https://www.youtube.com/watch?v=jkR4zCgcNA0
(1)
كان غبياً يصورة واضحة، كل زملاؤه يعرفون ذلك، لكنه كان يملك مع الغباء صفات أخرى يختلف عليها الجميع، مثلا: هل هو طيب أم خبيث؟، صريح أم كاذب؟، دساسٌ وخوَّان أم صاحب مبادئ، مطيع ام منافق ومتلون؟، عادلٌ ونزيهٌ ومؤتمن أم أنه يتشبه بكل هذه الصفات ليستخدمها كتمويه في لعبة كبيرة لا يعرف أهدافها إلا هو؟
(2)
لم يكن الأفضل أبداً بين زملائه، ولم يكن متفوقاً لا في المدرسة ولا في الجامعة، ولم يكن الأكفأ في أي عمل قام به، لكن المدهش أنه كان ينجح في دراسته، ويترقى في العمل، ويكتسب المزيد من الأصدقاء، حتى أصبح من الكبار، وكنت في ذلك الحين أقضي استراحة الظهيرة في أحد المقاهي الهادئة القريبة من الصحيفة التي أعمل بها، وكنت أتصور في البداية أنه موظف في إحدى الوزارات القريبة، كان أداءه ملفتاً للنظر، لكنني لم أهتم بأمره، ولم أسأل عنه، لأنني لم أكن أعرفه عن قرب، فقط كنت أراه من بعيد، عندما يدخل المكان، ويحني ظهره بتواضع وهو يصافح أي شخص، يسرف في المجاملات ويتحدث بكلمات سريعة، كمن يريد أن يفرغ حمولة المجاملة بسرعة ليلحق بموعد مهم، لكنه بعد الجلبة التي يتسبب فيها ظهوره، وبعد مظاهر التعجل التي يتعامل بها، كان يجلس في أحد الأركان، يضع أمامه جهازي موبايل، ويخرج من حقيبته آلة حاسبة وبعض الأوراق، وينهمك في عمل طويل، لكنه متقطع بمكالمات تليفونية، لم أكن اسمع منها إلا أرقام، وعبارات متكررة للمجاملة و”لزمات” تعودت على سماعها من كثرة ما يكررها، مثل: واخدلي بالك.. صلي بينا ع النبي.. صدقني ومش هتخسر.. اسمعني بس هقولك على حاجة ومش هتندم.. بأمر الله هتلعلع وتبقى نجف.
(3)
لاحظت بعد فترة أن “هذا الكائن العجيب” لم يعد يأتي وحده، ظهر بصحبة ثلاثة رجال: اثنان من الحرس، وثالت يحمل الحقيبة نفسها التي تضم الآلة الحاسبة والأوراق، وعرفت من نادل المقهى بالصدفة أن الشخص الثالث هو السكرتير الشخصي ومدير الأعمال.
* أعمال؟.. أي أعمال؟، هل هذا الشخص رجل أعمال؟
– قال النادل منزعجاً: يا بيه معقول ماتعرفوش؟.. ده صحفي زي حضرتك!
* صحفي فين؟، واسمه إيه؟
– (….. …. …..)
(4)
يبدو أن النادل قام بعد ذلك بمهمته التبادلية، ونقل الحوار إلى الصحفي أبو حراس ومدير أعمال وآلة حاسبة، فجاءني في اليوم التالي مجاملا، وفاتحاً ذراعيه: والله ماخدتش بالي إنك بتنورنا هنا، وأشار بإصبعه للنادل: تعالى هنا شوف الأستاذ ياخد إليه، وبدأ يلقي الأوامر والطلبات بلهجة آمرة وعنيفة، وسحب كرسياً وجلس، لم يفتح موضوعا يروقني، أو يجذب اهتمامي، لم يتحدث بجملة واحدة تثير إعجابي وتنبئ عن حوار بين اثنين من صناع الرأي العام، كان يتحدث عن إنجازاته، ومشترواته، ومشروعاته في تطوير المؤسسة التي أصبح واحدا من كبارها، مع غمزة مكشوفة، أخبرني فيها بأنه مرشح بقوة للرئاسة.. رئاسة المؤسسة التي كان كل حلمه أن يتم تعيينه فيها كموظف صغير.
(5)
لم تمر أسابيع قليلة إلا وكان ذلك الضحل هو الرئيس المهيمن على قرارات تلك المؤسسة الضخمة (واخدلي بالك)، أصابتي حالة من الدهشة التي وصلت إلى حد الفزع، فأخذت أضرب كفاً بكف وأنا أسأل: كيف صار هذا “البتاع” كبيرا؟.. كيف صار “البتاع” رئيساً؟
(6)
خرجت إلى الشارع، وأنا بهذه الحالة المندهشة المتسائلة، ويا لهول مارأيت، نفس الشخص في السيارات الفارهة، وعلى شاشات التليفزيون، وفي الصفحات الأولى للصحف، كان كل مسؤول في البلد “بتاع”، وكل مشهور “بتاع”، البتاع في السياسة وفي الثقافة وفي الرياضة، كأن مصر السلطوية استنسخت “البتاع” ووزعت عليه السلطة من قمة الهرم، وحتى أصغر وحدة في مجالس المحليات، صارت مصر تحت احتلال البتوع، وأنا لازلت مذهولاً، أضرب كفاً بكف وأهيم في الشوارع متسائلاً: كيف صار “البتاع” رئيساً؟!
………………………………………………………………………………………………..
* قصة تخيلية، وأي تشابه بينها وبين الواقع.. ليس تخريفاً، لكنه “عين العقل”… والله العظيم حاجة تمخول النافوخ يا جدعان: كيف صار “البتاع” رئيساً ؟.. كيف صار “البتاع” رئيساً ؟.. كيف صار “البتاع” رئيساً ؟..
كيف صار “البتاع”..
رئيساً ؟..
كيف صار
“البتاع”
رئيساً؟…
كيف؟
tamahi@hotmail.com
*نقلا عن البديل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق