في مقال بعنوان " French revolutionary and Napoleonic wars " ومعناه " الثورة الفرنسية والحروب النابولينية " ، كتبه محررو دائرة المعارف البريطانية ، جاء فيه : -
في حقبة الثورة الفرنسية نشبت سلسلة من الحروب في الفترة ما بين 1798 وحتى 1815 جمعت فرنسا ضد تحالفات القوي الأوربية المعاكسة ، وأسفرت عن هيمنة وجيزة لفرنسا علي معظم أوربا .
إن حروب الثورة الفرنسية التي يصح تسميتها بهذا الاسم هي تلك التي بدأت مع الثورة واختتمت عام 1801 ، حيث كان الهدف منها هو الدفاع عن الثورة ونشر قيمها ، أما بعد صعود " نابليون بونابرت " للسلطة المطلقة ، فقد تغيرت أهداف فرنسا من الحرب ، حيث تحولت من حرب تهدف للدفاع عن الثورة إلي حرب تهدف لتوسيع النفوذ والأراضي الفرنسية .
وتحت عنوان " Monarchies at war with the French Republic " ومعناه " الملكيات أصبحت في حالة حرب مع الجمهورية الفرنسية " كتب المحررون : -
إن الإطاحة بالملك " لويس السادس عشر " وإنشاء حكم جمهوري جعل فرنسا في نزاع مع الحكومات الملكية والسلالات الحاكمة بجميع أنحاء أوربا .
ويضيف محررو المقال : -
In the Declaration of Pillnitz (1791) Austria and Prussia issued a provocative general call to European rulers to assist the French king reestablishing himself in power. France declared war in April 1792.
وترجمته : -
ففي عام 1798 وبموجب إعلان " قصر بلينيتز " بمدينة " درسدن الألمانية " أطلقت كل من النمسا وبروسيا دعوة عامة لجميع حكام أوربا لمساعدة الملك " لويس السادس عشر " ملك فرنسا لاستعادة سلطته ، ونتيجة لذلك أعلنت فرنسا الحرب في إبريل 1792 .
في 20/9/1792 وتحت قيادة كل من " تشارلز فرانسوا دوموريز " و " فرانسوا كريستوف كاليرمان " تمكنت القوات الفرنسية من دحر القوات المشتركة للنمسا وبروسيا والتي كانت في طريقها لغزو باريس .
في بداية عام 1793 شكلت كل من النمسا وبروسيا وأسبانيا والمقاطعات الهولندية المتحدة وبريطانيا العظمي أول تحالف سباعي ظل يعارض فرنسا طوال الأثنين وثلاثين عام التالية .
وفي رد معاكس علي التحالف سالف الذكر أعلنت الحكومة الفرنسية التعبئة العامة حيث وضعت كل رجال فرنسا تحت تصرف الجيش الثوري ، وبهذه الوسيلة تكونت جيوش فرنسية ضخمة لا مثيل لها ، وضعت في ميدان الحرب خلال هذه الفترة .
لقد ورطت الحروب الواقعة في أوربا في منتصف القرن الثامن عشر العديد من الجيوش والتي تراوحت أعدادها بين 600 إلي 700 ألف محارب ، وبعد عام 1800 أنشا " نابليون بونابرت " جيشا قوامه 250 ألف جندي ، استطاع بواسطته أن يغزو روسيا عام 1812 وجيشها قوامه 600 ألف محارب .
وتحت عنوان " The rise of Napoleon " أي " صعود نابليون " قال محررو المقال : -
By early 1795 France had defeated the allies on every front and had pushed to Amsterdam, the Rhine, and the Pyrenees; more importantly, Prussia had been forced out of the coalition and had signed a separate peace that held until 1806. In May 1795 the United Provinces of the Netherlands became the French-influenced Batavian Republic. In northern Italy, a strongly positioned French army threatened Austrian-Sardinian positions, but its commander proved reluctant to move. In March 1796 he was replaced by a more dynamic general, Napoleon Bonaparte.
وترجمته : -
في بداية 1795 تمكنت فرنسا من هزيمة التحالف علي كل الجبهات ، وانطلقت نحو أمستردام ونهر الراين وجبال البيرانيس ، والأكثر أهمية من ذلك أن بروسيا اضطرت للانسحاب من التحالف ، ووقعت اتفاقية سلام مع فرنسا يمتد سريانها حتى 1806 .
وفي مايو 1795 أصبحت المقاطعات المتحدة في هولندا – تحت تأثير فرنسا – الجمهورية الهولندية المتحدة .
وفي شمال إيطاليا تمركزت قوات فرنسية بموقع متميز تمكنت من خلاله من تهديد مواقع بسردينيا النمساوية ، إلا أن قائد هذه القوات أثبت تردده عن الهجوم ، مما أدي إلي استبداله عام 1796 بقائد عسكري متحرك هو " نابليون بونابرت " .
نفذ نابليون وحملته مناورات بارعة ضد قوات النمسا وسردينيا في إيطاليا ، نتج عنها معاهدة " كامبو فورميو " والتي أرغمت النمسا علي التخلي عن هولندا النمساوية ( بلجيكا و لوكسمبورج ) حاليا والتي أصبحت أول الأراضي المضافة إلي الجمهورية الفرنسية .
تم الاعتراف بجمهوريتي الألب واللوغريا واللتين أنشئتا بواسطة الحكومة الفرنسية في شمال إيطاليا .
حملة نابليون علي مصر فشلت فشلا ذريعا ، فقد أبحر في مايو / 1798 علي رأس جيش بقصد غزو الإمبراطورية العثمانية ، ونتيجة لهزيمة السرب البحري للحملة الفرنسية علي يد الأدميرال / هوراشيو نيلسون في معركة النيل التي وقعت في الأول من أغسطس 1798 أصبح " نابليون " بدون دعم بحري كاف ، وعندما فشل في الاستيلاء علي " عكا " عام 1799 انسحب إلي فرنسا ، واستمر جيشه في احتلال مصر حتى عام 1801 .
في هذه الأثناء قامت قوات فرنسية أخري باحتلال أراضي جديدة ، وأنشأت أنظمة جمهورية في روما وسويسرا وبيدمونت الإيطالية ، ونتيجة لذلك تكون التحالف الثاني والذي ضم كل من بريطانيا وروسيا والإمبراطورية العثمانية ونابلي والبرتغال والنمسا .
النجاحات الأولية للحلفاء عكست عدم قدرتهم علي الاتفاق علي إستراتيجية محددة .
بمرور الوقت أصبح " نابليون بونابرت " القنصل الأول لفرنسا بانقلاب 9/11/1799 .
لقد زال خطر التدخل الأجنبي ضد الثورة الفرنسية ، الانتصار علي النمسا في مارينجو والذي ترتب عليه توقيع معاهدة " لونوفيل " والتي جعلت فرنسا القوة المهيمنة علي القارة ، فقط بريطانيا العظمي هي التي ظلت ولمدة عامين بعد ذلك تعارض نابليون باستخدام قوتها البحرية .
النصر المدمر الذي حققه الأدميرال البريطاني "هوراشيو نيلسون" علي الأسطول الفرنسي الأسباني المشترك في موقعة " ترافلغار " البحرية بتاريخ 21/10/1805 أنهي خطر الغزو الفرنسي لبريطانيا .
في عام 1805 تم تشكيل تحالف ثالث ضم كل من بريطانيا وروسيا والنمسا .
حقق نابليون انتصارات كثيرة في " أولم " و " أوستيرليتز " عام 1805 ، وفي " جينا " و " أورستاد " و " لوبيك " علي " بروسيا " أحد أعضاء التحالف الجديد عام 1806 ، ونتيجة لهذه الانتصارات تم توقيع معاهدة " تلست " ، وبموجبها تقلصت بروسيا إلي الألب ، وفقدت جزء من بولندا ، كما توقعت معاهدة " شونبرون " عام 1809 عقب انتفاضة نمساوية وجيزة ، والتي جعلت أوربا من القناة الإنجليزية وحتى حدود روسيا إما جزء من الإمبراطورية الفرنسية يخضع لفرنسا أو متحالف مع فرنسا بموجب معاهدة باستثناء البرتغال والسويد وسردينيا وصقلية .
في عام 1806 وفي محاولة للاستفادة من - سيطرة فرنسا علي الموانئ العالمية - لفرض الحصار علي بريطانيا بطريق غير مباشر - أصدر نابليون "مرسوم برلين" والذي قرر بمقتضاه مصادرة السفن التي تمر علي الموانئ الخاضعة للنفوذ الفرنسي إذا كانت قد رست في أي من الموانئ البريطانية .
إن السياسة التي اتبعها نابليون تجاه بريطانيا والتي كانت تسمي بالنظام القاري لم تكن سياسة ناجحة ، لأنها أدت إلي إعاقة عامة للتجارة الأوربية ، حيث ترتب عليها رد بريطانيا بسياسة المثل تجاه السفن التي ترسوا علي الموانئ الخاضعة لفرنسا .
ورغم سياسة نابليون سالفة الذكر تمكن البريطانيون من توسعة أسواقهم الاستعمارية للخروج من حرب نابليون علي تجارتهم أكثر ازدهارا من ذي قبل .
التاريخ يعيد نفسه وكأننا أمام فيلم واحد نشاهده عدة مرات ، وفي كل مرة يظل الفيلم كما هو ويتغير الممثلون ، الشعب الفرنسي يثور علي الملكية الجائرة بكل مظالمها ، ويطالب بدستور للبلاد يضمن الحقوق والحريات العامة لتتحول فرنسا إلي ملكية دستورية .
تصعد الجماهير الفرنسية مطالبها الثورية إلي إلغاء الملكية نهائيا بعد فقدان الأمل في كثيرها وقليلها وتطالب بالتحول إلي نظام جمهوري ، فإذا بجميع ملوك أوربا يحشدون أنفسهم وقواهم للقضاء علي الثورة الفرنسية خوفا من انتشار هذا المطلب الثوري ووصوله إلي ممالكهم بما يؤدي إلي سقوط العائلات الملكية التي تستعبد العباد والبلاد وتنهب الثروات وتبددها .
وعلي درب ممالك أوربا تحالفت الممالك العربية ضد الثورة المصرية ، لتبذل جهدها وأموالها لوأدها وقتل شبابها وإلقائهم في غياهب السجون لا لشيء سوي مجرد احتمال أن تتكرر لديهم التجربة ، هكذا يخدمون الحرمين الشريفين والإسلام بالمشاركة في القتل والاعتقال والتعذيب للأبرياء من خيرة أبناء مصر ، لأن خدمة الحرمين الشريفين لا يستطيع أن يقوم بها سوي آل سعود الذين ينبغي أن يكونوا هم وأبنائهم وأحفادهم ونسائهم وجواريهم وسلطانهم في مأمن من تهديد هذا الهراء الذي يسمي ثورات الربيع العربي .
التاريخ يعيد نفسه ، نابليون بونابرت الذي أعلن تأييد الثورة الفرنسية من بدايتها رغم كونه ضابطا بالجيش الفرنسي ، ويكتب مقالات يدعو فيها الجميع لتأييد الثورة مؤكدا أنه ليس من الحكمة التصدي لمطالبها ، والذي تم اختياره ليصبح سيفا للثورة في مواجهة أنصار الملكية الذين أوشكوا علي إسقاط الثورة ، ليؤدي مهمته علي أكمل وجه ، ثم يصبح سيفا للثورة في مواجهة أعدائها من الممالك الأوربية ، يتم التغرير به في نهاية المطاف ، وتقنعه طبقة البرجوازية أن يتدخل بجيشه بحجة إنقاذ فرنسا من الفوضى عام 1799 أي بعد ما يقرب من عشر سنوات من الثورة ، ثم يتم إقناعه بأنه البطل المخلص ، وأنه الوحيد الذي يصلح لحكم فرنسا منفردا ، فتجد وساوس الإنس صداً في نفسه فيستجيب لها ، ويتحرك بالفعل ليقود انقلابا ضد حكومة الثورة ويسقطها بالقوة ، ثم يعدل الدستور ليصبح القنصل الأول لفرنسا عام 1799 ثم إمبراطورا لها في الفترة من 1804 وحتى 1815 ليجدد عهد الملكية .
ولكي يوطد سلطانه أعاد النظام القديم ورجاله ليواجه بهم الثوار من أنصار الحقوق والحريات العامة والنظام الجمهوري ، وقام بتلبية مطالبهم فأعاد تجارة الرقيق إلي جميع المستعمرات الفرنسية بقانون عام 1802 ، و تصالح مع الكنيسة الكاثوليكية ، وأنشأ طبقة امتيازات جديدة ، وغير ذلك كثير .
تحول " نابليون بونابرت " بمساندة الملكيين إلي ديكتاتور علي رأس نظام ديكتاتوري لا معقب علي طموحاته وأفكاره وقراراته ، فأدخل البلاد في حرب " بوردينيو " الطاحنة مع روسيا عام 1812م والتي راح ضحيتها 35 ألف جندي فرنسي .
وينتهي الأمر بفرنسا لوقوعها تحت الاحتلال بعد هزيمتها في "معركة الأمم" من قوات التحالف عام 1813 والتي دخلت باريس عام 1814 وأجبرت نابليون علي التنازل عن العرش ، وقامت بنفيه إلي " جزيرة ألبا " ليعود بعد عام إلي عرش فرنسا مرة أخري ، ليهزم من جديد هزيمة ساحقة علي يد التحالف في معركة " واترلو " عام 1815 ، ويسلم نفسه إلي بريطانيا والتي قامت بنفيه إلي جزيرة "سانت هيلانة" والتي توفي بها عام 1821 ، وبسبب هذه الأحداث لم يتمكن ثوار فرنسا من استرداد الجمهورية الثانية إلا عام 1848 .
أليس ما قرأناه مطابقا لما فعلته طبقة رجال أعمال مبارك بفضائياتهم وصحفهم ومن استعانوا بهم من الفنانين والفنانات والمطربين والمطربات والراقصين والراقصات ممن يرفع منهم – وليس جميعهم - راية العلمانية المدون عليها " لا دين في الحياة ولا حياة في الدين " حين التفوا بالسيسي وأحاطوه بحنانهم وعطفهم وأقنعوه بما أقنع به البورجوازيون نابليون بونابرت .
أليس ما فعلته الطبقة البورجوازية هو ما تفعله الآن مؤسسات مبارك العميقة ومن تحالف معهم من الفاسدين من الحزب الوطني – وليس جميعهم – حين استباحوا من أجل الدفاع عن مكتسباتهم إراقة دماء الشرفاء والأبرياء من أبناء الوطن، وإلقائهم في غياهب السجون وتعذيبهم ، وإصدار أحكام الإعدام والمؤبد ضدهم في قضايا ملفقة وأخري مقامة بناء علي قانون غير دستوري ، لا لشيء سوي أنهم ممن اهتموا بالشأن العام طالبين الرفعة لبلدهم غير أنه كان لهم خيار لا يتفق مع مصالح من قامت ضدهم ثورة يناير المجيدة . لقد عرفنا مصير نابليون بونابرت ومصير فرنسا علي يديه عندما دمر كل ما فعله من خير تجاه الثورة الفرنسية بانقلاب ليس له ما يبرره سوي الطموح والرغبة في السلطة المطلقة .
ومع ذلك فإنني لا أتنبئ للثورة المصرية بما أصاب الثورة الفرنسية بعد انقلاب نابليون بونابرت ، ولكنني أتنبئ لها بأن تحذو حذو الثورة الفرنسية في سنواتها العشر الأولي .
سوف تتمكن الثورة المصرية بفضل من الله عز وجل ونعمة من الانتصار علي أعدائها في الداخل والخارج ، سوف تنتصر علي الممالك العربية وعلي رأسها المملكة العربية السعودية وقادتها من حماة حمي الدين والأخلاق الرفيعة ، الحريصون علي رقاب المسلمين ودمائهم علي كل أرض من أراضي المسلمين ، الذين لا يعنيهم سلطان آل سعود بقدر ما يعنيهم نشر قيم الإسلام عن الحق والعدل ونشر الأمن والأمان في كل وطن من أوطان الإسلام .
سوف تنتصر الثورة المصرية العظمي لتخلص مصر من الاستعمار وعملائه إلي الأبد ، وتنطلق مصر بعدها وخلفها العالم العربي والإسلامي كله إلي آفاق رحبة ، ليتبوأ ما يستحقه من مكانة رفيعة يمتلك كل مقوماتها عدا الحكم الديمقراطي .
اللهم خلص مصر وجميع الدول العربية والإسلامية من حكامها الطغاة المستبدين الظالمين الجائرين الذين اعتبروا عبادك إرثا لهم ولأسرهم وذوي القربة منهم ، فنهبوا أرزاقهم ، واستباحوا دمائهم وحرياتهم ، وأذلوهم ، وجعلوهم في ذيل الأمم عاجزين عن النهوض ، عاجزين عن أن يصبحوا ندا لغيرهم من الأمم .