23 سبتمبر 2023

مصطفى إنشاصي يكتب: أصل البشرية بين رؤية التوراة ورؤية القرآن

بناء على القصة المختلقة التي لا يوجد أي دليل علمي على صحتها إلا ما جاء في كتاب اليهود التوراة، الذي لا يمكن بأي حال أن يُعتبر كتاب دين سماوي ولا كتاب تاريخي موثوق يمكن الاستدلال بما جاء فيه عن تاريخ أنساب الأجناس البشرية بعد الطوفان، رد علماء الأجناس والانثروبولوجيا والتاريخ والآثار وغيرهم من علماء الغرب التوراتيين أصل جميع أجناس الأرض بعد الطوفان إلى أبناء نوح عليه السلام! وصنفوهم كالآتي:

الساميون: وهم العرب واليهود وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى مَنْ زعمت التوراة أنه سام بن نوح.

الحاميون: وهم الزنوج والأفارقة وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى

مَنْ زعمت التوراة أنه حام بن نوح.

اليافثيون: وهم الأوروبيين والأجناس الأخرى وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى مَنْ زعمت التوراة أنه يافث بن نوح.

أصل الأجناس في التوراة وعلاقته بـ(الهيكل)

هناك حقيقة حاضرة غائبة في أذهاننا وخطابنا الديني والسياسي والفكري عند حديثنا عن مخططات اليهود لهدم المسجد الأقصى، بزعم أنه قائم مكان (هيكل) سليمان عليه السلام المزعوم، الذي لا بد من إعادة بناءه وإعادة العرش إليه، كرمز لسيادة اليهود العالمية، وهي: أن القضية ليست قضية (الهيكل) في حد ذاته لكنها مسألة السيادة العالمية لليهود على العالم أجمع!

الباحث مصطفى انشاصي

تلك الحقيقة لها علاقة بمنهجية التوراة في تعاطيها مع تاريخ الجنس البشري وتاريخ فلسطين خاصة، من حيث أن الحياة البشرية وتاريخ الأجناس عندهم يبدأ من بعد الطوفان، واختيار إلههم (ياهو) سام بن نوح وذريته واختصاصهم بالبركة والسيادة العالمية من دون بقية أبناء نوح وذريتهم، واختيار إبراهيم عليه السلام من نسل سام بن نوح من دون بقية نسله ليمنحه الحق بالأرض من النيل إلى الفرات، بل الأرض كلها، واختيار إسحاق وذريته من ذرية إبراهيم دون أخاه إسماعيل وذريته، واختيار يعقوب (إسرائيل) وذريته (بنو إسرائيل) من ذرية إسحاق دون أخاه عيسو وذريته، ليكونوا له الشعب المختار الموعود بالسيادة العالمية، واختيار فلسطين من دون كل بقاع الأرض لتكون مركزاً لتلك السيادة!

إذن هناك علاقة وثيقة بين عهد إله اليهود لمن تزعم التوراة المحرفة أنه سام بن نوح وذريته بالسيادة العالمية، وبين وعده لإبراهيم وبني إسرائيل من ذريته تحديداً بالأرض من النيل إلى الفرات.

يبدأ تاريخ البشرية في التوراة من بعد الطوفان الذي حدث نتيجة غضب الرب على بني الإنسان لارتكابهم الآثام والشرور، فأغرقهم ما عدا نوح عليه السلام وزوجاته وبنيه ساماً وحاماً ويافث وزوجاتهم، وهم فقط الذين ركبوا معه في السفينة من قومه، و"هؤلاء كانوا أبناء نوح الثلاثة الذين تفرعت منهم شعوب الأرض كلها" (سِفر التكوين: 9/18).

وقد كانت البداية عهداً أقامه الله بينه وبين نوح وبنيه بعد الطوفان، يتوافق في كثير من مضامينه مع مضامين النبوءات العالمية للوعد الذي قطعه الله لجميع أنبياء بني إسرائيل، والتي وردت في التوراة نفسها، وذلك قبل أن يفطن كتبة التوراة لعالميته فيندمون عليه ويُسارعون إلى تصحيحه. فقد جاء في التوراة: "وبارك الله نوحاً وبنيه قائلاً لهم: أثمروا وتكاثروا وملئوا الأرض... وكلم الله نوحاً وبنيه معه قائلاً: وها أنا مُقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم. ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم... أُقيم ميثاق معكم لا ينقرض كل ذي جسد أيضاً بمياه الطوفان ولا يكون أيضاً طوفان ليخرب الأرض. وقال الله هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر ووضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض... فمتى كان القوس في السحاب أبصرها وأذكر ميثاقاً أبوياً بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض". (يُراجع سِفر التكوين: الإصحاح/9). 

لكن كتبة التوراة أدركوا الخطأ في عالمية العهد لنوح وبنيه فسارعوا لتصحيحه، فاختلقوا قصة ذات مضامين وأبعاد سياسية ليحرموا بها الشعوب الأخرى وخاصة أهل فلسطين من حقهم في عالمية العهد، واختزاله فيمن زعموا أنه سام بن نوح، فكتبوا: "واشتغل نوح* بالفلاحة وغرس كرماً، وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته، فشاهد حام أبو الكنعانيين عُرى أبيه، فخرج وأخبر أخويه اللذين كانا خارجاً. فأخذ سام ويافث رداء ووضعاه على كتفيهما ومشيا إلى القهقري إلى داخل الخيمة، وسترا وعُوى أبيهما من غير أن يستديرا بوجهيهما نحوه فيبصرا عُريه، وعندما أفاق نوح من سكره وعلم ما فعل به ابنه الصغير. قال: ليكن كنعان ملعوناً، وليكن عبد العبيد يكون لأخوته. ثم قال: تبارك الله إله سام. وليكن كنعان عبداً له. ليوسع الله لـيافث فيسكن في خيام سام وليكن كنعان عبداً له)". (سِفر التكوين 9/20ـ27).

ولا أحد يعلم ما علاقة الابن الذي لم يولد بعد بذنب أبيه؟! ويعلق الدكتور جورجي كنعان على تلك القصة المختلقة التي جاءت في سفر التكوين بأن اليهود: "ومنذ عملوا في سفر تكوينهم على ربط نسبهم بالأب الأول عملوا في الوقت ذاته على حشو اتجاهاتهم السياسية والقومية في تاريخهم الديني، وضمنوه نزعاتهم العنصرية وميولهم العدوانية، نحو كافة الأمم والشعوب فنوح يلعن باسم يهوه، أب الكنعانيين ويبارك أب اليهود، وغالباً ما تمثلت اتجاهاتهم السياسية في إضفاء البركة على أب ووصم الآخر بلعنه. وكان تفسيرهم للبركة أو اللعنة أنها أبدية تلحق ذريته إلى آخر الدهر". ويتساءل عن سبب لعن كنعان بالذات ويجيب: ألأن الكنعانيين سبقوا اليهود في مضمار الحضارة، أم لأنهم أعطوا الأمم الروح والمحبة والحكمة وهم أصحاب الأرض؟! . 

ويضيف أن رجال الدين النصراني يفسرون هذا الاختيار بوجود (قصد إلهي) ولو سألتهم: ما تفسيركم لـ(لقصد الإلهي)؟ وما الدافع الذي يكمن وراء هذا العطاء السخي الدامي لأن فيه إبادة شعب وإعطاء أرضه لشعب آخر؟ لداروا في معمعات لا أثر فيها للمنطق المعقول، هي من نوع اللعب بالألفاظ ... الله كبير... نحن حشرات لا نفهم، لا نعرف قصده ... خلاص ... اختيار مكرس، وأراده الله. وهكذا تدور حتى تشعر بأعصابك وقد ضحت فريسة الخدر والعياء . 

لذلك يرى جارودي أنه "من المستحيل بالنسبة إلى أي مسيحي أن يقدم مغزى لاهوتياً لدولة إسرائيل، فإن احترام الإيمان اليهودي لا يستتبع مطلقاً الاندماج بين اليهودية والصهيونية وإضفاء صفة القداسة على الأهداف التاريخية للحركة الصهيونية".

كـذب النسـابـون

أولئك الذين يرفعون أنساب أنبياء الله عليهم جميعاً السلام والقبائل والأفراد إلى آدم ولا حجة لهم ولا دليل عليه إلا روايات التوراة وما أصبح معروفاً في تراثنا بالإسرائيليات، نعجب من توثيقهم تلك الأنساب نقلاً عن التوراة والنبي صلَ الله عليه وعلى آله وسلم توقف عندما رفع نسبه إلى عدنان ولم يتجاوزه، وأكد على كذب النسابون! 

روي عن النبي صلَ الله عليه وعلى آله وسلّم لما سمع النّسابون ينسبون إلى معدّ بن عدنان ثم زادوا فقال: "كذب النسابون إن الله يقول: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }. (إبراهيم: 9). قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَعْلَمَهُ لَعَلِمَهُ" . وبزيادة رواه "فيض القدير": ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذا من إبراهيم إلى آدم لا يعلمه على حقيقته إلا اللّه تعالى . 

حديث سام بن نوح أبا العرب

اعتمد جميع المفسرين في محاولة التوفيق بين الآيات التي تحدثت عن (وذرية مَنْ حملنا مع نوح) وآية سورة الصافات: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلْبَـاقِينَ} (الصافات:77)، أي نوح عليه السلام، حديث: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم"، فأهلكوا جميع الذين أمنوا بدعوة نوح وركبوا معه في السفينة، والبعض قال: أن ذرية نوح فقط الذين ذُكروا في الحديث هم الذين تناسلوا والآخرين لم يتناسلوا فانقرض نسلهم ولم يبقى لهم ذرية!

وعلى كثرة التفاسير التي رجعت إليها علني أجد أحداً يخالف ذلك لم أجد إلا الألوسي البغدادي الذي بعد أن قدم ما أجمعت عليه التفاسير الأخرى، ذكر آراء أخرى تقول بأن أهل الأرض من غير ذرية نوح: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلْبَـاقِينَ} (الصافات:77). وقالت فرقة: أبقى الله تعالى ذرية نوح عليه السلام ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر، وكأن هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق، ونوح عليه السلام إنما دعا على الكفار وهو لم يُرسل إلى أهل الأرض كافة فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلَ الله عليه وعلى آله وسلّم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم.

والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون، ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبقَ عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين، أي وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين، والله تعالى أعلم .

سأوجز رأي بعض علماء السلف في الجرح والتعديل ومعرفة الرجال في هذا الحديث ورجاله:

ورد حديث عن سمرة بن جندب أن نبيّ الله صلَ الله عليه وعلى آله وسلّم قال: "سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم". وفي رواية أخرى: "سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش". وهذا الحديث يتشبث به بعض دعاة القومية والعروبة بتعصب وعنصرية شديدين، ينافيان العلمية والموضوعية، ويرفضون الأخذ بعدم صحته أو تضعيفه وعدم جواز الاستدلال به!

ذكره البزار في مسنده وقال: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا سمرة وأبو هريرة ولفظ حديث سمرة مخالف للفظ أبي هريرة". رقم (4550): حدثنا عمرو بن علي قال: نا يزيد بن زريع قال: نا سعيد عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَ الله عليه وسلّم : "سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم" . وذكر إسماعيل العجلوني أن ابن أبي حاتم والحاكم ذكراه بسند ضعيف عن أبي هريرة .

وللأمانة العلمية أنني وجدت أثناء بحثي على محرك البحث (جوجل) في أحد المنتديات مناقشة طويلة جداً عن أصل الأجناس من خلال مناقشتهم لنظرية الجينات الحديثة التي بينت أن اليهود ينتمون لأجناس عدة، وجدت في ردود أحد الأعضاء على المعارضين له وكان مستشهداً بـ(الحلقة السادسة) من بحثي الذي نشرته بعد الانتهاء منه عام 2009، تفصيل مفيد جداً حول حديث سام بن نوح أصل العرب، أوجزه هنا:

"ورد الحديث 30 مرة، منها 6 مرات وكان حكم المحدثين وفق اجتهادهم: بين صحيح وحسن. كما ورد الحديث 24 مرة و كان حكمه: ما بين ضعيف، ولا يصح وغريب. أي 80% من أحكام المحدثين أن الحديث ضعيف مقابل 20% من أحكام المحدثين أن الحديث صحيح! أما قوله تعالى "وجعلنا ذريته هم الباقين" فلا تعني حصر البقاء لذريته فقط، بل أعتقد أن معناها: جعلنا الرسالة والنبوة في ذريته باقية حين تنقطع من غيرهم، "وجعلنا ذريته هم الباقين" أي الصالحين من ذريته، ومن أصلح من الأنبياء والرسل عليهم السلام. كما أن كلمة الباقين قد تكون دلالة على بقاء الأجر لهم كونهم أنبياء ومرسلين للناس، واستمرار عملهم رغم موتهم باهتداء الناس للتوحيد الذي هو مناط بعث الله تعالى للرسل والأنبياء حيث أن كل واحد منهم له من الأجر مثل أجر من آمن ممن عاصره ومن جاء بعده .

يؤسفني عدم الاهتمام بالموضوعات التي تمثل محاور رئيسية في الصراع وفهمه، ولا أي موضوعات ثقافية لا تنفصل عن مركزية الصراع، وذلك أمر لا يشجع على الاستمرار في الكتابة أو طرح هكذا موضوعات مهمة ومفيدة والمفترض أنها واجب معرفتها ...

هذه الحلقات التي لم أكملها بعد وجزأتها واختصرتها تشجيعاً لقراءتها، كانت في حلقة واحدة، حلقة من سلسلة حلقات طويلة تشكل في مجموعها كتاب، ونشرتها عام 2009، وقد مر على مدونتي بعد أربعة سنوات من نشرها يهو دي وبعد أن قرأها كتب لي تعليق يتهمني فيه بالإلحاد ويتوعدني بالمحاكمة، وقد كتبت له رد وأعدت نشر الحلقة التي كتب تعليقه عليها بعنوان: 

يهودي يتهمني بالإلحاد والعنصرية ويطالب بمحاكمتي؟!/ بقلم: مصطفى إنشاصي‎

لأني مُبتلى بفقدان ماأجمعه كل سنة من مواد إعلامية وما أكتبه من مقالات وأبحاث بخراب الهارد دسك تذكرت أني سبق لي منذ سنوات أيضاً كتبت رداً بسيطاً على تلك النظريات الاستشراقية الهدامة التي لا يتشكل خطورة كما يزعم أو يتصور مطلقيها وأنصارهم على الأهداف الصهيونية ولكنها تشكل خطورة علينا كأمة وتخدم الأهداف الصهيونية! فاليهود قد تمكنوا من فلسطين الهلال الخصيب وهم بمزاعمهم تلك عن مواقع غير فلسطين ومحيطها الجغرافي مواطن نشأة اليهود واليهودية ووقوع تلك الأحداث الخرافية التوراتية يعطوا للصهاينة مبررات جديدة ليطالبوا بها بعد تمكنهم من فلسطين ومحيطها وهم ليسوا بحاجة لمبررات، فهم عقائدياً يعتقدون أنهم هم سادة الكون والبشر الوحيدين على ا لأرض وأن جميع البشر قردة وسعادين وحيوانات خلقت على هيئة البشر ليليقوا بخدمة سيد الكون اليهودي … من الخلافات الكثيرة التي أوضحناها في بحوثنا ومقالاتنا ومنها الذي دفع ذاك اليهو دي ليتهمني…!

ألمهم دخلت مدونتي أبحث عن تلك المقالة وإذا بي أجد تعليق يحتاج إلى موافقة فاطلعت عليه وإذا هذا نصه:

m.jawish قال:

يناير 4th, 2013 at 4 يناير 2013 4:42 ص

"انت انسان ملحد وعنصري وكذاب ولا تعلم من التاريخ شيئ ابدا ويجب محاكمتك لنشر الاكاذيب وتضليل التاريخ"

وقد تبسمت عند قراءتي بل سعدت وضحكت وقد كتبت له بعد الموافقة علة نشره رد مرتين ولكن للأسف لم ينشر وسأحاول نقل ردي هنا عليه لنشره في المدونة، وهو التالي باختصار:

اتهامك بما اتهمتني به يا هذا شهادة أعتز بها جداً؛ فأنت أدركت خطورة كتاباتي وآرائي واهتماماتي على أساطيركم وخرافات توراتكم ومزاعمكم الكاذبة توراتياً التي اخترقتم بها عقول شعوب العالم بما فيها السواد الأعظم من المسلمين والإسلاميين أيضاً منهم، وجندتم لها العالم الغربي النصراني تحديداً بعد أن جعلتموها جزءً من عقيدته الفاسدة الباطلة وألغى معظم علماء الغرب وكتابه ومفكريه عقولهم عن تكذيب الاكتشافات العلمية في جميع المجالات لتلك الخرافات، إما اعتقاداً بصحتها أو خوفاً من إرهابكم ومحاكماتهم التي لو كنت في الغرب كنت زمانك رفعت قضية ضدي لمحاكمتي أو ارتزاقاً وطمعاً في مالكم أو حقداً على الإسلام وأهله وقرآنه الذي هو الحقيقة المطلقة، وعلى ذلك تسوقون جهلاء العالم خلفكم وخلف خرافات توراتكم التي بنا عليها مَنْ يسمون علماء في الغرب كثير من النظرايات عن أصل الأجناس وشكل الغرب منظومته في العلوم الاجتماعية والإنسانية بناء عليها وفرضها مسلمات وبدهيات على العالم!

أنت أدركت خطورتها عليكم في مرورك لأول مرة على مدونتي في وقت لم يدرك أهميتها وقيمتها العرب والمسلمين وأنا منذ سنوات أركز عليها في أبحاثي التي أنشرها على حلقات وفي مقالاتي وفي كل جهدي من أجل أداء رسالتي محافظاً على أمانة الكلمة ومحترماً عقلي عقل القراء ولست بوق أجوف يعيد إنتاج ما سبق إنتاجه دون رؤية أو تصويب أو تأكيد على ما فيه! نحن منتمين لقضية دين وأمة ووطن وللكلمة عندنا قيمتها ومصداقيتها وأمانتها، ولسنا حريصين على شهرة ولا مال ولا منصب ولا أي عرض من أعراض الدنيا! لذلك أعيد نشر المقالة مرة أخرى عسى بني قومي يدركون خطأ استخدامهم كثير من المصطلحات والمفاهيم التي تخدم خرافات التوراة وأهداف اليهود!

مفاهيم: كذب خرافة أن أبناء نوح أصل البشرية(4)

هذا بحث كنت نشرت منه بعض الحلاقات سابقاً بدون إعادة صياغة وتوثيق، وقد أعدت صياغته وانتهيت منه قبل أسبوع ومازال يحتاج إلى إعادة قراءة وتعديل، وقد قدمته لبعض أساتذة الجامعة في تخصصات متعددة في العلوم الإنسانية أصدقاء لوضع ملاحظاتهم عليه، وسأنشر ما لم ينشر منه سابقاً، وبعض ما نشر بعد إعادة الصياغة والتوثيق أيضاً منتظراً إضافات أو تعديلات من القراء.

المبحث الثاني: أصل البشرية بين رؤية التوراة ورؤية القرآن

بناء على تلك القصة المختلقة الكاذبة التي لا يوجد عليها أي دليل علمي على صحتها إلا ما جاء في كتاب اليهود التوراة، الذي لا يمكن بأي حال أن يُعتبر كتاب دين سماوي ولا كتاب تاريخي موثوق يمكن الاستدلال بما جاء فيه عن تاريخ أنساب الأجناس البشرية بعد الطوفان، رد علماء الأجناس والانثروبولوجيا والتاريخ والآثار الغربيين وغيرهم أصل جميع أجناس الأرض بعد الطوفان إلى أبناء سيدنا نوح عليه السلام! وصنفوهم كالآتي: (الساميون) وهم العرب واليهود وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى مَنْ زعمت التوراة أنه (سام بن نوح). و(الحاميون) وهم الزنوج والأفارقة وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى مَنْ زعمت التوراة أنه (حام بن نوح). والأوروبيين والأجناس الأخرى وقد رفعوا نسبهم وأصلهم العرقي إلى مَنْ زعمت التوراة أنه (يافث بن نوح)؟!.

وذلك التقسيم الغربي التوراتي لأصل الأجناس البشرية تقسيم غير صحيح، يكذبه القرآن الكريم وتكذبه الحقائق العلمية الثابتة التي تُكذب خرافات التوراة العلمية وغيرها عن أصل الكون وبداية خلق الإنسان وغيرها. ولنبدأ بالقرآن الكريم:

بداية أود التذكير فقط بأنه قد ورد أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا انتسب فبلغ عدنان كان يُمسك ويقول: “كذب النسابون، فلا يتجاوزه”. رواه الطبراني. وذكر القرطبي: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم لما سمع النّسابين ينسبون إلى معدّ بن عدنان ثم زادوا فقال: “كذب النسابون إن الله يقول : {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ }. (إبراهيم: 9). وقد رُوي عن عُرْوة بن الزبير أنه قال: ما وجدنا أحداً يعرف ما بين عدنان وإسمعيل. وقال ابن عباس: بين عدنان وإسمعيل ثلاثون أبا لا يُعرفون. وقال الطبري في تفسيره في قوله تعالى: (لا يَعْلَـمُهُمْ إلاَّ اللّهُ)، لا يحصي عددهم ولا يعلـم مبلغهم إلا الله. وروى أن ابن مسعود كان يقرؤها: (وعادا وثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدَهِمْ لا يَعْلَـمُهُم إلاَّ اللّهُ) ثم يقول: كذب النسابون. وذكر ابن كثير في قوله: {لا يَعْلَـمُهُمْ إلاَّ اللّهُ} كذب النسابون. وقال عروة بن الزبير: ما وجدنا أحداً يعرف ما بعد معد بن عدنان.

وفي كتب الحديث جاء في “جامع المسانيد والمراسيل” في “الجزء الخامس” الحديث رقم (16225) “كَانَ إِذَا انْتَسَبَ لَمْ يُجَاوِزْ فِي نِسْبَتِهِ مَعَدَّ بْنِ عَدْنَانَ بْنِ أُدَدَ، ثُمَّ يُمْسِكُ وَيَقُولُ: كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: {وَقُرُونَاً بَيْنَ ذٰلِكَ كَثِيراً}” ابن سعد عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللَّهُ عنهُمَا. ووورد في “الجزء 20” الحديث رقم (16222)، عن ابن عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: “أَنَّ النَّبيَّ كَانَ إِذَا انْتَهٰى إِلٰى مَعَد بْنِ عَدْنَانَ أَمْسَكَ وَقَالَ: كَذَبَ النَّسّابُونَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالٰى: {وَقُرُوناً بَيْنَ ذٰلِكَ كَثِيراً}، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ شَاءَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَعْلَمَهُ لَعَلِمَهُ”[1]. وبزيادة رواه “فيض القدير”: ولا خلاف أن عدنان من ولد إسماعيل وإنما الخلاف في عدد من بين عدنان وإسماعيل من الآباء فمقل ومكثر وكذا من إبراهيم إلى آدم لا يعلمه على حقيقته إلا اللّه تعالى[2]. والحديث ورد بنفس النصوص أو قريب منها في معظم كتب التفاسير والأحاديث.

2ـ القرآن الكريم يثبت عكس ما ترويه التوراة حول سيدنا نوح وأصل البشرية

فإن كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى لم يتجاوز عدنان عندما كان يرفع نسبه، ويقول: “كذب النسابون”، فما بال أولئك القوم الذين يؤصلون لأنساب القبائل والبشرية جميعاً إلى أبي البشر جميعاً آدم عليه السلام؟ مستندين إلى التوراة المحرفة التي أكد القرآن مراراً على أنها حُرفت وزورت! ويرجعون جميع أنساب أهل الأرض إلى مَنْ تزعم التوراة أنهم أبناء سيدنا نوح (سام وحام ويافث)! ونعجب للمؤرخين والكتاب المسلمين الذين يوثقون أنساب أسماء القبائل أو الأشخاص نقلاً عن التوراة معتبرين أنها أنساب صحيحة! وذلك لأننا نفهم من كتاب الله تعالى أن أصل الأجناس البشرية بعد الطوفان لا يعود إلى نوح وأبنائه فقط ولكن إلى الجماعة التي آمنت بدعوته من قومه ونجت معه في السفينة من الغرق.

قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ. أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ{26} فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ} (هود:25 ـ27). نفهم من الآيات أنه اتبع سيدنا نوح نفر من قومه وليس أبنائه فقط كما ذكرت تلك القصة الخرافة في التوراة. قال ابن كثير: ما نراك اتبعك إلا أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا.

وقد أكد الله تعالى تلك الحقيقة عند حديثه عن نجاة نوح وقومه في الفلك، في قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} (هود: 40). قال ابن كثير: وقوله {وَمَنْ ءَامَنَۚ} أي من قومك {وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥۤ إِڑ قَلِيلٌ} أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفساً منهم نساؤهم، وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفساً. وقيل كانوا عشرة. وذلك يكذب ما جاء في التوراة: (وقال الرب لنوح: هيا أدخل أنت وأهل بيتك جميعاً إلى الفلك لأني وجدتك وحدك صالحاً أمامي في هذا الجبل) (التكوين: 7/1).

كما أن القرآن الكريم لم يخبرنا عن أبناء لنوح نجوا معه في الفلك أو أحد من أهله بالاسم؛ ولكن الله تعالى أخبرنا أن أحد أبنائه وزوجه لم يكونوا مؤمنين ولم يركبوا معه في السفينة ولم يكونوا من الناجين من الغرق. قال تعالى: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ } (هود42). أي أن سيدنا نوح نادى ابنه ـ وكان في مكانٍ عَزَل فيه نفسه عن المؤمنين ـ فقال له: يا بني اركب معنا في السفينة, ولا تكن مع الكافرين بالله فتغرق. وبعد أن رفض وأجابه بأنه سيأوي إلى جبل مرتفع يعصمه من الماء، توجه نوح إلى الله تعالى قائلاً: {وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ. قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ }هود46 } (هود45 ـ 46). وعندما نادى نوح ربه: رب إنك وعَدْتني أن تنجيني وأهلي من الغرق والهلاك, وإن ابني هذا من أهلي, وإن وعدك الحق الذي لا خُلْف فيه, وأنت أحكم الحاكمين وأعدلهم. قال ابن كثير: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِى مِنْ أَهْلِى} أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين {قَالَ يَـٰنُوحُ إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَۖ} أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك، ولهذا قال: {وَأَهْلَكَ إِلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ مِنْهُمْۖ} فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحاً عليه السلام. وقال القرطبي وقال علماؤنا: وإنما سأل نوح ربه ابنه لقوله: “وَأَهْلَكَ” لأنه كان عنده مؤمناً في ظنه، وكان ابنه يُسِرّ الكفر ويظهر الإيمان؛ فأخبر الله تعالى نوحاً بما هو منفرد به من علم الغيوب؛ أي علمت من حال ابنك ما لم تعلمه أنت. وقال الحسن: كان منافقاً. وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية، وبعضهم يقول كان ابن امرأته. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط قال: وقوله: {إِنَّهُۥ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَۖ} أي الذين وعدتك نجاتهم، وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة.

أما عن زوجة نوح فقد أخبر المولى عز وجل بقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} (التحريم: 10). ضرب الله مثلا لحال الكفرة – في مخالطتهم المسلمين وقربهم منهم ومعاشرتهم لهم, وأن ذلك لا ينفعهم لكفرهم بالله- ضرب الله تعالى هذا المثل تنبيهاً على أنه لا يُغْني أحدٌ في الآخرة عن قريب ولا نسيب إذا فرّق بينهما الدِّين، حال زوجة نبي الله نوح, وزوجة نبي الله لوط: حيث كانتا في عصمة عبدَين من عبادنا صالحين, فوقعت منهما الخيانة لهما في الدين. قال القرطبي: وهذا إجماع من المفسرين فيما ذكر القُشَيريّ. إنما كانت خيانتهما في الدِّين وكانتا مشركتين. وقيل: كانتا منافقتين. وقيل: خيانتهما النميمة إذا أوحى (الله) إليهما شيئاً أفشتاه إلى المشركين؛ وقيل للزوجتين: ادخلا النار مع الداخلين فيها. أي لم يدفع نوح ولوط مع كرامتهما على الله تعالى عن زوجتيهما لمّا عَصتَا شيئاً من عذاب الله؛ تنبيهاً بذلك على أن العذاب يدفع بالطاعة لا بالوسيلة. ذلك يعني أن زوجة نوح أيضاً لم تكن من الذين آمنوا معه، ولا من الذين ركبوا السفينة ونجوا من الغرق، ولكنها كانت من الهالكين، ما يُكذب الأسطورة التوراتية.

ولكن الله تعالى أخبرنا بأن والدي نوح عليه السلام كانا مؤمنين. قال تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً} (نوح: 28). ذكر القرطبي: أي دعا لنفسه ولوالديه وكانا مؤمنين. وقال سعيد بن جُبَيْر: أراد بوالديه أباه وجدّه. وقال ابن عباس: {رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ} أي مسجدي ومصلاّي مصلّياً مصدّقاً بالله. وعنه أيضاً: أي ولمن دخل ديني، فالبيت بمعنى الدِّين. وعن ابن عباس أيضاً: يعني صديقي الداخل إلى منزلي. وقيل: أراد داري. وقيل سفينتي. مجمل القول: يقصد أتباعه الذين آمنوا معه من قومه.

وحقيقة أنه آمن مع نوح ثلة من قومه، وركبوا معه السفينة ونجوا من الغرق، ومنهم ومن ذرية نوح تشكلت أجناس الأرض، أكدها الله تعالى وذكرها في مواضع عدو من القرآن الكريم، في قوله تعالى: {قِيلَ يَـٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلَـٰمٍ مِّنَّا وَبَرَكَـٰتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰۤ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَۚ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} (هود: 48). قال ابن كثير: يخبر تعالى عما قيل لنوح عليه السلام حين أرست السفينة على الجودي من السلام عليه وعلى من معه من المؤمنين وعلى كل مؤمن من ذريته إلى يوم القيامة. كما قال محمد بن كعب: دخل في هذا السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة وكذلك في العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة.

وفي قوله تعالى: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} (الإسراء: 3) أي يا سلالة الذين أنجيناهم وحَمَلْناهم مع نوح في السفينة لا تشركوا بالله في عبادته، وكونوا شاكرين لنعمه، مقتدين بنوح عليه السلام؛ إنه كان عبدًا شكورًا لله بقلبه ولسانه وجوارحه. وقال ابن كثير: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍۚ} تقديره ياذرية من حملنا مع نوح، فيه تهييج وتنبيه على المنة، أي ياسلالة من نجينا فحملنا مع نوح في السفينة تشبهوا بأبيكم. وذكر الطبري، وعنى بـالذرية: جميع من احتـجّ علـيه جلّ ثناؤه بهذا القرآن من أجناس الأمـم، عربهم وعجمهم من بنـي إسرائيـل وغيرهم، وذلك أنّ كلّ من علـى الأرض من بنـي آدم، فهم من ذرية من حمله الله مع نوح فـي السفـينة.

كان يجب على المؤرخين والكتاب المسلمين أن يتوقفوا مع هذه الحقيقة القرآنية قطعية الدلالة، بأنه كان هناك آخرين آمنوا مع نوح ونجوا من الطوفان لم تذكرهم التوراة ولم تذكر أنساب ذريتهم، ومع توقف الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند رفع نسبه إلى عدنان وعدم تجاوزه، ليس ذلك فقط ولكنه أخبر بكذب النسابون، وذلك التكذيب لا يحتاج كبير جهد ليدرك المسلم أنه يقصد به ما ورد في التوراة عن أنساب أهل الأرض من آدم إلى تاريخ كتابة التوراة، ومَنْ نقل عنها، ومع إخبار القرآن أن اليهود حرفوا توراة موسى عليه السلام، ويدركوا أن تلك الأنساب غير صحيحة وأنه لا يمكن أن يعتمدوا التوراة كتاب موثوق في تاريخ الأنساب وأصول الأعراق البشرية!.

أضف إلى ذلك أنه إذا لم يلتفت السلف إلى هذه الحقيقة؛ كان يجب أن يلتفت مؤرخي وكتاب عصرنا من المسلمين وغير المسلمين، وخاصة المؤمنين بالعلم وبسببه شككوا في كثير أو قليل مما جاء وصَدق فيه القرآن الكريم، ويسألوا أنفسهم: إن كان العلم يقول أن الكون مخلوق منذ عشرات بل مئات ملايين السنين، أو على الأقل عشرات الآلاف من السنين، وأن العلماء اكتشفوا هياكل أو بقايا هياكل عظمية أو جماجم بشرية يرجع عمرها إلى ملايين السنين، أو لنقل إلى عشرات الآلاف من السنين، والبعض منهم عندما يؤرخ لبدايات تأسيس المدن أو بدء حياة الاستقرار البشري ومعرفة الزراعة واستئناس الحيوان، أو لنشأة الحضارة في فلسطين نفسها …إلخ؛ لنقل في متوسطها الذي لديهم عليه أدلة مؤكدة بحسب علومهم ما بين عشرة ألاف إلى خمسة عشرة ألف سنة، وهناك من يذهب إلى عشرون ألف سنة!.

وذلك ليس تاريخ خلق الكون ولا تاريخ الإنسان الذي مر بحسب النظرية العلمية الشهيرة التي اتخذها أنصار العلم والعقل أهم وسائلهم لمحاربة الدين والتشكيك فيه، نظرية “النشوء وارتقاء”، في مراحل تطور متعددة إلى أن حدثت الطفرة! تلك الطفرة التي لم يخبرنا عن كيفية حدوثها لا دارون ولا العلماء المؤمنين بتلك النظرية وأعطت الإنسان شكله الحالي (هيكله)؟! كان يجب أن يلفت انتباه أولئك حساب اليهود لتاريخ البشرية منذ خلق الله الكون الذي تزامن مع خلق آدم إلى اليوم.فقد أخبرت التوراة أن الله خلق الإنسان في اليوم السادس من خلق الكون: (ورأى الله ذلك فاستحسنه. ثم قال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا، فيتسلط على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى الأرض، وعلى كل زاحف عليها) (التكوين: 1/25 ـ 26).

وبناء على ذلك وعلى أعمار آدم وذريته التي سجلها كتبة التوراة في (سفر التكوين) حسب اليهود عمر الكون وتاريخ الإنسان منذ خلقه، الذي على تلك الحسابات لا يتجاوز ستة ألاف سنة! واعتبروه التاريخ التقويم اليهودي التوراتي المعمول به لدى اليهود والمسمى (التقويم العبري)؟! كان عليهم أن يلفت انتباههم ذلك ليدركوا أن التوراة كتاب غير موثوق بل كاذب وأن ما جاء فيه ما هو إلا خرافات وأساطير! فكيف والعلم الحديث أثبت أن التوراة كتاب تاريخ خرافات وأساطير جميع الأمم السابقة والتي كانت معاصرة عندما كتب اليهود توراتهم؟!. وعلى الرغم من ذلك ما زال السواد الأعظم من المؤرخين والعلماء والكتاب يعتمد عليه في موضوع الأنساب وغيره من الحوادث التاريخية وتاريخ الأقوام والشعوب القديمة على أنه مصدر تاريخي موثوق؟!.

ذلك ما يؤكد صواب رأي مَنْ ضعف أو نفى صحة الحديث المروي في مسند أحمد وسنن الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول: “سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم”.

وكما بدأ التاريخ بـ (سام)واختيار اليهود شعب الله المختار متجاهلين تاريخ البشرية قبل وبعد الطوفان، حاصرين له في اليهود فقط، يبدأ تاريخ فلسطين أيضاً منذ دخول بني إسرائيل إليها في نهاية الألف الثاني قبل الميلاد، ويتم تجاهل آلاف السنين من تاريخ فلسطين قبل ذلك التاريخ وبعده، وينتهي تاريخ فلسطين اليوم بعودة اليهود الميمونة إلى وطن الآباء والأجداد، مهدهم ومهد الحضارة الأول ـ كما يدعون ـ بمعنى أنهم اختزلوا تاريخ البشرية وفلسطين والعالم أجمع في تاريخ اليهود فقط.

3ـ حديث سام بن نوح أبا العرب

ورد حديث سمرة بن جندب في مسند الإمام أحمد بسندين، الأول الحديث رقم (19719): حدّثنا عبدالله حدَّثني أبي حدثنا عبدالوهاب عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن سمرة أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلّم قال: “سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم”.

والثاني الحديث رقم (19732): حدّثنا عبدالله حدَّثني أبي حدثنا روح من كتابه حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قال: حدث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: “سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش، وقال روح ببغداد من حفظه: “ولد نوح ثلاثة سام وحام يافث”[3].

كما جاء في سنن الترمذي أيضاً بسندين، الأول الحديث رقم (3353): حدثنا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ العَقَدِي حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْع عَن سَعِيدِ بن أَبي عَرُوبَةَ عَن قَتَادَةَ عَن الْحَسَنِ عَن سَمُرَةَ، عَن النبيِّ قالَ: “سَامُ أَبُو العَرَبِ وَحَام أَبُو الْحَبَشِ ويَافِثٌ أَبُو الرُّومِ”.

والثاني ذكره في باب “مناقب فضل العرب” الجزء العاشر، الحديث رقم (4100): حَدَّثَنَا بِشْرُ بنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ بصري حدثنا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ عن سَعِيدِ بنِ أَبي عَرُوبَةَ، عن قَتَادَةَ، عن الْحَسَنِ عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ: “سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ”. قال أبو عيسى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَيُقَالُ يَافِثُ وَيَافِتُ وَيَفثُ[4].

ويبدو أن جميع المفسرين اعتمدوا ذلك الحديث في محاولة للتوفيق بين الآيات التي تحدثت عن (وذرية مَنء حملنا مع نوح) وآية سورة الصافات {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلْبَـاقِينَ} (الصافات: 77). فأهلكوا جميع الذين أمنوا بدعوة نوح، وركبوا معه في السفينة، والبعض قال: أن ذرية نوح فقط الذين ذُكروا في الحديث هم الذين تناسلوا، والآخرين لم يتناسلوا فانقرض نسلهم ولم يبقى لهم ذرية!.

وعلى كثرة التفاسير التي رجعنا إليها علنا نجد أحدهم يخالف نص ما جاء في الحديث وما سبق ذكره في تفسير تلك الآية فلم نجد، إلا الألوسي البغدادي الذي بعد أن قدم ما أجمعت عليه التفاسير الأخرى، ذكر آراء أخرى تقول بأن أهل الأرض من غير ذرية نوح: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ ٱلْبَـاقِينَ} (الصافات: 77). وقالت فرقة: أبقى الله تعالى ذرية نوح عليه السلام ومد في نسله وليس الناس منحصرين في نسله بل من الأمم من لا يرجع إليه حكاه في البحر، وكأن هذه الفرقة لا تقول بعموم الغرق، ونوح عليه السلام إنما دعا على الكفار وهو لم يرسل إلى أهل الأرض كافة فإن عموم البعثة ابتداء من خواص خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلّم ووصول خبر دعوته وهو في جزيرة العرب إلى جميع الأقطار كقطر الصين وغيره غير معلوم.

والحصر في الآية بالنسبة إلى من في السفينة ممن عدا أولاده وأزواجهم فكأنه قيل: وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية من معه في السفينة وهو لا يستلزم عدم بقاء ذرية من لم يكن معه وكان في بعض الأقطار الشاسعة التي لم تصل إليها الدعوة ولم يستوجب أهلها الغرق كأهل الصين فيما يزعمون، ويجوز أن تكون قائلة بالعموم وتجعل الحصر بالنسبة إلى المغرقين وتلتزم القول بأنه لم يبقَ عقب لأحد من أهل السفينة هو من ذرية أحد من المغرقين، أي وجعلنا ذريته هم الباقين لا ذرية أحد غيره من المغرقين، والله تعالى أعلم[5].

ولأننا لسنا أهلاً للعلم ولا الفتوى، ولا نشكك في علم سلفنا رضوان الله تعالى عنهم، ولا التابعين وأهل العلم والتفسير في الأمة، إلا أننا أيضاً لن نسلم بصحة أو حرفية ما قالوا، خاصة وهم لا حجة لهم ولا دليل إلا روايات التوراة وما أصبح معروفاً في تراثنا باسم الإسرائيليات التي حشوا بها كتبهم، ومنذ زمن طويل علت الأصوات بضرورة تنقية تراثنا منها، وتقديم معلومات صحيحة وتفسير لكثير من المسائل والقضايا بعيداً عن تلك الإسرائيليات.

وهذا الحديث يتشبث به بعض دعاة القومية والعروبة بتعصب وعنصرية شديدين، ينافيان العلمية والموضوعية، ويرفضون الأخذ بعدم صحته أو تضعيفه وعدم جواز الاستدلال به! سأعرض هنا لرأي بعض علماء السلف في الجرح والتعديل ومعرفة الرجال، وما قالوا في هذا الحديث ورجاله:

ذكره البزار في مسنده وقال: “وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا سمرة وأبو هريرة ولفظ حديث سمرة مخالف للفظ أبي هريرة”. رقم (4550): حدثنا عمرو بن علي قال: نا يزيد بن زريع قال: نا سعيد عن الحسن عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : “سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم”[6]. وذكر إسماعيل العجلوني أن ابن أبي حاتم والحاكم ذكراه بسند ضعيف عن أبي هريرة[7].

التاريخ: 21 تموز 2009

——————————————————————————–

[1] الجلال السيوطي، جامع المسانيد والمراسيل، عدد الأجزاء (21)، دار الفكر، 1994.

[2] المنان: فيض القدير، عدد الأجزاء (6)، دار الكتب العلمية، 2001، الجزء الخامس، باب “هي الشمائل”، الحديث رقم (6599)، ص 109.

[3] مسند الإمام أحمد بن حنبل: (7) أجزاء، دار إحياء إحياء التراث العربي، حديث ومن حديث سمرة بن جندب، الجزء الخامس، ص 635,

[4] سنن الترمذي: (5) مجلدات، دار الكتب العلمية، 1994، الجزء التاسع، باب سورة الصافات، ص81.

[5] تفسير القرآن للألوسي البغدادي، الجزء (30)، مرجع سابق، ص 101.

[6] مسند البزار، مكتبة العلوم والحديث، الجزء العاشر، “سمرة بن جندب رضي الله عنه”، ص 408.

[7] إسماعيل العجلوني: كشف الخفاء، عدد المجلدات (2)، دار الكتب العلمية، 2001، حرف الهمزة.


ليست هناك تعليقات: