14 فبراير 2017

زهير كمال يكتب: بين مطرقة جاستا وسندان ترامب


في الأشهر الأخيرة من عهد أوباما ناقش الكونجرس الأمريكي الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري إصدار قانون يتيح لعائلات ضحايا سبتمبر مقاضاة الحكومة السعودية في المحاكم الامريكية والتعويض عليهم ، وقد عارض أوباما إصدار تشريع كهذا لما يحمل من عواقب إن استعملته الدول الأخرى ضد الولايات المتحدة، ولكن الكونجرس أصدر هذا التشريع وكانت عينه على أموال النظام السعودي المودعة لدى البنوك الأمريكية والتي قدرها بعضهم ب 600 مليار دولار.

شعر النظام السعودي وحكام الخليج بالخطر والخوف على ودائعهم أن تتتبخر بفعل هذا التشريع الذي أطلق عليه قانون جاستا والذي يعتبر سيفاً مسلطاً على رقاب حكام الخليج بعامة والنظام السعودي بخاصة.

عندما استلم دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، وبدأ بإصدار أوامر تنفيذية بمنع دخول بعض رعايا الدول الإسلامية، لم يشمل الحظر رعايا دول الجزيرة العربية والتي كان بعض مواطنيها من الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر . وهنا لوحظ عدم التناغم بين الكونجرس والقادم الجديد الى البيت الأبيض وكلاهما ينتمي الى نفس الحزب، بل لم نسمع حتى الآن عن دعاوى سيرفعها أهل بعض الضحايا ضد النظام السعودي.

للرئيس الجمهوري ( أو المحسوب على الخط الجمهوري) رأي آخر ، وقبل التطرق الى ذلك يجب أن نلاحظ أن دونالد ترامب هو الوحيد من بين رؤساء أمريكا ومنذ وقت ليس بالقصير ، الذي لم يأت من خلفية سياسية بل جاء من عالم الاقتصاد والمال والتجارة والعقارات، وهو عالم معقد ومتشابك خاصة في هذا العصر، ولكن نستطيع القول إنه رجل يعرف من أين تؤكل الكتف. 

يرى ترامب أن هذه الأموال الموجودة في البنوك الأمريكية هي ملك للحكومة الأمريكية ولكنها ليست بيت القصيد، ولا تلبي طموحه كما عبر عن ذلك في خطب عديدة، بل يريد أضعاف أضعافها وبخاصة من هؤلاء الحكام الذين يمتلكون ثروات طائلة ولا يعرفون كيفية التصرف بها، ومن الممكن أن تكون هذه الأموال عينية مثل النفط الموجود في الأرض أو مثل النقد الموجود في خزائنهم. ويرى أنه يجب العمل على إيجاد الطريقة المناسبة للحصول عليها لصالح الخزانة الأمريكية، فهو يؤمن بشكل قاطع أن أمريكا أولاً .

ما يفعله رجل الأعمال الناجح دونالد ترامب أنه يوظف كل مهاراته وخبرته التي حصل عليها خلال سنين طويلة من أجل المصلحة الأمريكية ، ولا يبالي بالاعتراضات الآتية من الآخرين حتى لو كانوا في حزبه ، فلديه رؤيا لا يمتلكونها ومن يخالف رؤيته إنما جاهل أو متخلف كما حدث مع القاضي الجمهوري في سياتل الذي اتبع الدستور وخالف القوانين التنفيذية التي أصدرها، وهو يعتقد أيضاً أن الحزب الجمهوري يحتاجه بينما هو لا يحتاج أحداً، وهو في هذا مخطئ وقد تنقلب الأمور على رأسه ، فالسياسة فن لا بد من إتقانه وهذه هي نقطة ضعفه. 

بدأ ترامب حياته الرئاسية بإصدار القوانين التنفيذية سيئة الذكر والمخالفة للدستور بشأن المهاجرين، ولوحظ قيامه بالاتصال التلفوني مع الملك السعودي، فلا بد من تهيئة الأجواء المناسبة للخطوات القادمة. كالصياد الذي يهيء الطعم للفريسة.

ومن غرائب الأمور أن العالم كله بما فيه الداخل الأمريكي وقف ضد هذه القوانين إلا حكام الخليج وإعلامهم الذي وقف معها بشكل يثير الاشمئزاز ويبعث على الأسى والحزن ويظهر مستوى في غاية الانحطاط واستهتاراً بالقيم الإنسانية.

قامت إيران بتجربة صاروخ باليستي، فجن جنون ترامب وبدأ حملة إعلامية ضدها، فهذه التجربة تهدد الأمن والسلم العالمي وتخالف الاتفاق النووي، الى آخر هذه المعزوفة، وبالطبع ، كما هو متوقع ترد إيران على التهديد بالتهديد وهكذا بدأت الحرب الكلامية بين الخصمين وسيقوم ترامب بالتصعيد بما فيه تحريك الأساطيل الى الخليج وغير ذلك أو الى الحد الذي سيطلب فيه هؤلاء الحكام الحماية من التهديد الإيراني وسيدفعون عن طيب خاطر الثمن المطلوب دفعه مقابل هذه الحماية .

هذه هي شخصية ترامب كرئيس وهذه هي طريقة تفكيره ونظرته الى العالم. ولضمان النجاح والوصول الى الهدف لا مانع من اتباع سياسة الوصول الى حافة الهاوية. ولكنه كرجل أعمال ناجح لن يفكر أبداً بإشعال الحروب فهي ليست مناسبة للبزنس، بل بالعكس ربما تؤدي الى خسارة بعض الموجودات.

وربما كانت تصريحاته المتكررة بأنه كان ضد غزو العراق تبين طريقة تفكيره، فهناك طرق أبسط للوصول الى الهدف بأقل الخسائر، وفي حالتنا هذه ومع حكام ضعاف التفكير ، بل أغبياء، لا وجود لأية تكلفة مطلقاً. وهو كرجل أعمال ناجح يستغل نقاط الضعف الموجودة عند الآخرين ويستعملها لصالحه بدون رحمة ولا شفقة.

ومن قبيل المصادفة أن كوريا الشمالية أطلقت صاروخاً باليستياً في الأيام الأخيرة أثناء زيارة رئيس وزراء اليابان لواشنطن وكان تصريح ترامب أنه يقف خلف اليابان ويساندها ويدعمها. ولكن هل يستطيع رجل الأعمال ترامب الحصول على المال من اليابان أو كوريا الجنوبية وكلتاهما دولتان غنيتان وذلك بهدف الحماية؟

والجواب بالنفي القاطع فرؤساء هذه الدول المنتخبون ديمقراطياً سيفكرون في الانتحار على طريقة الهاراكيري اليابانية قبل أن يفكر أحدهم في دفع دولار واحد في غير محله ، وينطبق الأمر على رئيس المكسيك. إذاً فلا داعي للتصعيد في هذه المسألة فهي غير مجدية اقتصادياً ، هكذا يفكر . 

سينجح ترامب في خططه ومساعيه في الحصول على أموال للولايات المتحدة من حكام الخليج فهم صيد ثمين وسهل، وهم لا يمانعون في ذلك بحكم انتمائهم وتبعيتهم المطلقة لأمريكا.

نقطة الضعف الموجودة في الجزيرة العربية والخليج هي طريقة نظام الحكم المتبع فيها والتي لم تعد مناسبة لهذا العصر، فهي لم تتعد بعد مرحلة مشيخة القبيلة ، حيث يتصرف الشيخ فيها بالمال والرجال بدون الرجوع الى القبيلة وبدون التفكير في مصلحتها بعيدة الأمد.

ويتعدى الأمر منطقة نفوذ هؤلاء الشيوخ، بحكم التداخل المدهش في الجغرافية والمجتمع والدين، فهذه أمة واحدة وهكذا نجد تأثيرهم المدمر قد امتد ليشمل المنطقة العربية ككل والمشتعلة الآن بحروب أهلية في العراق وسوريا واليمن وليبيا.

واذا لم ينتبه أحد فإن مستقبلاً اسود ينتظر هذه الأمة ككل للأسف .

ليست هناك تعليقات: