في مقال لي بعنوان ( نصيحة لرئيس وزراء السودان ) بتاريخ 26 آب / أغسطس 2019 عن الثورة السودانية بعد أن اصبح عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء والانتصار الذي حققه الشعب السوداني بعزل ديكتاتور استمر في الحكم 30 عاماً.
اقتباس:
(ولعل بيضة القبان في هذا الصراع هو رئيس الوزراء الذي يجب أن يضع في كل أفعاله مصلحة الجماهير السودانية ومستقبلها قبل أي اعتبار آخر.
مستقبل السودان هو إلزام العسكر ثكناتهم وعدم التدخل في السياسة أولاً ويلي ذلك مواضيع التنمية والتطوير التي طال إهمالها. ومن أجل إلزام العسكر ثكناتهم فإن أول شرط هو تعيين وزير دفاع مدني تكون مهمته تجديد قيادات الجيش بمختلف أسلحته وإعفاء العسكر الموجودين في المجلس السيادي من مهامهم العسكرية حتى يتفرغوا للمناصب الجديدة. اي بإحالتهم جميعاً للتقاعد، وإذا لم يستطع رئيس الوزراء تعيين وزير دفاع مدني فعليه أن يتولى هذا المنصب بنفسه)
انتهى الاقتباس
نشرت المقال عدد من المواقع الالكترونية ومن بينها موقع ملتزم من ثوار 25 يناير المصرية والذي حرص صاحبه ان يصل المقال الى عيني عبدالله حمدوك.
وفي المقال أهداف اخرى هامة من بينها تقوية جهاز الشرطة وإلحاقه بوزارة العدل بدل الداخلية والتحقيق في قضايا قتل المتظاهرين ، تحقيقاً شفافاً علنياً ومحاسبة من أصدر الأوامر بفض اعتصام القيادة ومظاهرة الأبيض
كما اقترحت تفعيل المظاهرات الجماهيرية بخروجها كل يوم جمعة بعد الصلاة. ولنا عبرة في مظاهرات الشعب الجزائري الأسبوعية بعد عزل بوتفليقة تقول للقيادة الجديدة نحن هنا ، لا تستطيعون عمل اي شيء مخالف لإرادتنا.
لم يتحقق بالطبع أي أمر من الأمور السابقة والنتيجة وضع عبدالله حمدوك نفسه ضمن مجموعة قيادات مؤثرة رهن الاعتقال من قبل قيادات الجيش السوداني بعد الأنقلاب الذي قاموا به مؤخراً.
تلك الأيام عام 2019 ، كانت قيادات الجيش السوداني في أضعف لحظاتها فمعروف عنها أنها رجالات البشير وزلمه ومعروف أيضاً أنها هي التي تصدت للجماهير السودانية وقتلت وجرحت الكثير من المتظاهرين ، ربما يستطيعون التخلص من هذه التهمة الخطيرة أنهم كانوا ينفذون أوامر رئيس الدولة .
في العادة فإن قيادات أي جيش لا تهتم بالسياسة ولا يعرفون دهاليزها ووجود وجه جديد لرئاسة الدولة يجعلهم تلقائياً يطيعون أوامره بحكم العادة، وهذا ما كان مطلوباً من رئيس الوزراء الجديد الذي ائتمنته الثورة على مستقبلها ، والمفترض أنه يشعر بنبضها ويستلهم من ضحاياها قراراته.
فجأة برز اسم عبدالله حمدوك الذي رشحته قوى الحرية والتغيير لأهم منصب في الدولة وكانت غلطة مصيرية كلفت السودان والأمة العربية الكثير.
ولكن من هو عبدالله حمدوك ؟ انه تكنوقراط مستورد من خارج السودان لقيادة هذا الشعب المنهك ، عاش الرجل منذ 1995 خارج السودان ما بين عواصم العالم في جو الدبلوماسية الحريري ، كيف يمكن لرجل كهذا بدون خلفية سياسية وبعد قرابة ربع قرن من الحياة المرفهة أن يكون له علاقة بهموم وعذابات الجماهير.
وكأن التاريخ يعيد نفسه ، بعد ثورة يناير المصرية دخل عصام شرف على خط الثورة.
وكلا الرجلين سمحا للعسكر بالنمو والتمدد والقوة .
ويحق لنا أن نتساءل كيف دخل الإثنان على الخط بعد ثورات ناجحة ؟
كوّن البرهان وحميدتي علاقات واسعة مع أنظمة الخليج قادت الى علاقة مع إسرائيل.
سكت الحمدوك وقوى التغيير عن الموضوع المخالف لتطلعات الجماهير السودانية ، السودان ليس له مصلحة في إقامة علاقة كهذه مثل بعض الدول العربية التي تريد حماية عروشها معتقدةً أن هذا هو السبيل الوحيد أمامها لتشتري رضا الولايات المتحدة .
فعلة البرهان كانت نقطة فاصلة وكان ينبغي استغلالها لإعادة العسكر الى ثكناتهم.
والاستهانة بهذا الأمر الخطير كلفت قوى الحرية والتغيير والحمدوك الوضع الحالي الذي وصل اليه السودان الآن.
بعد هذا التراخي اعتقد البرهان أنه يستطيع فعل ما يريد .
من يخطط للعسكر لا يريد وصول المرحلة الانتقالية الى نهاياتها وإجراء انتخابات ديمقراطية نزيهة تقود السودان الى بر الآمان .
ما يراد بالسودان هو البقاء في دوامة الصراعات الداخلية وبقاء شعبه فقيراً جائعاً منهك في بلد المفترض أن يكون سلة غذاء العالم، يراد بالسودان أن تتحكم به طبقة فاسدة همها مصلحتها.
ولكن هل سيسمح الشعب السوداني بهذا الوضع المريب أن يستمر؟
أعتقد أن هذا الشعب الذي قام بأول عصيان مدني في تاريخ الأمة العربية لن يسمح بذلك.
نصيحة لمن يتولى السلطة بعد أي ثورة شعبية ناجحة تعيين كادر سياسي في كل أجهزة ومؤسسات الجيش تكون له الكلمة العليا فيها ، تحسباً لما تقوم به أجهزة المخابرات بشراء ذمم ضعاف النفوس والعقول في جيوش العالم الثالث.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق