سيد أمين
استمرت الاضطرابات التى ينظمها رجال الاقطاع فى فرنسا عقب الثورة الفرنسية سنوات عديدة ربما دامت 12 عاما كاملة , ثم برزت بعد ذلك الامبراطورية الفرنسية وعبرت حدودها الضيقة الى ما وراء البحار والمحيطات محققة واحدة من كبريات الامبراطوريات فى التاريخ , اذن فلم تحقق الثورة المضادة -او محاولات المقاومة بتعبير ادق - شىء سوى انها عطلت انطلاق القطار لبعض من الوقت ولكنها لم تستطع منعه, وفى اندونيسيا لم يستطع انصار نظام الديكتاتور "سوهارتو"- وهونظام شديد الشبه بنظام مبارك اللصوصى - احتواء الثورة الشعبية التى اطاحت به وبنظامه فى العقد التاسع من القرن المنصرم وباءت كل محاولات رجاله لاشعال الفوضى او"الثورة المضادة" بالفشل على مدى ثلاثة سنوات ثم انطلقت قاطرة اندونيسيا التنموية وتحولت شىء فشىء الى دولة مصدرة للتقنيات والتصنيع.
اقول ذلك لمن اعتقدوا أن بامكانهم ان يجروا القاطرة الى الوراء او أن يطفئوا نور الله الذى انعم به على مصر بعد طول ظلام واظلام, وهى محاولات يائسة وفاشلة , ستقاومها يد الله خالق تلك الثورة قبل ان يقاومها الثوار انفسهم.
وما محاولات ازلام مبارك وبقاياه لاثار الفوضى الا واحدة من مخطط كبير لكى يعود اللصوص لحكم مصر مجددا,ويستمروا فى امتصاص دم الشعب , واستغلال حالة الانخفاض الثقافى التى هم من جذر لها وعمقها فيه , لتكون المعادلة اما نحن او الفوضى , مع الاخذ فى الاعتبار فى هذه النقطة ان النجاح الكامل للثورة يعنى ليس تجريد هؤلاء من الاموال التى نهبوها فحسب, ولكن ايداعهم فى السجون وربما الاعدام , فضلا عن الفضح الاجتماعى , وبالتالى فان عرقلة تقدم الثورة بالنسبة لهم هى قضية حياة او موت.
خمسة محاور رئيسية للانقلاب على الثورة هى "الاحزاب الجديدة" و"تغذية النعرات الطائفية " و"الانفلات الامنى" و"المطالب الديمقراطية" و"التشكيك فى النزاهة" ولكل فئة شرحها.
فلقد استغل ازلام مبارك المناخ الديمقراطى الذى اتاحته قوانين تشكيل الاحزاب السياسية بعد الثورة وراحوا بما لهم من اموال واحيانا امتدادات طائفية الى التسلل عبر تلك الاحزاب وايضا تأسيسها , وارتدىمعظمهم ملابس الثوار وقناعاتهم , وراحوا يغرقون المجتمع بسيل من الاحزاب التى لا تحمل فكرا او برنامجا او توجها ذا قيمة , وحتى لا يكتشف امرهم قاموا بتصدير وجوه جديدة لقيادة تلك الاحزاب , واعرف - من مصادرى الخاصة - ان توجيها صدر - لا اعرف مصدره - لكل المشيخات الخاصة بالحزب الوطنى بانشاء احزاب جديدة الامر الذى قد ينتج عنه ظهور الاف الاحزاب للضوء وجميعها تنتمى للحزب الوطنى , على أمل ان تئتلف ذات يوم فيعود الحزب الوطنى وبرموز فساده ولكن باسم جديد وبشكل اقوى.
ومن تلك الاحزاب حزب يسمى "المواجهة " أسسه شخص كان يدعو للتوريث وتربطه بجمال مبارك علاقة وطيدة ويبدو انه تلقى تمويلا ضخما فراح يركز على الفيسبوك وينشر اعلانات مدفوعة الاجر عليه , واستقطب عددا لا بأس به من الشباب الذين يجهلون حقيقته , وكذلك هناك حزب "الحرية" الذى أسسه معتز محمد على محمود صاحب مصانع اسمنت قنا ويضم فى عضويته قطاع كبير من اغنياء الحزب الوطنى , وكذلك حزب "التضامن" الذى اسسه رجل الاعمال "ابو المواهب المحرزى" شقيق القيادى فى الحزب البائد "ابو النجا المحرزى" وقد اعلن عن تأسيس هذا الحزب - وعبر حيلة - من خلال قاعة مؤجرة بنقابة الصحفيين , وعمد الى حذف كلمة "المحرزى" حتى لايفتضح امره, علما بأن ابو المواهب المحرزى تربطه علاقة وطيدة مع أبو الوفا رشوان حارس مبارك الشخصى , ويقوم حسام مروان صاحب منتجعات ارابيلا التى كان يقطن بها علاء مبارك بتأسيس حزب سياسى بالتعاون مع قيادات مشيخة الحزب الوطنى بالقاهرة الجديدة.
وهناك حزبا " نهضة مصر"و"نهضة الثورة المصرية" ومقر الاخير فى ميدان رمسيس , وكلاهما ينتميان للحزب الوطنى, كما يوجد ايضا احزاب تحمل اسماء الثورة مثل " حزب 25 يناير" وعلى الارجح انه تم تغيير اسمه بناء على قانون الاحزاب الذى يحظر احتكار اسم الثورة لحزب ما.
ويجرى عبد الرحيم الغول مساعيه لتأسيس حزب فى نجع حمادى بقنا بينما يقوم رجل النظام والمعارض - معا- رجب هلال حميدة بالمشاركة فى "اتحاد القوى الوطنية" مع اخرين من الحزب الوطنى.
ولا يفوتنى ان انوه الى ان قانون الاحزاب الجديد لا غبار عليه وان رقم الخمسة الاف توقيع لا يمثل معضلة بل نطالب بأن يكون عشرة الاف توكيل لضمان الجدية , ولكن بشرط ان يتم اشهار الحزب فى الصحف الرسمية على نفقة الدولة وان تخفض مصروفات اجراء التوكيلات , مع ضرورة ان يجرى تنفيذ القانون بأثر رجعى على الاحزاب القديمة , لان احصاءا لعدد المنتمين لنحو عشرين حزبا قائما فى مصر الان - من اصل 24 على ما اعتقد - قد لا يتجاوز الالف عضو مجتمعين , وهى احزاب وهمية يقودها رجال امن الدولة المنحل وقد أسست لاكمال الديكور الديمقراطى للحزب الوطنى.
وما مظاهرات قنا وما سبقها او تلاها من احداث الا واحدة من الاساليب الواضحة ل"تغذية النعرات الطائفية" والقبلية التى عمد اليها ازلام مبارك , وكذلك تغذية الصراعات الثأرية فى المنيا , وانا اتصور ان قضية السيدة كاميليا شحاتة زوجة كاهن مغاغا قد تصلح - بحسب رؤية رجال الوطنى - ان تكون المفجر لفتنة طائفية عنيفة قد تعصف بالثورة والثوار, وقد ينتج عنها احد خيارين اما تحويل كثير من المسيحيين والسلفيين الى مناهضين للثورة فى حال ارتخاء يد الجيش , او ان تمتد يد الجيش لتقمع الجميع ويتم التضحية بالدولة المدنية.
وكذلك ايهام رجال الحزب الوطنى والامن السابقين ل "البلطجية "و"المسجلين خطر" بان الوقت سانح لهم بان يبطشوا بالمجتمع والانقضاض على الثورة قبل ان تنتصر فيتحولوا هم الى وقود لها , او على الاقل انهم لن يحصلوا على ما كانوا يحصلون عليه من مزايا فى النظام القديم.
وقد لعب المخططون لهذه الاحداث على فضول الشعب المصرى بحيث تعطل اى معركة بين عدة افراد المرور فى الشوارع , ليس بسبب المعركة , ولكن بسبب الالاف الذين وقفوا يشاهدون تفاصيلها , وهو ماحدث فى المعركة التى دارت بشارع عبد العزيز والتى نشبت بين نحو 20 شخصا ولكن الالاف وقفوا ليشاهدونها مما عطل المرور لعدة ساعات وسط القاهرة , وبالطبع نمت الشائعات المرعبة حول حقيقة ما يحدث , مما خلق انطباعا بأن هيبة الدولة سقطت بسقوط الطاغية مبارك.
اما رابع تلك النوعيات فهى "المطالب الديمقراطية" وهى مطالب عادلة ومشروعة ولكن الاصرار عليها فى هذا التوقيت الحرج حيث تعطل لحركة الانتاج وتراجع احتياطى النقد للبنك المركزى قد يقود الى كارثة.
والوسيلة الاخيرة من وسائل الانقضاض على الثورة فهى "التشكيك فى نزاهة " بعض الشخصيات التى ساهمت فى اندلاع الثورة , وقد بدأ الامر من مجرد تشكيك فى بعض الثوار من الشباب , الى التشكيك فى كل الشخصيات التى تمثل ثقلا عند انصارها , ولم ينجو احد من تلك الحملات التى طالت الجميع , مرورا بموسى والبرادعى وحمدين والبسطويسى وحتاتة وبلال , بل انه بعد زيادة شعبية الدكتور عصام شرف وانجازه فى ثلاثة اشهر ما لا يمكن انجازه فى عدة سنوات راحت صحف تشن عليه حملة مغرضة وتختلق القضايا التى تطعنه بها , وتتهمه بالضعف تارة والعمالة تارة وادعاء البطولة تارة بل ان احدى الصحف لم تجد ما تتهمه به , فتسائلت عن السبب الذى جعله يترك مصر وذهب للعمل فى الخارج ثم يعود قبيل الثورة , وراحت اخرى تترك النشر فى المليارات التى نهبها مبارك وعصابته وفردت مانشتا عريضا تتهم شرف بأنه حصل لوالدته على علاج بقيمة 100الف جنيه , وهى اتهامات فى الغالب لاتسىء لشرف بقدر ما تسىء لمن اتهموه.
albaas10@gmail.com
albaas.matoobblog.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق