرها على كوبرى الجامعة.
·كما انه على امتداد اربعين عاما خرجت مئات المظاهرات والفاعليات المصرية ضد اسرائيل وكامب ديفيد والصهيونية وضد التطبيع والاعتداءات والحروب الصهيونية على الشعبين الفلسطينى اللبنانى وكل الأقطار العربية، ودخل الناس السجون دفاعا عن مواقفهم، ولا يزالوا يحتفون حتى يومنا هذا بالمناضلين والشهداء أمثال عبد المنعم رياض ويحيى الرفاعى وسليمان خاطر ومحمود نور الدين.
·وفى المقابل لم تخرج فاعلية واحدة، ولا اقول مسيرة او مظاهرة، تدافع عن اسرائيل او عن السلام معها، سوى كاتب او اثنين على مر التاريخ تم مقاطعتهم وعزلهم سياسيا واجتماعيا.
***
فعن أى وجدان تتحدث، ولمن توجه هذه التصريحات، وما هى مناسبتها او المصلحة المرجوة من ترديدها الآن، فى وقت تتبرأ فيها (اسرائيل) من السلام المزعوم وتحتل مزيد من الارض كل يوم وتبنى مزيد من المستوطنات وتعلن القدس الموحدة عاصمة لها، وتستعد لافتتاح السفارة الامريكية هناك، وتقتل يوميا المزيد من الفلسطينيين، وتقتحم باحات المسجد الاقصى طمعا فى اقتسامه وتعربد فى السماوات العربية بلا حساب...؟!
*****
القاهرة فى 28/4/2018

ليست هناك تعليقات: