كيف بدأت الحكاية؟
ذهب المسؤول الأردني رفيع المستوى في رحلة استجمام خاصة إلى مصر، أرهقته المسؤوليات الجسام التي يحملها على كتفيه ويستحق إجازة خاصة بعيداً عن أعين الفضوليين والصحفيين وأفراد الرعية الذين يحملون رسائل خطية يطلبون المساعدة، لاحظ أن هذا النوع من البشر قد ازداد عددهم كثيراً هذه الأيام، أحدهم يريد توظيف ابنه بعد تخرجه من الجامعة منذ سنين طويلة، آخر يريد إدخال زوجته الى مستشفى المدينة الطبية فهو غير قادر على نفقات علاجها، وآخر يريد رخصة لكشك صغير لبيع المكسرات بعد أن رفضت البلدية طلبه، وآخر وآخر.
لم يتعرف عليه أحد في المدينة التي زارها، لاحظ ان النادل الذي قدم له الطعام في المطعم البسيط تبادل معه النكات والمزاح، وهكذا فعل موظفو الفندق وسائق سيارة الأجرة وكل من صادفه من المصريين البسطاء.
فكر كثيراً في هذه الحالة، الشعب المصري شعب خفيف الظل محب للنكتة ويبدعها من لاشيء تقريباً.
بعقله التحليلي الجبار وببعض المساعدة من كتب تتحدث عن شخصية مصر توصل الى النتيجة التالية:
إن القهر والظلم والمعاناه التي مرت على الشعب المصري في فترة طويلة تبلغ سبعة آلاف عام جعلت أفراده يخافون التصريح بمكنونات صدورهم فلجاؤا الى التورية والكناية والتنكيت وإيصال الرسائل لبعضهم بدون تنبيه السلطات الى مدى كراهيتهم لها.
فكّر في شعبه الأردني ونكده وحدة مزاجه وضيق خلقه واستنتج أن أفضل خدمة يقدمها لهذا الشعب أن يحوّله الى شعب خفيف الظل محب للنكتة ، صحيح أنهم ينكتون على بعضهم، أهل عمان ينكتون على أهل الطفيلة وأهل إربد ينكتون على أهل الرمثا والكل ينكت على الفلسطينيين ويصفهم بالبلاجكة، ولكن هناك شيء ما ناقص في الروح عليه أن يعمل على استكماله.
تفتق ذهن المسؤول عن فكرة جبارة ، كيف يمكنه أن يجعل كل اردني يلتفت في كل اتجاه خائفاً مرعوباً، واضعاً في الاعتبار أنه لا يمتلك سبعة الاف عام لتحويل مزاج هذا الشعب وعليه كذلك أن يواكب العصر ، كانت النتيجة قانون الجرائم الألكترونية في الأردن.
كان أهم بند في القانون هو موضوع اغتيال الشخصية، تكمن أهمية هذا البند أن لي فيه مصلحة شخصية ، كيف لي أنتقم من بائع الكوسا الذي زاد سعر الكيلو نصف دينار مرة واحدة، أستطيع ذلك بالاحتجاج على الزيادة فيغضب ويسبني ويتلفظ بسباب وشتائم والنتيجة أنه سيخسر ويدفع عشرين ألف دينار، ساعتها سيندم على اليوم الي زاد فيه سعر الكوسا.
وأعتقد أن أعضاء مجلس النواب الذين صوتوا لإقرار القانون فكروا بحالتي وكيف يخدمونني بصفتي من الشعب الذي انتخبهم لكي يدافعوا عن أمثالي. لأنني لن أفكر أبداً أنهم خاتم مطاطي بيد المسؤول.
هكذا ترون ايها السيدات والسادة أنني لم أفكر أبدا في أن موضوع اغتيال الشخصية له علاقة بالمسؤول من قريب أو بعيد ، فأنا أعرف نواياه الشريفة وهدفه من القانون.
ثم خطرت على بالي فكرة خبيثة وأحاول إبعادها بشتى الطرق، فأنا لا اريد ان أكون سيء النية
في المسؤول رفيع المستوى، ولكن أجد لزاماً علي أن أصارحكم بها.
هل من الممكن أن يكون المسؤول يشبه بائع الكوسا الذي ضايقني؟ لا مستحيل طبعاً!
على سبيل المثال، تحفل صفحات التواصل الاجتماعي بمسبات وتشنيعات على أقوى رئيس في العالم الذي يسمونه بايدن ، يصفه ترامب على هذه الوسائل وكذلك على التلفزيونات ب جو النائم، أما المسكين ماكرون فلم أرَ رئيساً يقوم شعبه بشرشحته بشكل دائم ليل نهار في كل الوسائل وفي كل مكان يستطيعونه كمثل ما يفعلون مع ماكرون، حتى أنهم رموه بالبيض الفاسد والطماطم.
هل أفهم من وضع قانون كهذا أن مسؤولنا والمسؤول الذي سيأتي بعده، أرفع شأناً وقدراً من بايدن وماكرون وترامب؟
هل سبب هذا أنه غير منتخب من شعبه وبالتالي في داخله أو في اللاوعي، خوف عميق على فقدان منصبه.
ربما، ولكن عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، فعملية تحويل الشعب الأردني الى شعب فكه تسير على قدم وساق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق