آخر تحديث : الجمعة 10 يونيو 2016 16:38 مكة المكرمة
كثيرا ما يحار المرء: أي أعمال درامية يشاهد من تلك الدراما التى تبثها الأف المحطات الفضائية من كل حدب وصوب، والتى تختلف في القصة والأشخاص والوقائع ولكنها تتفق غالبا في الانحياز إلى الإسفاف والابتذال أو التوجيه السياسي ،لدرجة أنك قد لاتجد عملا فنيا إبداعيا حرا واحدا يستحق أن تشاهده بين كل هذا الخضم من الدراما.
وكثيرا ما يجد الواحد منا نفسه مخيرا بين أحد خيارين مرين: إما مشاهدة أعمال درامية تبدو وكأنها جادة، وهى في واقع الأمر مسمومة. أو أعمال أخري هزلية ولا ينكر مقدموها هزليتها, فنختار الصنف الثانى, لنكون كمن اختار أن يتم استغفاله ولكن بإرادته الحرة وابتلع رذالة الإعلانات وسخافتها التى تقطع العمل إربا إربا حتى يتمكن من تناول وجبة دسمة من الإسفاف.
ومع ذلك فهو غير آسف لهذا، فقد اشتري الرذالة عن الرذيلة والانحطاط.
الدراما والأمن
كان الهدف الأساسي من تقديم "الدراما" هو التوجيه والإرشاد والعظة المجتمعية ونقل تجارب الأخرين, لكن سرعان ما طغت عليها أعمال السياسة وتحولت بقدرة قادر إلى أدوات تعبث في الذهن وتحركها ليست إبداعات الفنان ولا مهارة المخرج ولا خيال المؤلف ولكن موهبة الحاكم وأجهزة أمنه.
ومسعى السلطة في توظيف الفن لخدمة السياسة كان موجودا طوال تاريخ الدراما بدءا من ديوان القص العباسي حتى "ناصر 56 " و"أيام السادات" و"حسن البنا" و"الإرهابي" وذلك كجزء يسير من سلسة طويلة من الأعمال الفنية التى تسير في إطار التخديم على وجهة نظر السلطة.
وفي المقابل نجح المعترضون في المضمار ذاته ولكن بصورة أقل تفتقد القدرة على التركيز فضلا عن الانتشار وأنتجوا "الكرنك" و"البرئ" و"احنا بتوع الاتوبيس" و"لا" و"هى فوضى" و"حين ميسرة" و"الديكتاتور" و"الفرافير" و"ويوميات نائب في الارياف" وغيرها من أعمال أفلتت من قبضة الرقيب.
تفريغ الكبت
تدخلات السلطة في الدراما حولتها إلى مجرد أبواق تخدم على أهدافها وتصون بقائها- على افتراض الفصل بين السلطة المؤقتة والدولة الدائمة - لكنه ما صان ذلك للدولة أمنا ولا قدم للمجتمع فنا, حيث شغلت تلك التدخلات المرء طوال الوقت بأعضائه التناسلية أو معدته واعتبار أن إشباع حاجتها هو قمة الإشباع والتشبع.
فإذا فشل الفتى في إيجاد عمل فبدلا من أن يطالب الدولة بتوفيره له فإن الدراما أرشدته إلى أن يحتسي الخمر ويرتاد الكباريهات لينسي فشله, أو أن يتحول إلى نصاب ويرتاد طريق اللصوص, أو يتاجر بالمخدرات ويتعاطاها للغنى السريع أو أن يمارس الاحتيال ليكون رجل أعمال ناجح.
وراحت تعطى مبررات للتمرد على قيود الأسرة والمجتمع فبررت الدراما الخيانة الزوجية بإعتبارها قصص حب وبررت انحراف الفتاة بتعرضها لقصة حب فاشلة وبررت للعاهرة بوصفها ضحية للمجتمع.
وحينما حاربت السلطة في مصر التيارات الدينية راحت الدراما تحارب التدين أيضا فصار الأزهري إما سفيها أو سطحيا أو مخادعا أو إرهابيا أو مثارا للسخرية، ومنعت ممثلاتها من ارتداء الحجاب في دولة اكثر من 90 % من نسائها ترتدين الحجاب وإذا ظهرت محجبة فى عمل ما، فهى إما شمطاء تداري قباحتها أو معقدة نفسيا أو متزمتة رغم أن الحجاب هنا يعبر عن سلوك ثقافي للمجتمع أكثر من كونه رمزا دينيا.
مقارنة فنية
لا شك في أننا حينما نتحدث عن الدراما العربية فإننا نتحدث تحديدا عن الدراما السورية والمصرية بصفتيهما النموذجين البارزين فيها.
ومن أخطر الصور النمطية التى روجت لها كثير من أعمال الدراما المصرية هى تصوير الغش والخداع والكذب والخيانات الزوجية كأنها لازمة عادية جدا من لوازم العمل الاجتماعي والتجاري الناجح وقرنتها دائما بشخصيات درامية تقدمها كنموذج للنجاح يجب الاقتداء بها.
يأتى ذلك على عكس القيم النبيلة التى حملتها الأعمال الفنية السورية، لاسيما القديم منها، قبل ان تصاب بمرض "العصرنة" و"المصرنة".
وخذ مثلا عملين فنيين يكشفان بوضوح الدعوة لتبنى قيم الهدم في الدراما المصرية وتبنى قيم البناء في الدرما السورية, فالمسلسل المصري "لن أعيش في جلباب أبي" قدم نموذجا لشخصية رجل أعمال نجح نجاحا مبهرا يتمناه لنفسه أي طامح إلا أنه قرن نجاحه بوسائل هدامة منها الرشوة والخداع والانتهازية والاعتماد على الحيلة و الصدفة فضلا عن البذخ والإسراف بل إنه صور ابنه الذى يرتاد المساجد بأنه النقطة السوداء في حياة هذا الرجل.
ولعل انتشار الدراما المصرية على رقعة كبيرة من مساحة الوطن العربي هو ما جعلها عرضة لسهام التضليل والانحراف حتى تتمكن من تخريب ثقافة المجتمع العربي.
وفي المقابل فإن المسلسل السوري "على باب الحارة" قدم نموذجا جيدا يمكن الاقتداء به, حيث مجد النضال ضد المحتل الفرنسي والصهيونى وأثنى على قيم الترابط الاجتماعي واحترام كبير الأسرة وكبير الحارة ومساعدة الفقير وتجريم الكذب والخداع والغش والتدليس واحترام المرأة ونصرة المظلوم وغيرها من قيم البناء، إلا أن يد التآمر طالت للأسف هذا العمل الفني الكبير في الأجزاء الثلاثة الأخيرة وراحت تدس فيه قيم الإنهزامية والتطبيع والتبعية .
الغريب أن كلا النموذجين ـ السوري والمصري ـ استطاعا أن يجذبا المشاهد ويجعلاه يعيش بطلا بين أبطالهما, وهنا مكمن الخطورة، لأنه إن كان العمل هداما فسينتج أبطالا حقيقيين ولكن هدامين.
دراما الاطفال
من أخطر السموم التى يمكن أن تقدمها الدراما هى تلك التى تستهدف الأطفال، فهى بحق تعيد تشكيل المجتمع تشكيلا جذريا, وخطورة تلك الدراما أن الطفل الذى يتلقي تعليما ما فى تلك المرحلة سيصبح هذا التعليم من ركائزه الفكرية والاعتقادية مستقبلا.
ولقد وصل العصف القيمى أشده لدى بعض مسؤولى تلك الفضائيات في وطننا العربي لدرجة أن كثيرا منها يقدم أعمالا تحض الطفل على الكذب والخداع بل ويزج به في مهاترات العنف والجنس، فضلا عن أن بعض الفضائيات لا يستصعب عرض أفلام عن عبدة الشيطان.
ولكننا ونحن نتحدث في هذا المجال ينبغي الاشادة بعدة فضائيات صارت في عكس اتجاه الاعلام الهدام وراحت تقدم دراما مسؤولة وأعمالا تربوية هادفة أهمها "طيور الجنة" و"براعم" و" جيم".
كثيرا ما يحار المرء: أي أعمال درامية يشاهد من تلك الدراما التى تبثها الأف المحطات الفضائية من كل حدب وصوب، والتى تختلف في القصة والأشخاص والوقائع ولكنها تتفق غالبا في الانحياز إلى الإسفاف والابتذال أو التوجيه السياسي ،لدرجة أنك قد لاتجد عملا فنيا إبداعيا حرا واحدا يستحق أن تشاهده بين كل هذا الخضم من الدراما.
وكثيرا ما يجد الواحد منا نفسه مخيرا بين أحد خيارين مرين: إما مشاهدة أعمال درامية تبدو وكأنها جادة، وهى في واقع الأمر مسمومة. أو أعمال أخري هزلية ولا ينكر مقدموها هزليتها, فنختار الصنف الثانى, لنكون كمن اختار أن يتم استغفاله ولكن بإرادته الحرة وابتلع رذالة الإعلانات وسخافتها التى تقطع العمل إربا إربا حتى يتمكن من تناول وجبة دسمة من الإسفاف.
ومع ذلك فهو غير آسف لهذا، فقد اشتري الرذالة عن الرذيلة والانحطاط.
الدراما والأمن
كان الهدف الأساسي من تقديم "الدراما" هو التوجيه والإرشاد والعظة المجتمعية ونقل تجارب الأخرين, لكن سرعان ما طغت عليها أعمال السياسة وتحولت بقدرة قادر إلى أدوات تعبث في الذهن وتحركها ليست إبداعات الفنان ولا مهارة المخرج ولا خيال المؤلف ولكن موهبة الحاكم وأجهزة أمنه.
ومسعى السلطة في توظيف الفن لخدمة السياسة كان موجودا طوال تاريخ الدراما بدءا من ديوان القص العباسي حتى "ناصر 56 " و"أيام السادات" و"حسن البنا" و"الإرهابي" وذلك كجزء يسير من سلسة طويلة من الأعمال الفنية التى تسير في إطار التخديم على وجهة نظر السلطة.
وفي المقابل نجح المعترضون في المضمار ذاته ولكن بصورة أقل تفتقد القدرة على التركيز فضلا عن الانتشار وأنتجوا "الكرنك" و"البرئ" و"احنا بتوع الاتوبيس" و"لا" و"هى فوضى" و"حين ميسرة" و"الديكتاتور" و"الفرافير" و"ويوميات نائب في الارياف" وغيرها من أعمال أفلتت من قبضة الرقيب.
تفريغ الكبت
تدخلات السلطة في الدراما حولتها إلى مجرد أبواق تخدم على أهدافها وتصون بقائها- على افتراض الفصل بين السلطة المؤقتة والدولة الدائمة - لكنه ما صان ذلك للدولة أمنا ولا قدم للمجتمع فنا, حيث شغلت تلك التدخلات المرء طوال الوقت بأعضائه التناسلية أو معدته واعتبار أن إشباع حاجتها هو قمة الإشباع والتشبع.
فإذا فشل الفتى في إيجاد عمل فبدلا من أن يطالب الدولة بتوفيره له فإن الدراما أرشدته إلى أن يحتسي الخمر ويرتاد الكباريهات لينسي فشله, أو أن يتحول إلى نصاب ويرتاد طريق اللصوص, أو يتاجر بالمخدرات ويتعاطاها للغنى السريع أو أن يمارس الاحتيال ليكون رجل أعمال ناجح.
وراحت تعطى مبررات للتمرد على قيود الأسرة والمجتمع فبررت الدراما الخيانة الزوجية بإعتبارها قصص حب وبررت انحراف الفتاة بتعرضها لقصة حب فاشلة وبررت للعاهرة بوصفها ضحية للمجتمع.
وحينما حاربت السلطة في مصر التيارات الدينية راحت الدراما تحارب التدين أيضا فصار الأزهري إما سفيها أو سطحيا أو مخادعا أو إرهابيا أو مثارا للسخرية، ومنعت ممثلاتها من ارتداء الحجاب في دولة اكثر من 90 % من نسائها ترتدين الحجاب وإذا ظهرت محجبة فى عمل ما، فهى إما شمطاء تداري قباحتها أو معقدة نفسيا أو متزمتة رغم أن الحجاب هنا يعبر عن سلوك ثقافي للمجتمع أكثر من كونه رمزا دينيا.
مقارنة فنية
لا شك في أننا حينما نتحدث عن الدراما العربية فإننا نتحدث تحديدا عن الدراما السورية والمصرية بصفتيهما النموذجين البارزين فيها.
ومن أخطر الصور النمطية التى روجت لها كثير من أعمال الدراما المصرية هى تصوير الغش والخداع والكذب والخيانات الزوجية كأنها لازمة عادية جدا من لوازم العمل الاجتماعي والتجاري الناجح وقرنتها دائما بشخصيات درامية تقدمها كنموذج للنجاح يجب الاقتداء بها.
يأتى ذلك على عكس القيم النبيلة التى حملتها الأعمال الفنية السورية، لاسيما القديم منها، قبل ان تصاب بمرض "العصرنة" و"المصرنة".
وخذ مثلا عملين فنيين يكشفان بوضوح الدعوة لتبنى قيم الهدم في الدراما المصرية وتبنى قيم البناء في الدرما السورية, فالمسلسل المصري "لن أعيش في جلباب أبي" قدم نموذجا لشخصية رجل أعمال نجح نجاحا مبهرا يتمناه لنفسه أي طامح إلا أنه قرن نجاحه بوسائل هدامة منها الرشوة والخداع والانتهازية والاعتماد على الحيلة و الصدفة فضلا عن البذخ والإسراف بل إنه صور ابنه الذى يرتاد المساجد بأنه النقطة السوداء في حياة هذا الرجل.
ولعل انتشار الدراما المصرية على رقعة كبيرة من مساحة الوطن العربي هو ما جعلها عرضة لسهام التضليل والانحراف حتى تتمكن من تخريب ثقافة المجتمع العربي.
وفي المقابل فإن المسلسل السوري "على باب الحارة" قدم نموذجا جيدا يمكن الاقتداء به, حيث مجد النضال ضد المحتل الفرنسي والصهيونى وأثنى على قيم الترابط الاجتماعي واحترام كبير الأسرة وكبير الحارة ومساعدة الفقير وتجريم الكذب والخداع والغش والتدليس واحترام المرأة ونصرة المظلوم وغيرها من قيم البناء، إلا أن يد التآمر طالت للأسف هذا العمل الفني الكبير في الأجزاء الثلاثة الأخيرة وراحت تدس فيه قيم الإنهزامية والتطبيع والتبعية .
الغريب أن كلا النموذجين ـ السوري والمصري ـ استطاعا أن يجذبا المشاهد ويجعلاه يعيش بطلا بين أبطالهما, وهنا مكمن الخطورة، لأنه إن كان العمل هداما فسينتج أبطالا حقيقيين ولكن هدامين.
دراما الاطفال
من أخطر السموم التى يمكن أن تقدمها الدراما هى تلك التى تستهدف الأطفال، فهى بحق تعيد تشكيل المجتمع تشكيلا جذريا, وخطورة تلك الدراما أن الطفل الذى يتلقي تعليما ما فى تلك المرحلة سيصبح هذا التعليم من ركائزه الفكرية والاعتقادية مستقبلا.
ولقد وصل العصف القيمى أشده لدى بعض مسؤولى تلك الفضائيات في وطننا العربي لدرجة أن كثيرا منها يقدم أعمالا تحض الطفل على الكذب والخداع بل ويزج به في مهاترات العنف والجنس، فضلا عن أن بعض الفضائيات لا يستصعب عرض أفلام عن عبدة الشيطان.
ولكننا ونحن نتحدث في هذا المجال ينبغي الاشادة بعدة فضائيات صارت في عكس اتجاه الاعلام الهدام وراحت تقدم دراما مسؤولة وأعمالا تربوية هادفة أهمها "طيور الجنة" و"براعم" و" جيم".
تابع قراءة المقال على الجزيرة مباشر بالنقر هنا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق