31 أكتوبر 2014
عبد الإنكليز... عن نشأة مملكة ابن سعود
كوكس أبلغ ابن سعود بلهجة قاطعة أنه هو من سيخطط الحدود بنفسه (أرشيف)
الاخبار - بقلم جعفر البكلى
طأطأ سلطان نجد عبد العزيز آل سعود رأسه أمام المندوب البريطاني السامي في العراق بيرسي كوكس، وتهدّج صوته، ثم أخذ يتوسّل بمذلّة، قائلاً: «جنابك انتَ أبوي وانتَ أمي. وأنا مستحيل أن أنسى فضلك عليّ. انتو اللي سوّيتوني وأخذتوا بإيدي، وانتو اللي رفعتوني وشلتوني. وأنا مستعد، بإشارة منك، لأن أتنازل لك هالحين عن نص مملكتي... لا والله، أنا أتنازل عن مملكتي كلها، إذا جنابك تأمرني!».
كان هذا كل ما استطاعه السلطان عبد العزيز آل سعود من ردّ على توبيخ ضابط بريطاني له أثناء اجتماعهما في مؤتمر العقير الذي بدأ يوم 21 تشرين الثاني 1922، والذي تمّ فيه رسم الحدود بين سلطنة نجد ومملكة العراق ومشيخة الكويت. وكان سبب التوبيخ البريطاني أنّ الجنرال كوكس قرّر انتزاع مناطق من بادية السماوة، وإلحاقها بحدود العراق، متجاهلاً مطالبة ابن سعود بها. فلمّا أبدى الأخير اعتراضاً على ما اعتبره إجحافاً لحق بحدود سلطنته، ناله من مندوب التاج البريطاني تقريعٌ استوجب من سلطان نجد أن يردّ عليه بالتوسل والضراعة!
ولقد دُوِّنَ محضر ذلك الاجتماع، بما جرى فيه من توبيخ المندوب السامي البريطاني وتوسلات العاهل السعودي، في وثائق رسمية كتبها الوكيل السياسي البريطاني في البحرين (حينذاك) الكولونيل هارولد ريتشارد باتريك ديكسون (H.R.P.Dickson )، وأرسلها إلى وزارة الخارجية في لندن، يوم 26 تشرين الثاني 1922.
ثمّ بعد أربعة عقود، كتب هارولد ديكسون مذكراته الدبلوماسية عن السنوات المديدة التي عمل فيها سفيراً لحكومته في دول الخليج العربي، ونشرها في كتاب سمّاه «الكويت وجاراتها»، (نشر في لندن عام 1956). وأعاد سرد الواقعة التي جرت في بلدة العقير بالتفصيل، وكان هو شاهداً عليها، حيث إنه عمل مساعداً ومترجماً لبيرسي كوكس في الوفد البريطاني. ولقد سجّل السفير ديكسون في كتابه المذكور، النص الآتي:
«في اليوم السادس للمفاوضات في العقير، لم يطق السير بيرسي كوكس صبراً، واتهم عبد العزيز بن سعود بأنه يتصرف تصرفاً صبيانياً باقتراحه حدوداً عشائرية بين العراق ونجد. ولم يكن السير كوكس يُجيد اللغة العربية، فقمت أنا (ديكسون) بالترجمة. ولقد أدهشني أن أرى سلطان نجد يُوَبَّخُ من قِبَل المندوب السامي لحكومة صاحب الجلالة كتلميذ وقح. ثمّ إنّ السير كوكس أبلغ ابن سعود بلهجة قاطعة أنه هو من سيخطط الحدود بنفسه، بصرف النظر عن كل اعتراض. حينها انهار عبد العزيز وأخذ يتودد ويتوسل، مُعلناً أن السير بيرسي كوكس هو أبوه وهو أمه، وأنه هو الذي صنعه ورفعه من لا شيء إلى المكانة التي يحتلها، وأنه على استعداد لأن يتخلى عن نصف مملكته، بل عنها كلها إذا أمره السير بيرسي بذلك. إذّاك أخذ كوكس قلماً أحمر، ورسم خطوطاً على خريطة الجزيرة العربية توضح الحدود من الخليج إلى شرقي الأردن» (1).
ثمّ يكمل السفير البريطاني هارولد ديكسون رواية شهادته، فيسجّل النص الآتي:
«قرابة الساعة التاسعة من المساء، حدثت مُقابلة مدهشة. فلقد طلب عبد العزيز بن سعود لقاء السير بيرسي كوكس من جديد. فصحبته إليه. ووجدنا ابن سعود واقفاً وحده، وسط خيمته، وقد بدا عليه الاضطراب. ثمّ بادر عبد العزيز السير كوكس قائلاً له بصوت كئيب: «يا صديقي، لقد حرمتني من نصف مملكتي. والأفضل أن تأخذها كلها، وتدعني أذهب إلى المنفى». وقد ظل ذلك الرجل الضخم واقفاً أمامنا حزيناً، ثمّ إنه بغتة أخذ في البكاء» (2).
يا بهجة الرّوح، جُدْ لي بالوصال
إنّ قصة العلاقة بين عبد العزيز آل سعود وسلطات الاستعمار البريطاني داخَلها دوماً كثير من اللبس أو التهويل، ما جعل عدداً من الحقائق في تلك العلاقة يختلط بكثير من الأضاليل. ولقد دأبت السردية الرسمية السعودية مثلاً على تهميش الدور البريطاني في نشأة الكيان السعودي، أو تجاهله، متحاشية التطرق إليه. وأمّا السرديات المعارضة لآل سعود فقد أطنبت، بدورها، في تضخيم تلك العلاقة، والنفخ فيها، ووصفها بالمؤامرة حيناً، وربطها بالأصول اليهودية (المزعومة) للعائلة المالكة السعودية حيناً آخر (يمكن اعتبار كتاب «تاريخ آل سعود» لناصر السعيد أبرز مثال على ذلك التهويل الدعائي الفج). ولكنّ الوثائق البريطانية - ولا سيما ما تضمّنه القسم التاريخي في الموسوعة الرسمية «دليل الخليج الفارسي وعُمان ووسط الجزيرة العربية» (3) التي أشرف على إعدادها المستشرق والإداري والسياسي جون غوردن لوريمر في العقدين الأولين من القرن العشرين، لصالح حكومة الهند البريطانية - تمنحنا مدخلاً إلى رواية أكثر موضوعية ومنطقية واتساقاً وإنصافاً عن حقيقة الدور البريطاني في صنع مُلك عبد العزيز آل سعود. بل إنّ المراسلات التي تضمنها ذلك الدليل بين الدبلوماسيين البريطانيين في منطقة الخليج وبين رؤسائهم في نيودلهي تدحض تماماً السردية القائلة بأن عودة آل سعود الثالثة إلى السلطة في بداية القرن العشرين، كانت خطة بريطانية محبوكة.
في المقابل، فإنّ موسوعة «دليل الخليج» (التي صنفتها الحكومات البريطانية المتعاقبة زهاء 70 عاماً، تحت بند «سرّي/ حكر على العمل الرسمي») تطلعنا على جملة من المراسلات التي بدأت منذ سنة 1902، وبعثها عبد العزيز آل سعود وكذلك أبوه عبد الرحمن إلى الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، وإلى المقيم السياسي البريطاني في بوشهر. وكان الهدف من تلك المراسلات خطب ودّ البريطانيين، وعرض خدماتهم عليهم. ولكن جميع تلك العروض السعودية التي تستجدي الوصال لم تلق أيّ صدى من طرف وكلاء بريطانيا في المنطقة. فطيلة عقد كامل من الزمن، لم يكلف نفسه المقيم السياسي في بوشهر (والذي لم يكن آنذاك سوى الرائد بيرسي كوكس)، ولا كلّف أيّ واحد من مساعديه الوكلاء السياسيين في المحميات الخليجية ليردّ على رسائل ابن سعود التي عرض في بعضها وضع إمارته الرياض تحت نظام مشيخات الساحل المتصالح التي يحميها التاج البريطاني، ويدبّر لها شؤونها الخارجية، بل إن عبد العزيز زاد فعرض أنه يقبل بوكيل سياسي بريطاني في الرياض، أسوة بمشايخ البحرين والكويت ومسقط، وتكون لهذا الوكيل سلطة الإشارة عليه أو نهيه (4).
ويبدو أنّ آل سعود استخلصوا من إقامتهم تحت جناح الشيخ مبارك الصباح أثناء سنوات المنفى الكويتي، دروساً عدة. وأبرزها أنّ كرسي الأمير لا تستقر قوائمه في صحراء العرب حتى يلوذ صاحبه بحماية بريطانية تمنحه صك الشرعية، وتردّ كيد الأعداء عنه. ولقد رأى عبد العزيز بأمّ عينه كيف أنّ سفينة حربية بريطانية واحدة (هي «بيرسيوس») ردّت بمدافعها غزو جيش ابن رشيد للكويت، وكانت قاب قوسين أن تسقط في يده، بعدما دحر الشيخ مبارك قبل ذلك بأشهر، في معركة الصريف عام 1901.
لكن الذي فات ابن سعود هو أنّ حسابات بريطانيا في حمايتها لابن صباح لا تنطبق بحال عليه. وذلك لأنّ الكويت كانت تملك أهم ميناء طبيعي في الخليج، وأمّا الرياض فلم تكن تهمّ بريطانيا في شيء، بل كانت زمنذاك قرية نائية في قلب الصحراء، لا يميزها عن غيرها في البادية القاحلة سوى الغبار والجهل والجلافة. ثمّ إنّ بريطانيا بإصباغها الحماية على الشيخ مبارك، إنما كانت تهيئ له كي يتطاول متشجعاً بمهابة مدافع سفنها، فيمدّ حدود مشيخته شمالاً، لتسدّ هذه الحدودُ الجديدة على العراق (العثماني حينذاك، والبلد الوحيد في الخليج الذي لم يكن لها سلطة عليه) منافذه إلى مياه البحر، ويصير الخليج بذلك بحيرة بريطانية خالصة، بضفتيه الفارسية والعربية. فذلك ما عنته الكويت لبريطانيا في بداية القرن العشرين: حاجز يخنق العراق في بَرّه، ويعيقه - إلاّ قليلاً - عن الوصول إلى ضفاف البحر. وأمّا إمارة ابن سعود الصحراوية فلم تكن تفيد بشيء ذلك التدبير كله.
ولقد وصل الصدود بالبريطانيين حدَّ أنهم عندما علموا بأن عبد الرحمن آل سعود (والد عبد العزيز أمير الرياض الجديد) سيقوم بزيارة للكويت في بداية عام 1905، صدرت أوامر إلى الوكيل البريطاني بالكويت الكابتن نوكس، لكي يتحاشى مقابلة «الإمام السعودي». بلى، لقد مرّ زمان كان فيه البريطانيون يعتبرون أي اتصال مباشر مع أمير سعودي أمراً غير مرغوب فيه!
على أنّ نظام المشيخات الخليجية المحمية من بريطانيا، والذي تمنى عبد العزيز أن يدخل في نطاقه، كان نظاماً يستحق التوقف عنده لفهم حجم الاستلاب الذي مثله المستعمر البريطاني لعبيده من شيوخ العرب. ولقد حفظت لنا المصادر باللغة الانكليزية مشاهد كثيرة طريفة ودالة. ومن ذلك ما حصل في البحرين، في 26 تشرين الثاني 1903، حين وصل نائب الملك في الهند اللورد جورج ناثانيال كيرزون إلى الأرخبيل العربي الصغير، في السفينة «هاردينغ»، وبرفقته ثماني سفن حربية بريطانية أخرى، للاجتماع بالشيخ عيسى بن علي بن خليفة. وكانت المنامة هي المحطة قبل الأخيرة ضمن محطات جولة كيرزون الخليجية في مسقط والشارقة وبندر عباس والكويت. ولم تكن موانئ المشيخات العربية الصغيرة في ذلك الزمن قادرة على استقبال سفن بريطانيا الحربية الضخمة. فكان الزوار يهبطون من سفنهم متجهين إلى البر عبر زوارق. وكان عبيد شيوخ الخليج يعمدون إلى استقبال زوارق الضيوف المبجلين وهم يَسُوسُون خيولاً وراءهم خائضين في البحر. كل ذلك ليمتطي الزائر الأوروبي حصاناً، فلا يضطر إلى تلويث حذائه بفضلات الغائط التي كانت تملأ أرجاء الشاطئ. وكان رجال البحرية البريطانية إذا نزلوا من سفنهم، يشعل كل واحد منهم سيجاراً لمكافحة تلك الروائح الكريهة المنبعثة من الشاطئ. وأمّا اللورد كيرزون وضباطه الكبار، فقد كان لهم نصيب آخر حافل من إجلال آل خليفة. فلقد أمر الشيخ عيسى أبناءه أنفسهم كي يحملوا على أكتافهم الرجال البيض المبجلين. ولكن اللورد أبى أن يلمسه أحد أو أن يرفعه فوق عنقه. فلم يجد شيوخ آل خليفة حينها بدّاً من أن يرفعوا على أكتافهم، بدلاً من اللورد، عرشه المصنوع من الذهب والفضة، والذي جاء به كيرزون خصّيصاً من الهند. وكانت تلك هي وسيلة أفراد الأسرة الحاكمة في البحرين للإعراب عن مدى إجلالهم وإخلاصهم لبريطانيا العظمى (5).
أخاصمك آه... أسيبك لا
لقد كانت هناك ثلاثة أسباب تفسر لماذا تجنبت بريطانيا التعويل على ابن سعود، في أوائل ظهوره على مسرح الأحداث النجدية في بداية القرن العشرين. وكان السبب الأول يكمن في صيت السعوديين السيئ الذي اكتسبوه قبل قرن، باعتبارهم جماعة دينية متطرفة، وغير مروّضة، وطالما أثارت القلاقل والشغب والمتاعب نتيجة تزمتها ودمويتها وشهيتها الدائمة للتوسع. وكان التراث الوهابي يثير شكوكاً حقيقية في إمكانية طمع السعوديين من جديد بما صار تحت أيدي البريطانيين من مشيخات الساحل المتصالح، إن استتب الأمر لابن سعود في نجد. وأمّا السبب الثاني فكان استرضاء تركيا - في المدى القصير - وهي التي ترى لنفسها حقوقاً وسيادة على «سنجق نجد». ولم يكن من مصلحة لندن أن تثير سخط اسطنبول أكثر بدعمها لبدوي متمرد عليها. وكانت السياسة الخارجية البريطانية تحسب للعثمانيين حساب أنهم ما زالوا المتحكمين في مضيق الدردنيل، وهو ممر بحري أساسي نحو روسيا. وأما السبب الثالث لصدود بريطانيا عن تودد عبد العزيز لها، فيكمن في أنّ حركته المغامرة لاسترداد ملك آبائه من ابن رشيد المتحالف مع العثمانيين، كانت فرصها في بداياتها أقرب إلى الفشل منها إلى النجاح، وذلك لتفاوت الإمكانيات الكبير بين الخصمين. ولقد كتب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت بتاريخ 3 أيلول 1904 رسالة إلى المقيم البريطاني في بوشهر، قال فيها إن الاحتمال بعيد جداً في أن يستطيع ابن سعود تثبيت وضعه دون مساعدة خارجية، ما قد يعني سقوطه في وقت قصير. وهو لن يجد إلا حليفه مبارك ليلجأ إليه في كل مشكلة. ثمّ شرح الوكيل البريطاني بالكويت كيف أنّ مبارك يرسل للرياض دعماً أسبوعياً من الأسلحة والذخيرة والمؤن (6).
على أنّ الملاحِظَ يجد أنّ حكومة الهند البريطانية كانت تبدي في سياستها للخليج العربي تبايناً ما مع استراتيجية وزارة الخارجية في لندن. ولقد بدا ذلك في غضها الطرف وعدم وقوفها حجر عثرة في طريق دعم مبارك الصباح لأمير الرياض الجديد عبد العزيز. ولم تكن أحلام شيخ الكويت أيضاً خافية عنها، وهو الذي طالما هيّأ نفسه لكي يصير سيد بلاد نجد الجديد عبر تحريكه لابن سعود. ولقد ظلّ مبارك يتوهم دوماً أن عبد العزيز ما هو إلاّ «دمية» يحركها كما يشاء. وفي مراسلة إلى المقيم البريطاني في بوشهر بتاريخ 24 حزيران 1904، قرّرت حكومة الهند أنّه ليس من المصلحة أن يحظر السلاح عن ابن سعود المناوئ لابن رشيد الذي تسانده السلطنة العثمانية (7). ولقد كان التشجيع غير المباشر من حكومة الهند البريطانية لابن سعود، وتشجيعها المباشر لابن صباح كي يناوشا ابن رشيد، متسقاً مع خططها التقليدية، وسياستها للمشيخات العربية، وسعيها إلى خلق زعامات قبلية صغيرة ومتنازعة وخاضعة كلها لسيطرتها.
ولقد بقي ذلك التباين بين سياستي لندن ونيودلهي في النظرة إلى دور أمير الرياض عبد العزيز آل سعود قائماً إلى حدود ما قبل الحرب العالمية الأولى، حين حُسِم تماماً ذلك الجدل لصالح وجهة نظر الحكومة الهندية البريطانية، بعدما ضمت تركيا نفسها إلى محور أعداء لندن في الحرب. وفي أيلول 1914 فهمت بريطانيا أخيراً أنّ البدوي السعودي الذي ظل لمدّة اثنتي عشرة سنة مواظباً على كتابة رسائل الغزل لها، يستحق أن تنظر إليه الآن بشيء من الاهتمام. وهكذا فقد قررت وزارة الخارجية البريطانية أن ترسل الوكيل السياسي السابق في الكويت الكابتن وليام شكسبير - وكان هو الدبلوماسي البريطاني الوحيد الذي التقى سابقاً عبد العزيز وتعرَّف إليه عن كثب - ليتفاوض في شأن اتفاقية تعترف فيها لندن بمن صار يلقب بـ«حاكم نجد والحَسَا (الأحساء) والقطيف والجبيل وتوابعها ومراسيها على خليج فارس»، وتتعهد له بحماية شخصه ومُلكه، مقابل أن يتعهد هو تعهداً تاماً بأن لا يقطع أمراً يتعلق بسياسته الخارجية أو الاقتصادية من دون موافقتها، وأنه سوف يتبع نصائحها في ذلك دون تحفظ» (8). وكان الهدف الواقعي لبريطانيا من هذه الاتفاقية هو أن يشاغب ابن سعود أعداءها الأتراك وحلفاءهم آل رشيد في حائل، وأن تكون قواته مخلب قط لها تحارب بواسطتهم العثمانيين في جنوب العراق حتى تصل جيوشها لاحقاً من الهند إلى الشرق الأوسط. وكان للبريطانيين مطلب خاص آخر، وهو أن يصدر شيوخ الوهابيين فتوى دينية تحرّم على الجنود العرب الخدمة في صفوف الجيش التركي، وتدعوهم إلى الانشقاق عنه. (وكان الجنود العرب أكثرية بين الجنود العثمانيين في العراق والشام). وفعلاً، فلقد وجد المفتي الوهابي ذريعة لإصدار تلك الفتوى. ذلك أن تركيا قد والت - حسب رأيه - «الكفارَ» الألمان في القتال، وبذلك تحقق فيها حكم الآية القرآنية: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضُهم أولياء بعض. ومن يَتَوَلهُم منكم فإنه منهم}. وكانت تلك الفتوى الدينية مساهمة وهابية في بروباغندا بريطانيا «المؤمنة». وعلى أساس هذه المساعدة الإسلامية، فقد قرر السير بيرسي زكريا كوكس (ذي الأصول اليهودية) أن يمنح - باسم حكومة صاحب الجلالة - للأمير عبد العزيز بن سعود لقب فارس. وهكذا أصبح بالإمكان تسمية حاكم الرياض الوهابي «السير عبد العزيز بن سعود». وفعلاً، فقد أشارت إليه الوثائق البريطانية على هذا النحو لبضع سنوات. لكن عبد العزيز نفسه لم يستعمل لقب «السير» أبداً، وإنما لبس وسام النجمة ليوم واحد حتى يتمكن البريطانيون من تصويره به، ثم وضع الوسام في مكان ما، ولم يلبسه مرة ثانية على الإطلاق.
بسيفكَ لا بسيفِ الانكليز/ فتحت البَرَّ: easy ثمّ easy
لقد كان عزم بريطانيا في أن تُشغّل عبد العزيز آل سعود وجماعته لحسابها، متزامناً تاريخياً (بل وسابقاً) لمحاولات المندوب السامي البريطاني في مصر السير هنري مكماهون (بين تموز 1915 وكانون الثاني 1916)، تشغيلَ جماعة الهاشميين بزعامة شريف مكة حسين بن علي. لكن مسعى التعويل على عبد العزيز سرعان ما تعثر، بسبب خسارته المهينة ضد قبائل شمر في معركة «جراب» في 17 كانون الثاني 1915، والتي أعقبتها بعد ستة أشهر، خسارة أخرى أكثر فداحة ضد قبائل العجمان في معركة «كنزان» حيث جرح عبد العزيز نفسه، وقتل شقيقه الأصغر سعد. وهكذا صار ابن سعود ديكاً منتوف الريش تماماً، ويعيش أسوأ أوقاته. ولم يعد بالإمكان التعويل عليه حتى في مسائل محلية، فضلاً عن أمور تهمّ مقادير السياسة العالمية. ولقد تمردت عليه قبيلة العجمان في شمال نجد، وقبيلة المرة في جنوبه، وخرجت الأحساء كلها عن سيطرته، ما عدا الهفوف والقطيف، وأخذت سلطته الناشئة بالتفكك. لكنّ بريطانيا - لحسن حظ عبد العزيز - أوفت بوعودها التي قطعتها له بعد توقيعه اتفاقية دارين بالقطيف، في 26 كانون الأول 1915، فزوّدته بثلاثمئة بندقية تركية، وعشرة آلاف روبية عام 1915، ثمّ بألف بندقية إضافية، ومئتي ألف رصاصة، وعشرين ألف جنيه استرليني عام 1916 (تضاعف هذا المبلغ ليصل إلى ستين ألف جنيه في بداية العشرينيات). ولا شك أنّه لولا ذلك المدد البريطاني السخي لما تمكن «ملك الرمال» من الوقوف على ساقيه من جديد في وجه مناوئيه، وما كان ليخضع العجمان أو يعيد السيطرة على الأحساء، أو يستعيد سيطرته على المنطقة الشرقية من الجزيرة العربية من جديد، بل لربما كان تاريخ الشرق الأوسط في القرن العشرين قد تبدل تبدلاً دراماتيكياً، أو كتِبَ من دون ذكر لمملكة آل سعود.
وعلى مدى ثلاثين عاماً، منذ معاهدة دارين سنة 1915، التي وقعها ابن سعود مع بيرسي كوكس، وإلى حدود سنة 1945 حينما وقع العاهل السعودي معاهدته الجديدة مع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت على ظهر السفينة «كوينسي»؛ كان عبد العزيز طوال تلك المدة عبداً مطيعاً للإنكليز. فلم يكن غريباً حينئذ المشهد الذي وصفه السفير هارولد ديكسون قرب ميناء العقير، على ساحل الخليج العربي، حين طأطأ سلطان نجد عبد العزيز آل سعود رأسه أمام المندوب البريطاني السامي في العراق بيرسي كوكس، وتهدج صوته، ثمّ أخذ يتوسل بمذلّة، قائلاً: «جنابك انتَ أبوي وانتَ أمي. وأنا مستحيل أن أنسى فضلك عليّ. انتو اللي سوّيتوني وأخذتوا بإيدي، وانتو اللي رفعتوني وشلتوني. وأنا مستعد، بإشارة منك، لأن أتنازل لك هالحين عن نص مملكتي... لا والله، أنا أتنازل عن مملكتي كلها، إذا جنابك تأمرني!».
مراجع وهوامش
(1) هارولد ديكسون، الكويت وجاراتها، ج1، ص281.
(2) المصدر السابق، ص282.
(3) صدرت ترجمتان لموسوعة دليل الخليج الفارسي، منذ أن سمحت الحكومة البريطانية بنشره عام 1970، إحداهما في قطر والثانية في سلطنة عمان. وأما النسخة الأصلية للدليل فعنوانها الانكليزي هو:Gazetteer of the Persian Gulf, Oman and Central Arabia
(4) جون غوردن لوريمر، دليل الخليج الفارسي، القسم التاريخي، ج3، ص1721.
(5) أورد لوريمر في وثائق موسوعة دليل الخليج تفاصيل إضافية عن زيارة حاكم الهند كيرزون للمشيخات العربية في الأسبوع الأخير من نوفمبر1903. ولكن الكاتب البريطاني روبرت لايْسي تميز بإيراده تفاصيل «طريفة» لتلك الزيارة التاريخية، في كتابه
The Kingdom: Arabia and the House of Saud
(6) خالد محمود السعدون، العلاقات بين نجد والكويت (1319-1341هـ / 1902-1922م)، ص100.
(7) لوريمر، دليل الخليج الفارسي، القسم التاريخي، ج6، صص 3770 -3776.
(8) Alexei Vassiliev, The History of Saudi Arabia, p238
يذكر أنّ الكابتن شكسبير الذي فاوض ابن سعود قبل بيرسي كوكس على بنود هذه الاتفاقية، قتِل في 17 كانون الثاني 1915 في معركة «جراب» بين قوات آل سعود وقوات آل رشيد. وكان شكسبير قد تحمس أثناء وجوده في معسكر السعوديين قبيل المعركة لكي يساعدهم بخبرته في المدفعية. لكن السعوديين سريعاً ما انهزموا، وأما الإنكليزي فلم يلبث أن قتل، ثم قطع جنود قبيلة شمر رأسه، وأهدوه إلى الأتراك الذين طافوا به بين الناس، قبل أن يعلقوا خوذة الضابط البريطاني الحربية على بوابة المسجد النبوي في المدينة، كدليل قاطع على موالاة آل سعود للكفار الإنكليز.
عبد الله شبيب يكتب: السيسي يأمر بتهجير أهل سيناء تمهيدا لتسليمها لإسرائيل
أمر السيسي بتهجير شعب سيناء تمهيدا لتسليمها لاسرائيل وهذا مخطط صهيوني بالاتفاق مع السيسي مضمونه هو تسليم سيناء اولا لاسرائيل ثم الدلتا ثانيا حتى الوصول إلى النيل وسيناء هي جزء غال على كل مصري فقد قتل الصهاينة على ارضها اكثر من مئة ألف مصري.
ولا توجد عائلة مصرية الا ولها شهيد في سيناء الحبيبة. وقد طلبت الحكومة الصهيونية والامريكية حكومات مصرالسابقة باخلاء جزء من سيناء لكن الحكومات المصرية رفضت هذا المطلب لكن بعد وصول السيسي لحكم مصر، فان تسليم سيناء لاسرائيل اصبح على الابواب فبعد سماح السيسي بتواجد قوات خاصة
اسرائيلية على اراضي سيناء وسماحه بمرور الطائرات الحربية الصهيونية في سماء سيناء حتى قناة السويس وجميع تصرفاته متشابهة مع التصرفات الإسرائيلية ضد الشعوب العربية.
كما اكدت الاذاعة الاسرائيلية منذ ايام ان السيسي طلب من عباس ابومازن ترك فلسطين لليهود في مقابل تعويضهم بعشرات اضعاف الاراضي التي سيخرجون منها في سيناء ونفى السيسي هذا الخبر .
أصيب السيسي بالجنون حينما سمع بالعملية الفدائية على حدودنا الفلسطينية وقرر تعويض اسرائيل عن اصابة الجنديين فأمر بقتل 33 جنديا مصريا واصابة العشرات كما امر ببناء سور محاذي لقطاع غزة بينما حدودنا مع العدو الصهيوني مفتوحة للصهاينة يسرحون ويمرحون بكل حرية فيها. ولم يكتف السيسي بذلك بل امر عصاباته بتهجير شعب سيناء الأعزل الذي يتعرض لابادة من عصابات السيسي بسبب رفضه للانقلاب العسكري الدموي وبسبب دعمه للمقاومة في غزة. واتهم السيسي غزة بتنفيذ العملية ضد الجنود المصريين. والحقيقة ان المخابرات هي المسؤولة عن قتل هؤلاء الجنود وقد عودنا
السيسي على قتل جنود مصر عقب تبريره لاي مؤامرة يدبرها لكن اصابة جنديين اسرائيليين هي جريمة بالنسبة للسيسي . بعد اصابة جنديين من قتلة الانبياء والمرسلين امر السيسي بقتل 30 جنديا مصريا واصابة العشرات وتهجير اهل سيناء وهذا يؤكد ان دم الاسرائيلي مقدس عند السيسي .
عندما يذكر البطل الشهيد احمد قصير فانني اتذكر ابطال الاسلام فهذا البطل قام باكبر عملية استشهادية في التاريخ ضد قتلة الانبياء والمرسلين في لبنان ففي يوم 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1982 قام البطل احمد قصير بتفجير سيارة مفخخة في مقر الحاكم العسكري الاسرائيلي للبنان فقتل مئتي ضابط وجندي صهيوني من بينهم القائد العسكري الاسرائيلي للبنان ورئيس الأركان الاسرائيلي وكبار قادة الجيش الاسرائيلي. وهذه اكبر عملية استشهادية في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي اوقعت اكبر عدد في صفوف ضباط وجنود العدو الصهيوني .
ادعو حزب الله اللبناني وحركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التوجه إلى سيناء في اقرب وقت ممكن للدفاع عنها لان السيسي سيسلمها للعدو الصهيوني قريبا وانا لا اتمنى ضياع جزء غال من مصر مر عليه الكثير من الانبياء والمرسلين وارتوت بدمائه عشرات الالاف من المصريين.
تعرضت اسرائيل لهزيمتين ساحقتين الاولى في لبنان عام 2006 والثانية في غزة 2014 وقد قهرت المقاومة الجيش الذي لا يقهر كما ان شمال فلسطين المحتلة مهدد من حزب الله وجنوب فلسطين مهدد من حماس والجهاد والجبهة في غزة ومن عادة اليهود انهم يريدون ان يعيشوا في مكان آمن وقريبا جدا سيتم تهجير ملايين الاسرائيليين إلى سيناء والدلتا وسيصفق لهم الاعلام المصري الموجه من جهاز المخابرات وكما يتم تهجير اهل سيناء اليوم سيتم تهجير اهل الدلتا في الغد وبذلك يتحقق الحلم الاسرائيلي بالوصول إلى مياه النيل.
الشحات شتا
------
تعليق :
نقلنا لكم ما قاله العسكريون الأمريكيون المتقاعدون قي إحدى صحفهم :أن السي سي يهودي سيجعل من ( مصر) أكبر مستعمرة تابعة [ لإسرائيل] في الخارج
..وكما أكدنا مرارا : السيسي وطواقمه – وخصوصا كثير من كبار ضباط الجيش والداخلية .. عملاء للسي آي إيه وللموساد اليهودي ..!!
ومن لا يرى -عيانا – أيادي الموساد تتحكم في الحكم المصري والشارع المصري الرسمي .. ليراجع قواه العقلية!!
..ويكفي التذكير بمواقف السي سي من المقاومة وحماس وفلسطين ..إلخ ..عداعن زج جيش مصر في الصراع الليبي ..إلخ
وإن شئتم فلدينا كثير من الوقائع والوثائق والتصريحات .. لكن المقام هنا لا يتسع..!
لابد من زوال الغشاوة عن أعين الشعب المصري ..وكشفه الحقيقة .. لبدء التغيير ..وإزاحة الظلام القبيح الذي ينشره الإعلام التحشيشي المتصهين -كما أقر عكاشة الشاذ نفسه
شيماء عزت تكتب : الاعلام المصري بين ديكتاتورية مرسي وحريات العسكر
ظل الاعلام المصري علي مدار عام كاملا هو مدة حكم الرئيس مرسي يملأ الدنيا صراخا ليلا و نهارا عن حرية الاعلام و عن نية مرسي و “جماعته” تكميم الافواه حتي اذا جاءهم حكم العسكر رأي القاصي و الداني المعني الحقيقي لتكميم الافواه من غلق قنوات و مصادرة صحف و حتي اعتقال و قتل الصحفيين
حرية التعبير في مصر
الاعلام و مرسي : نقد ام اساءة؟
خلال حكم الرئيس مرسي ظلت اكثر من 40 قناة حكومية و خاصة ( جميعهم تابعين لفلول نظام مبارك) يكيلون التهم و حتي الشتائم للرئيس مرسي و ” جماعته” كما يحلو للاعلام المصري ان يطلق عليهم دون ان يتعرض لهم الرئيس او يغلق اي قناة . بالرغم من التجاوزات التي كانت تستلزم الردع في بعض الاحيان كما سنوضح لاحقا بالامثلة.
فتلك الفترة من عمر الاعلام المصري تميزت بقدر كبير من عدم المهنية فاصبح لا فارق بين النقد و المعارضة و حرية الرأي و بين الاساءة اللفظية و حتي التحريض علي شخص الرئيس.
فحين يطل علينا احد الاعلاميين و هو توفيق عكاشة ليهدد الرئيس صراحة انه سيضربه و لن يستطيع احد ان يخلصه منه اذا ذهب الي جنازة الجنود الذين قتلوا في سيناء فلا احد يستطيع ان يقول ان هذا نقد او اعلام من الاساس.
و حين يظهر علينا اخر و يقول ان من في القصر الجمهوري هذا رجل مجنون و يجب اقتحام القصر و قتله او اعتقاله فعن اي حرية نتحدث.
هذا بالاضافة الي الكثير من الشتائم مثل ” اهانة الرئيس واجب وطني” و الرئيس الفاشي” و ” المجنون” و القائمة تطول.
و كذلك الهجوم المستمر علي افعال الرئيس حتي و ان كانت الصلاة كما قال محمود سعد منتقدا صلاة مرسي في الجامع كل جمعة.
الانقلاب و تكميم الافواه:
حتي جاء الثالث من يوليو يوم الانقلاب العسكري ليميز كل من له عقل بين الحرية التي سادت عهد مرسي و عصر الانقلاب العسكري.
فمنذ الوهلة الاولي لبيان الانقلاب تم غلق كل القنوات المؤيدة لمرسي و تسويد شاشاتها و اعتقال العاملين بها علي الهواء مباشرة ثم أعقب ذلك غلق الصحف تباعا .
و لم يكتفي العسكر بغلق القنوات ذات الطابع الاسلامي فقط بل طال التضييق الاعلامي كل من يعارضهم الرأي مثل باسم يوسف الاعلامي المشهور الذي اشتهر بنقده اللاذع و حتي المتجاوز بحق مرسي و الاخوان و رموز التيارات الاسلامية . فمع اول حلقة لبرنامجه بعد الانقلاب العسكري بدأ التضييق عليه حتي ترك القناة التي كان يعمل بها و تعاقد مؤخرا مع قناة جديدة اشترطت عليه عدم تناول موضوعاته للجيش.
و كذلك العديد من الصحفيين منعوا من الكتابة لانتقادهم للحكم العسكري مثل وائل قنديل و محمد القدوسي و مؤخرا بلال فضل.
اعتقال و قتل :
و كل هذا غير الصراع المحتدم بين النظام العسكري و قناة الجزيرة القطرية الذي وصل الي حد مصادرة تراخيص العمل و مصادرة معدات التصوير و اعتقال المراسلين و اتهامهم بالارهاب و هذه التهم تشمل 20 صحفيا مطلوبين للمحكمة 8 منهم قيد الاعتقال بالفعل
و بالاضافة الي مراسلي الجزيرة هناك صحفيون قد اعتقلوا اثناء فض رابعة في 14 اغسطس الماضي و لم يروا الشارع منذ ذلك اليوم. و كذلك صحفيين اعتقلوا اثناء احداث مسجد الفتح بالقاهرة.
و قبل كل هذا لا يجب ان ننسي دماء شهداء عيون الحقيقة الذين سقطوا بنيران العسكر بعد الانقلاب العسكري و الذين بلغوا 7 صحفيين من ابرزهم احمد عاصم شهيد مذبحة الحرس الجمهوري و حبيبة عبد العزيز شهيدة مذبحة فض رابعة.
الاعلام المؤيد للانقلاب في واد آخر
بالرغم من كل التجاوزات في حق الصحفيين و القمع الفكري الممارس نجد قنوات فلول نظام مبارك لا تشغل بالها سوي ببث الفرقة و الانقسام بين ابناء الشعب المصري من خلال تبنيها خطاب اقصائي فاشي و ما زال الهجوم علي مرسي و ” جماعته” هو عذب الحديث بالنسبة اليهم .
فهؤلاء الاعلاميون قد بدت البغضاء من افواههم و ما تخفي صدورهم اكبر.
30 أكتوبر 2014
29 أكتوبر 2014
محمد رفعت الدومي يكتب: بيت النتَّاش
رغبة الهروب إلي الركن تتفاقم ، أصوات داخلية مرتعشة تنمو بصوت مسموع علي أسوار العزلة تشكل جملاً أشبه بالجزر المنعزلة ، مثلها لا يمكن أن تصدر إلا عن نفس ممزقة ، هي الأخري أشبه بالجزر المنعزلة..
هل نجحوا في ترميم جدار الخوف القديم؟
هل دخل المصريون مرة أخري إلي حظيرة العسكر؟
الإجابة عن هذا السؤال "تونس" ، دائماً الإجابة هي " تونس" ، ولا يفوتني هنا أن أرسل أحر التهاني للإخوة هناك بنذر الديمقراطية التي تتهيأ ، لقد نجوا أو كادوا ، مع هذا ، أسأل كل القوي الايجابية في الطبيعة أن تجعل بين "تونس" وبين دولارات النفطيين سداً من النار..
من جهة أخري ، وبنفس القدر ، ربما كانت الإجابة عن هذا السؤال "العراق" ، وتبقي للطرف الآخر الدخيل ، ربما لعام قادم أو أقل ، فقط ، رفاهية الخيار..
يجب أن أقول هنا أن هذا الطرف الآخر ، إذا أراد أن ينجو من الشرخ الذي يسعي إليه بعصبية شديدة ، لابد له من إرادة قوية للإبحار في العمق الحقيقي للمشهد الغير معقد علي الإطلاق ، والاستعانة بالتاريخ كمؤثر ذهني مبهر لإضاءة كل زواياه المعتمة ، و لسوف يكتشف ببساطة الماء أنه يسير بخطوات متهورة في طريق خاطئ ليس به موطأ لجسر واحد للعبور إلي الماضي دون خسائر باهظة ، ونهاية فاحشة مضرجة بالدم علي نحو أكيد ..
فالثورة حتماً سوف تنتصر ، شاء من شاء وأبي من أبي ، أقصد ثورة "25 يناير" طبعاً ، ذلك أن الثورة قبل كل شئ فكرة ، والفكرة فينيق ، مرشحة للانبعاث من تحت الرماد في أي وقت ، وكل وقت ، ما دام ثمة - ولو شخص واحد - يؤمن بها كفكرة بيضاء ، الأمثلة علي ذلك لا تعد ولا تحصي ، مثلاً:
"الحركة الحوثية" في "اليمن" بدأت في "صعدة" منذ عقدين وبعض العقد برجل واحد ، وهو "حسين الحوثي" ، أو رجلين علي وجه الدقة ، وها هي الآن ترج الرعب في قامة "اليمن" كلها وأبعد من "اليمن " بآلاف الأميال، صحيح أن الدوران في الفشل سيكون مصير الحوثيين في النهاية ، لكن ، صحيح أيضاً أن جمرتهم لن تتحول إلي رماد قبل أن تغير الكثير من شخصية "اليمن" كدولة أولاً ، وبطبيعة الحال ، كمجتمع قبل كل شئ..
ومثلاً..
جماعة "الإخوان المسلمين" الآن تعود بالأساس إلي فكرة نبتت في ذهن متوقد تصور أن أستاذية العالم ممكنة ، ذاك "حسن البنا" ، وها هي الفكرة الآن حية تمد جذورها في معظم دول العالم ، بل وصلت إلي سدة الحكم في "مصر" فعلاً..
كما أن السيد "باراك أوباما" ، أهم شخصية الآن تسعي فوق هذا الكوكب البائس ، هو ذروة النقطة لحلم أبيض داعب ذات يوم ذهن رجل أسود اللون يسمي "مارتن لوثر كينج" ، استوعب القانون العميق للحياة ، فأطلق ذات يوم صيحته الشهيرة في غير موسمها:
- لديَّ حلم..
فلم يلهم السود إمكانية ميلاد عالم جديد فحسب ، وإنما ألهمهم الحاجة إلي ميلاد ذلك العالم..
والآن..
ليس من السهل على الذين لم يمروا بهذا الاختبار أن يدركوا تماماً ماذا يعني ألا يذوق المرءُ من جراء الذعر طعمَ النوم بمعناه المتعارف عليه ، بل هو نوم ملاحق ومشوبٌ بأفكار سوداء من كل جانب!
ليس من السهل أن يدركوا ماذا يعني ألا يعيش الإنسان حتي في ظلال أبسط قيم الحرية ، إنما الديكتاتورية بكل تجلياتها وصورها ، حيث الخوف هو الرياضة الوطنية ، وحيث لا صوت يعلو فوق صوت الدولة البوليسية بكامل أدواتها ، وبكامل عنفوان لهجاتها المتشفية..
ذلك الشعور بالبهجة في إذلال العاجزين لا يجب الاستهانة به!
وككل ليالي "مصر" ، ليلة أخري مزدحمة بالأحداث العصبية..
في مثل هذه الليالي الدامية تصل الأرواح البيضاء ذروة هشاشتها ، تتوالي الأحداث طازجة وحية، أصداء متضاربة وملتبسة حول حادث "33" جندياً مصرياً من أبناء البسطاء سافروا في مساحات الغياب جراء تفجير كمين "الخروبة" بـ "شمال سيناء"، "33" هدفاً حراماً تم العصف بأرواحهم نخباً لمعركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل..
يحاصرني الآن هاجس قذر بأن أخي قد يكون من بين الضحايا المؤجلين ، أوشك علي الاختناق ، فألوذ بـ "الريموت كنترول" لتحريك الأفق الخانق ، يصافح أذنيَّ علي الفور صوتُ الفنان "جمال سليمان" ينبعث من برومو مسلسل " سيدنا السيد " حاداً ومؤلماً:
- بلد ايه يا افندي ؟.. أنا هنا البلد ذاتها..
نعم ، الكل في واحد ، "90" مليون رقبة في رقبة ، ليس من الغريب إذاً أن يرد هذا المعني ، " الكل في واحد" ، في نشيد الموتي عند قدماء المصريين ..
يتنحي صوت "جمال سليمان " خلف صوت الفنان "جمال عبد الناصر" يتردد دون خجل من برومو مسلسل "الصفعة":
- اسرائيل بتصدر الوهم عن أرض الوعد!
لا تعليق ، فإن في الصمت السلامة أحياناً..
والآن ، قليل من السلام النفسي يستحوذ مع أصوات كورس تتردد من خلفية مسلسل "الخواجة عبد القادر" بأبيات "الحلاج":
- ما لي وللناس كم يلحونني سفهاً / ديني لنفسي .. ودين الناس للناس ..
فضائية أخري وإعلان لوزارة الصحة:
- طعَّموا أطفالكم مع كل حملة لنحافظ علي بلدنا خالية من شلل الأطفال!
تعصف بي رغبة لست أدري هل هي رغبة في الضحك أم في البكاء ، وأتسائل بصوت مسموع ، ما فائدة أن تكون "مصر" خالية من شلل الأطفال ما دام أفقها ، بشتي صوره ، مشلولاً؟
بمعني آخر ، ما فائدة الأرجل السليمة في بلادنا؟ ، هل فقط ليكون المصريون لائقين لخدمة الجيش؟
قناة مهجورة أخري ، وأحد الغربان الذين أتي بهم الغزاة المحليون ليتسلقوا حنجرة الإعلام ويزيفوا وعي المصريين يصرخ من كل أعماقه ، بلهجة تحريضية ، وبحقد حقيقي:
- عاوز أشوف دم للركب!
المشكلة الحقيقية أن هذا الفأر الفضائي كريه الرائحة لا يغرد خارج السرب ، إنما هو يتبرز كلماته هذه من خلال موجة من السفاهة والجنون ، هي الأعنف علي الإطلاق ، تضرب "مصر" من رأسها حتي قدميها ، وبلا هوادة..
تنتابني رغبة في القئ ، تزداد حدة عندما أقرأ عن غير عمد علي شريط القناة التالية هذا الإعلان:
- الدكتور "يوسف فتوني" ، أعظم الفلكيين في العالم ، معالج روحاني ، يساعدك علي فك السحر ، وجلب الحبيب ، وفك المربوط ، والقرين ، وأم الصبئان.....
هل نحن نعيش حقاً في دولة؟
ومتي يحق لنا أن نطلق تسمية دولة على هذه الدولة وليس على تلك؟
نحن نستطيع بسهولة أن نقول عن دولة لا تحترم الحريات بالقدر الكافي بأنها دولة مستبدة ، لكن لا نستطيع أن نقول عن دولة تؤمن بأن أبسط ألوان الحرية ترفٌ لا يستحقه مواطنوها ، وهي لا تحرك ساكناً في نفس الوقت ، لوقوعهم أهدافاً مشروعة للدجالين إنها دولة مستبدة ، بل نقول إنها ليست دولة علي الإطلاق ، إنما تجمع بشري علي حافة الصدفة الجغرافية ، لا أكثر ولا أقل..
فضاء آخر مسكون بفيلم "بيت النتاش"، بطولة "شرفنطح " و "زينات صدقي" و "شادية" و "اسماعيل ياسين" و "عبد السلام النابلسي" و "عبد الفتاح القصري"، أدهشني أن أكتشف علي الفور أن ذاكرة صباي لم تزل تحتفظ بالخطوط العريضة لهذا الفيلم الجميل الذي الآن لا يثيرني..
وسأكتشف بعد قليل أن الفيلم من انتاج عام "1952"، ما أغرب هذه المفارقة ، إنه إرهاص مبكر والتقاط لوحي شديد الدقة بالمأساة التي الآن ، وانطلاقاً من ذلك العام الأسود ، تعيشها "مصر"..
المعلم "غندور" يخدع "نفوسة العراقية"، ويزوِّر عقد شراء قطعة أرض لصالحه ، ثم ، بدافع خوفه من أن يفتضح الأمر ويسقط تحت طائلة القانون - أيام كان القانون لا يرتفع عن الأرض غابات من الأميال - يصارحها برغبته في الزواج منها ، لكنها تشترط ألا يحدث هذا قبل زواج ابنتها "ملبسة"..
وفي محاولة ماكرة للقفز فوق هذا الشرط ، يقترح "غندور" أن يزوج "ملبسة" من ابنه "ميمي"، أو "عبد السلام النابلسي"، صحيح أنه حل مقنع ، لكن ، صحيح أيضاً أن الحياة ليست بسيطة إلي هذا الحد ، فلولا تقاطعاتها الحادة لما كان لها جمال ولا قيمة ، إنها الصراع ، الاشتباك ، ذلك المخاض العسير لوجه القادم من رحم الاختلاف ، وهذا فقط ما أحبط كل مخططات المعلم "غندور"!
لقد كانت "ملبسة" متيمة بحب ابن خالتها "سكر" ، تاجر اللب العائد من "السودان"، إنه "اسماعيل ياسين" طبعاً ، الشئ الوحيد الذي اتفق علي حبه كل نزلاء الفندق الممتد من المحيط إلي الخليج الفارسي!
وككل نهاية سعيدة ، سوف يردد الكورس في نهاية الفيلم:
بيت النتاش عمره ميعلاش ...
وكلامه كلام واحد غشاش ...
عمر الغالي ما كان ببلاش ...
وسوف لا نجد ، مهما أطلنا التنقيب عن غالٍ ما هو أغلي من الدم..
لذلك ، يحق لي أن أؤكد:
- عمر الدم ما كان ببلاش!
اسألوا التاريخ عن تعريف الدم المراق خارج القانون ، سوف يجيبكم بأنه نسغ الحياة لكل الثورات عبر العصور الإنسانية ، فاطمئنوا ، إنكم علي الدرب المؤدي لاكتشاف الحرية أرض "مصر" ، مع ذلك ، ولسوف أستعير هنا سؤال تردد علي لسان "ريتشارد قلب الأسد" في فيلم "الناصر صلاح الدين":
- لكن ، بكم من الضحايا؟
بكم من الضحايا ، هذا هو السؤال المتطلب..
صحفيون ضد الانقلاب : السلطة تسعي لـ"تقنين تكميم الافواه" والنقابة تشارك في الجريمة
قفزت حرية الاعلام والصحافة في مصر قفزة قوية وغير مسبوقة ولكن الى الخلف لتغوص بمصر في دياجين الظلمات والاعلام الموجه الذى لا يتناسب مطلقا مع عصر السماوات المفتوحة ووسائل الاعلام الاجتماعى والحرية التى نشدتها ثورةشعب مصرفي 25 يناير وذلك تحت دعاوى واهية وهو ما بدا واضحا من الاجتماع المريب بحزب الوفد مؤخرا الذى عقدته قوى الاعلام الحكومى السلطوى وما تمخض عنه في شكل اعلام فاشي اقصائي يضرب حرية الصحافة والاعلام في مفتل
وتري حركة "صحفيون ضد الانقلاب- صدق" ان مشاركة ضياء رشوان نقيب الصحفيين في مثل هذا الاجتماع المريب يعد عملا سياسيا بامتياز ما كان ينبغي لنقيب نقابة الرأى ان يكون ابرز حاضريه خاصة ان الهدف المعلن وراء هذا الاجتماع هو مواجهة ما اسموه بـ"الارهاب" في "خطاب اعلامى موحد" وهو ما يعيدنا الى عصر الاعلام الموجه الذى ما كان يجب على نقيب الصحفيين ان يكون متواجدا به والمنوظ به الدفاع عن حرية الصحافة وليس االسعي الى خنقها.
وتؤكد الحركة أن التوجة الذى دعا اليه الاجتماع هو ما يمارس بالفعل منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013 ولا حاجة لعقد مؤتمر للحث عليه.وتشدد الحركة ان هذا التوجه السلطوى سيبوء بالفشل لأنه يخالف روح العصر وسيكلل كل من دعا لهذا التوجه بالعار.
وتعبر " صدق" عن اندهاشها من استمرار مسلسل الاستحواذ وتغييب القطاع الاكبر من الصحفيين وصدمهم بقرارات فوقية او صادرة بصورة شكلية من صحفيين يبدون مستقلين ولكنهم من "كتبة السلطة" مؤكدة أن قرار محلب، بإنشاء لجنة للتشريعات الإعلامية يعد مخالفا للدستور والذي نص من خلال المادة 70 بضرورة أخذ رأي نقابة الصحفيين، فيما يخص التشريعات المتعلقة بالصحافة وان التعجل في المضى بهذه اللجنة مع ما سبقها من اجتماع حزب الوفد يعنى ان السلطة تضمر مزيدا من تكميم الافواة وتقنين هذا الاجرام.
وتطالب الحركة بمشاركة جميع الصحفيين في تشكيل هذه اللجنة وعموم الشخصيات والحركات الرافضة للانقلاب العسكري وتأمينهم من سيف الجلاد ليبدون رأيهم في مستقبل مهنتهم , وان التسرع لانجاز هذا الامر وسط تغييب قطاع كبير من الصحفيين ترهيبا وسجنا لا يخدم ابدا حرية الصحافة. ويضمر نية سيئة للصحافة والصحفيين
وتؤكد الحركة ان حرية الصحافة تبدأ بالقصاص لشهداء الصحفيين واطلاق سراح السجناء منهم واعادة المفصولين الى اعمالهم وتعويضهم عن التعسف الذى لاقوه جراء البطش الذى تستخدمه سلطة الانقلاب مع تشجيعهم لقول رأيهم بكل حرية دون عقاب بدنى او معنوى وهو الاجراء الاولى الذى كان ينبغي الاقدام عليه بدلا من الاسراع لسلق قوانين تقنن عملية تكميم الافواه وكسر الاقلام وقتل الصحفيين.
وتعيد الحركة تاكيدها على مطالبتها مجلس ادارة صندوق التكافل بالتراجع عن القرار السياسي الذى اتخذه باستثمار 15 مليون جنيه في مشروع قناة السويس الجديدة" وتحملها المسئولية كاملة عن اموال المودعين.
حركة صحفيون ضد الانقلاب - صدق
القاهرة - 29 اكتوبر 2014
عاشت حرية الصحافة
وتسقط القوانيين المكممة للحريات
أنا لم أخلق ﻷغض النظر بقلم:رحاب أسعد بيوض التميمي
أنا لم أخلق ﻷغض النظرعن طعن اﻹسلام في ظهره،وأقف شاهد زوراً على من يتأمرون عليه،وأساهم في تجهيز نعشه،لكي يدفن على أعين البشر.
أنا لم أخلق ﻷرى أمتي تستباح بيضتها،وتنتهك حرماتها ثم أغض النظر.
أنا لم أخلق ﻷغض النظرعن كل أنواع الظلم،وعن أشكال الفساد،ثم أام وكأن شيئاً لم يكن قد حصل.
أنا لم أخلق ﻷكل وأشرب،وغيري يرتفع.. ويرتفع ..حتى وصل القمر.
أنا لم أخلق ﻷغض النظرعن الحاكم وأفعاله،وأدعو بطول عمره،وإن كان دون البشر.
أنا لم أخلق ﻷطبع مع أعداء أمتي ..وأكون سبباً في تمرير واقع مرير لكي أغض النظر.
أنا لم أخلق ﻷغض النظرعن كل الجرائم،وأقول لنفسي يا نفس أنما أنت،وبعدك فلتحرق النار كل البشر.
أنا لم أخلق لأكون دون البشر في الحق والعدل واﻹنصاف وما يستقيم به حال البشر. أنا لم أخلق ﻷداري كل ذنب،وكل خطيئة يرتكبها البشر.
أنا لم أخلق ﻷغض النظرعن كل المتكبرين والمتعجرفين وعن كل الكهنة والسحرة، وأسايرهم وأبررمساندتهم ببعد النظر.
أنا لم أخلق ﻷُساند الظالمين وأغض النظرعن ظلمهم كما يفعل أغلب البشر.
أنا لن أكون سبباً في انتشار الظلم،وتفشي الفساد بدعوى غض النظر.
أنا خلقت حراً.. لا لكي أستعبد من قبل البشر.
أنا خلقت حراً ﻷنصر الحق ولكي أكون فوق كل اولئك الذين يغضون البصر,ﻷن ربي أبى علي أن أذل أو اقهر.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)