بقلم سيد أمين
" الجنيه غلب الكارنية" , لا ادرى كيف لم اعر تلك المقولة اهتماما من قبل حينما كنت أسمعها من بعض العامة والنسوة لاسيما فى مركبات النقل الجماعى والاسواق وأمام المصالح الحكومية.
بصراحة كانت تمر هذه العبارة على اذنى مرور الكرام وكنت اظنها مجرد "هرتلات" لاناس ندرت حيلتهم وضاقت مداركهم لكننى وفى اول اختبار لى مع المصالح الحكومية المصرية رحت استعير تلك العبارة التى اكتشفت ان قائليها كانوا الاعمق فهما والاوسع ادراكا من هؤلاء المثقفين الذين تقوقعوا فى عالم تنظيراتهم العاجى وراحوا يرتفعون عن الارض حتى تلاشوا فى السماء .
ولا أخفيكم سرا أن ثقة فى النفس سيطرت على بدون وجود ما يعززها واعتقدت – جهلا- أننى استطيع أن اقضى مصالحى فى الجهات الحكومية دون اللجوء لدفع "المعلوم" وذلك اعتمادا على ماحبانى به الله من - لا مؤاخذة – كارنية ولا شىء سواه الا عفة فى النفس وما تيسر من الاطلاع.
وكان احد معارفى يقطن فى التجمع الثالث بمدينة القاهرة الجديدة وذات يوم فوجىء بصاحب المحال التجارية الواقعة اسفل مسكنه فى الطابق الارضى يقوم بتركيب "مظلة" حديدية عملاقة تمتد بنحو الثلاثة امتار للامام وبامتداد نحو العشرين مترا عرضا امام محله الامر الذى حجب عنه رؤية الشارع بالاسفل وحرم زوجته من الانتفاع ب"البالكونة" خاصة انه لم يثبت تلك المظلة بمحاذاة سطح سقف محاله بل ارتفع بنحو الستين سنتيمترا فى حدود مسكن صاحبنا الذى استعان بى ظنا منه أننى قادرعلى رد مظلمته .
فى الواقع لم اكترث كثيرا بهذه المشكلة واعتقدت اننى بمجرد التقدم بمذكرة بذلك الى ادارة التنمية بمجلس المدينة فانها لن تتوانى فى تنفيذ القانون لا سيما اننى كنت اعتقد ان اللوائح الخاصة بالاشغالات والعشوائيات فى المدن الجديدة شديدة الصرامة وذلك على حد علمى "التنظيرى" وذلك لأن المنطق يقول أن الدولة تريد الاحتفاظ بالمدن الجديدة المحيطة بالقاهرة كمناطق حضرية وانها لن تسمح بتكرار اخطاء القاهرة الفديمة.
وتقدمت بالمذكرة فمر شهر تلو الشهر"نحو العام" والتقرير تلو التقرير حتى وصل اجمالى التقاريرالى ثلاثة تقارير ازالة ولكن لم ينفذ منها تقرير واحد بل انها لم تذهب اصلا الى شرطة الاشغالات فى حين سجلت الارقام السابقة واللاحقة لها , وحينما شكوت الى المسئولين بوزارة الاسكان وبجهاز المدينة وحاولت الاستعانة ب"الكارنية"- لكونى صحفى – تم حل المشكلة حلا حاسما ونفذت قرارات الازالة الثلاثة ولكن على الورق فقط !!!
فشكوت للمهندسين من عدم التنفيذ الفعلى فاذا بهم يطلبون منى كتابة مذكرة اخرى وذلك حتى نستمر ديمومة التقارير والعروض والخبراء ثم بعد كل ذلك ينفذ كسابقه على الورق.
وعرفت بعد ذلك ان صاحب تلك المحال رجل ثرى يمتلك تحو الخمسين مسكنا ومحلا فى تلك المنطقة وانه زار مرة واحدة غفط ادارة التنمية فى بداية المشكلة وتم المراد .
الامر المدهش ان تلك التجربة شجعت صاحب محل فى العمارة المجاورة لارتكاب مخالفات مماثلة بل انها لم يكتف بأنه يقوم بمزاولة نشاط الجزارة بدون ترخيص بل انه قام بانشاء مظلة تمتد لاكثر من اربعة امتار تتخذ شكلا فى غاية القبح وزاد على ذلك بأنه قام بتحويل الجزيرة الواقعة بين الطريقين الى "زريبة" فضلا عن قيامة بتلويث البيئة بروث الحيوانات والدماء حيث يقوم بالذبح خارج السلخانة والانكى انه يقوم باستعمال الخبز المدعوم كعلف للحيونات والامر والانكى انه يخلط اللحوم الطازجة باللحوم المجمدة المستوردة رخيصة الثمن وذلك تحت مرأى ومسمع موظفى جهاز المدينة والصحة وشرطة الاشغالات الذين يتوافدون عليه كل اسبوع .
وشجع هذا الوضع جزارا اخر للاقتداء بالجزار الاول وراح يلوث البيئة بشكل فج وانتهز شخص ثالث هذا التردى فراح يقيم معرضا لبعض المنتجات الاسمنتية فى الجزيرة التى بين الطريق وقلده اخرون وتحولت منطقة القطامية الى منطقة عشوائية.
هذه مجرد نماذج تبرهن لمقولة "الجنيه غلب الكارنية " وليته غلبه فقط بل انه استخف به واهانه وكشف عن خلل عميق ينتصر للباطل رغم جهله وجوره ويهزم الحق رغم مشروعيته وعقلانيته وثقافته ويحشره فى افق ضحل اقل بكثير عما ينبغى استغلاله فيه.
* albaas10@gmail.com
" الجنيه غلب الكارنية" , لا ادرى كيف لم اعر تلك المقولة اهتماما من قبل حينما كنت أسمعها من بعض العامة والنسوة لاسيما فى مركبات النقل الجماعى والاسواق وأمام المصالح الحكومية.
بصراحة كانت تمر هذه العبارة على اذنى مرور الكرام وكنت اظنها مجرد "هرتلات" لاناس ندرت حيلتهم وضاقت مداركهم لكننى وفى اول اختبار لى مع المصالح الحكومية المصرية رحت استعير تلك العبارة التى اكتشفت ان قائليها كانوا الاعمق فهما والاوسع ادراكا من هؤلاء المثقفين الذين تقوقعوا فى عالم تنظيراتهم العاجى وراحوا يرتفعون عن الارض حتى تلاشوا فى السماء .
ولا أخفيكم سرا أن ثقة فى النفس سيطرت على بدون وجود ما يعززها واعتقدت – جهلا- أننى استطيع أن اقضى مصالحى فى الجهات الحكومية دون اللجوء لدفع "المعلوم" وذلك اعتمادا على ماحبانى به الله من - لا مؤاخذة – كارنية ولا شىء سواه الا عفة فى النفس وما تيسر من الاطلاع.
وكان احد معارفى يقطن فى التجمع الثالث بمدينة القاهرة الجديدة وذات يوم فوجىء بصاحب المحال التجارية الواقعة اسفل مسكنه فى الطابق الارضى يقوم بتركيب "مظلة" حديدية عملاقة تمتد بنحو الثلاثة امتار للامام وبامتداد نحو العشرين مترا عرضا امام محله الامر الذى حجب عنه رؤية الشارع بالاسفل وحرم زوجته من الانتفاع ب"البالكونة" خاصة انه لم يثبت تلك المظلة بمحاذاة سطح سقف محاله بل ارتفع بنحو الستين سنتيمترا فى حدود مسكن صاحبنا الذى استعان بى ظنا منه أننى قادرعلى رد مظلمته .
فى الواقع لم اكترث كثيرا بهذه المشكلة واعتقدت اننى بمجرد التقدم بمذكرة بذلك الى ادارة التنمية بمجلس المدينة فانها لن تتوانى فى تنفيذ القانون لا سيما اننى كنت اعتقد ان اللوائح الخاصة بالاشغالات والعشوائيات فى المدن الجديدة شديدة الصرامة وذلك على حد علمى "التنظيرى" وذلك لأن المنطق يقول أن الدولة تريد الاحتفاظ بالمدن الجديدة المحيطة بالقاهرة كمناطق حضرية وانها لن تسمح بتكرار اخطاء القاهرة الفديمة.
وتقدمت بالمذكرة فمر شهر تلو الشهر"نحو العام" والتقرير تلو التقرير حتى وصل اجمالى التقاريرالى ثلاثة تقارير ازالة ولكن لم ينفذ منها تقرير واحد بل انها لم تذهب اصلا الى شرطة الاشغالات فى حين سجلت الارقام السابقة واللاحقة لها , وحينما شكوت الى المسئولين بوزارة الاسكان وبجهاز المدينة وحاولت الاستعانة ب"الكارنية"- لكونى صحفى – تم حل المشكلة حلا حاسما ونفذت قرارات الازالة الثلاثة ولكن على الورق فقط !!!
فشكوت للمهندسين من عدم التنفيذ الفعلى فاذا بهم يطلبون منى كتابة مذكرة اخرى وذلك حتى نستمر ديمومة التقارير والعروض والخبراء ثم بعد كل ذلك ينفذ كسابقه على الورق.
وعرفت بعد ذلك ان صاحب تلك المحال رجل ثرى يمتلك تحو الخمسين مسكنا ومحلا فى تلك المنطقة وانه زار مرة واحدة غفط ادارة التنمية فى بداية المشكلة وتم المراد .
الامر المدهش ان تلك التجربة شجعت صاحب محل فى العمارة المجاورة لارتكاب مخالفات مماثلة بل انها لم يكتف بأنه يقوم بمزاولة نشاط الجزارة بدون ترخيص بل انه قام بانشاء مظلة تمتد لاكثر من اربعة امتار تتخذ شكلا فى غاية القبح وزاد على ذلك بأنه قام بتحويل الجزيرة الواقعة بين الطريقين الى "زريبة" فضلا عن قيامة بتلويث البيئة بروث الحيوانات والدماء حيث يقوم بالذبح خارج السلخانة والانكى انه يقوم باستعمال الخبز المدعوم كعلف للحيونات والامر والانكى انه يخلط اللحوم الطازجة باللحوم المجمدة المستوردة رخيصة الثمن وذلك تحت مرأى ومسمع موظفى جهاز المدينة والصحة وشرطة الاشغالات الذين يتوافدون عليه كل اسبوع .
وشجع هذا الوضع جزارا اخر للاقتداء بالجزار الاول وراح يلوث البيئة بشكل فج وانتهز شخص ثالث هذا التردى فراح يقيم معرضا لبعض المنتجات الاسمنتية فى الجزيرة التى بين الطريق وقلده اخرون وتحولت منطقة القطامية الى منطقة عشوائية.
هذه مجرد نماذج تبرهن لمقولة "الجنيه غلب الكارنية " وليته غلبه فقط بل انه استخف به واهانه وكشف عن خلل عميق ينتصر للباطل رغم جهله وجوره ويهزم الحق رغم مشروعيته وعقلانيته وثقافته ويحشره فى افق ضحل اقل بكثير عما ينبغى استغلاله فيه.
* albaas10@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق