17 يوليو 2022

ردا على قمة بايدن..الموقف الشعبى من الولايات المتحدة

بقلم : محمد سيف الدولة 
Seif_eldawla@hotmail.com
فى الوقت الذى تتسابق غالبية الانظمة العربية لنيل الرضا والقبول والحماية الامريكية، فان مواقف الشعوب العربية تختلف ١٨٠ درجة عن موقف من يحكمونها، فهى تعلم علم اليقين من واقع تجاربها وخبراتها التاريخية الطويلة أن الولايات المتحدة هى عدوها الاول:
·فهى التى حرضت (اسرائيل) وخططت معها لعدوان ١٩٦٧ لاحتلال سيناء والجولان وباقى فلسطين، بهدف كسر واخضاع مصر وسوريا وكل الامة.
·وهى التى رفضت بعد العدوان اصدار قرار من مجلس الامن بانسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضى التى احتلتها بالقوة بالمخالفة لميثاق الامم المتحدة.
·وهى التى تدخلت فى حرب ١٩٧٣ لانقاذ (اسرائيل) من هزيمة محققة وامدتها بجسر جوى من السلاح والعتاد وخططت معها لعملية الثغرة، التى غيرت مسار الحرب ونتائجها.
· ثم قامت بسرقة ما تحقق من نصر، بالضغط والتهديد لدفع السادات فى مفاوضات فض الاشتباك الاول 18/1/1974 الى اصدار قرار بسحب الغالبية العظمى من القوات المصرية التى عبرت وعودتها مرة اخرى الى غرب القنال مقابل انسحاب القوات الاسرائيلية من الثغرة.
·ثم استقطبته للتوقيع على معاهدة سلام بالاكراه مع (اسرائيل) تنحاز للامن القومى الاسرائيلى على حساب الامن القومى لمصر من خلال فرض سلسلة من القيود على وجود وتسليح قواتنا فى سيناء.
·وامريكا هى التى جلبت قواتها الى سيناء لمراقبة قواتنا هناك بدلا من قوات الامم المتحدة، منذ عام 1981 حتى اليوم.
·وهى امريكا التى قال عنها "آفى ديختر" وزير الامن الداخلى الاسرائيلى الاسبق انها اعطتهم ضمانات للعودة الى سيناء اذا تغير النظام فى مصر لغير صالح (اسرائيل).

·وهى امريكا التى ارسلت للدولة المصرية تهديدا صريحا ومكتوبا، يوم ٢٥ مارس ١٩٧٩ قبل توقيع المعاهدة بيوم واحد، تهددنا فيه بضربنا عسكريا اذا انتهكنا اتفاقية السلام فيما عرف "بمذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية".
***
·وهى امريكا التى ادارت مع حلفائها منذ ١٩٧٤ عملية تفكيك مصر التى انتصرت فى حرب ١٩٧٣ صامولة صامولة ومسمار ومسمار، وبناء مصر اخرى تابعة، على مقاس مصالح امريكا وامن (اسرائيل)، وهو ما كتبت عنه بالتفصيل تحت عنوان "الكتالوج الامريكى لحكم مصر".
·وهناك كتالوج مماثل لكل بلد عربى.
·وهى التى تقود هذا النظام الراسمالي العالمى بشركاته عابرة القومية التى اخترقت اسواقنا ودمرت صناعتنا الوطنية واغلقت مصانعنا ونهبت ثرواتنا. ومؤسسات الاقراض الدولى التى افقدتنا استقلالنا وفككت اقتصادنا الوطنى وسيطرت عليه والحقتنا بأسواق المستهلكين وأفقرت شعوبنا ودمرت عملتنا، واغرقتنا فى مليارات الدولارات من القروض والديون.
·وهى التى قامت من خلال اموال المعونة الامريكية الاقتصادية ومشروعتها (بدأت بـ850 مليون دولار سنويا) بتاسيس وصناعة طبقة تابعة من رجال الاعمال المصريين، اصبحت اليوم بمثابة طابور خامس ومخلب قط وراس حربة لرؤوس الاموال العالمية، تقدم لهم التسهيلات والتشهيلات، وتشاركهم نهب اموالنا ومواردنا وتصفية صناعاتنا الوطنية، من خلال آلاف التوكيلات للشركات والمنتجات الأجنبية.
·وامريكا هى التى وضعت أسس نظام الحكم فى مصر وحددت مواصفات الحكام، وعلى رأسها الالتزام بالسلام مع (اسرائيل) وبالحفاظ على امنها، وهو ما عبر عنه الدكتور/ مصطفى الفقى عام 2009/2010 بقوله ان اى رئيس مصرى يجب ان توافق عليه الولايات المتحدة وتقبله (اسرائيل).
·وهى التى اسست الكتائب الاستخبارية الاجنبية وجندت مثيلتها المحلية لضرب وتفكيك اى مقومات فكرية وعقائدية تناهض التبعية وتتمسك بالتحرر والمقاومة والاستقلال، لا فرق لديها بين تيار وطنى أو قومى أو اسلامى أو اشتراكى.
***
وقبل ذلك كانت امريكا هى التى رفضت تسليح مصر بعد أن قامت (اسرائيل) بالاعتداء علينا فى غزة ١٩٥٥ وقتل عشرات من جنودنا وضباطنا.
·وحرضت البنك الدولى على عدم تمويل بناء السد العالى.
·وقامت بحصارنا ووضعتنا على القائمة السوداء لرفضنا الانخراط فى احلافها العسكرية ولرفضنا الاعتراف (باسرائيل) والسلام معها فى الخمسينات والستينات.
·ثم تآمرت وخططت لافشال الوحدة المصرية السورية عام ١٩٦١.
·الى ان عقدت النية والعزم على ضرب التجربة كلها فى 1967.
·وغيره الكثير.
***
·وامريكا هى التى تقود منذ الحرب العالمية الثانية العملية "القيصرية الاجرامية" لزراعة وتأسيس دولة (اسرائيل).
·مع بناء قبة فولاذية من الحماية الامريكية والغربية، بدءا بإصدارها البيان الثلاثي عام ١٩٥٠ مع بريطانيا وفرنسا، الذي يتوعد الدول العربية بعدم الاقتراب من حدود الدولة العبرية او امنها، وصولا لمئات الاتفاقيات والاستراتيجيات والتفاهمات الامريكية التي تعتبر امن (اسرائيل) هو قدس الاقداس.
·وعلى النقيض، تعطيها الضوء الاخضر وكل اشكال الدعم والتسليح والتمويل لشن عشرات الحروب والاعتداءات واعمال القتل والابادة والاقتلاع ضد اهالينا فى فلسطين، وحق العربدة والاجتياح والعدوان والتأديب والقصف لأى بلد عربى كما حدث مع لبنان وسوريا والعراق وتونس والسودان، مع الحيلولة دون صدور او تنفيذ اى قرارات دولية ضدها.
·بينما تقوم بحظر وتجريم اى مقاومة فلسطينية او عربية وتصنفها كمنظمات ارهابية.
·وهى التى وهبت (اسرائيل) القدس والجولان وحق الاستيطان الكامل فى الضفة الغربية، واقتحام المسجد الاقصى ومحاولات تقسيمه كمقدمة للاستيلاء عليه وتهويده.  
·والكونجرس الامريكى هو الذى اصدر قانونا يحظر تصدير اى سلاح لاى دولة عربية يخل بالتفوق العسكرى الاسرائيلى على الدول العربية مجتمعة.
·وهى التى تحظر صناعة وامتلاك السلاح النووى على كل دول المنطقة فيما عدا (اسرائيل).
·واليوم ياتى رئيسها لحث وتحريض حكامنا على اجتثاث فلسطين من بيننا ودمج (اسرائيل) بدلا منها.
––
·وهى امريكا التى دنست الارض الطيبة مهبط الاسلام ومنشأ الرسول ﷺ فهيمنت على الجزيرة العربية ونفطها وثرواتها وودائعها، وحولت ممالكها واماراتها الى محميات وقواعد عسكرية امريكية.
·ونشرت قواتها فى الخليج منذ ١٩٩٠ بذريعة تحرير الكويت.
·وحاصرت العراق لعشر سنوات قبل ان تقوم بغزوه وتدميره وانهاء وجوده كدولة عربية مستقلة وقوية ووطنية.
·وهى التى أفسدت مع حلفائها، الثورات العربية بالاختراق والاحتواء والعسكرة.
·وهى التى تدعى كذبا دعمها لحقوق الانسان، بينما تتبنى حماية كل انظمة الحكم الفاسدة التى تستبد بشعوبها وتعصف بحقوقهم وحرياتهم، طالما انخرطت فى حظيرتها وقامت بالتطبيع والتحالف مع (اسرائيل).
***
·كانت هذه عينة صغيرة من حكايتنا وتاريخ معانتنا مع الاحتلال والاطماع والاعتداءات الامريكية ومن قبلها الاوروبية على امتداد ما يزيد عن قرنين من الزمان.
·ولكل بلدان العالم الثالث قصة مشابهة أو أشد قسوة.
·ان الولايات المتحدة ومعسكرها الغربى الاستعمارى هى العدو الاول للبشرية، فهى تضع نفسها ومصالحها فوق الجميع، وتستخدم كل ادوات الضغط والحرب والعدوان من اول قنبلة هيروشيما مرورا بحرب فيتنام الى آخر احتلال افغانستان وغزو العراق، وتدبير الانقلابات وفرض العقوبات وحصار وتجويع واستعباد الشعوب، وتفجير الحروب الاهلية والحروب بالوكالة واسقاط الانظمة المعادية وتنصيب ودعم انظمة موالية واستقطاب واخضاع الحكام والحكومات وتجنيد الجواسيس واختراق المجتمعات والمؤسسات والنخب، واستهداف وقصف كل الهويات الوطنية والقومية والحضارية لباقى الامم والشعوب من خارج عالم الرجل الابيض.
·وهى تمارس ذلك بالقوة والاكراه والاذعان فى حماية النظام الدولى والمالى الذى قامت بتاسيسه والركوب عليه وتوظيفه منذ الحرب العالمية الثانية لفرض هيمنتها المطلقة على العالم.
·مستهينة فى ذلك بكل البشر وكل شعوب العالم وكل العقائد والحضارات الاخرى، وتتعامل معنا جميعا بذات العنصرية والارهاب التى تعاملت بهما مع الهنود الحمر وكما يتعامل الصهاينة اليوم مع الشعب الفلسطينى.
***
لكل ذلك وأكثر بكثير، فاننا نعادى الولايات المتحدة الامريكية كما تعادينا، ولا نخشى بأسها، وسنظل نناهض ونناضل بقوة ضد كل اشكال الخضوع والتبعية لها، وضد الالتحاق باحلافها، وضد الهرولة العربية الرسمية لنيل رضاها والانضواء تحت حمايتها.
*****
القاهرة فى 17 يوليو 2022

ليست هناك تعليقات: