بلا منازع، فاز «تنظيم الدولة الاسلامية» في أعقاب انتهاء الانتخابات التركية، لأن نظرية هذا التنظيم أثبتت صحتها لاتباعه السابقين والجدد، الذين سيزحفون اليه من مختلف الاماكن بشكل أكبر خلال العامين المقبلين، مع احتمال تبدلات هائلة في الجغرافيا، وغرق المنطقة وسط هالة دموية مرعبة.
في التفاصيل، المعارضة التركية وإسرائيل ووسائل إعلام غربية عديدة هللت لتقدم المعارضة على حساب حزب العدالة، وهو تقدم له ما بعده، فبالنسبة لحزب العدالة والتنمية، خسر الأغلبية التي كانت ستتيح له نقل تركيا الى مصاف الدول الكبرى، وستفرض حينها رؤيتها السياسية التي تصل حد إنهاء النزاعات في المنطقة، ولأن هذا غير مطلوب فقد حشدت واشنطن وأوروبا كامل طاقاتها، وعمل الجميع معاً لمنع تحقيق المعجزة التركية، وهو باختصار الملف الأول الذي نتحدث عنه، فالمطلوب تراجع الاقتصاد والسياسة التركية، لصالح حروب تفتيت المنطقة، وهنا كان «تنظيم الدولة» يثبت لعناصره نظريته، أن الانتخابات غير مجدية، وأن الأقليات يجب ألا يكون لها أي صوت، لأنها في النهاية ستتعامل مع الخارج، وأن الحلول السياسية هي مضيعة للوقت، وأن خيارات المنطقة تعنى بتحقيق معادلة كل شيء بالقوة.
ساهم في صناعة هذه النظرية في تركيا من الناحية العملية، الاحزاب التي تكاتفت معاً لإسقاط حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسها جماعة فتح الله قولن، وهي المجموعة الاسلامية الأكبر، التي تحالفت مع أعدائها الطبيعيين، وبررت لنفسها مواجهة حزب العدالة، مع أنها في الوقت نفسه كانت تقف في تحالف ضم كل الأعداء التاريخيين، مضافاً اليهم الاعداء من الناحية الاخلاقية، فقد كان في صف المعارضة ايضا من المثليين جنسياً والذين استفادوا من وقوف مجموعة فتح الله قولن ضد حزب العدالة، ثم يأتي حزب السعادة، الذي كان يعلم أنه لن يحصل على نسبة مفيدة له، لكنه فقط دخل الانتخابات بقصد تشتيت الاصوات ومنعها من الوصول لحزب العدالة، والذي بسببه فقد حزب العدالة ثلاثة بالمئة من الاصوات، ثم يأتي طرف ثالث وهو المجموعة السلفية، وهذه تضم نخبة واسعة من الشباب التركي، وهذه لا تؤمن بنظرية الانتخابات، وبالتالي هي وقفت على الحياد وبوقوفها على الحياد منعت نسبة كبيرة من الاصوات كانت تخدم حزب العدالة والتنمية.
المعادلة الثانية تكمن في المستقبل، فإذا أرادت المعارضة أن تستمر تركيا بالتقدم على المستوى الاقتصادي والسياسي، فعليها أن تتحالف بشكل جيد مع حزب العدالة، الذي بإمكانه المحافظة على المعجزة الاقتصادية، وفي حالة استمرار هذه الحالة، فلن تواجه تركيا مشاكل كبرى، وفي حالة النقيض من ذلك فسوف تتحول تركيا إلى قنبلة موقوتة، تضم عشرات الملايين من البشر، وهذه القنبلة الموقوتة سوف تؤثر على عموم المنطقة وكامل الجغرافيا المحيطة. أما في الحالة الراهنة، فالمنتصر لا يزال «تنظيم الدولة»، الذي يتمنى وصول تركيا الى حالة من الانقسام والضعف، عند ذلك سيكون تنظيم الدولة هذا المقيم في الصحراء، القوة الاقليمية، الكبرى هو الذي سيتحكم في المنطقة، وهو الذي سيديرها، وهو الذي سينشئ امبراطورية من لبنان حتى بغداد وحتى مكة.
الشبان الاتراك الذين قاتلوا في البوسنة وافغانستان والشيشان، أيام حكم العسكر، سيكونون أكبر رافد لتنظيم الدولة الاسلامية في حال تراجع دور الحكومة المركزية.
أخيراً اقول للإسلاميين في تركيا، بعد خيانتكم لمصالح أمتكم، استفيدوا من نصائح الامريكان، وكرروا تجربة حزب النور السلفي في مصر الذي ساهم في ذبح الثورة المصرية، وفي نهاية المطاف اصبح هذا الحزب تحت أقدام العسكر.
٭ كاتب فلسطيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق