ابراهيم ناصف الورداني
ابراهيم ناصف الورداني
في عام 1910، عندما كانت مصر تحت الاحتلال الإنجليزي، وفي عهد الخديوي عباس حلمي الثاني ،كان رئيس وزراء مصر حينها بطرس باشا نيروز غالي، وكان قد جهز مشروعا لمد امتياز قناة السويس لمدة 40 عاما أخرى ، وفي أكتوبر 1909 استطاع محمد فريد رئيس الحزب الوطني أن يحصل على نسخة من المشروع ، ونشرها في صحيفة "اللواء"- داعيا لحشد المصريين ضد القانون في جمعية عمومية.
وافق الخديوي على عرض المشروع على الجمعية، وحُدّد يوم 10 شباط/فبراير1910م لعقد جلسةٍ لمناقشته. في تلك الجلسة حضر شاب يدعى إبراهيم ناصف الورداني ورأى دفاع غالي عن المشروع (كان سعد زغلول حاضراً بصفته وزيراً ويقال إنه كان من مؤيّدي المشروع)، وتأثر بالمناقشات وخرج عازماً على وضع حدٍّ لحياة بطرس غالي.
خاصة ان جرائم غالي قد عظمت فهو من ترأس محاكمة فلاحين دنشواي، وأقر قانون المطبوعات الذي كان يصادر الصحف ويغلقها، واقر اتفاقية الحكم الثنائي لإقليم السودان التي جعلت إنجلترا تحكم السودان بالمشاركة مع مصر، كما انه اقر محطط دانلوب لتغريب المجتمع المصري عن لغته العربية وهويته الاسلامية فضلا عن محاربة التوسع في التعليم ومعاقبة المتعلمين المصريين النوابغ.
(دوجلاس دانلوب وهو قس ومبشر اسكتلندي عين سكرتيرًا عموميًا للمعارف في 8 مارس سنة 1897 ثم مستشارًا في 24 مارس سنة 1906، وقد كان في أول أمره قسًا مبشرًا عمل في وظيفة مدرس للغة الإنجليزية والخط الإفرنجي في مدرسة رأس التين الثانوية ثم لفت نظر "كرومر" فدفعه إلى العمل في نظارة المعارف فما زال يترقى بها حتى أصبح مسيطرًا سيطرة تامة على شئون التربية والتعليم.)
كان من ضمن من حضر الجمعية العمومية لمناقشة تمديد تأجير قناة السويس شابا يدعى إبراهيم ناصف الورداني كان في الرابعة والعشرين ربي يتيماً فكفله أحد أقاربه من الباشوات وأرسله بعد إنهاء دراسته المدرسية بتفوقٍ ليدرس الصيدلة في لوزان-سويسرا (06-1908) ثم إلى إنجلترا حتى عام 1909 ليحصل على شهادةٍ أخرى في الكيمياء، وعاد إلى مصر في (كانون الأول/يناير1909) ليفتتح بمساعدة قريبه الباشا صيدليةً في شارع عابدين بالقاهرة. انضم عضواً في الحزب الوطني الذي يرأسه محمد فريد، والذي غدا بعد ذلك على ارتباطٍ بجمعية مصر الفتاة التي أصبح الورداني عضواً فيها أيضاً وكذا جمعية "اليد السوداء"، وأخذ يكتب في "اللواء" صحيفة الحزب الوطني، وصحيفة "المؤيد". ثم أسس "جمعية التضامن الأخوي" السرية التي نصّ قانونها على أن من ينضم إليها يجب أن يكتب وصيته، والتي قامت خلية منها فيما بعد بمحاولة اغتيال الخديو عباس حلمي الثاني.
مثل الورداني أمام المحكمة في 21 نيسان/أبريل1910م برئاسة الإنجليزي دلبر وجلي، وكان من المحامين الذين حضروا للدفاع عنه "أحمد بك لطفي السيد" و"عبد العزيز بك فهمي" و"علي بك علوبة" وإبراهيم بك الهلباوي. حاول الإنجليز دفع عملائهم لإعطاء القضية بعداً طائفياً فأخرجوا مظاهرةً تهتف "تسلم إيدين الورداني، قتل بطرس النصراني"، فخرجت رداً عليها مظاهرة وطنية تهتف "تسلم إيدين الورداني، قتل بطرس البريطاني".
وعند التحقيق معه قال إنه قتل بطرس نيروز غالي "لأنه خائن للوطن"، وكرر اعترافه أثناء المحاكمة وأكد بكل شجاعةٍ عدم ندمه، واعترف أنه فكر في قتله عندما حضر جلسة الجمعية العمومية ورأى بعينيه تصرفات غالي المتعجرفة تجاه أعضاء المجلس، وقبض على كثيرٍ من أعضاء جمعية "التضامن الأخوي" في حينه، لكن الورداني وبشجاعةٍ أصر على أنه قام بعمله بنفسه وتخطيطه دونما معونةٍ من أحد فبُرّئ المتهمون الآخرون جميعاً. كشف التحقيق بمقتل عالي عن خمسٍ وثمانين جمعيةً سريةً تعمل خفيةً.
وجهت تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار للورداني، وهي جريمة عقوبتها الإعدام، وانشغل الرأي العام المصري بالحادث انشغالاً كبيراً، حتى فشت تلك الفترة خطابات التهديد إلى النظار (الوزراء) وكبار المسؤولين في الدولة.
قام بالتحقيق في القضية النائبُ العام عبد الخالق باشا ثروت (رئيس الوزراء بعدئذٍ مرتين في العشرينات)، وذكر في مرافعته أن الجريمة المنظورة أمام المحكمة جريمةٌ سياسيةٌ وليست من الجنايات العادية (نظرت لدى محكمة الجنايات جرّاء إصرار الممثل العام البريطاني السير ونجت نتيجة عقابيل المحكمة الخاصة بحادثة دنشواي وأحكامها)، وأنها "بدعة ابتدعها الورداني بعد أن كان القطر المصري طاهراً منها" وطالب بالإعدام، فيما نافح الدفاع عن أن الورداني مختل عقلياً، لكن النقطة التي دار الجدل حولها هي ادعاء الدفاع أن الوفاة -الي حدثت صباح اليوم التالي- تمت بسبب العملية التي أجريت لغالي لاستخراج الرصاصات من جسمه، وأن الاعتداء عليه لم يؤدِّ للوفاة مستنداً إلى أنه لم يتم تشريح الجثة لمعرفة سبب الوفاة، فشكلت لجنة من ثلاثة أطباء؛ إنجليزيان ومصري للدراسة والتقرير، وكعادتهم -في الحالات التي تمس قضيةً وطنيةًً- غالباً ماينقسم الإنجليز والمصريون، فقرر الطبيبان الإنجليزيان الوفاة بسبب إطلاق النار فيما أناطها الطبيب المصري بالعملية الجراحية، وأخذت المحكمة بالرأي الأول.
ويوم 18 أيار/مايو1910م أصدرت محكمة الجنايات حكمها بالإعدام، وأرسل الحكم إلى المفتي الشيخ بكري الصدفي لإقراره، لكنه تعاطفاً رفض ولمح إلى ما جاء في مرافعة الدفاع من إحالة المتهم إلى لجنةٍ طبيةٍ لمراقبة قواه العقلية، إلا أن المحكمة لم تأخذ برأيه، وكانت تلك سابقة أن يعترض المفتي على حكم محكمة الجنايات، ونفذ الحكم في 28 حزيران/يونيو.
في هذا الوقت تحول إبراهيم ناصف الورداني إلى بطلٍ شعبي ورمزٍ وطني تنظم فيه الأشعار والأزجال، ومنها الشعر الشعبي: "قولوا لعين الشمس ماتحماشي لاحسن غزال البر صابح ماشي" والذي استعير مطلعه لأغنيةٍ شهيرةٍ في الستينات، وانتشرت حملات توقيع العرائض للعفو عنه، وخرجت المظاهرات -وخاصةً يوم إعدامه-، وشاعت صوره في المقاهي والأماكن العامة حتى لقد صدر قرار يُجرّم أي مصري يحتفظ بصورة الورداني وبقي القرار سارياً حتى ثورة يوليو 1952م.
........................................
مصطفى البشتيلي
ولد مصطفى البشتيلي في قرية بشتيل بالجيزة ونشأ بها ومنها كانت كنيته، ذهب إلى القاهرة وعمل تاجرا واصبح مالكا لوكالة كبيرة للزيوت، كان معروفا بأمانته وسمعته الطيبة التي كانت عونا له في أن يصبح شابندر تجار منطقة بولاق، رفض الاتفاق والتحالف مع الاحتلال الفرنسى، رغم تجارته ومصالحه ورفض الظلم الذي وقع على الشعب وشارك في تنظيم شعبى لمقاومة الاحتلال. و ذكره الجبرتي في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار كأحد زعماء الثورة ضد الفرنسيين حيث قاوم الاحتلال الفرنسى عام 1798 ولاحقا عندما اشتعلت الثورة الشعبية التي بدأت في القاهرة في 20 مارس سنة 1800.
قام البشتيلي بتخزين البارود في براميل الزيت الذي كان يتاجر به استعدادًا ليوم الثورة، حتي وشى به بعض جيرانه للسلطة الفرنسية، التي أمرت بتفتيش محله، وهنا اكتشفوا البارود في مخازنه، فقبضوا عليه، وأدخلوه السجن بضعة أشهر ثم عفو عنه. ولم تضعف عزيمة التاجر الثرى من حياة السجن وظل مؤمنا برسالته وجهاد المحتل ومع اندلاع ثورة القاهرة الثانية في ٢٠ مارس ١٨٠٠م التي أثبتت كل كتب التاريخ انه اشترك فيها مع المصريين بعض من الاتراك والمغاربة والشوام وأعراب الجزيرة الذين ركبوا البحر ليكافحوا معا المحتل الفرنسى الغاصب.فبعد أن تسلم الجنرال كليبر قيادة الحملة الفرنسية، نتيجة اضطرار نابليون للعودة إلى بلاده بعد أن وصلته الأخبار بتأزم موقف فرنسا داخليا وخارجيا، اندلعت ثورة القاهرة الثانية ضد الاحتلال الفرنسي لمصر في 20 مارس عام 1800م، وقد انطلقت هذه الثورة من حي بولاق أبو العلا بقيادة الحاج مصطفى البشتيلي، أحد أعيان بولاق، ثم انتقلت الشرارة إلى باقي الأحياء، وكما انتقلت شرارة الثورة من حي بولاق إلى باقي أحياء مصر، تنوع أيضًا زعماء الثورة في أحيائها المختلفة، مثل السيد عمر مكرم نقيب الأشراف، وكبير التجار أحمد المحروقي، والشيخ الجوهري.
في هذا الوقت، وعلى أطراف القاهرة، كانت تدور المعارك في منطقة عين شمس بين قوات الحملة الفرنسية بقيادة الجنرال كليبر وفرق من الجيش العثماني، وما أن وصلت أسماع أهل القاهرة أصوات المدافع في ميدان المعركة حتى دبت الثورة في حي بولاق، يقول الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار»: «وأما بولاق فإنها قامت على ساق واحد، وتحزم الحاج مصطفى البشتيلي وأمثاله وهيجوا العامة، وهيأوا عصيهم وأسلحتهم ورمحوا وصفحوا، وأول ما بدأوا به أنهم ذهبوا إلى وطاق «نطاق» الفرنسيس، الذي تركوه بساحل البحر «يقصد النيل» وعنده حرسية «أفراد حراسة» منهم، فقتلوا من أدركوه منهم، ونهبوا جميع ما فيه من خيام ومتاع وغيره، ورجعوا إلى البلد وفتحوا مخازن الغلال والودايع التي للفرنساوية، وأخذوا ما أحبوا منها، وعملوا كرانك «حصار» حوالي البلد ومتاريس واستعدوا للحرب والجهاد».
بعد ذلك اتجه ثوار بولاق نحو قلعة قنطرة الليمون لاقتحامها، فردت حامية القلعة بنيران المدافع، ودار القتال بين الطرفين حتى انتهى بقتل 300 من الثوار، وكان من نتيجة ذلك أن هب بعض من أهالي الأحياء الأخرى لنجدة ثوار بولاق، ثم عمت الثورة أحياء القاهرة، خاصة بعد انتشار شائعات بهزيمة كليبر وجيشه في معركة عين شمس، فرغم عدم صدق هذه الأخبار، حيث إن الجيش الفرنسي كان هزم العثمانيين في هذه الموقعة، إلا أن انتشار هذه الشائعات زاد من حماسة المصريين وانتفضت معظم أحياء القاهرة وعمت الثورة أحياء المدينة كافة.
فوجئ كليبر بضراوة الثورة فعرض على المصريين الثائرين الصلح فرفضوا ، هنا هجم الجيش الفرنسي هجوما كاسحًا على القاهرة، وقتل الاف المصريين وسبي نسائهم ونهب أموالهم ومتاعهم، ,واحرقت القنابل الفرنسية حي بولاق وأحياء أخرى في القاهرة.
تمكن الفرنسيون من إطفاء الثورة المصرية، وبحثوا عن مصطفى البشتيلي ونجحوا في القبض عليه، واراد كليبر الانتقام منه شر انتقام، واستعان بالخونة من المصريين، واعتقل العشرات من أقاربه ومعارفه والعاملين في تجارته وممن شاركو في الثورة، ورغم أن كليبر حصل على اعترافات من الضعفاء في صفوف المقاومين، فإنه لم يفكر في إعدامه كما فعل نابليون مع محمد كريم (حاكم الإسكندرية)، حيث كان يريد أن يشفي غليله ويرد على إهانته، قبل أن ينهى حياته، وأن تكون عقوبته التجريس. لم يجد أنكل من قتله بيد عوام المصريين وسط حى بولاق، ليأخذوه مربوطا على عربة يجرها حمار ويدورا به في الارجاء ، قبل أن يقتله العوام بالنبابيت والأحذية.
...............................................
محمد كريم
ولد محمد كريم ونشأ بالإسكندرية، وبدأ حياته فيها قبانياً" يزن البضائع" في الثغر، كان عنده خفة في الحركة وتودد في المعاشرة فأحبه الناس وذاع صيته بالمدينة فلم يلبث الحاكم المملوكي مراد بك أن ولاه أمر الديوان والجمرك بالثغر، فأصبح صاحب الكلمة العليا في المدينة والحاكم الفعلي لها. شهد وصول الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت فقاوم الجيش الفرنسي ومعه أهل الإسكندرية في مواجهة غير متكافئة حتى قبض عليه، فاستقبله نابليون بنفسه تقديراً لاستبساله وشجاعته ورد إليه سلاحه وأبقاه حاكماً على الإسكندرية، وعين معه الجنرال كليبر حاكماً عسكرياً للمدينة.
ظل محمد كُريم حافظاً لعهده في الدفاع والنضال عن وطنه، ولما تأكد الفرنسيين من دعمه للمقاومة وإثارته للأهالي ضدهم قبضوا عليه، وأرسلوه إلى القاهرة، فحوكم في 5 سبتمبر 1798 بتهمة خيانة الفرنسيين، وأصدر نابليون أمر إعدامه رمياً بالرصاص، فنفذ الحكم بميدان الرميلة في 6 سبتمبر.
وتقول التفاصيل انه بعد بعد مقاومة (محمد كريم) للحملة الفرنسية تم القبض علىه والحكم عليه بالإعدام إلا أن نابليون أرسل إليه وأحضره وقال له : يؤسفني أن أعدم رجلا دافع عن بلاده بجرئتك ولا أريد أن يذكرني التاريخ بأنني أعدم أبطالا يدافعون عن أوطانهم، لذلك عفوت عنك مقابل ثلاثون آلف قطعة من الذهب تعويضاً عن من قتل من جنودي.
في البداية رفض محمد كريم العرض ولكن نصحه مقربون بان يقبل العرض ويفتدي روحه فقال له محمد كريم: ليس معي ما يكفي من المال ولكن لي دين عند التجار بأكثر من مائة ألف قطعة من الذهب، فقال له نابليون سأسمح لك بمهلة يوم لتحصيل أموالك فما كان من كريم إلا أن ذهب إلى السوق وهو مقيد في أغلال ومحاط بجنود المحتل الفرنسي وكان عنده الأمل فيمن ضحى من أجلهم من أبناء وطنه فلم يستجب تاجر واحد له ليرد له دينه، بل اتهموه أنه كان سبباً في دمار الاسكندرية وسبباً في تدهور الأحوال الاقتصادية.
فعاد إلى نابليون مخذولا فقال له نابليون ليس أمامي إلا اعدامك.. ليس لأنك قاومتنا وقتلت جنودنا ولكن لأنك دفعت حياتك مقابل أناس جبناء تشغلهم تجارتهم عن حرية الأوطان.
عناني أحمد عواد "عواد باع أرضه"
https://www.youtube.com/watch?v=blxXf6VL7_A
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق