08 ديسمبر 2024

تساؤلات مخيفة عن معركة الشام - سيد أمين

 


يمكنك أن تفرح بما يحدث في سوريا بوصفه ثورة ضد الاستبداد، أو أنه نهاية لوجع طال ملايين السوريين اللاجئين في الخارج، ورغم أنه لا توجد مؤشرات في الأفق تشي بنهاية هذا الوجع، إلا أن ما يظهر ويجب عليك أن تتذكره أن ما حدث دمر أعظم إنجازات “طوفان الأقصى” المتمثلة في وحدة ساحات المقاومة العربية والإسلامية سنتها وشيعتها، ودمر أيضا وحدة حواضنها الشعبية، وجعل دماء زهاء خمسين ألف شهيد ارتقوا في غزة ولبنان ثمنا لإحياء هذه القيم النبيلة وكأنه ضاع سدى، بل وصرف الأنظار بعيدا عن عملية الإبادة التي يقوم بها عدو الأمة الأصلي إسرائيل لغزة في وقت هي كانت الأكثر حاجة فيه لتركيز انتباه العالم عليها.

مفاسد العملية

وإن كان ذلك وحده لا يكفي للتدليل على ضرر عملية “ردع العدوان”، فهناك مؤشرات تقودنا إليها، أولها الخاصة بالتوقيت حيث إنها جاءت بعد أيام قلائل من تهديدات نتنياهو لبشار الأسد بأنه يلعب بالنار بعدما قدم أسلحة متطورة لـ(حزب الله)، فضلا عن أن العملية تلت مباشرة توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، وكل ذلك قدم دلالات قوية بأن العملية جاءت لقطع خطوط الإمداد المارة بسوريا عن (حزب الله) الحليف الكبير لنظام الأسد وللمقاومة الفلسطينية معا، مع تأكيد تنحية النظام السوري عن المشهد تماما.

ثانيها أن العملية خطت رسالة نكران للجميل الذي قدمه الحزب بدمه، قال له مدبروها الأصليون فيها إنك قدمت دمك وأرضك وأمنك لمن لا يستحق، وخضت حربا من أجل تدشين وحدة مع من يضعونك مع الكيان في خندق واحد، ودفعت أثمانا باهظة حيث فقدت معظم قادتك ضمن قرابة 5 آلاف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، بالإضافة إلى تركة ثقيلة من مدن منسوفة وبنى تحتية مدمرة وأعباء اقتصادية وسياسية هائلة دون عائد يذكر.
ولعله بعد اندلاع العملية وما طال (حزب الله) في سوريا من سب وتقريع من المهاجمين كفيل وحده بإقناع كثير من حاضنته الشيعية بأنهم ما كان لهم أن يقدموا هذه التضحيات كلها من أجل غزة التي تخلى وتآمر عليها من هم من نفس مذهب شعبها.
وثالثها تخص فقه الأولويات فلو كانت الثورة ضد بشار الأسد هي واجب وطني، لكان الأكثر وطنية ووفاء تأجيلها خاصة أن سوريا الآن هي متنفس (حزب الله) الوحيد، ولو سقط نظام بشار لكان ذلك بمثابة خنق له، فضلا عن أن سوريا على ما فيها من استبداد حاكم، وهوان حكومة هي أيضا واحدة من جبهات المقاومة ضد إسرائيل، ولو سقطت لكان ذلك بمثابة انهيار جبهة المقاومة، لتترك بعدها المقاومة الفلسطينية وحيدة كما قال نتنياهو لتلتهمها إسرائيل ورعاتها.

جميعهم مستبدون

يمكنك أن تدافع عن الحركات المسلحة وتقول إن بشار مستبد، وستجد من يرد نعم هو مستبد، بشار مجرم، نعم هو مجرم، بشار يحكم غصبا عن إرادة شعبه، نعم هو يحكم غصبا عن إرادة شعبه، إنه فاسد، نعم هو فاسد، هو طائفي، نعم هو طائفي، نعم هو كل موبقة وفساد، لكن قل لي بربك كم من حكام العرب والعجم من هو غير ذلك؟
يمكنك أن تتحدث عن ضرورة إخراج إيران من سوريا والعراق ولبنان، وهو قول صواب يتوافق مع قيم الاستقلال، لكن ما هو موقفك إزاء كل هؤلاء الطامحين في التمدد على فراغها، وماذا لو كان البديل إسرائيل الذي وقت نضالك ضدها ستجد نفسك تقف وحيدا أمام الغرب كله بقضه وقضيضه، كما هو الحال في غزة؟
عزيزي الثائر، هذه ليست أبدا دعوة للاستكانة للاستبداد، ولكنها دعوة للحذر من أن يتم استخدامك كحصان طروادة من أجل تنفيذ مخططات صهيونية ستكون أنت القتيل التالي فيها بعد الجندي السوري.
وحذاري من أن يغريك حملك للسلاح ـوهو عمل مذموم وفي غير موضعه- أن ترد الإقصاء بالإقصاء، والثأر بالثأر، فإن سلاحك حتما سينفد، والأعداء الوهميون من بني جلدتك، والأصليون في تل أبيب مصانع أسلحتهم لا تتوقف.

إصلاح النيات

طالما الأمر قد حدث بالفعل وحسنت النيات، فلا بد هنا من استغلال فقه المرحلة، بعدما توافرت فرصة جيدة للعبور من المحنة السورية بسلام، والخروج من المطحنة المصطنعة لصدام تياري الأمة السنة والشيعة في هذا البلد، بما يحافظ على وحدة شطري المقاومة وتقويتها، ويحافظ على استقلال سوريا، بل ويعيدها لدورها الأصلي كقوة ممانعة.
يجب أن تعمل روسيا والوسطاء العرب من الخيرين على تقريب المصالح ووجهات النظر بين الداعم الرئيس للنظام السوري والداعم للفصيل الأكبر من المسلحين.
فدور إيران الأكبر والأهم في سوريا هو الحفاظ على ممر آمن لـ(حزب الله)، بينما الهدف الأساس لتركيا من دورها هناك هو تأمين حدودها وإعادة ملايين اللاجئين السوريين فيها إلى بلادهم بعدما صارت هناك قلاقل في المجتمع التركي بسبب كثرة أعداد اللاجئين.
فلمَ لا يتم العمل على إزاحة بشار الأسد ونظامه بصفته رأس الخلاف، وتحقيق مصالح هؤلاء الوسطاء الإقليميين السابقة، وبدء فترة انتقالية بمجلس منتخب ممثل فيه لكل فئات المجتمع، من أجل اختيار نظام حكم يمثل الجميع ويضمن مصالح الدول والقوى الإسلامية الحليفة.
هناك رائحة مؤامرة كبرى اشتعل فتيلها في الشام، وبحاجة إلى الحكمة لإطفائها.

إقرأ المقال كاملا على الجزيرة مباشر

https://bit.ly/4ioXZKg

ليست هناك تعليقات: