أ ش أ
عن مركز "يافا للدراسات والابحاث " صدر كتاب "روئ.. فى الوطن والوطنية" للكاتب الصحفى والناشط السياسى سيد أمين.
يحمل الكتاب عدة مقالات نشرت فى الصحف والمواقع الاليكترونية المصرية والعربية, ولأن تلك المقالات كانت – ولا زالت – تحمل اطروحات ذات قيمة بالغة سواء فى الدلالات والنتائج , رأى الكاتب اعادة نشرها لاسيما أن التاريخ لا يمكن التعرف عليه سوى بالنبش فى الماضى على اعتبار ان قراءة التاريخ هى دراسة مكثفة فى المستقبل.
ولأن تلك الروئ او الاطروحات كانت تحمل فى طياتها أنذاك طرحا موضوعيا , وفى أحيان قليلة للغاية طرحا منحازا – نظرا لكون الكاتب بشر يحب ويكره ويؤثر ويتأثر – كان من الواجب اعادة انتشالها من دائرة النسيان بهدف ترميم الذاكرة , وبالتالى طرحها مجددا على مائدة الحوار مع التنبيه الى أن كل رؤية أو بالاحرى مقال لا يجب أن نقرأها بمعزل عن الظروف السياسية والاقتصادية والفكرية السائدة وقت كتابتها , وذلك لأن تجريدها من تلك الحالة المحيطة قد ينتقص من قيمتها بشكل كبير.
ويقول الكاتب فى مقدمة كتابه الغنى بالأفكار والذى تظهر منه رائحة الخط الفكر القومى المحافظ والمتدين المعتدل انه "من ضمن الاشياء التى يجب علينا ان نذكر بها , أنه فى زمن الثورات لا تعد بطولة أو تفردا أن تقول "يسقط الطاغية" ولكن فى زمن الخنوع قد تعني الاشارة بأى قول يفهم منه الايحاء بطغيان الطاغية عملا فى غاية الجرأة والشجاعة".
ويرى الكاتب انه "رغم أن وسائل التفكير واحدة تقريبا بين الناس , الا ان ثمة اختلافا كبيرا فى معايير التفكير الحاكمة ومنتجاتها الامر الذى أوجد تمايزا بين البشر بعضهم البعض , وساهم فى اختلاف ترتيب الأولويات بين شخص وأخر ما أوجد بدوره تنوعا فكريا نجمت عنه الايديولوجيات الفكرية المسيطرة فى عالم اليوم.
ولأن الشجرة المزهرة على سبيل المثال يراها الناس بصور شتى ومنطلقات متعددة , فمنهم من يهتم بها جماليا واخر بوصفها كائنا حيا وثالث يعتبرها مصدر للطاقة ونتاج لعمليات حيوية معقدة , فان الكاتب هنا يزعم انه لم ينظر قط الى ظاهر الاشياء ولكن تعمد الغوص فى مسبباتها ومسببات مسبباتها , وعلى كل حال تلك الروئ لا تحمل الا وجهة نظره ولا تعبر الا عنه فى وقت كتابتها, وهو نفسه يبدى استعداده للتخلى عن اى طرح طرحه متى ظهر جليا خطأه وتكشفت وسائل تشويش عاقت عملية ابصاره بشكل سليم.
هذا الكتاب , يتضمن اربعة فصول كل فصل يتضمن عدة مقالات تحمل فى اتساقها رؤية واحدة عن احداث متشابهة .
وحسب ما جاء فى مقدمة الكتاب , يتضمن الفصل الاول " الثورة .. ارهاصات ونتائج "رؤية شاملة للاحداث التى مرت بها مصر منذ عام 2002 وحتى قبل شهر من طباعة هذا الكتاب , وهى رؤية تتضمن توقعات واحيانا مطالبات ملحة بالانقلاب على الوضع المقلوب اساسا بغية اصلاحه , وتطيح بنظام مبارك بالغ الاستبداد والتعفن , كما ترصد الرؤية سلبيات ومخازى – ان جاز التعبير- التى ارتكبها هذا النظام فى حق الشعب المصرى وامته العربية , مع التركيز على اخطار مفاسده المتمثلة فى العبث بمقومات الشخصية المصرية مرورا باللعب على حبائل اثارة الفتنة الطائفية واختلاق الازمات الاقتصادية , ومحاولة وضع العثرات امام كل نشاط يسعى لأن يضخ الدماء فى الجسد الذى اريد له الموت.
وفى الفصل الثانى "ثورات أم مؤامرات" يرصد الكاتب تطلعات الشعوب العربية للتحرر من الهيمنة الامريكية والغربية والاستبداد المحلى , ولكن فوجئ فيما بعد بان الثورات المنشودة لم تسعى للتحرر ولكن أصلت له , وراحت تدعوه لاجتياح ما تبقى من بلدان محررة وليس تحرير البلدان المستعمرة , الامر الذى القى بظلال من الشك حول حقيقة تلك الثورات وهل هى فعلا ثورات شعبية ام انها مجرد ثورات مفتعلة تغذيها اله اعلامية عملاقة , خاصة ان امراء النظم التى اخضعت بلدانها للاحتلال الغربى راحت تلبس ثوب الثورة وتدعو الى الاجهاز على البلدان الحرة المتبقية فى عالمنا العربى دون ان توجه سهما واحدا ضد امريكا واسرائيل , لذلك رأى الكاتب هنا أن يوضح الفرق بين الغث والثمين حتى لا نبكى على اللبن المسكوب كعادتنا.
اما الفصل الثالث فيتضمن عرضا للحالة الثقافية "المنحطة" فى مصر والعالم العربى والتى تمثلت فى اعلاء فن هابط يهبط باذواق الناس ولا يسموا بها , وتعليم يدعو لخلع ردائى العروبة والاسلام والهرولة خلف ثقافة لا يمكن ان تنفعنا , فضلا عن فساد نخبة تم اختيارها بشكل امنى لا فكرى كما ينبغى وراحوا يدفعون بها الى قمة المشهد الثقافى فى حين تم التنكيل بالاوفياء والوطنيين وتحقيرهم والحط من شأنهم واحيانا ترويعهم ورميهم بالعمالة للخارج وفى احسن الظروف التضييق عليهم فى قوتهم ومصادر رزقهم على أمل شيطانى ان يموتوا كمدا وغيظا فى بيوتهم وعلى اسرة المرض.
وفى الفصل الرابع والاخيرة يعرض لهموم الوطن العربى واهم الامراض الكبري التى يعانيها فضلا عن سرد لمتفرقات تخدم تشخيص الحالة فى مصر .
وعبر 164 صفحة من القطع الكبير تطرق الكاتب لمفاهيم فلسفية حول الديمقراطية وعيوبها فى حال فقدان الوعى لدى الناخب وتخوفه من ديكتاتورية الاغلبية على اعتبار ان معظم منجزات التاريخ كانت نتاجا فرديا ودعا لها افراد ولم تكن تحوز على رضا الاغلبية مدللا فى ذلك على المعاناة التى لاقاها معظم قادة الفكر فى التاريخ على يد ديكتاتورية الاغلبية بدءا من الانبياء مرورا بكوبرنيق وانشتاين وغيرهم.
كما ظهرت روح الكاتب ومعاناته فى ظل نظام مبارك الامنى , الذى كمم الافواه وعادى المثقفين وراحت اجهزه امنه تطارد كل الوطنيين فى مصر , وتستذلهم عبر اغراقهم فى مشكلاتهم الحياتية البسيطة , والمعاناة المادية والنفسية المفرطة , متنبئا بحدوث الثورة التى تطيح بكل هذا الجور الذى وصل لحد العفن فى المجتمع , حيث تلاشت السعادة وانكفأ الشرفاء على انفسهم فيما تسلق الجهلة والخونة والاغبياء وصاروا يعتلون قمة المشهد فى كافة المجالات.
كما ظهرت بجلاء روح القومية العربية لدى الكاتب حيث خصص لها فصلا كاملا مؤكدا ان العروبة والاسلام وجهان لعملة واحدة وان الرسول محمد "عليه الصلاة والسلام" هو مبعث القومية العربية ومفجرها الاول , وان الاسلام جاء فصدق على الثقافة العربية السائدة , حيث ابقى على الصالح منها وغير العادات السيئة , ولذك فالاسلام نشأ بثقافة عربية وطورها ونشرها فى العالم كله , مما يعنى رقى تلك الثقافة وقدرتها على الريادة العالمية.
ويصرخ الكاتب " هل أصبحت لفظة العربى مرادفًا لليهودى التائه؟
لست أري هل أصبح الفكر العربي تائهًا؟
يقول نيقولا ميكافيلي: "إن طول فترة السلام تصنع شعبًا مخنثًا" .. والمشكلة في ان الإنسان العربي لا يسعي إلي الحرب .. بل إن الحرب هي التي تسعي إليه .. وانه يريد السلام ولكن العالم لا يريد لنا الاستسلام والقبول قصرًا بكل ما هو أجنبي؟".
ويقول الكاتب " لم يخفق البعد القومي العربي ولكن أخفق شخوص المرحلة في قيادته أخفقوا في قيادته لأنهم لم يكونوا صادقين النوايا في إحيائه.
والدليل علي أصالة البعد القومي هو أنه لم ينهر حتي الآن في نفوس الشعوب العربية وإن كان قد انهار فعلاً منذ زمن طويل لدي الحكومات.
الشعوب تتواصل والساسة يقطعون .. الشعوب تتألم للافتراق والساسة يعتبرونه نجاحًا .. الشعوب تقاوم التغريب والحكومات تفرضه علي شعوبها".
وناقش الكاتب بشئ من الكثافة المشكلات السياسية العربية فى السودان والجزائر وليبيا وسوريا واليمن ودول منطقة الخليج , كما دافع عن استقلال العراق بشدة وكاشفا عن خيوط المؤامرة التى تحاك لها ومحذرا من اخطارا تحقق جميعها , وقال الكاتب أن الولايات المتحدة الأمريكية عمدت إلي تأصيل مغاير جديد لوعي العالم يتجه نحو الأطر المادية البحتة باعتبارها غاية الغايات، متجاهلة في ذلك كل الأطر القديمة السائدة والخاصة بالمعتقد الايديولوجي والمعرفي والحق والخير والجمال.
وهذه الأطر التي روجت لها الولايات المتحدة الأمريكية علي حياء أحيانًا، وبجرأة في أحيان أخري تعظم دور الانتفاع والاستغلال باعتباره عملاً يستحق التقدير حتي لو جاء علي حساب مقدسات معتقدية وإنسانية واجتماعية.
ورغم أنها تكرس لسيادة البراجماتية هذه إلا أنها – وهو الأمر المضحك – تتخذ من الدعايات الإنسانية غطاء لهذا الغرض رغم ما نراه من هذا التناقض البديهي يضاعف من حجم المصيبة.وكذلك ناقش ما قال عنه انه وهم تنظيم دولة العراق الاسلامية , نحن لا ننكر وجود تنظيم القاعدة ولا اشكك فى جهادية الشيخ اسامة بن لادن والدكتور ايمن الظواهرى وغيرهما ولكن اخشى ان ينسب اليهم ما ليس فيهم , وان يستعملوا كمعاول للهدم لا للبناء , خاصة مع انه فى كل مرة تنتشر حقيقة براءة القاعدة من هجمات سبتمبر نفاجئ بشريط يؤكدان القاعدة هى من نفذته, أليس بتلك الشرائط تعطى الذرائع لقتل ملايين المسلمين فى كافة إنحاء العالم تحت مسمى "مكافحة الإرهاب".
إذا أرادوا تدمير العراق قالوا ان هناك علاقة بين صدام والقاعدة وتخرج علينا التسجيلات التى تؤكد ذلك , وإذا أرادوا تقسيم اليمن ظهرت الطرود المفخخة وتصدير الطابعات الحديثة من "اليمن" الى "أمريكا" ,وإذا أرادوا جعل البحر الأحمر بحيرة مغلقة للأساطيل الأمريكية والصهيونية ظهر القراصنة الصوماليون , واذا ارادوا ارهاق مصر بالتفجيرات والفوضى هددت "دولة العراق الاسلامية" بتدمير الكنائس المصرية وتحرير فتيات مسلمات تقول انهن مختطفات فيها , مع انه كان أولى لهذا التنظيم تحرير العراق لا مصر."
وسرد الكاتب فى هذا الشأن معلومات غاية فى الخطورة تؤكد ان تنظيم دولة العراق الاسلامية ما هى الا وهم من صنع المخابرات الغربية.
كما ناقش الكاتب الثورات العربية والمؤامرات التى تحاك حولها متسائلا عن الاسباب التى تجعل الغرب يؤيد ثورات فى بعض الدول العربية ويرفضها فى البعض الاخرى ويسمى هذه ثورة وهذا تمرد .
كتاب . رؤي فى الوطن والوطنية تطرق الى بعض الظواهر غير المألوفى مثل القدرة وحسن والطالع والصدفة وكثير من القوانين غير المنطقية التى يراها الناس محاولا ايجاد تفسير قد يبدو منطقيا لها .
من خلال الكتاب يظهر بوضوح تأثر الكتاب بتطبيقات كتاب "الامير " لميكيافيللى و"طبائع الاستبداد ومصارع الحكام " لعبد الرحمن الكواكبى , و"كفاحى" لهتلر و"فى سبيل البعث" لميشيل عفلق وقراءة مستفيضة لافكار عدد كبير من الفلاسفة امثال كيركجارد وبرتراند راسل وسارتر وهيجل وكانط ونيتشه وغيرهم بحيث اتسم اسلوب الكتابة بمنطلقات فكرية فلسفية , مع جذالة اللفظ وقوة اللغة والالفاظ , فضلا عن القدرة الشديدة على اللعب على النسق الفكرى والمنهجى , الامر الذى يجعل القارئ يغوص فى النسق دون توقف حتى انهاء الكتاب.
كما نجح الكاتب فى ان ينقل صدق مشاعره واحاسيسه وقناعاته للقارئ لدرجة تجعلك تصف الحبر الذى خط الكلام حبر من الدم , عزيز الالفاظ وينتهج ابسط الطرق للحقيقة , حتى وان كانت مؤلمة