بحثت في الأرشيفات عما يفيد بأن الاحتفال بأي من العيدين الفضي (25 عاماً) والذهبي (50 عاماً) لنقابة الصحفيين في 31 مارس 1966 و1991 جرى تحت رعاية الرئيسين جمال عبد الناصر وحسني مبارك، أو أي كان، وتيقنت في النهاية بأن هذا لم يحدث أبداً، لا في هذه المناسبة أو تلك. لذا زادت دهشتي من موقف نقيب الصحفيين ومجلس النقابة باستدعاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ليرعي الاحتفال الماسي في عهد ما بعد ثورة أو قل ثورتين على رئيس مصر وعلى صيغة الحاكم الفرد راعي البلاد والعباد.
ولقد تأكدت أنه لاتوجد سابقة لاستدعاء رعاية يراها البعض نفاقا ممجوجا لحاكم يصنف عالميا بأنه واحد من أبرز اعداء حرية الصحافة والحريات على مستوى العالم الآن .ويراها آخرون بأنها محاولة لاستمالة راعي الاحتفال كي ينفذ وعودا رئاسية بالعفو عن زملاء محبوسين في سجونه.
وبعضهم حياته مهددة جراء اساءة المعاملة وانتهاك حقوق المحبوسين والسجناء، ومنهم من هو محتجز في سجن العقرب، وقد بدأ عدد من هؤلاء ضحايا هذا السجن الرهيب في الاضراب عن الطعام منذ نحو تسعة أيام. كما بدأ بنقابة الصحفيين اعتصام تضامني مفتوح مع الصحفيين المحبوسين اعتباراً من الإثنين الماضي. وعلماً بأن معاوني السيسي ومرؤسيه لا يسمحون للنقيب أو أعضاء مجلس النقابة بزيارة الزملاء المحبوسين، وهو ما لم يحدث في تاريخ نقابة الصحفيين منذ انشائها في عام 1941.
والحقيقة أنني ممن لا يعولون كثيرا على رهافة حس و يقظة ضمير وخجل الدكتاتوريين الرعاة من عشم الرعايا الضحايا وذويهم وزملائهم، لكنني أضع كل هذا جانبا ومعه ما قد يكون من تباين التقييمات والتقديرات للسيسي وسياساته، بل وتبريرات البعض أيضاً.
وأدعو الى كلمة سواء بشأن قرار مجلس النقابة دعوة الرئيس ـ أي رئيس ـ ليرعي احتفال ذكرى تأسيس النقابة، وثمة هنا أمران: الأول أن هذه الدعوى تخط سابقة في الرعاية لمهنة ولنقابة يجب ان تظلا بعيدا وفي استقلال عن أي رعاية أو وصاية من سلطة، ناهيك بالسلطة التنفيذية التي يرأسها رئيس الجمهورية. والثاني أن النقيب ومجلس النقابة كان عليهما الالتزام بأن هذه النقابة هي لكل الصحفيين سواء أيدوا السيسي أو عارضوه.
وبالتالي فإنه لا يجوز بحال اتخاذ قرار بمناسبة الاحتفال بعيد نقابة الصحفيين المؤيدين والمعارضين معا يمزق وحدة النقابة وحيدتها ككيان بين الميول السياسية لأعضائها، وإلا انجررنا لاحقا الى اصدار قرارات باسم النقابة تنحاز في صراعات السياسة لصالح السلطة، لأن هذا هو الطريق الذي يمهد له رعاية رئيس الجمهورية لأنشطة النقابة ولمناسباتها، شاء من اتخذوا قرار هذه الرعاية وتعمدوا، أم لم يشاءوا وقالوا انهم لم يذهبوا الى هذا القصد.
لا أستطيع أن ألوم رئاسة الجمهورية والرئيس السيسي على تلبية هذه الدعوة غير الموفقة والمنافية للتقاليد النقابية ولاستقلالية الصحافة والنقابة، فلا الرئاسة ولا الرئيس أحرص على هذه التقاليد والاستقلالية وعلى وحدة النقابة من نقيبها ومجلسها، بل أنني اتفهم تلقف سلطة الرئاسة للدعوة، فها هي نقابة الصحفيين تضع احتفالها الماسي تحت رعاية من يوصف في داخل البلاد وخارجها بأنه “عدو الصحافة والصحفيين والحريات”.
وهو الرئيس الذي شهد عهده غير المديد بعد ماوصفه تقرير لجنة الحريات بنقابة الصحفيين عن عام 2015 بأنه “انتهاكات غير مسبوقة، جعلت من العمل الصحفي مهنة خطرة”، (وفق النص الوارد في تقرير مجلس النقابة الى الجمعية العمومية مارس 2016).
وهو الرئيس الذي ظهر في عهده غير المديد بعد في بيانات مجلس النقابة ومراسلات النقيب مصطلح “الاختفاء القسري” لعدد من الزملاء الصحفيين، وهذا أيضاً للمرة الأولى في تاريخ أدبيات النقابة والصحافة في مصر.
لا ألوم رئاسة الجمهورية والرئيس في التلهف لقبول دعوة قفزت على كل هذا، فتقارير وبيانات المنظمات الدولية المعتبرة والمحترمة المتخصصة في متابعة أحوال حرية الصحافة والصحفيين بامتدادا العالم وضعت مصر في عهد السيسي كثاني دولة في حبس وسجن الصحفيين.
وهكذا مباشرة بعد الصين التي يبلغ عدد سكانها نحو 15 أضعاف سكان بلدنا المحروسة.والتقرير الأخير للجنة حماية الصحفيين عن عام 2015 رصد 23 صحفيا مصريا سجينا . في حين رصد في الصين 49 صحفياً سجيناً، وزاد التقرير على هذا نصا: “إن مصر شهدت التدهور الأشد سرعة في حرية الإعلام “.
أما منظمة “مراسلون بلا حدود” فقد بعثت من مقرها في باريس برسالة الى الرئيس السيسي في 22 فبراير 2016 أي في ذات شهر إعلان رعايته للاحتفال الماسي لنقابة الصحفيين المصريين. وقالت في مقدمة الرسالة انه منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية في يونيو 2014 “تم تسجيل تدهور ملحوظ على صعيد الحريات الأساسية في بلدكم”. ونبهت الى “0الحالة المقلقة للغاية التي يعيشها الصحفيون المصريون حيث يتعرضون في أغلب الأحيان الى الملاحقات والمضايقات بذريعة الأمن القومي”، وأكدت أيضاً “أن مصر في عام 2015 أصبحت واحدة من أكبر السجون بالنسبة للصحفيين في العالم”.
حقا.. عزيزي الزميل نقيب الصحفيين وأعزائي الزملاء أعضاء مجلس النقابة لا ألوم الرئيس أو الرئاسة في قبول مثل هذه الرعاية السابقة والنشاز في تاريخ نقابتنا، بل ألومك أنت وألومكم أنتم .
وبصفتي عضوا بالجمعية العمومية فانني أعلن بضمير مستريح وباتساق مع تقاليد المهنة ومع تاريخ نقابتنا معارضتي لرعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي للاحتفال الماسي. وأقول ان هذه الدعوة ليست باسمي ولا تصح ان تكون باسمي. وهذا لاعتبارات تسبق حتى كون الرئيس السيسي في نظري ونظر العديد من الصحفيين المصريين بل وأحرار العالم عدوا لحرية الصحافة وللصحفيين.
وأقول لكم: الرجوع الى الحق فضيلة.. راجعوا أنفسكم.. ولا تعالجوا ما تظنونه حرجاً في سحب دعوة الرعاية والاعتذار عنها بالحرج الأكبر إذا انعطفنا الى هذا الطريق. وهذه بالطبع ليست نقابة السيسي ولا نقابة الرئيس، بل هي ببساطة نقابة الصحفيين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق