09 أبريل 2017

سيد أمين يكتب: هل كانت ثورة يناير صراع أجنحة حكم؟


أمضى مبارك ثلاثين عاماً حاكماً على مصر، مع أنه في رأيي -وقد يعترض عليه الكثيرون- لم يحكم يوماً واحداً إلا فيما "سفه" من الأمور، أما ما عدا ذلك فقد استخدم كناطق رسمي لحكم المجلس العسكري، ليتلو قرارات قد يكون حرمَ حتى من مناقشتها، وإبداء رأيه فيها.

في هذا الوضع ترعرع جمال مبارك الذي قرر أن ينتفض انتفاضاً ناعماً، ثأراً لكرامة والده الذي رآه يستخدم كخيال "مآتة"، أو "فلتر" يخفف وقع "الأوامر" العسكرية على مسامع الناس الموهومة بالدولة المدنية وأدواتها المزعومة من برلمان وقضاء وأحزاب ومعارضة ونخب ومنظمات مجتمع مدني ومؤسسات دينية، ليس ذلك فحسب، بل ويتلقى منهم الانتقادات بل والطعنات الناقمة.

فراحَ جمال في غفلة من رقابة الرقيب العسكري، أو بترقب صامت منه على ما يبدو، يستحوذ على أجهزة لتدين له بالولاء، وكان بالطبع من أهمها "جهاز أمن الدولة"، ولما كان هذا الجهاز الأمني يفتقر إلى الدعم الشعبي الذي يستمد منه قوته في حال صدام الأجهزة، تم ضبط "الحزب الوطني"؛ ليكون على مقاس الرئيس وابنه وزوجته التي دخلت هي الأخرى في معركة الاستحواذ، وكان له ما لهم من أصدقاء وعليه ما عليهم من أعداء.

واستكمالاً للبناء الذي يترسخ بخطى ثابتة، تم تفصيل الأذرع الإعلامية والاقتصادية والشعبية والنخبوية والدينية، مروراً بتعديلات 2005 الدستورية الخاصة بالمادة 76 وتطويعها لتنص على أن اختيار الرئيس يمر عبر البرلمان الذي هو بالقطع تحت رحمة الحزب "التفصيل" الذي يسيطر عليه مبارك الابن.

واستمرت الترتيبات حتى اكتمل البناء ولم يتبقَّ سوى الانقلاب على حالة الانقلاب، وإعطاء الرئيس لأول مرة حقه في أن يحكم بما يتفق ورؤيته للحكم، لا أن يكون "ببغاء" يردد ما يطلب منه، ثم بعد نجاح الأمر يرث الابن الوليمة كاملة بلا شريك.

وحاول هذا الطرف التواصل مع المجتمع وإرسال رسائل ضمنية تشرح رؤيته لما يجري في الحكم، وذلك عبر أعمال فنية منها "طباخ الرئيس" ومسرحية "الزعيم".

الجانب الآخر

وإذا كان الطرف السابق هو الطرف المتغير الذي يمكن الإشارة إليه بالمجموعة "ب"، فإن الطرف "أ" الثابت الممتد هو بلا شك قوى العسكر والمخابرات التي ظلت تراقب الموقف عن كثب، وتعتمد هي الأخرى سياسة الخداع والتخبئة وتعد العدة للانقلاب على الخصم الذي أتت به ونصبته رئيساً للبلاد فلما اشتد عوده تمرد عليها، مستغلة في ذلك حالة الحنق الشعبي عليه من جانب، وعدم معرفة الشعب بتفاصيل انقسام السلطة "العسكرية" إلى ضدين متصارعين من جانب آخر.

ولأن حرية الإعلام هي مطلب عالمي، فقد استغلته المجموعة "أ" كحصان طروادة لإنجاز الأمر، فيما كان من الطبيعي أن تنخدع المجموعة "ب" بمطالب الانفتاح تلك، واعتبروا أنها أيضا ممكن أن تخّدم على خطتهم، وتضيف احتراماً إليهم، خاصة أن منعها سيساعد بلا شك الأعداء في مآربهم، ويرفع سقف الغضب الداخلي والخارجي في عصر السماوات المفتوحة.

فجندت المجموعة "أ" نخبتها الخاصة بها في مواجهة النخب القديمة من الإعلاميين والصحفيين وبعض الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية وغيرها، وأسست لهم المنابر الإعلامية، وقدمتهم كـ"قوى وطنية" من أجل المساعدة في تغذية حالة السخط الشعبي المتزايدة ودعم رفع سقف الحريات إلى أقصى مستوى له.

كما أسست الحركات السياسية التي شجعت جرأتها وتراجع نظام المجموعة "ب" غير المسبوق أمامها أطيافاً كبيرة من الناس للانضمام إليها، رغم أنهم لا ينتمون لهذا أو ذاك ولا يعرفون بحقيقة معسكرهم.

فلاقت هذه "التشكيلة" التفافاً شعبياً منقطع النظير بوصفهم "رجال خلاص وتضحية وطنية".

وبين هذا وذاك، تركت بعض الشخصيات للقيام بدور الوساطة في أي تسويات "حربية" بين الفريقين، ومن أبرز تلك الشخصيات صحفي عرف بلهجته الصعيدية.

وكما فعل الطرف الأول فعل هذا الطرف أيضاً، فأنتج أعمالاً فنية تدعم وجهة نظره، ومنها أفلام "هي فوضى" و"واحد من الناس" وغيرها.

الانفجار العظيم

أعدت العدة، وتخندق الفريقان، ولم يبقَ إلا إشعال فتيل الثورة الشعبية، وأخذ كل فريق يقدم دروعه البشرية، فريق يبدو للناس كما لو كان قد حكم ثلاثين عاماً، فلم يحصد فيهم إلا الفشل، وبالتالي انفضاض كثير من الناس من حوله مع أول شعاع للحقيقة، لدرجة أن صار الدفاع عنه مسبباً للخزي والعار، في مواجهة فريق آخر يبدو للرائي أيضاً بأن -جميع أفراده وليس بعضهم- ثوريين عفويين حركتهم غيرتهم الوطنية ووعيهم السياسي الجامع وليس الفئوي فانضم إليهم جل الشعب الساخط.

وبدأ الحراك في الأرض في اليوم المحدد سلفاً، استطاعت المجموعة "ب" أن تجهضه، هنا شعر أفراد المجموعة "أ" بالخطر فأعدوا العدة في اليومين التاليين لحراك أكبر تساندهم فيه ذمم اشتروها لقيادات الصف الثاني من وزارة الداخلية، وعدوا بالحماية، وفعلاً حصلوا على البراءة بعد ذلك.

حاصرت تلك القيادات الميادين والشوارع من الجوانب الأربعة، وراحوا يطلقون النار وقنابل الغاز على جميع المواطنين وفي كل الاتجاهات، حتى الأدوار العليا من العمارات بغية استنفار غضب سكانها وضمهم للحراك الغاضب على الأرض، وكانوا يقصدون بذلك تكثيف الرفض الشعبي ثم التجهيز لمشهد "اختفاء الشرطة" أو انكسار الذراع العسكرية للمجموعة "ب" وترك المسرح بالكامل للمجموعة "أ" والحراك الشعبي الساخط، ما نجم عنه تهاوي كل متاريس المجموعة "ب" الإعلامية والاجتماعية والدينية بسرعة كبيرة.

ويبدو أن وزير الداخلية حبيب العادلي واللواء عمر سليمان وزير المخابرات والفريق أحمد شفيق هم من المسؤولين القلائل الذين رفضوا الاستسلام للخطة، فتم التنكيل بالأول وقتل الثاني "ويقال إنه تم اختطافه"، في حين لم يمس الثالث أذى لوجود أنصار كثر له داخل المجموعة "أ"؛ لذا قرروا أن يتم التخلص منه عبر شيطنته إعلامياً.

وفي محاولة بائسة راح مبارك يستعطف الناس بالخطاب المشهور فخفتت حدة الاحتجاج، هنا، عاجلت المجموعة "أ" المتظاهرين بموقعة "الجمل" فرفعت من موجة الحنق والاحتجاج مجدداً؛ بل وتوسعت أكثر فأكثر، وكان يجري توجيهها لاتخاذ طابع عنيف، ما وضع مبارك في حالة مذرية، خاصة أن معظم أدوات سلطة كانت تعمل ضده، ثم انتهى الأمر بعدها بإجباره على التنحي.

ولا ننسَ هنا أن نزول الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي للميادين أسهمَ في السقوط السريع لمبارك ومجموعته، وأفشلوا الخطة التي أريد لها توقيف الثورة عند حد إسقاط مبارك وتعيين جنرال بديل له فقط، وحولوها إلى ثورة شعبية حقيقية تعادي كلتا الكتلتين المتصارعتين.

ورغم أن نزولهم بدا كما لو كان مساندة للمجموعة "أ" فإن تلك المجموعة اعتبرتهم الأعداء الجدد لها، خاصة حينما عرفت قدرتهم على الحشد الشعبي، حيث فتح السقوط السريع لمبارك ومجموعته شهيتها في إتمام التخلص من كل المنافسين المحتملين الجدد، وعلى رأسهم بالطبع حركات الإسلام السياسي، ولكن بطريقة تحولهم إلى أعداء لجميع قوى الأقليات في البلاد، وذلك عن طريق شيطنتهم عبر الإعلام ثم الانقضاض عليهم من كل حدب.

مؤشرات الصراع

مؤشرات الصراع الخفي بين جهازَي الأمن في مصر كانت واضحة، لعل أوضحها الاحتكاكات التي حدثت في عدة محافل بين رجال الجيش والداخلية، كما حدث في قسم شرطة مايو/أيار 2010، ثم الرد عليها باقتحام مقار مباحث أمن الدولة بعد الثورة.

والظهور المفاجئ للحركات السياسية الجريئة و"المسنودة" الداعمة لأي من الكتلتين المتصارعتين، والتحول السريع لإعلاميين رسميين عرفوا بولاءاتهم الأمنية الراسخة، لا سيما لو قورن موقفهم آنذاك بما جرى بعد الانقلاب العسكري وتوحدهم جميعاً خلفه رغم ما جرى بسببه من مذابح كانت أدعى لصحوة ضمير كتلك التي تصنَّعوها في 2011.

الغريب أنهم كما دافعوا باستماتة عن فتح سقف الحريات لأقصاه حتى إسقاط مبارك ومجموعته، وعن تحوله إلى حالة فوضى حتى إسقاط التيار الإسلامي، راحوا يدافعون باستماتة مشابهة، ولكن على إغلاق سقف الحريات تماماً، وذلك حينما نفذت المجموعة "أ" كامل خطتها ولم يتبقَّ إلا اليسير.

عموما.. ثورة يناير/كانون الثاني، سواء أكانت ثورة حاول الجيش إجهاضها، أو صراع أجنحة حكم تحول إلى ثورة، فهى حقيقة ثابتة تربعت في قلوب المصريين، وحتماً ستنتصر.

ليست هناك تعليقات: