"ان امريكا مسئولة عن الامن فى العالم".
وردت هذه الجملة على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسى فى حديثه مع برنامج ٦٠ دقيقة فى معرض إجابته على سؤال المذيع عن لماذا يجب على الشعب الامريكى الاستمرار فى الاستثمار فى حكومتك؟
فكان رده بالنص: ((لانهم يستثمرون فى الامن والاستقرار فى المنطقة، والولايات المتحدة مسئولة عن الامن حول العالم))
***
كان هذا هو أكثر ما ازعجنى فى حواره المذاع مع قناة CBS، وليس تصريحاته حول عمق العلاقات المصرية الاسرائيلية فهى حقائق ثابتة ومعلومة وموثقة منذ فترة طويلة.
·اما الكلام عن مسئولية الامريكان عن الامن فى كل العالم فهو كلام لا يصح ان يصدر من اى رئيس دولة فى العالم حتى لو كان يعبر عن الحقيقة.
·فالمسئول رسميا عن السلم والامن الدوليين هو مجلس الامن بالأمم المتحدة والذي تتحكم فى قراراته كما هو معلوم للجميع خمس دول كبرى وليس الولايات المتحدة وحدها. وهو الوضع الذى ترفضه عديد من دول العالم مطالبة بإلغاء هذا الامتياز لدول الفيتو، وبالمساواة بين كل دول العالم بدون تمييز.
·فيأتى رئيس الدولة المصرية التى كانت فى يوم من الأيام راس حربة فى تأسيس حركة عدم الانحياز، ليقر ويعترف للامريكان بانهم الدولة المسئولة عن امن العالم!
·كما ان العكس هو الصحيح على طول الخط، فالولايات المتحدة الامريكية هى الدولة الأكثر تهديدا وأضرارا بأمن واستقرار غالبية دول العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ناهيك على انها الدولة الأكثر عداء واعتداء على المصالح المصرية والعربية وعلى أمننا القومى، وقصتها معنا منذ ١٩٦٧ وأثناء حرب ١٩٧٣ وبعدها لا تزال محفوظة ومحفورة فى ذاكرة المصريين. ونهبها لثرواتنا وغزوها للعراق وافعانستان وقواعدها وعربدتها العسكرية فى المنطقة محل رفض من كل الشعوب العربية.
·وبعيدا عن الامم المتحدة ومجلس الامن، فان الواقع الحالى فى الساحة الدولية ينفى تماما احتكار الولايات المتحدة لزعامة العالم اليوم، فبجانب روسيا والصين والاتحاد الاوروبى، هناك عديد من دول العالم المستقلة عن الولايات المتحدة والمناهضة لسياساتها فى دوائرها الاقليمية.
·ان كافة التيارات الوطنية فى الدول النامية تجمع على رفض ومقاومة العولمة الامريكية التى تسعى الى عبور الحدود واضعاف الدولة القومية وانتهاك سيادتها الوطنية.
·كما ان فى الاعتراف والقبول بان امريكا هى المسئولة عن الامن فى العالم، دعوة ومباركة لتدخلها فى الشئون الداخلية لمصر والمنطقة وباقى دول العالم، وقبول لسياساتها وقراراتها المعادية والمعتدية على الحقوق العربية والفلسطينية، وآخرها الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتأييدا لحقها فى الدعم اللامتناهى لاسرائيل والحفاظ على امنها. كما ان فيه انحيازا وخضوعا كاملا للامريكان، وتهميش واستخفاف واهانة لباقى الدول الكبرى الصديقة فى العالم كروسيا والصين.
·والغريب انه يلقى بكل ثقله ورهاناته على دور الامريكان فى العالم، فى الوقت الذى لا يكل ولا يمل فيه الرئيس الامريكى من تكرار ان "امريكا اولا"، كما انه لم يكف منذ تولى منصبه عن تهديد ومطالبة دول المنطقة بدفع مزيد من الاتاوات ان هى ارادت استمرار امريكا فى حماية انظمتها وحكامها من السقوط.
***
لم تكن هذه هى المرة الاولى التى يعرب فيها الرئيس المصرى عن مكنون نفسه تجاه الولايات المتحدة، فلقد اتخذ كثيرا من المواقف والسياسات التى تعكس انحيازاته التامة للامريكان ورهاناته عليهم، منها على سبيل المثال وليس الحصر:
·تعليماته الى البعثة المصرية فى الامم المتحدة فى ديسمبر 2016 بسحب قرار ادانة المستوطنات الاسرائيلية من مجلس الامن بعد مكالمة تليفونية من ترامب تطالبه بذلك.
·نداءه الى الرئيس الامريكى فيما يشبه الاستنجاد بعد جريمة الاعتداء الارهابى على حافلات الاخوة الاقباط فى المنيا فى 26 مايو 2017. شاهد نداءه هنا
·وتصريحاته فى لقائه مع ترامب فى البيت الابيض 3 ابريل 2017 الذى قال فيه ((اعجابى الشديد بشخصية الرئيس المتفردة .. ستجدنى انا ومصر بجانبك بكل قوة وكل وضوح لمواجهة الارهاب والقضاء عليه .. ستجدنى داعم وبشدة لكل الجهود التى ستبذل لصفقة القرن التى انا متاكد ان فخامة الرئيس هيستطيع انه ينجزها)) الرابط من هنا
·وكلماته فى لقائه بالرئيس ترامب فى الرياض فى 21 مايو 2017 الذى قال فيه ان لترامب شخصية متفردة قادرة على صنع المستحيل. شاهد اللقاء من هنا
· ومن قبل قوله فى حديثه مع قناة CNN فى سبتمبر 2015 انه "لا يوجد جيش على وجه الارض يستطيع ان يواجه الجيش الامريكى". فى سياق حديثه عن مواجهة الجماعات الارهابية.
·واخيرا وليس آخرا تلك الصورة المهينة والجارحة التى كان قد تم التقاطها فى البيت الابيض فى ابريل 2017والتى ستظل محفورة فى ذاكرة الجميع وستتحول الى رمز فج وكريه للتبعية المصرية للولايات المتحدة الامريكية، حين قبل أن يقف مع جموع الواقفين خلف ترامب الذى انفرد وحده بالجلوس.
***
لقد اعطى السادات بعد حرب اكتوبر 99 % من أوراق الصراع العربى الصهيونى للامريكان.
وها هو خليفته وتلميذه النجيب عبد الفتاح السيسى يؤكد على ذات المعنى، ليس فقط فى مصر أو المنطقة، بل فى العالم أجمع.
*****
القاهرة فى 8 يناير 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق