بصرف النظر عن صحة التسريبات او فبركتها، فان كثيرا مما ورد فيها حول الموقف الرسمى المصرى من (اسرائيل) قريب جدا من الحقيقة، وعلى الأخص فيما هو منسوب الى الضابط المُلَقِن، سواء كان حقيقيا أو مزيفا، من ان "الصراع مع اسرائيل ليس من مصلحة مصر الوطنية".
· فالحقيقة ان هذا هو مربط الفرس فى كل ما يحدث فى المنطقة منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، التى بموجبها انسحبت مصر من الصراع ضد (اسرائيل) واعترفت بشرعيتها وبحقها ان تعيش على ارض فلسطين التاريخية ما عدا الضفة الغربية وغزة، مقابل استرداد سيناء مقيدة السلاح والقوات.
·ومنذ ذلك الحين والخطاب الرسمى المصرى والمواقف الرسمية المصرية تلتزم بفلسفة ونصوص اتفاقية السلام التى تنحاز الى امن (اسرائيل) على حساب الامن القومى المصرى والأمن القومى العربى وحقوق الشعب الفلسطينى.
·وهو ما ورد بالتفصيل فى نصوص معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية؛ ففى الملحق الامنى منها قُيدَت ١٥٠ كيلو متر من سيناء من القوات والسلاح مقابل ثلاثة كيلو مترات فقط داخل فلسطين التى يسمونها (اسرائيل).
· وفى المادة السادسة تم النص على اولوية المعاهدة على ما عداها من التزامات ومن اتفاقيات دولية أخرى فى اشارة ضمنية لاتفاقية الدفاع العربى المشترك، كما تم حظر توقيع اى معاهدات اخرى مستقبلية تتناقض مع احكام هذه المعاهدة، وتم النص ايضا على ان المعاهدة والعلاقات المصرية الاسرائيلية سارية وملزمة بصرف النظر عن اى أطراف او احداث تقع خارج علاقة الطرفين، وهو ما يعنى انه مهما قامت (اسرائيل) باعتداءات على العرب والفلسطينيين وحقوقهم وأراضيهم ومقدساتهم، فانه لا يحق لمصر ان تنسحب من المعاهدة او تنتهك اى من نصوصها وأحكامها.
***
· هذه عينة مما ورد فى نصوص المعاهدة على الورق، اما على الارض وفى الواقع العملى، فلقد تطورت هيمنة (اسرائيل) وامريكا على القرار والارادة المصرية، بحيث أصبحت لهما يد طولى فى طبيعة وتوجهات النظام الحاكم فى مصر بل وفى شخصية من يحكمها، او على حد قول الدكتور مصطفى الفقى عام ٢٠٠٩ حين قال ان رئيس مصر يجب ان توافق عليه امريكا وتقبله (اسرائيل).
***
كان هذا هو الموقف الرسمى المصرى منذ ١٩٧٩ حتى اليوم، الا ان لعبد الفتاح السيسى إضافاته وبصماته الخاصة فى هذا المضمار، فلقد ذهب بالعلاقات المصرية الاسرائيلية الى اعماق غير مسبوقة لم تكن لتخطر على بال السادات او مبارك نفسيهما، انه العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية، انه العصر الذى قامت فيه (اسرائيل) لأول مرة بالضغط على الكونجرس الامريكى لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر بعد ان كانت تطالب دائما بإيقافها، وهو العصر الذى لبى السيسى طلبها القديم الذى رفضه مبارك باخلاء الحدود الدولية من السكان وإقامة منطقة عازلة، وهو العصر الذى انحازت فيه السلطة المصرية علانية الى (اسرائيل) فى عدوانها على غزة عام ٢٠١٤، وهو العصر الذى سحبت مصر قرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بعد مكالمة تليفونية من ترامب، وهو العصر الذى اجرى رئيس الجمهورية لقاءات سرية مع نتنياهو احدهما فى القاهرة، والذى صدرت فيه احكام مستعجلة بتوصيف المقاومة الفلسطينية كمنظمات ارهابية واحكام مماثلة برفض توصيف اسرائيل كذلك لعدم الاختصاص، وهو العصر الذى طالب فيه السيسى عام ٢٠١٥ بدمج (اسرائيل) فى المنطقة وتوسيع السلام معها لمواجهة المخاطر المشتركة والقائمة تطول.
·أضف الى كل ذلك سببا مهما لتأكيد طبيعة توجهات الادارة المصرية الحالية بعيدا عن القضية الفلسطينية وهو انه كان بمقدور مصر الرسمية وأخواتها، لو ارادوا، ان يستخدموا عديد من أوراق الضغط على الولايات المتحدة و(اسرائيل) للحيلولة دون صدور قرار نقل السفارة الى القدس، ولكنهم لم يفعلوا، ولا شك عندى ان ترامب قد استشار مؤسساته حول ردود الفعل المُحتملة من الدول العربية الحليفة والتابعة للولايات المتحدة مثل مصر ودول الخليج والأردن فى حالة إصداره مثل هذا القرار، ومن الواضح ان كل التقارير جاءت مطمئنة مما شجعه على إصدار قراره.
***
والخلاصة هو ان الفلسفة الرئيسية التى تقوم عليها شرعية النظام الرسمى المصرى منذ سنوات بعيدة، سواء كان هذا التسريب صحيحا ام لا، هو ان وجوده وبقاءه ومصالحه هو مع امريكا و(اسرائيل) وليس مع فلسطين ولو ضاعت كل الارض وأُبيد كل الشعب واغتُصبت كل المقدسات.
*****
القاهرة فى 10 يناير 2018