18 نوفمبر 2009

لغتنا القومية ..التشخيص.. والعلاج

لغتنا القومية ..التشخيص.. والعلاج
لغتنا القومية ..التشخيص.. والعلاج
سيد أمين
لا شك انه ما من أمه أهملت لغتها القومية إلا انقرضت, هذا هو ما يؤكده التاريخ الذى تعد دراسته بمثابة قراءة مكثفة للمستقبل , ولنا فى أمم خلت من قبلنا العظة والعبرة , ويكفى أن نشير إلى أن العبرانيين حينما أقاموا دولتهم على جزء غال من الأرض العربية بعدما أبادوا سكانه وشردوا الباقيين منهم, إذ شرعوا فى تجريم الحديث بغير اللغة العبرية التى كانت قد انقرضت فعلا فى محافلهم الرسمية رغم أن جميع سكان هذا الكيان اللقيط هم شتات من كل بقاع الأرض يتحدثون بلغات الدول التى وفدوا منها وصلتهم بالعبرية انقطعت تماما.
أقول ذلك وقد لاحظت وأنتم معى لا شك حجم الاهتراء الذي أصاب لغة الضاد فى بلدانها الأصلية , وفى محاولة منى لمشاركتكم فى تشخيص الداء بما يمكننا من كتابة تذكرة للعلاج الناجع لهذه الأزمة شديدة الحساسية والأهمية سنحدد مكونات المرض الذى يتمثل فى وجهة نظرى فى ثالوث (اللهجة العامية والتعليم الاجنبى والانحطاط السياسى والثقافى).
العامية ..مسموعة ومكتوبة!!
والحقيقة انه لا خطر كبير من اللهجة العامية طالما ظلت ثقافة سمعية وكلامية فقط , لكن الخطر المستجد فيها هو تحولها الى ثقافة مكتوبة تتدوالها الأوساط الشعبية والرسمية أحيانا, حيث صارت تروج لها وسائل إعلام الدولة نفسها مما اضفى عليها هيبة ومشروعية وهو الأمر الذى عَمّق من حجم المأساة وذلك بعدما عمدت العديد من الاوساط الثقافية الى استخدامها بحجة واهية تستند الى كونها تتيح التواصل بشكل جيد مع البسطاء وبالطبع ذلك مجافى للحقيقة لأن مفردات العامية هى نتاج فردي وليس نتاج عقل جمعى منظم كما هو الحال فى الفصحى ولأن دور الثقافة والتعليم والإعلام أساسا هو النهوض بوعى الناس وليس الهبوط إليهم.
ومع انتشار ظاهرة (الشات) فى الفضائيات المختلفة والقنوات التلفزيونية التى تملكها الدول والتى يقوم من خلالها شباب لا يجيدون الكتابة والقراءة بشكل معقول بارسال رسائل متنوعة غير مضبوطة إملائيا وتنشرها تلك القنوات وهو الأمر الذى يحمل فى طياته خطر كبير على ثقافة المتلقى الذى يعتبر أن التلفزيون وسيلة للتثقيف والتعليم وليس العكس .
والملفت للنظر ان التلفزيون المصرى شرع فى عملية تطوير صاحبتها حملة دعائية كبيرة واذ بنا نكتشف انه بدل كلمة النيل فى قنوات النيل المتخصصة الى ( نايل) وغير اسم قناة النيل للرياضة الى (نايل سبورت) والنيل للمنوعات الى (نايل لايف) واستحدث قناة (نايل كوميدى) بل أن اذاعة( صوت مصر) التى تعبر عن لسان مصر وثقافتها تحولت الى (راديو مصر) ناهيك عن عشرات البرامج التافهة والعقيمة والمسفة التى تحمل اسماء اجنبية او غارقة فى العامية!!
وقد حكت لى احدى الناشطات والباحثة فى العلوم الاجتماعية والثقافية انه منذ ان استبدل أهل القاهرة نطق حرف ( القاف) الى (أف) انحدرت ثقافة المصريين وقالت ساخرة لقد تحولت كلمة (حق) (حأ) وهى لا معنى لها وكلمة (صدق) الى (صدء) من صدأ وكلمة(قوة) الى (أوة) وهكذا..وبالتالى فقد فسدت معانى الكلمات وفسدت مدلولاتها على ارض الواقع وافتقد الناس الصدق والحق والقانون والقوة .
ولعل ما حدث من تعليقات لبعض الدوائر الصهيونية على كلمات المؤدى الشعبى المصرى شعبان عبد الرحيم التى عبر فيها عن كراهيته لاسرائيل بلغة شعبية مبتذلة كان الهدف منها أساسا هو الدعاية لهذا النوع من الاداء الامر الذى يكون له مردود سىء على الثقافة فى مصر.
التعليم الاجنبى.. وقتل الانتماء
وثانى أسباب المرض هو ذلك الزحف المريب للمدارس الأجنبية فى العالم العربى لاسيما فى مصر والتى لا تدرس اللغة العربية مطلقا داخل أروقتها بل تقوم بتجريم وتحريم الحديث بها, وفى إطار مواز دخلت الدولة عبر مؤسساتها التعليمية العامة كداعم لهذه المؤامرة –بقصد وبدون-حينما شرعت فى تعليم اللغات الأجنبية لاسيما الانجليزية والفرنسية بجوار اللغة العربية إجباريا للأطفال فى مراحل التعليم الأساسى المبكرة التى تبدأ من رياض الأطفال وما بعدها وهى الفترة التى يبدأ فيها الطفل تعلم الكلام والمحاكاة والتى كان يجب ان يتم تركيز المجهود فيها لتعليمه لغة بلاده القومية لكن عدم مراعاة ذلك من جانب القائمين على أمر التعليم فى مصر جعله لا يجيد أى من اللغتين لا لغة بلاده القومية ولا اللغة المفروض عليه تعلمها
وقد أنتجت السياسات التعليمية الخاطئة أجيالا من أنصاف وأرباع وأسداس المتعلمين فى كل المجالات فى مصر كمن رقص على السلم فلا احتفظ الإنسان العربى المصرى بأصالته ولا صار غربيا.
بالإضافة الى ان التمادى فى فتح الباب على مصراعيه للتعليم الاجنبى الخاص والرسمى فى مصر خلق هو الأخر أجيالا من الشباب الذى يفتقد للولاء والانتماء بعدما تشبع بثقافة الغرب, وهنا يعنينا أن نذكر بأنه لا يفيد مصر أن تنجب علماْْء ذوى صيت عالمى ولكن ما يفيدها أن يكون هؤلاء العلماء يدينون بالولاء لها وليس لأعدائها.
الانحطاط السياسى والثقافى
هل يصدق أيا منا أن للأمية فائدة ؟
فحينما كانت البلدان العربية مستعمرة غربيا سعى الاستعمار الى تدمير الثقافة أواللغة العربية وإحلالها بثقافته( راجع مشروع دانلوب التعليمى البريطانى فى مصر عام 1910) ولكن حال دون مرامه ذلك ما صدمه من أمية الناس والفقر المدقع الذى يشغلهم ولذلك حول مخططه الى دعم الثقافات المحلية فى تلك البلدان على حساب الفصحى ,ولكن بعد انحساره شهد عالمنا العربى فترة مد قومى أصلح ما رسب فى أذهان الناس من أخطاء وخطايا.
والخطر المتمثل الآن ينحصر فى أن نسبة الأمية فى عالمنا العربى انحسرت بشكل كبير وأن الحكومات العربية هى التى تتبنى العملية التعليمية وتصرف عليها المليارات من الدولارات سنويا لكن هذه العملية تسير فى اطار عكسى لا تدعم الثقافة القومية ولكن تهدمها.
وقد ترسخ فى أذهان أهل الثراء والأعمال والإعلام والثقافة والسياسة والحكم بالإضافة الى أذهان العامة بأنه كلما زاد المرء من استخدام مفردات أجنبيه فى حديثه مع الناس كلما أعطى لهم إيحاء بأنه من أهل الرفاهية والثقافة والطبقات الاجتماعية العليا!!
تذكرة علاج
هذه هى أهم أسباب الداء أما عن اطروحاتى للعلاج ..والتى ادعوكم لمناقشتها واجبار الحكومات على وضع تشريعات صارمة لتنفيذها من أجل حماية اللغة العربية من جانب ولكى تبرئ تلك الحكومات ذمتها من مأساتها , فهى:
*الحد من انتشار مدارس التعليم الاجنبى وجعل تعليم اللغة العربية كمادة اساسية فيها ولا يجتاز الطالب الامتحان سوى بالنجاح فيها بدرجة مرتفعة.
*منع تدريس اللغات الأجنبية فى مراحل التعليم الاساسى فى كل انواع المدارس الخاصة والعامة والاجنبية مع التركيز على تدريس اللغة العربية.
*تدريس مادتى التربية القومية والدينية(حسب الديانات المعترف بها) بالإضافة إلى مادة اللغة العربية فى كافة أنواع المدارس .
*منع إنشاء قنوات أو إعداد برامج تلفزيونية أو إذاعية تحمل أسماء أجنبية أو عامية فضلا عن أسماء الإذاعات والقنوات .
*منع الكتابة باللهجة العامية أو كتابة الكلمة العربية بحروف أجنبية فى كل وسائل الإعلام ووضع حل لمسائلة رسائل( الشات ) فى الفضائيات والقنوات المختلفة عبر إعادة صياغة الرسائل بالفصحى قبل بثها وهو الامر الذى يكون له مردود تعليمى على المتلقى وعلى صاحب الرسالة نفسها.
* تفعيل القوانين الخاصة بمنع تعليق يافطات او الكتابة على واجهات المحال التجارية والعيادات والمستشفيات وكذلك المنتجات المختلفة وغيرها باسماء اجنبية فقط دون ان يقابلها الاسم باللغة العربية بشكل اكبر وابرز وهو المشروع الذى تبناه الدكتور احمد الجويلى وزير التموين الاسبق فى مصر ولكن فجأة رأيناه يقدم استقالته.
هذه هى ملاحظاتى وحلولى المتواضعة اطرحها عليكم وادعو الجميع للتفاعل من اجل دواء شافى لهذا المرض الذى حولته سلبيتنا الى مرض مزمن.

ليست هناك تعليقات: