المعارضة الخائبة هي التي تقبل أن تتنافس مع جماعات المال الأسود، وتخاصم الصادقين والمؤهلين، ولا تملك اللون والرائحة والطعم الحقيقي للمعارضة الجادة، وهي التي تتحدث عن الإصلاح والفساد والبناء والهدم بلغة غير مفهومة، بل ويختلط في الانتخابات التي نحن بصددها ما يسمى بالحابل والنابل. فهل هناك وصف غير الخائبة ينطبق على حالة حزبية تدعي المعارضة مثل هذه المعارضة كل طموحها أن يصل عدد لا يتجاوز عدد أصـابع اليــد إلى البرلمان المقبل الذي يبلـغ عدد أعضائه مئة وخمسين، حـتى لو تـم ذلك بالتزوير لهم، ومعظمهم تنقصهم الكثير من المواصفات التي تؤهلهم للدور الحقيقي في مجلس النواب المقبل، وبينهم من يسعى للوصول إلى مركز حكومي مرموق يوفر لهم منافع كمن سبقوهم خلال العقدين السابقين؛ حيث تميزوا بخطاب لفظي يفيض وصولية وانتهازية في دولة يعرف مواطنوها بعضهم حق المعرفة. حالة المعارضة اليوم تزداد خيبتها بعد أن سبقها الحراكيون كثيرا، وظلت محافظة على جمودها وانتهازيتها. وفي المقابل من الزمن براهين إضافية. أهو "الإسلام هو الحل ".. أم شهوة الحكم هي الغاية وقد صرخت من قبل والله ما طلبناها ولكنها أتت إلينا رغماً عنا وما تقبلناها إلا من أجلكم أيها الشعب. الشعب المكافح، المهضوم حقه الممزقة كرامته، المهان في كل شيء حتى في لقمة عيشه وشربة مائه. هُنت أيها الشعب كما هان كل شيء وستهون على مر الزمن.. طالما تركت أمرك لغيرك لمن يتحدث باسمك ويدعي البطولة بمعرفتك عند طوابير طويلة من الجوع والمرض. لطالما تحملت جرحك وآلامك وقتلك لأهون الأسباب اليوم حادث قطار.. وبالأمس عبارة.. وبين عشية وضحاها تسقط عمارة.. حقاً إن مصر أصبحت كالموناليزا ولكن بل عينين ! عُذراً.. تذكرتُ أن الأمر ليس بيديك، فأنت دائماً المفعول به، ولكن عندما تكون الفاعل تهدم فقط ولا تبني.
ان الحركة العلمانية المصرية فشلت في إيجاد مقاربة سياسية واقعية مع ما كان يصدر منها وخاصةً في فريق المعارضة في عهود ما قبل الثورة أو في الحوارات الفكرية مع الإسلاميين, من أنها لا تعارض فكر الشريعة الدستوري ما دام يضمن الحقوق الوطنية للمجتمع ويعزز الشراكة الشعبية, وكان واضحاً عدم استعداد هذا الفريق وانفعاله وتوتره لمناقشة هذا الفقه والفكر من زاوية مصالح الشعب الدستورية وتقدمه الوطني, وحتّى مع الاستدلال ببعض المواد كان واضحاً عمق الرفض للدستور دون البحث الموضوعي في كفاءة مواده وعدالتها أسوةً بالدساتير الماضية أو مواثيق الدول الأخرى. وهنا شعرت المعارضة العلمانية ما بعد الثورة في لحظة أزمة تاريخية أنّ بأس العهد السابق أهون من - ربيع الإسلاميين – حيث كان بعض هتاف الاتحادية يقول – أوعى ترحل يا بشّار – في إشارة خطيرة لمعارضة الثورة السورية خشية من مصير مصر الدستورية!! وصحيح أنّ المعارضة ليست كلها بهذا النَّفَس ولكن كان هناك تأثير غالب لهذا الخوف, وهو الذي دفع جمهورها الثقافي لتأييد خطوات د. البرادعي من دعوة الغرب أو الجيش لدعمهم وحسم حياة الرئيس مرسي السياسية لصالحهم, وإن كان هذا لا يُلغي أنّ هناك مخاوف على الحريات والمواطنة الدستورية من قبل حركة المعارضة التي تشكلت بعد الثورة, لكن كان واضحاً حجم تأثير مخاوف لتصورات عن الحياة المصنفة بإسلامية جديدة عليهم. ومع النتائج المروعة التي حصدتها هذه المعارضة إثر رد الفعل الشعبي المصري على تطرف رفضها وتصعيد عبارات المس بالقيم الإسلامية والسخرية المجنونة ذات اللغة المسئية تُجاه الرئيس أو أي نموذج سياسي ولد من الساحة الإسلامية, فإنّ هذه الحركة عليها كمنطق مجرد مراجعة هذه الفكرة التي ضُخمّت كثيراً حتى صدقها من أطلقها, وتصريح أو عشرة من هذا الشيخ أو ذاك في ساحة فكرية متعددة كمصر لا تعني هذا التفسير السطحي بأن مصر ستتحول لخندق ديني مغلق يطاردهم, فالحركة العلمانية أيضاً أمام تحدٍ صعب في قبول خيارات الشعب الجديدة والتي يرى أنها يجب أن لا تُصادم النص الإسلامي, وفرق كبير جداً بين نظم وشرائع لا تُصادم الشرع المطهر وتسير بمصالح النّاس وبين نماذج نُظُم تُصاغ بفقه ديني قاصر منعزل عن إدراك فقه الشريعة ومصالحها وسماحتها وهو ما يُستبعد أن يُصاغ في مصر الأزهر الشريف وحركة الوعي الإسلامي التقدمي. السياسة ليست انتخابات فقط.. السياسة هي معاش الناس.. فلا تعطوا الناس ملصقاتكم الانتخابية ليستروا بها شقوق البيوت من برد الشتاء الذي لا يرحم لحم الصغير أو الكبير. تذكروا أن دفء كراسيكم جاء من برد هؤلاء فلا تغرنكم الأماني ولا طول الأمل فالدستور لن تكتبه دماء المصريين.. بل بسمات من بنات أفكارهم. والبرلمان ليس اجتماعاً لتجار مصر وأغنيائها.. إنما هو موعدة لمن هم في معيشة ضنكاً.. وقد أرسلوا من ينوب عنهم ليبحثوا لهم عن حل. أما الإخوان الذين يتهمونهم بالطمع والتكويش فلو كانوا يسعون بالفعل لسلطة وحكم لفعلوا قبل عقود.. لكن المعضلة الحقيقية أن هناك من لا يريد أن يكون هناك بمصر خير بالمرة .. ومن يبصر الشعب ويغذى إدراكه ووعيه بالحقائق . الطواغيت الفاسدون يحولون دون الوطنيين الشرفاء ودورهم التنويري والتربوي لينام الشعب عن حقوقه ويجهل الطريق إلى كنوزه وثرواته.. فيما الذئاب تستفرد بالضحية . وهنا الإشكالية التي لخصها الإمام حسن البنا رحمه الله في جملته الشهيرة : "كنا نعمل على تنظيف سلم الحياة في مصر بالتربية من أسفل إلى أعلى.. فأبى النظام إلا أن يقنعنا بأن السلم لا يُنظف إلا من أعلى إلى أسفل " . النظام الديكتاتوري لا يعيش مع طهر ونظافة وتربية.. ولا يتعايش مع ضمائر يقظة وعقول واعية.. ولا يطيق ذوى الهمة والمروءة والشرف ومن على استعداد أن يضحوا بأرواحهم فداء الوطن . فإما الديكتاتور ونظامه وإما هؤلاء . أما أن يجتمعان فهذا من المستحيلات ولم يحدث على مدار التاريخ الإنساني ، لأن زوال الفرعون بوجود موسى ونهاية الفاسدين بجهود المصلحين . بالرغم من أن الاخوان المسلمين ظلوا يواجهون حرباً ضروساً من صحف الحكومة طيلة عهد الرئيس المخلوع مبارك إلا أنهم وجدوا أنفسهم بعد الثورة يلقون معاملة مختلفة بين كتاب تلك الصحف، وعلى سبيل المثال فعبد العظيم حماد رئيس تحرير 'الأهرام' أثنى عليهم أمس حينما أكد بأنه مطمئن لوضع الاخوان المسلمين في كونهم يتسمون بالوسطية التي ستضمن للبلاد ألا تقع في سيناريوهات السقوط والفوضى، يقول: 'وإحقاقا للحق، فإننا من جانبنا نرحب بهذا الاعتدال الواضح في خطاب حزب الحرية والعدالة، وجماعة الاخوان المسلمين داخليا وخارجيا، فمن المؤكد أن هذا الاعتدال سوف يكون دعما كبيرا للتحول الديمقراطي في الداخل، كما أنه سوف يشكل ضمانة مؤكدة لأمن مصر القومي، ورادعا للمتشددين المصريين الذين قد لا يحسنون التعامل مع الأوضاع الإقليمية والدولية، فيدفعون بالوطن إلى أخطار نحن في غنى عنها في هذه المرحلة من مراحل التحول في مصر وفي المنطقة ككل واللحظة الفارقة فأدركوها حتى لا نندم ونعاقب من قبل الله جل وعلا كما فُعل ببني إسرائيل لما جاءتهم الفرصة السانحة وتركوها وخافوا وقالوا يا موسي إن فيها قوما جبارين (فيها أوباما والمجلس والعالم كله علينا) فاذهب أنت وربك فقاتلا ) فعاقبهم الله وجعلهم يتيهون في الأرض أربعين سنة ونجي الله موسي ومن معه ونصرهم على الكافرين والعاقبة للمتقين الذين فهموا الدين أنه حق ويجب أخذوه بقوة ولا نخاف في الله لومة الكافرين وهذه هي الثلة المؤمنة حقاً
* استاذ الحقوق و خبيرفي القانون العام