ليس هناك ما هو غير متوقع من حبس رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان لمدة ثلاثة سنوات، فسواء جاء الحكم بحجة ضلوعه في قضية تلقيه ساعات رولكس وخاتم وزوج من أساور اليد كهديا من ضيوف أجانب أثناء فترة رئاسته للحكومة والتي صدر الحكم بحبسه بسببها، أو قضية جامعة القادر المتهم بضم أراض إليها، أو تحريضه انصاره على
التصدي لقوات الأمن، او تسريب معلومات سرية للخارج، أو بأي تهمة أخرى، فكل ذلك مجرد شكليات تفضي إلى تحقيق الغاية الرئيسة وهى القضاء عليه سياسيا، وربما جسديا، مع تفجير حركة إنصاف من الداخل وربما حظرها قبيل إجراء الإنتخابات المحلية لإقليم البنجاب التي من المؤكد اكتساح الحركة لها.والدليل على أن الرجل مستهدف لشخصه وللحركة التي يتزعمها، أنه ما أن زج به في السجن حتى بدأت تلوح في الأفق قضية تسريب معلومات للخارج، وهي قضية غامضة وغير مفهومة إلا أن عقوبتها قد تصل للإعدام، كما أن قيمة المبلغ الذي تدور حوله قضية الهدايا لا يتجاوز 635 ألف دولار،وهو مبلغ ضئيل خاصة لو مس شخصا تحصل علي ملايين الدولارات من خلال ممارساته للعبة الكريكيت التي صنف فيها كواحد من أشهر لاعبيها.
واللافت أنه ما أن أصطدم خان بقائد الجيش السابق حتى انهمرت عليه مئات القضايا في محاولة لردم شخصيته بوابل من القاذورات.
تفجير الانصاف
وقد أتت عملية تفجير حركة الانصاف من الداخل أكلها في الأشهر الثلاثة الاخيرة، فالضغوط التي مارستها السلطات المدعومة من الجيش على أعضاء الحركة بعد أحداث التاسع من مايو الماضي، اتخذت اشكالا عدة منها اعتقال عدد كبير من نشطائها وصولا إلى قياداتها والذين هم أيضا وزراء سابقين مثل وزراء المالية والإعلام والخارجية وشؤون المرأة والمعلومات،وأخرين، واضطر بعضهم للاستقالة من الحركة حتى يتم الإفراج عنه.
ترافق ذلك مع حملة استقالات غير مبررة كان أهمها تلك المجموعة التي تشكلت لتؤسس حزب "الديمقراطيون" والتي تزعمها وزيران من وزارة خان ضمن 50 شخصية أخرى، في حين نظرت القاعدة الشعبية الكاسحة من الحركة إلى هؤلاء المنشقين بوصفهم مندسين من قبل أجهزة الأمن، بينما كان هناك من هم حِسان النوايا عزوا الانشقاق جراء مفاوضات أمنية نظير فتح مجال العمل الحزبي والسياسي للحزب الجديد.
ومن الوقائع التي يتردد صداها في الشارع الباكستاني أن قاضي المحكمة العليا في إسلام آباد أوعز إلى رئيس البرلمان السابق والقيادي في الحزب بالإستقالة من الحركة مقابل الافراج عنه حينما قال له علنا "اعقد مؤتمرا صحفيا وإنه الأمر".
أما حول امكانية حظر حركة الانصاف من عدمها فالإجابة أن كل الشواهد تمنع حدوث ذلك، وذلك لأنها معبرة عن كتلة كبيرة من الشعب الباكستاني لاسيما في اقليم البنجاب، وثانيا لعدم وجود ما يؤيد ذلك فكل الاحتشادات المليونية التي حدثت هي في الأصل كانت دفاعا عن الحركة واختياراتها السياسية مثلها مثل أي حزب سياسي، ولم تكن موجهة ضد أي جهة بما فيها الجيش، فضلا عن أن حظر الحركة لا يمكن حدوثه إلا بالرجوع إلى المحكمة العليا وليس بقرار من الحكومة حسبما هدد المتحدث بإسمها، ومع ذلك ليس من المستبعد تكسير الحكومة لجميع الحواجز وحظرها بقرار اداري رغم تداعياته الخطيرة.
ولسرعة جني مكاسب الشروخ في الحركة بعد غياب زعيمها؛ سارع رئيس البلاد بحل البرلمان والحكومة وعين أخرى مؤقتة لحين اجراء الانتخابات، وهى ذات المطالب التي كان يطالب بها خان مرارا من قبل ولكنهم نفذوها بينما هو وحركته غائبان عن المشهد.
حرب الكتلة
والجدير بالذكر أن أحداث التاسع من مايو الماضي والتي رفض فيها خان تنفيذ أمر ضبط واحضار أصدرته احدى المحاكم، وتحصن بأنصاره الذين منعوا قوات الأمن من اقتحام منزله حتى أضطرت المحكمة لاصدار قرار بتأجيل تنفيذ قرار اعتقاله بعد مثوله طواعية أمامها، ركز الأنظار في الداخل والخارج على الحصانة الشعبية التي تمتع بها، وأنه وحركته صاروا قوة كبيرة تشكل خطرا جسيما على باكستان التقليدية الموالية للغرب وكان لابد من تفتيتها.
ومن نوافل القول أيضا أن القوى الاستعمارية الخارجية تتفق عادة مع القوى الانتهازية الاستبدادية الداخلية في كل بلدان العالم العربي والاسلامي وربما العالم أجمع في العداء الصريح للكتلة، هم لا يحبون الناس إلا فرادى ليسهل كسرهم واستعبادهم، وأن وجود أنصار حقيقيين لأي شخص- وليس ذباب أليكتروني- لهو أمر مشين ومؤشر سوء يجب القضاء عليه بأي ثمن.
وفي السياسة هناك أسباب مباشرة وهذه عادة يتم تسويقها للعامة، وأسباب غير مباشرة وهي الأسباب الحقيقية التي يبني من هم خلف الكواليس سياساتهم عليها، والأسباب غير المباشرة للحرب على خان كانت بسبب رفضه اقامة قواعد أمريكية في بلاده وسعيه لتنويع مصادر التسليح لتشمل روسيا والصين وتركيا، ودعمه التقارب مع المحور الروسي الصيني بديلا عن الانضواء تحت عباءة واشنطون، ورفضه التطبيع مع اسرائيل، وانفتاحه على طالبان أفغانستان، وتبنيه برنامج كبير لمكافحة الفساد في البلاد.
ولعل واحدة فقط من هذه السياسات كفيلة وحدها بتمترس الغرب واتباعه في باكستان ضد الرجل وازاحته من السلطة، بل وضمان عدم وصول خلفاء له يتبنون نفس سياساته للسلطة مجددا، ولا مانع من العمل بكل الوسائل لتدمير أي حاضنة شعبية لمثل هذا النوع من الرجال، خاصة أن الغرب يعطي باكستان أهمية كبرى في علاقاته مع العالم الاسلامي نظرا لكونها صاحبة القنبلة النووية "الإسلامية"، والتي إذا خرجت من التبعية الغربية فيعني أن الغرب أمام ايران وكوريا شمالية أخرى.
المشهد في باكستان مرشح لمزيد من التدهور، إلا إذا تحلى جميع بالوطنية.
https://bit.ly/3QZVCCf
لتخطي الحجب
https://www-aljazeeramubasher-net.translate.goog/opinions/2023/8/26/%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%82%d8%a7%d9%84-%d8%ae%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%a7%d9%83%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d9%86?_x_tr_sl=en&_x_tr_tl=ar&_x_tr_hl=ar&_x_tr_pto=wapp
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق