20 يناير 2025

أنا.. وهم.. وصفوت الشريف - بقلم د. سليم عزوز

لا يزال البعض لكي يثبت استقامته السياسية، ويثبت أنني افتقد لهذه الاستقامة، يعود فيذكر الناس أن سليم عزوز ترحم على صفوت الشريف.. يا إلهي.. هل يعقل أن يكون فعلاً ترحم على صفوت الشريف.. ويحه!
1ـ الحقيقة أنها كانت ليلة ليلاء هذه التي توفى فيها صفوت الشريف، وكنت قد كتبت رحمه الله، على أمل أن أنام والصباح رباح، لكن راح النوم من الجفون حيث فوجئت بحملة مكثفة ضدي، تستدعي الأمر الإلهي لإبراهيم بعدم الاستغفار لأبيه، لأنه من الكافرين، ولسيدنا محمد بعدم الاستغفار للمنافقين، وكأن أمراً إلهياً صدر لي، أو لهم في أمر صفوت الشريف.. اضبط إنه يترحم على صفوت الشريف، يا معفن لو كنت أنافق الناس فالأدعى ألا أفعل، يعني في ثقافتي عند ذكر من مات.. الله يرحمه، سيقول جاهل موتور، ولماذا لم تترحم على فرعون، وأقول لأن القرآن كشف لنا حقيقة فرعون، ولم ينزل قرآن في صفوت الشريف!
2ـ آفاتنا في مواليد ما بعد الثورة وما بعد الانقلاب، الذين لم يكونوا شيئاً مذكوراً في عهد مبارك، ومنهم من لم يكن له وجود حتى في الثورة، لكن الناس تحب من يدغدغ عواطفها الجياشة، وقد كانت احداهن تمارس الابتذال، فاذا نسيها الناس تكتب بوست في الشيخ حازم أبو إسماعيل، ووصل الحال إلى قولها إنه درس ميزانية إسرائيل ست مرات.. لماذا لم يكونوا سبعة من باب الوتر؟!
لكن مثل هذا الكلام يلم عليها العامة؛ الله يا أستاذة.. بارك الله فيكي يا اختاه.. كم أنت منصفة يرحمك الله!
3ـ لم أنتبه في موضوع الترحم أن الأمر كان يحتاج لمذكرة شارحة، وأن المغرضين الذين تخطوا الرقاب، ولا يجذبون العامة الا بنفاقهم، لا يعرفون شيئا عن ما سلف، فالحياة عندهم بدأت بعد يونيو 2013، فمن أين جاء هؤلاء الناس؟!
4ـ منذ سنة 1996 بدأت حملة ضد صفوت الشريف، فلما بدأت الكتابة أسبوعيا في "القدس العربي" زاوية متخصصة في النقد التلفزيوني في 2003 كانت فرصة، وقد دفعني للاشتباك معه أنه بدا لي مقدساً لا يقترب أحد من مقامه، وسمعنا عن المقال الذي كتبه ضده قبل ذلك بسنوات الدكتور حلمي مراد، عندما تم اختياره وزيرا للإعلام تقريبا في سنة 1982، ومن يومها لا أحد يفعل.. فلماذا لا أكون أنا؟!
5- عندما صفع النائب الوفدي طلعت رسلان زكي بدر وزير الداخلية بلطمة على وجهه، ونقل التلفزيون اللقطة مسجلة، اعتبرها وزير الداخلية مقصودة.. وفي اليوم التالي وعندما التقيا في مجلس الشعب تبادلا السباب. لأن وزير الداخلية كان يرى أن وزير الإعلام تعمد اهانته.
6ـ انتقم زكي بدر من صفوت الشريف بطريقته، فقد جاء من مكتب زكي ثلة من الضباط للصحف لتسليم عدد رسائل بالاسم.. نحن من مكتب الوزير.. أهلا وسهلا.. فيبدو المظروف دعوة لحضور مناسبة ما.
7ـ وكان نصيبي ظرف.. فتحته فوجدت فيه تحقيقات النيابة مع صفوت الشريف عندما كان ضابطا في المخابرات في القضية الشهيرة بانحراف جهاز المخابرات الذي قدمها الرئيس عبد الناصر للمحاكمة، ولم تقدم هذه التحقيقات للمحكمة، فقد كان المستهدف رئيس الجهاز صلاح نصر، والرجل قال إن هذه التسجيلات كانت بأوامره، ولا يمكن لقسم السيطرة (حيث الضابط صفوت الشريف) أن يرفض له أمراً.
8ـ وكان القانون يعطي السرية لملفات المخابرات العامة بـ 25 عاماً، فتم تغيير القانون سريعاً لتكون السرية نصف قرن، ولا أعرف إن كانت السرية تشمل تحقيقات النيابة مثلا، لكن لم يكن لدى أحد رغبة في نشر هذا الكلام، وعلاقة صفوت الشريف بمعظم رؤساء التحرير جيدة.. وهذا جزء من نفوذه، ومكانته التي تشكلت بشكل يجعل المرء يقول لابد أن لدغته والقبر فلماذا لا ينتقده أحد؟!
9ـ لكني خلصت من هذه الأوراق بأمرين: الأول رتبته "رائد"، وبوظيفته السابقة، فكنت في مقالات "القدس العربي" كلما ذكرت اسمه أسبقه بالرائد متقاعد صفوت الشريف وألحق به عبارة "صاحب التاريخ الوظيفي المشرف"، لكني لم أفعلها بعد الثورة أبداً.
10ـ الشهادة لله، لم يستخدم العصا، ولكنه استخدم الجزرة، ووسط محمد الوكيل رئيس قطاع الأخبار رحمه الله، أحد الزملاء (لا يزال حياً يرزق) لنلتقي، والرجل عرض على أن أقدم برنامجاً باسم "النادي السياسي"، وفي لحظة استشعرت أنه يطلب الخلاص الفردي فيما يخصه ولا علم له بما أكتبه عن الوزير، فقلت له دا الوزير يفصلك.. فلما قال لي لا شأن لك بالوزير، أدركت أنه لا يتصرف من وراء ظهره!
قلت له إن وظيفة مذيع خارج طموحاتي المهنية، ولا أمتلك مقوماتها، وأنا شاطر في الصحافة فما الذي يجعلني أخضع للتجربة في مجال التقديم التلفزيوني (عاقل أنا من يومي).
وعرض الرجل استضافتي في برنامج "صباح الخير يا مصر" عندما كان لهذا البرنامج شنة ورنة، وقلت له لا أستوعب أن استيقظ من النوم وجري على التلفزيون.. فضرب الرجل (رحمه الله رحمة واسعة) كفاً بكف.
11ـ في أزمة حزب الأحرار كان صفوت الشريف قد أصبح رئيسا لمجلس الشورى، ورئيس لجنة الأحزاب بالتبعية، وأمام محكمة القضاء الإداري، وكان رئيس الدائرة واحد من القضاة الكبار اسمه فاروق عبد القادر، وقفت وبدأت مرافعتي: "إن الرائد متقاعد صفوت الشريف صاحب التاريخ الوظيفي المشرف يتصرف على أنه مولانا ولي النعم"، ولم يكن نقد صفوت الشريف متداولا فضحكت القاعة، وضحكت المنصة.. عدا المستشار فاروق عبد القادر.
كانت تقف على يساري عن لجنة الأحزاب محامية هي ابنة شقيقة صفوت الشريف، كانت مهذبة فلم تعقب، لكن بالتأكيد نقلت ما جرى لخالها، وكان على يميني النائب طلعت السادات (الله يرحمه) فلما انتهينا قال لي: تعالى قول لي حكاية الرائد متقاعد دي؟
ـ أبداً هو خرج من الخدمة رائد!
ـ متأكد؟
ـ لو مش صحيح ينفي!
12ـ في الجلسة القادمة، وما أن رآني القاضي الجليل حتى هتف: لن أسمح بما جرى في الجلسة الماضية أن يتكرر اليوم. قلت له لم أت لكي أتكلم فقط لكي أقدم مذكرة!
13ـ وفي جلسة مجلس الشعب القادمة وقف طلعت السادات وهو يقول: الرائد متقاعد صفوت الشريف. وصاح فتحي سرور: لن أسمح بإهانة رئيس مجلس زميل، لكن طلعت السادات رد عليه:
ـ هو يعني طلع من الخدمة لوا.. وأنا قلت عليه رائد!
ولم يكن هناك من حل إلا بتدخل كمال الشاذلي بصنعة لطافة.
ـ عادي يا ريس.. أصله طلعت كان زميل صفوت بيه في الجيش!
14ـ لا يسأل من يستنكرون عبارة رحمه الله.. أين نضالهم ضد صفوت الشريف.. بلاش، نضالهم ضد وزير التنمية المحلية. لكن هناك من نمت لهم ألسنة الآن!
15- السياسة رجولة مش ردح نسوان!

ليست هناك تعليقات: