بقلم د. رفعت سيد أحمد
في القرآن الكريم أية معبّرة ، عن حال أمّتنا اليوم (2018) ، كثيراً ما أتوقّف أمامها ، متأمّلاً دلالاتها وخاصة أنها نزلت في المنافقين من المنتسبين إلى الإسلام وكان بعضهم يحيط بالنبي(ص) ، مدّعياً أنه صحابي جليل ، وهو ليس سوى منافق عتيد ، فنزلت عدّة أيات لتكشفهم وتفضح نفاقهم ودورهم التخريبي في دولة الإسلام الناشئة ، ومنها هذه الآية الكريمة من سورة التوبة والتي يقول فيها الله جلّ جلاله (ومنهم مَن يقول إئذن لي ولاتفتني ،ألا في الفتنة سقطوا ، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين _الآية 49 ).
اليوم ونحن نتأمّل سياسات ومواقف بعض الدول العربية تجاه قضايا الأمّة ، وبخاصة قضية فلسطين، وكيف ساهم حكّام تلك الدول في تضييعها، بل وكيف شاركوا العدو الرئيسي للأمّة، العدو الصهيوني في إشعال نيران الفتن والحروب المذهبية والسياسية، ساعتها نكتشف أن تلك الآية الكريمة نزلت فيهم ، تماماً مثلما نزلت في أجدادهم السابقين، في عهد النبي وصحابته المُنتجبين، ولعلّ نماذج بعض دولنا العربية ومنها السعودية منذ تأسيسها (1932) وحتى اليوم (2018).
خير مثال على أولئك الذين نعتهم القرآن الكريم بقوله (ألافي الفتنة سقطوا)، بل هم لم يكتفوا بالسقوط فحسب، بل قاموا بتقاسم تلك القتن، صناعة وترويجاً وتوظيفاً مع الكيان الصهيوني خدمة لاستراتيجية أميركية واحدة كليهما يعمل فيها، هذا الأمر يدفعنا إلى التعمّق في النظر قليلاً، لنكتشف أن أحد أبرز القواسم المشتركة بين تلك الدول والكيان الصهيوني ، هو نشر الفتن المذهبية والطائفية بين أبناء المنطقة ولعلّ ما قامت به منظومة الخليج العربي ومعها إسرائيل وأميركا في ليبيا وسوريا والعراق والآن في اليمن ، خلال سنوات الربيع الزائف هذا، ما يؤكّد ذلك ، ويضاف إليه أن سلوك تلك الدول يتّسم بالعنصرية والمذهبية المُتعّصبة.
هذا ويحدّثنا التاريخ علي سبيل المثال أن كل من الكيان السعودي والكيان الصهيوني تميّز بالعنصرية ليس فحسب تجاه المنطقة العربية والإسلامية المحيطة بهم، خاصة تجاه إيران الدولة والثورة، بل امتد الأمر إلى أطراف فى داخل الكيانين، فنجد في الداخل الإسرائيلي على سبيل المثال تمايزاً بين اليهود أنفسهم حيث يتصدّر يهود أوروبا المقام الأول لأنهم القلّة المختارة والصفوة صاحبة المشروع منذ بدايته ويأتي اليهود ذو الأصول الشرقية و"الفالاشا" وحتى اليهود الروس القادمون بعد إتمام المشروع في مراتب متدنيّة، ويشكّل هؤلاء حلقات تعاني من التمييز والدونيّة التي تعبّر عن ذاتها في الإقصاء والابتعاد عن دوائر صنع القرار السياسي والاقتصادي.
ويبقى عرب 1948 داخل الخط الأخضر نموذجاً صارخاً على عنصرية الكيان الصهيوني وطائفيته وتمييزه على أساس العرق والدين ، ولعلّ ما جرى مؤخراً من تمييز فاضح ضدّ الدروز الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية ما يؤكّد تلك النزعة العنصرية تجاه مكوّنات هذا الكيان من غير اليهود ، والذي كرّسه أكثر قانون يهودية الدولة والذي أصدراته إسرائيل في شهر تموز/ يوليو 2018 ، وأثار في حينها ردود فعل واسعة .
أمّا بالنسبة للكيان السعودي فهو ليس كما يبدو على السطح مملكة هادئة ومُتجانسة، بل مملكة مُتصارِعة الهويات ومُعادية لأبناء المذاهب الأخرى وخاصة المذهب الشيعي، والشواهد عديدة والتي آن للحكّام في تلك البلاد الاتنباه لخطرها وارتداداتها المستقبلية على وحدة وتماسك المجتمع وإلا يسيروا على ذات النهج الصهيوني في التعامل مع طوائف المجتمع الأخرى .
إن هذا التشابه في العنصرية المذهبية وروحية العداء للمذاهب والطوائف الأخرى هو الرابط المشترك للأسف بين عدد من الدول العربية والكيان الصهيوني، ولقد زاده حدّة وقسوة، نتيجة سيطرة بعضها على مقدّسات المسلمين، حيث أولى القبلتين في القدس بفلسطين، تحت قبضة الاحتلال الصهيوني منذ العام 1948، وحيث مكّة والمدينة في أرض الجزيرة العربية، تحت حكم آل سعود منذ العام 1932، هذه السيطرة أعطت البُعد المذهبي في الصراع بالمنطقة، زخماً أكبر، وساهمت في حَرف البوصلة ردحاً من الزمن بعيداً عن القضايا الرئيسية للأمّة وفي مقدّمها قضية فلسطين.
ونحسب أن هذا الصراع المذهبي المُفتَعل سيستمر، إلا إذا استفاق العرب والمسلمون على حقيقة أن العدو الوحيد والمشترك، والمستفيد من هكذا صراع هو فقط العدو الصهيوني، وأن أية علاقات أو تطبيع معه ، أو أية مساندة له في الصراع السياسي والمذهبي، سوف تنقلب وبالاً على الأمّة كلها، وفي مقدّمها تلك الدول التي تطبّع معه وتسانده لان الكيان الصهيوني بحكم التاريخ والنشأة والوظيفة كيان عنصري، لا صديق له ولا تحالف جاد يحترمه، إلا التحالف مع أميركا ، ومن ثم على عقلاء الأمّة في تلك البلاد التي تتشارك الآن مع إسرائيل في لعبة الأمم القائمة على زرع الفتن وتوظيفها؛ عليهم أن ينتبهوا إلى مصدر الشر الأوحد في منطقتنا وعبر تاريخنا الممتد؛ العدو الصهيوني.
حفظ الله أمّتنا من مُكره ودوره وشروره .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق