09 أغسطس 2020

زهير كمال يكتب: حظر جماعة الإخوان المسلمين ، دلائل ومخاطر


يثير حظر جماعة الإخوان
المسلمين في الأردن الكثير من التساؤلات .
في استعراض تاريخ الجماعة منذ تأسيسها في الأردن نجد أنها كانت على الدوام فصيلاً مؤيداً للنظام. كيف لا وحاكم البلاد من سبط الرسول محمد ، والحفاظ على عرشه وتأييده بدون نقاش كان أحد مبادىء الجماعة، ولهذا السبب اقتصر عمل الجماعة على الأعمال الخيرية وهداية الناس للدين.
ويمكن القول إن شعار الجماعة كان في تلك الفترة ( أن من رأى منكراً فليغيره بلسانه فإن لم يستطع فبقلبه) وتم إهمال الفقرة الاولى من حديث الرسول عن استعمال اليد.
ختبرت الجماعة بعد النكسة ونشوء العمل الفدائي ، لم يتغير ولاء الجماعة السياسي للملك وبقيت تحت كنفه وإن انضم احدهم للعمل الفدائي فإنما بصفته الشخصية. كانت فترة قاسية بالنسبة لهم فقد تواروا عن الأنظار فترة خمس سنوات وهي فترة تواجد فصائل المقاومة في الأردن بعد أن فتر تاييد الناس لهم.
في المقابل كان الملك الراحل حسين يجيد فن الحكم ، كان يعرف التناقضات الموجودة في مجتمعه ، مثل أي مجتمع تموج فيه الأفكار من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وكان قادراً على احتواء الجميع.
بالنسبة للمنطقة العربية في تلك الفترة، كان معروفاً عن الإخوان المسلمين أنهم حركة رجعية تؤيد الأنظمة الملكية فهم الحليف التقليدي الدائم للنظام السعودي الذي موّلهم ورعاهم حيث وقفوا ضد الناصرية وتوجهاتها الاشتراكية وتغليب القومية العربية على ما سواها.
عودة الى الاردن ، ففي اللحظات الاخيرة من حياته قام الملك الراحل بانقلاب في القصر وغيّر ولاية العهد من أخيه لابنه. وهكذا بدأ عصر جديد مع شاب ذي عينين زرقاوين لا يتقن العربية.
عاش الملك عبدالله طفولته ومعظم شبابه في بريطانيا في رعاية وكنف أمه الإنكليزية، ولم يكن له في ذلك دخل أو ذنب ولكن ذلك أدى بالضرورة الى عدم تشرّبه القيمة المعنوية في كونه سليل الأسرة الهاشمية التي تعني الكثير للمسلمين وخصوصاً في الاردن ، حيث تنظيماتهم السياسية تتميز بولاء مطلق لا تشوبه شائبة، فمن الممكن أن يختلفوا مع كل أنظمة الحكم في العالم العربي ولكنهم لن يختلفوا مع حفيد الرسول كما سبق توضيحه.
عدم معرفة عبدالله الشاب بقيمة النسب، وأهميته قادته لتمثيل دور ثانوي صغير في أحد مسلسلات هوليوود عن الفضاء إشباعاً لهوايته في التمثيل. وعدم معرفة الملك الجديد بقيمة المنصب ، عبر عنها بدقة المهندس ليث شبيلات ( رغم أنه لا ينتمي للجماعة) عندما قال إن على الشعب الأردني حماية العرش من صاحبه. 
أوضاع جديدة لم يألفها الإخوان من قبل أدت الى انفصال شباب الجماعة عن شيوخها، ولكن كان أقصى ما يريده الشباب يتلخص في ( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ما يعني أنهم ما زالوا في كنف الاسرة الهاشمية.
لم يكن للإخوان المسلمين أية صلة بانطلاق ثورات الربيع العربي ولكنهم التحقوا بها بعد سيطرة المتظاهرين على الشارع ، ففي مصر، التي كانت أهم معقل لهم في العالم العربي، التحقوا بثورة 25 يناير بعد اسبوع من بدايتها وربما بفعل ضغط شبابهم . ولكون الجماعة هي الحركة الوحيدة المنظمة فقد استطاعت قيادة الثورة ضد نظام مبارك المحتضر بفعل الشيخوخة.
وعندما تسلم الإخوان السلطة في مصر لم يكن لديهم استراتيجية واضحة لحكم أكبر وأهم بلد عربي ، فلم يكونوا مستعدين لذلك ، واستمروا في نهجهم القديم في العمل الخيري والتوعية، واعتقدوا أن الديمقراطية الوليدة ستحميهم ولهذا لم يستطيعوا الاحتفاظ بالسلطة مدة طويلة بعد انقلاب النظام السعودي، حليفهم الأساسي ، عليهم واضعين كل ثقلهم مع وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للدولة، وتم إدراجهم في خانة الإرهاب.
في تاريخ الإخوان الحافل في سوريا مذبحتان في حماة في عامي 1964 و1982 وهي صدام مع حزب البعث العلماني، وهذه أحد أسباب وبذرة الحرب السورية المستمرة منذ تسع سنوات التي أكلت الأخضر واليابس. 
لنتخيل للحظة واحدة أن هذا الصدام كان تحت قبة البرلمان ، فهل كان من الممكن حدوث الحرب الحالية حيث استعان قسم من أهل سوريا بالخارج ضد أبناء وطنهم ، ومن أجل أطماع دنيوية قبلوا بأن يكونوا بيادق في لعبة دولية كبرى وكانت النتيجة موت وجرح وتشريد وإفقار سكان سوريا بالكامل.
ماذا سيحدث في الأردن بعد الحظر؟ سيلجأ بعض شباب الإخوان الى العمل السري وقد يلجأون الى القيام بعمليات ارهابية ، اي أن الدولة بتصرفاتها غير المدروسة تفرض على جزء من السكان التحول الى العنف وبعد ذلك سيلومونهم ويقولون أنهم انتصروا على الإرهاب .
أي حاكم في هذا العالم يجب أن يتحلى بالحكمة وهذا ينتج عن شعوره بأنه اصبح أباً للشعب الذي يحكمه ، إذا لم يستطع الشعور بذلك فإنه يضع بلاده في موضع الخطر وبدلاً من التوجه للتنمية يصبح جل الاهتمام لحل المشاكل. وبالطبع فإن أفضل حل هو اختيار الحاكم عبر انتخابات ديمقراطية وتغييره ديمقراطياً بعد مدة محددة وهذا يجنب أية دولة مشاكل هي في غنى عنها ويضمن توجهها نحو الأمام.
هذا ما تفعله أول تجربة ديمقراطية متكاملة في الوطن العربي في تونس حيث نجد رئيس الدولة المنتخب ديمقراطياً يطبق القانون بحذافيره ، وتحت قبة مجلس النواب تتصارع الاتجاهات المختلفة بحرية تامة في مظهر حضاري متميز غير مألوف في العالم العربي.

سيكون هذا درساً هاماً تتعلم منه الجماهير العربية في كل أقطارها ولكن الوصول الى وضع مشابه للوضع التونسي يتطلب نضالاً شاقاً وتضحيات كبرى ولكنه قادم لا محالة. 

ليست هناك تعليقات: