الدكتور عادل عامر
إن إمكانات مصر كبيرة تبدأ من موقعها الاستراتيجي
وثقلها السكاني وميراثها الحضاري، بالإضافة إلى ثرواتها المعدنية وممراتها المائية،
وغير ذلك مما يؤهلها لأن تكون بحق في قلب العالم، وهذا جعلها دائما مطمعا للغزاة، لأن
من يسيطر على مصر قلب العالم العربي يتأهل للسيطرة على العالم، ولذلك فإن الراحل العظيم
د. جمال حمدان قال بحق إن مصر إن لم يكن لها دور فستكون هدفا. وكان المنتظر بعد قيام
ثورة 25 يناير 2011 المباركة أن تحدث انطلاقة اقتصادية، فكما تحرر الإنسان المصري من
القهر والاستبداد فإنه كان يتطلع أيضا للتحرر من الحاجة والفقر ويحلم بحياة كريمة في
وطن حر، فما الذي عطل هذه الانطلاقة؟المشكلة الاقتصادية في مصر هى مشكلة سياسية وأمنية
بالأساس، وهذا يقتضي منا دراسة متعمقة للبيئة لمعرفة تأثير هذين العاملين على تعثر
عجلة الاقتصاد.
قاهرة المعز
وفي القاهرة توجد مناطق عديدة للبلطجية
أهمها "عزبة أم القرن" التابعة لمنطقة أحمد حلمي حيث يوجد بها عدد مهول من
البلطجية كان النظام البائد على علاقة مباشرة بقياداتهم الإجرامية، وكان يستخدمهم جمال
مبارك ووزير داخليته المخلوع حبيب العادلي في الانتخابات خاصة في القاهرة الكبرى، كما
كان زعيم بلطجية مصر الذي قبض عليه مؤخرًا المدعو "صبري نخنوخ" على علاقة
وثيقة بهم. وكان كبار البلطجية يجلسون بصفة دورية مع أحمد عز أمين التنظيم بالحزب الوطني
المنحل والمسجون حاليًا بتهم فساد مالي وإداري، وخصص عز لهم مرتبات شهرية تصل إلى
10 آلاف جنيه للفرد الواحد إلى جانب تأمينات صحية لهم ولأسرهم. أما عزبة "الهجانة"
ومنطقة "الجيشة" بالمقطم فيوجد بها العديد من الهاربين من أحكام قضائية وتجار
المخدرات والسلاح كما يوجد بها حوالي 20 ألف بلطجي، وكذلك "وادي حوف" بحلوان
بها حوالي 2000 مسجل خطر فضلاً عن منطقة الدويقة ومدينة السلام حيث يوجد بها 10 آلاف
بلطجي وفي الدرب الأحمر وبولاق أبو العلا 5 آلاف بلطجي ومنطقة دربالة والعوايد. ويوجد
عزبة "أبو حشيش" الكائنة بجوار منطقة العباسية ويختص ساكنها من البلطجية،
الذين تخطي عددهم المئات ويكثر بها البلطجية من العنصر النسائي، في تجارة المخدرات.
أما عن أخطر المناطق إجرامًا في القاهرة هي "الزعماء" بالسيدة زينب والتي
يوجد بها العديد من البلطجية الكبار والذين استعان بهم فتحي سرور في الانتخابات البرلمانية
كما استعان بهم مؤخرًا في موقعة الجمل الشهيرة لضرب المتظاهرين، والتي تحقق فيها النيابة
حاليًا ويقودهم شخص يدعى "كرشة" فهو زعيم البلطجية في السيدة زينب وله علاقة
مباشرة مع قيادات النظام السابق عن طريق سرور الذي قدمه هدية للحزب الوطني كما تعرف
على صبري نخنوخ كبير بلطجية مصر وأصبح عضوًا بارزًا في ميليشيات العادلي التي يقودها
نخنوخ.
الجيزة
أما في الجيزة هناك العديد من البؤر الإجرامية
مثل (القصبجي) وشارع (10)، وصفط اللبن وبولاق الدكرور وأهمها منطقة "الكُنيسة"
التي يقطن بها ما يزيد عن 1000 من البلطجية والمجرمين وأرباب السوابق، وهذه المنطقة
الآن يفرض بها البلطجية والإتاوات على المحال التجارية نظيرعدم التعرض لهم. وفي المنطقة
ذاتها لا يمر يوم دون حدوث مشاجرات دامية مما أدى إلى هجرة العديد من الأهالي خوفًا
على حياتهم خاصة بعد تعدد حالات السطو المسلحة على الشقق السكنية وسرقتها وأحيانًا
قتل أصحابها. أما منطقة "بولاق الدكرور" فتحتوي على 5 آلاف مسجل خطر مخدرات
وسلاح وبلطجة. وما زلنا في الجيزة حيث توجد منطقة "العمرانية" وبالأخص شار
الـ"30"، وقد أجرى مركز البحوث الجنائية والاجتماعية دراسة تؤكد أن أخطر
البؤر الإجرامية بالجيزة هي العمرانية حيث بلغ عدد قضايا البلطجة بها حوالي 20 ألف
قضية كما يوجد بها العديد من مسجلين الخطر وقيادات البلطجة أمثال (ياسر سنجة) و(القط)
الذي يعتبر شيخ البلطجية بالهرم وفيصل.
نخنوخ
وفي مدينة الإسكندرية تقع منطقة "أبو
سليمان" حيث يوجد بها حوالي 30 ألف بلطجي، كما يوجد أخطر بلطجي في مصر وزعيم البلطجية
المدعو "صبري نخنوخ" الذي قبض عليه في الأيام الماضي. نخنوخ الذي ضبط في
فيلته، بمنطقة الكينج، عثر معه على ترسانة من الأسلحة، وكان بصحبته عدد كبير من الخارجين
عن القانون، إضافة إلى خمسة أسود، وقالت الأجهزة الأمنية أنه يعمل تحت إمرته أكثر من
200 ألف بلطجي. وكان نخنوخ على علاقة وثيقة بوزير داخلية المخلوع حبيب العادلي، في
انتخابات برلمان 2000، وكان يملك مكاتب لتوريد البلطجية، بمناطق البساتين والمهندسين
والهرم وفيصل، وبدأ يستخدمهم العادلي في تأمين صناديق الانتخابات، وتسويد البطاقات
لصالح أعضاء المنحل.
دمياط
ففي محافظة دمياط تجد منطقة "شطا"
بدمياط حيث ينتشر تجارة المخدرات وبها العديد من البلطجية وقطاع الطرق الذين يرهبون
الأهالي، وكذلك قرية بقرية الناصرية مركز فارسكور والتي يكثر بها تجارة السلاح.
القليوبية
يوجد ما يعرف بمثلث الرعب أو المثلث الذهبي وهي يتكون
من ثلاث قري هي "كوم السمن، الجعافرة، القشيشة" التابعين لمركز ومدينة شبين
القناطر إلى جانب قرية أبو الغيط حيث تكثر تجارة المخدرات وأوكار العديد من البلطجية
المتخصصين في سرقة السيارات وتجارة السلاح. وبعد أحداث رفح واستشهاد 16 مجندًا من قوات
حرس الحدود في شهر رمضان الماضي، أبرزت تلك الأحداث عن عدد من البؤر الإجرامية في سيناء
ومنها منطقة "جبل الحلال"، "المهدية وكذلك الشيخ زويد ورفح الحدودية
وتعهدت قوات الجيش بمداهمتها والقضاء على العناصر الإجرامية التي وصلت إلى حد الإرهاب
بها.
بحيرة المنزلة
أما عن بحيرة المنزلة التي أصبحت بسبب الإهمال
الأمني في عهد النظام البائد ومن بعده المجلس العسكري خلال إدارته للمرحلة الانتقالية،
أصبحت البحيرة من أشهر بؤر البلطجة في مصر حتى أطلق عليها الأهالي في محافظات الدقهلية
وبورسعيد ودمياط مسمى "الغابة" نظرًا للخطورة البالغة وأحداث القتل التي
تحدث يوميًّا فيها. وبتولي الرئيس مرسي المسئولية أمر قوات الأمن بسرعة تطهير بحيرة
المنزلة وهو ما فعله وزير الداخلية وقاد الحملة الأمنية بنفسه، والتي تضم 10 آلاف من
قوات الشرطة لتعود البحيرة إلى أهلها وينعم الصيادون بالأمن والأمان.
قنا
وفي محافظة قنا توجد (السمطا) وهي منطقة
خطرة جدًّا بها مجموعة من الخارجين عن القانون، وهي قرية صغيرة لا يتعدى سكانها ثلاثين
ألف نسمة قريبة من الجبل ويحدها من الشرق النيل ومعظم سكانها يعيشون على تجارة المخدرات
وزراعتها كما يشتهرون بتجارة الأسلحة على نطاق واسع لجميع أنحاء المحافظة والمحافظات
المجاورة.
أسيوط
يوجد رجل يسمى (الخُط) بمنطقة ساحل سليم
الذي كون تشكيلاً عصابيًّا يضم المئات من البلطجية ويتخصصون في قطع الطرق وترويع المواطنين
والسرقة بالإكراه، إلا أن أصبح من كبار رجال الأعمال ولديه مكتب لتوريد البلطجية تحت
مسمى البودي جاردات. وبلغ عدد عمليات القتل التي كُلف بها مقابل مبالغ مالية كبيرة
حوالي ثماني حالات قتل و10 حالات خطف و400 قضية بلطجة واستيلاء على المال العام.
أوكار البلطجة
هناك مناطق لتجمع البلطجية للاتفاق على
خططتهم وأغلب هذه الأماكن تكون بالجبال فهناك منطقة الريانية المطلة على الجبل الشرقي
بصعيد مصر بها مجموعة من المغارات الجبلية التي يبلغ مساحة الواحدة منها حوالي
1000 متر يتجمع فيها البلطجية والمسجلون خطر وبحوزتهم أسلحة آلية متطورة ويصعب على
رجال الأمن الوصول إليهم، وتعد الوظيفة الأساسية لهم تجارة السلاح والمخدرات.
أن البلطجة نشأت في الأساس على يد رجال
الشرطة أنفسهم سواء بطريقة مباشرة لتحقيق أهداف شخصية أو بتدعيمهم ومعاملتهم كمخبرين
وهو ما يجعل لهم مكانة ويدفعهم إلى البلطجة العلنية دون محاسبة. أن البلطجة عملية منظمة
سمح بها النظام البائد لخدمة مصالحه والقضاء على المعارضة، داعيًا إلى ملاحقة كل مسجلي
الخطر وأرباب السوابق بصورة متواصلة حتى يتم القضاء عليهم وتعود مصر بلد الأمن والأمان
من جديد.
خبير في الحقوق و خبيرفي القانون العام
رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية
والقانونية والاقتصادية