ترجمة رقية الكمالي – التقرير
يتساءل الصحفي والكاتب جيمس تروب، في صحيفة الفورين بوليسي: لماذا لا تفعل الولايات المتحدة سوى القليل جدًا لتغيير مسار الأحداث في الشرق الأوسط في الوقت الحالي؟
في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، كتب المحافظ الجديد والمجادل بعنف، نورمان بودهوريتز، رئيس تحرير مجلة Commentary، مقالًا طويلًا يناقش فيه القتال ضد التطرف الإسلامي الذي وصل إلى “الحرب العالمية الرابعة”. يميل بودهوريتز إلى تنبؤات مروعة، لكن العديد من كتاب اليمين واليسار فهم هجوم تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية كجولة افتتاحية لحرب بين الغرب و”الفاشية الإسلامية”، كما سماها كريستوفر هيتشنز. هدأت نوبة غضبهم بعد ذلك كما فشل الإرهابيون في شن هجمات استعراضية واسعة (على الأقل في الولايات المتحدة)، وكما فشلت الحرب البشعة في العراق حتى خف حماس العديد من المقاتلين لخوض معركة الموت بين الإسلام الأصولي والغرب.
فجأة، لا يبدو وصف الحرب العالمية متسمًا بالغلو. إنشاء “الخلافة” التي أعلنت استقلالها في قلب العالم العربي، فضلًا عن قتل مجموعة من رسامي الكاريكاتير في قلب أوروبا، جعلت الإسلام الأصولي يبدو أكثر فاعلية وتأثيرًا، وأكثر قوة وتهديدًا مما كان عليه، عندما كان مجرد حركة يقودها حفنة من رجال الكهوف. حتى إن بعض الكتاب الواقعيين الذين كانوا يضحكون على دعوة بودهوريتز للتسلح ضدهم وقتالهم، ارتدوا على الفرضية التي تقول بأن الحرب الباردة شكلت الحرب العالمية الثالثة؛ أصبحوا الآن يخافون من تعرض الغرب للخطر.
جورج فريدمان، المحلل الكيسنغري الذي يدير شركة الاستخبارات العالمية ستراتفور، كتب مؤخرًا أن “الحرب بين عالمين”، الإسلام والمسيحية، قد بزغ فجرها . كما وصف الباحث في مركز وودرو ويلسون الدولي، آرون ديفيد ميلر، الصراع مع التطرف الإسلامي بأنه “صراع الأجيال” و”الحرب الطويلة”.
أنا لا أجد هذه اللغة مثيرة للسخرية. إنكار الإسلاميين الراديكاليين لأولوية الاختيار الفردي في الفضاء العام العلماني، جنبًا إلى جنب مع رغبة أعداد كبيرة من الناس لقتل الآخرين وأنفسهم من أجل تدمير هذا النحو من الوجود؛ يشكل تحديًا أساسيًا للغرب.
أي نوع من “حرب عالمية” التي نجد أنفسنا الآن فيها؟ كانت الحرب العالمية الوحيدة في القرن الـ19، بين فرنسا وبريطانيا في العقود التي تلت الثورة الفرنسية، صراعًا كلاسيكيًا على السيادة بين القوى العظمى. هل شكلت الحرب العالمية الأولى آخر هذه التشنجات الجيوسياسية، وليس الأيديولوجية. سعت الأيديولوجيات الشمولية، منذ ذلك الوقت، لبسط نفوذها ونشر أفكارها في جميع أنحاء العالم ليتسارع بذلك العراك العالمي. كان هذا العراك ضد الفاشية والشيوعية، ورغم انتشاره الجغرافي، كانت الحروب بين الليبرالية والتصور المناهض لليبرالية عن كيفية تنظيم المجتمع الغربي.
يقدم التطرف الإسلامي الوضع المعاكس تمامًا؛ إنه حرب داخل حضارة غير غربية متفوقة بل مستهلكة للغرب.
لا يظهر أن هذا هو الحال في بداية الأمر. قبل وقت طويل من تنظيم القاعدة، استهدف إرهابيون إسلاميون مشاة البحرية الأمريكية في لبنان، شركات الطيران الأوروبية والأمريكية، والمعابد والمؤسسات اليهودية. لكن هجمات 9/ 11، بالإضافة إلى خطاب أسامة بن لادن، أعطى بودهوريتز وغيره من الكتاب سببًا وجيهًا للاعتقاد بأن الإسلام الراديكالي قد أعلن الحرب على الغرب. وقد استمر هذا الخطاب، وتلك التكتيكات، حتى تم الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية، والمؤامرات التي كانت تحاك ضد الولايات المتحدة في اليمن، وفوضى إرهابيي لندن، ومدريد، وغيرها من المدن. تعهد الجهاديون بتدمير العواصم الغربية التي تشكل قلاع النظام العلماني، وبالنسبة لأولئك الإرهابيين الذين يعيشون في الغرب؛ تعد هذه المدن ومواطنوها أهدافًا جاهزة و فرصًا سهلة الاقتناص.
لكن حتى لو قلنا بأن الحرب بين التطرف الإسلامي والحداثة قد بدأت، فإن موضع هذا الصراع سينتقل من الغرب إلى العالم الإسلامي نفسه، هذا هو مغزى صعود وانتشار الدولة الإسلامية.
تمثل “الخلافة” في العراق وسوريا تهديدًا خطيرًا جدًا للغرب، لكنها أيضًا تشكل تحديًا وجوديًا للأنظمة الإسلامية في المنطقة. يرى تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية، أن الدولة القومية اختراع أجنبي لا يمت إلى الإسلام بصلة، لكن خلافًا لتنظيم القاعدة، أنشأت الدولة الإسلامية حاليًا نموذجًا بديلًا يعكس التقاليد الإسلامية ما قبل الحداثة. انتشر شعار الدولة الإسلامية بسرعة مذهلة في ليبيا ونيجيريا وأفغانستان. حتى لو كانت هذه الجماعات الجديدة تمثل عددًا قليلًا من الإرهابيين مع راية سوداء، فإن الرغبة في رفع هذا العلم تظهر قوة هائلة لفكرة إقامة دولة إسلامية “نقية” داخل العالم الإسلامي الفاسد ظاهريًا.
وهكذا أعطت هجمات 11/ 9 انطباعًا مضللًا بأن صعود التطرف الإسلامي كان “عن” الغرب وحاجة الغرب لخوض حرب على الإرهاب من أجل إلحاق الهزيمة به، لكن التطرف الإسلامي هو في حقيقة الأمر يدور حول الإسلام وحول الأنظمة التي تحكم باسم الدين، من الصعب أن نتصور فقدان السرد المتطرف لجاذبيته ما لم تكتسب الأنظمة العربية شرعيتها الحقيقية في نظر مواطنيها. بدلًا من ذلك، فإن سلوك إقامة دولة بدائية كالدولة الإسلامية، قد يعرض الأيديولوجية الجهادية لاحتمالات مؤثرة لا يمكن أن ترضيها، بحيث تهدم الرؤية الراديكالية التناقضات الخاصة بها، كما فعلت الشيوعية في نهاية المطاف.
أمام الغرب الكثير ليفعله من أجل الدفاع عن نفسه من العواقب المفزعة لهذا الصراع داخل حضارة أخرى. سيأتي ذلك تحت مسميات عدة، منها: “الدفاع عن الوطن”، “عمل الشرطة”، “الاستخبارات”، “أمن الحدود”، وما شابه ذلك. وقد تعيد بعض الدول النظر في السياسات الوطنية المتعلقة بمعاملة المهاجرين المسلمين، والبعض سوف يتورط باستخدام القوة في الخارج. لن تسمح الولايات المتحدة وأوروبا للدولة الإسلامية بتعزيز سيطرتها على المزيد من أراضي الدول المجاورة؛ سيكون من اللامعقول أن لا يسعى متطرفو أمة الغرب المتعصبون لتدمير الأنظمة الإسلامية الأخرى وقتل كل هؤلاء الذين يرونهم كفارًا.
ومع ذلك، يتوجب على العراقيين والسوريين والقوى المحلية الأخرى القيام بالقتال الفعلي. قد يدافع الغرب عن نفسه في الحرب ضد داعش، لكنه لن يستطيع فعل الكثير لتغيير شروط ومفردات المعركة.
حين نواجه حربًا حضارية داخل حضارة شخص آخر، فإن أدوات الحرب الباردة التي استخدمناها لن تكون مجدية. منذ السنوات الأولى من الكفاح الطويل ضد السوفييت، انهمكت الولايات المتحدة في حملة دبلوماسية عامة واسعة، سرية وعلنية، بهدف إظهار تفوق الرأسمالية الديمقراطية على الشيوعية.
سعى الرئيس الأمريكي جورج بوش لإحياء هذا الجهد مباشرة بعد هجمات 11/ 9، بتعيين سيدة الأعمال شارلوت بيرز، إحدى الشخصيات القيادية الرائدة في جادة ماديسون، مركز الإعلانات التجارية والدعاية في نيويورك؛ لتطوير رسائل جديدة للعالم الإسلامي. كانت إعلانات تليفزيون بيرز التي تروج لاحترام أمريكا للمسلمين موضع سخرية في العالم العربي، والتي تم التراجع عنها في وقت قريب.
اعترفت بيرز في وقت لاحق قائلة: يجب على أمريكا أن لا تتوقع كسب القلوب والعقول. من جاء بعدها لم يكونوا الأفضل. يواجه مكتب الدبلوماسية العامة للرئيس باراك أوباما عملًا صعبًا تجاه دولة معادية للإسلام تنشر الدعم والموالاة في تويتر بصورة واسعة. إنها محاولة فاشلة ولا طائل من ورائها، ليس لأن الولايات المتحدة ليست جيدة في الدبلوماسية العامة، لكن لأن عددًا قليلًا جدًا من الجمهور المستهدف سيستمعون إليها.
دائمًا ما يتم انتقاد الدبلوماسية العامة بنقد مشترك واحد وهو أن المهم هو الأفعال، وليس الكلمات؛ فالكلام المعسول عن التسامح الأمريكي لا يعني شيئًا عندما تقوم الولايات المتحدة بتعذيب المعتقلين المسلمين واحتجازهم في غوانتانامو. عندما تولى أوباما الرئاسة، أعلن في أول يوم له في منصبه أن الولايات المتحدة سوف تتخلى عن التعذيب، وألقى خطابًا مهمًا في القاهرة واعدًا بـ”بداية جديدة” في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي على أساس “المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل”، على سبيل التجربة في التأثير على الرأي العام العربي، على ما يبدو كان أكثر فعالية بقليل من الإعلان بالكلام المعسول، وسيكون من الجيد إجراء تجربة إضافية بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يهيج المسلمين، رغم أنني لا أصدق أن الأمر يهمهم.
تشكل صياغة حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين الاختبار الأعلى، أحد خلفاء بيرز، وهو كارين هيوز؛ اعترف لي بأنها قالت لبوش إنه من غير المرجح الحصول على دعم الرأي العام العربي في أي مكان، حتى تجبر واشنطن إسرائيل على دفع عملية السلام إلى الأمام، لكنه ربما لن يفعل الكثير لتجفيف المستنقع الجهادي.
بطبيعة الحال، كانت الاستراتيجية الأمريكية الأساسية أثناء الحرب الباردة، تدور حول تقديم الدعم العسكري، والاقتصادي، والدبلوماسي لحلفائها المهددين من قبل الشيوعية. وعلى الرغم من الموضوع المكرر من الرئيس هاري ترومان فصاعدًا، بخصوص مساعدة الولايات المتحدة للديمقراطيات المعرضة للخطر، إلا أنها عمليًا لم تساعد إلا الدول الاستبدادية: إيران، ومصر، وباكستان، وتشيلي، والمغرب، وغيرها.
مع انحسار الحرب الباردة، وفي عهد جيمي كارتر ورونالد ريغان، كانت الولايات المتحدة على استعداد لتحمل مخاطر انتقاد مثل هؤلاء الحلفاء المستبدين كما هو الحال في التشيلي والفلبين. في أعقاب 11/ 9، خلص بوش إلى أن دعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أصبح استراتيجية تهزم ذاتها. وكانت الولايات المتحدة تعلم، كما قال في خطابه الافتتاحي في عام 2005، أنها ستظل عرضة للإرهاب طالما بقيت مناطق بأكملها من العالم في حالة هياج واستياء من الطغيان. كان هذا المبدأ الأساسي في سياسة بوش لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط. لم تخطُ أمريكا في سبيل الحرية إلا خطوات متواضعة، ومن ثم لم تستطع تحقيق أهدافها المرجوة مثلما فعلت في سياستها العامة.
أثبت العراق، الذي كان فرصة بوش لإثبات أنه بإمكان ترسيخ الديمقراطية في العالم العربي، مقاومة الجهود الأمريكية لتحسين الحكم، ناهيك عن إرساء مبادئ الديمقراطية. والأكثر من ذلك، أن إدارة بوش وجدت أنها لا تزال بحاجة إلى حلفائها المستبدين مثل مصر، وبطبيعة الحال، المملكة العربية السعودية.
أخذ أوباما العظة من تلك الإخفاقات، فاستخدم لغة تهديدات لينة وناعمة فيما يختص بالديمقراطية، وأكد بدلًا عن ذلك على مبدأ “المشاركة” مع الأنظمة الاستبدادية على أمل إذعان هذه الأنظمة لأمريكا، وبذلك يحقق أهدافه العالمية، مثل منع الانتشار النووي؛ لكن كل ما حدث أنه استعاد الوضع السابق لا أكثر. أوقد الربيع العربي شموع الحلم لفترة وجيزة بأن الجماهير العربية سترفع صوتها وتطالب بحقوقها، مما جعل الرئيس يعيد ادعاءات بوش، وهي أنه من مصلحة الولايات المتحدة تطبيق الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط؛ لكن انهيار الحركات الشعبية في كل مكان قاد تونس إلى وضع حد لهذا الخطاب.
أظهر قرار أوباما الأخير بتغيير خططه وزيارة السعودية بعد وفاة الملك عبد الله مباشرة أن واشنطن مستمرة في الاعتماد على المصادر التقليدية للاستقرار العربي. استعد السعوديون للانضمام إلى الغرب في الحملة ضد الدولة الإسلامية، تمامًا كما كانت إيران في عهد الشاه مستعدة للوقوف بحزم ضد الشيوعية.
هذه المقارنة تظهر مدى هشاشة الاستقرار الاستبدادي. وأظن أن الولايات المتحدة سوف تندم على دعمها للعائلة المالكة الأحادية التفكير في السعودية، كما حدث سابقًا مع الشاه، وربما أكثر من ذلك، لأن الحرب ضد شرعية الدول الإسلامية، أكثر أهمية من شرعية الرأسمالية قبل نصف قرن من الزمان. إن دوافع المتطرفين الإسلاميين تأتي من نفس المظالم التي تحرض غير المتطرفين على الاحتجاج والتظاهر ضد أنظمة وحشية، وفاسدة، ومشلولة. قلب الخيال الرجعي للخلافة الإسلامية، وحتى حكم الطائفية الذي احتضنته الملايين سواء كانوا سنيين أو شيعيين، الدولة التي تحكم باسم المبادئ الأكثر شمولًا. وفي هذا الصدد المركزي للغاية، كان بوش على صواب، حتى لو أخطأ بشأن قدرة الولايات المتحدة على معالجة هذه المشكلة.
من المفهوم أن تعبر إدارة أوباما مسافات طويلة لتهدئة المزاج السعودي المتكدر، جميع الإدارات الأمريكية السابقة لم تفعل نفس الشيء. لكن الفوائد الفورية التي يقدمها السعوديون على هيئة نفط وأمن وخطابات منمقة، تفوق التأثير السيء للعنف، والإيمان الوهابي المتعصب الذي يحكم به الملوك السعوديون، والقمع الوحشي الذي يدعي أن الإسلام معاد للديمقراطية وحقوق الإنسان، والتعبير عن الذات. لنكن واضحين: المملكة العربية السعودية هي أكثر منابع التطرف تحصنًا منه.
يظهر شكل الحكم الإسلامي في جزر الاستقرار أكثر جاذبية، وربما شرعية مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث تعد ممارسة الشعائر الدينية شأنًا خاصًا لا تتدخل فيه الحكومة، كما هو الحال في الغرب، على الرغم من انسجام الآداب العامة، في مسائل اللباس واستهلاك الكحول وما شابه ذلك، مع التعاليم الإسلامية السائدة.
ومن يسافر بانتظام إلى أبو ظبي سيرى ذلك واضحًا “حيث إنني أعمل أستاذًا في جامعة نيويورك أبوظبي”، ولعل مثل هذا النظام كان يطبق في دولة معتدلة ومزدهرة نسبيًا مثل سوريا، لكن ليس في أكبر الدول وأكثرها فقرًا وتدينًا مثل مصر، كما يشير إلى ذلك شادي حميد، في كتابه “إغراءات السلطة”، الذي يتحدث عن الإسلام السياسي؛ والذي يرى بأن المصريين شعب متدين لا يمكن أن يقبل حصر الدين في الحياة الخاصة. إنهم يريدون العيش في ظل الشريعة الإسلامية، على الرغم من أنهم يختلفون فيما بينهم حول ما يعنيه ذلك. هكذا يفعل مئات الملايين من الناس في العالمين العربي والإسلامي.
في آخر لقاء معه، قال حامد إن الحركة الإسلامية الوحيدة التي حاولت بجدية استيعاب الدولة القومية هي جماعة الإخوان المسلمين، والتي خرجت إلى حيز الوجود في عام 1920 بعد زوال الخلافة العثمانية.
يتساءل الصحفي والكاتب جيمس تروب، في صحيفة الفورين بوليسي: لماذا لا تفعل الولايات المتحدة سوى القليل جدًا لتغيير مسار الأحداث في الشرق الأوسط في الوقت الحالي؟
في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، كتب المحافظ الجديد والمجادل بعنف، نورمان بودهوريتز، رئيس تحرير مجلة Commentary، مقالًا طويلًا يناقش فيه القتال ضد التطرف الإسلامي الذي وصل إلى “الحرب العالمية الرابعة”. يميل بودهوريتز إلى تنبؤات مروعة، لكن العديد من كتاب اليمين واليسار فهم هجوم تنظيم القاعدة على الأراضي الأمريكية كجولة افتتاحية لحرب بين الغرب و”الفاشية الإسلامية”، كما سماها كريستوفر هيتشنز. هدأت نوبة غضبهم بعد ذلك كما فشل الإرهابيون في شن هجمات استعراضية واسعة (على الأقل في الولايات المتحدة)، وكما فشلت الحرب البشعة في العراق حتى خف حماس العديد من المقاتلين لخوض معركة الموت بين الإسلام الأصولي والغرب.
فجأة، لا يبدو وصف الحرب العالمية متسمًا بالغلو. إنشاء “الخلافة” التي أعلنت استقلالها في قلب العالم العربي، فضلًا عن قتل مجموعة من رسامي الكاريكاتير في قلب أوروبا، جعلت الإسلام الأصولي يبدو أكثر فاعلية وتأثيرًا، وأكثر قوة وتهديدًا مما كان عليه، عندما كان مجرد حركة يقودها حفنة من رجال الكهوف. حتى إن بعض الكتاب الواقعيين الذين كانوا يضحكون على دعوة بودهوريتز للتسلح ضدهم وقتالهم، ارتدوا على الفرضية التي تقول بأن الحرب الباردة شكلت الحرب العالمية الثالثة؛ أصبحوا الآن يخافون من تعرض الغرب للخطر.
جورج فريدمان، المحلل الكيسنغري الذي يدير شركة الاستخبارات العالمية ستراتفور، كتب مؤخرًا أن “الحرب بين عالمين”، الإسلام والمسيحية، قد بزغ فجرها . كما وصف الباحث في مركز وودرو ويلسون الدولي، آرون ديفيد ميلر، الصراع مع التطرف الإسلامي بأنه “صراع الأجيال” و”الحرب الطويلة”.
أنا لا أجد هذه اللغة مثيرة للسخرية. إنكار الإسلاميين الراديكاليين لأولوية الاختيار الفردي في الفضاء العام العلماني، جنبًا إلى جنب مع رغبة أعداد كبيرة من الناس لقتل الآخرين وأنفسهم من أجل تدمير هذا النحو من الوجود؛ يشكل تحديًا أساسيًا للغرب.
أي نوع من “حرب عالمية” التي نجد أنفسنا الآن فيها؟ كانت الحرب العالمية الوحيدة في القرن الـ19، بين فرنسا وبريطانيا في العقود التي تلت الثورة الفرنسية، صراعًا كلاسيكيًا على السيادة بين القوى العظمى. هل شكلت الحرب العالمية الأولى آخر هذه التشنجات الجيوسياسية، وليس الأيديولوجية. سعت الأيديولوجيات الشمولية، منذ ذلك الوقت، لبسط نفوذها ونشر أفكارها في جميع أنحاء العالم ليتسارع بذلك العراك العالمي. كان هذا العراك ضد الفاشية والشيوعية، ورغم انتشاره الجغرافي، كانت الحروب بين الليبرالية والتصور المناهض لليبرالية عن كيفية تنظيم المجتمع الغربي.
يقدم التطرف الإسلامي الوضع المعاكس تمامًا؛ إنه حرب داخل حضارة غير غربية متفوقة بل مستهلكة للغرب.
لا يظهر أن هذا هو الحال في بداية الأمر. قبل وقت طويل من تنظيم القاعدة، استهدف إرهابيون إسلاميون مشاة البحرية الأمريكية في لبنان، شركات الطيران الأوروبية والأمريكية، والمعابد والمؤسسات اليهودية. لكن هجمات 9/ 11، بالإضافة إلى خطاب أسامة بن لادن، أعطى بودهوريتز وغيره من الكتاب سببًا وجيهًا للاعتقاد بأن الإسلام الراديكالي قد أعلن الحرب على الغرب. وقد استمر هذا الخطاب، وتلك التكتيكات، حتى تم الهجوم على صحيفة تشارلي إيبدو الفرنسية، والمؤامرات التي كانت تحاك ضد الولايات المتحدة في اليمن، وفوضى إرهابيي لندن، ومدريد، وغيرها من المدن. تعهد الجهاديون بتدمير العواصم الغربية التي تشكل قلاع النظام العلماني، وبالنسبة لأولئك الإرهابيين الذين يعيشون في الغرب؛ تعد هذه المدن ومواطنوها أهدافًا جاهزة و فرصًا سهلة الاقتناص.
لكن حتى لو قلنا بأن الحرب بين التطرف الإسلامي والحداثة قد بدأت، فإن موضع هذا الصراع سينتقل من الغرب إلى العالم الإسلامي نفسه، هذا هو مغزى صعود وانتشار الدولة الإسلامية.
تمثل “الخلافة” في العراق وسوريا تهديدًا خطيرًا جدًا للغرب، لكنها أيضًا تشكل تحديًا وجوديًا للأنظمة الإسلامية في المنطقة. يرى تنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية، أن الدولة القومية اختراع أجنبي لا يمت إلى الإسلام بصلة، لكن خلافًا لتنظيم القاعدة، أنشأت الدولة الإسلامية حاليًا نموذجًا بديلًا يعكس التقاليد الإسلامية ما قبل الحداثة. انتشر شعار الدولة الإسلامية بسرعة مذهلة في ليبيا ونيجيريا وأفغانستان. حتى لو كانت هذه الجماعات الجديدة تمثل عددًا قليلًا من الإرهابيين مع راية سوداء، فإن الرغبة في رفع هذا العلم تظهر قوة هائلة لفكرة إقامة دولة إسلامية “نقية” داخل العالم الإسلامي الفاسد ظاهريًا.
وهكذا أعطت هجمات 11/ 9 انطباعًا مضللًا بأن صعود التطرف الإسلامي كان “عن” الغرب وحاجة الغرب لخوض حرب على الإرهاب من أجل إلحاق الهزيمة به، لكن التطرف الإسلامي هو في حقيقة الأمر يدور حول الإسلام وحول الأنظمة التي تحكم باسم الدين، من الصعب أن نتصور فقدان السرد المتطرف لجاذبيته ما لم تكتسب الأنظمة العربية شرعيتها الحقيقية في نظر مواطنيها. بدلًا من ذلك، فإن سلوك إقامة دولة بدائية كالدولة الإسلامية، قد يعرض الأيديولوجية الجهادية لاحتمالات مؤثرة لا يمكن أن ترضيها، بحيث تهدم الرؤية الراديكالية التناقضات الخاصة بها، كما فعلت الشيوعية في نهاية المطاف.
أمام الغرب الكثير ليفعله من أجل الدفاع عن نفسه من العواقب المفزعة لهذا الصراع داخل حضارة أخرى. سيأتي ذلك تحت مسميات عدة، منها: “الدفاع عن الوطن”، “عمل الشرطة”، “الاستخبارات”، “أمن الحدود”، وما شابه ذلك. وقد تعيد بعض الدول النظر في السياسات الوطنية المتعلقة بمعاملة المهاجرين المسلمين، والبعض سوف يتورط باستخدام القوة في الخارج. لن تسمح الولايات المتحدة وأوروبا للدولة الإسلامية بتعزيز سيطرتها على المزيد من أراضي الدول المجاورة؛ سيكون من اللامعقول أن لا يسعى متطرفو أمة الغرب المتعصبون لتدمير الأنظمة الإسلامية الأخرى وقتل كل هؤلاء الذين يرونهم كفارًا.
ومع ذلك، يتوجب على العراقيين والسوريين والقوى المحلية الأخرى القيام بالقتال الفعلي. قد يدافع الغرب عن نفسه في الحرب ضد داعش، لكنه لن يستطيع فعل الكثير لتغيير شروط ومفردات المعركة.
حين نواجه حربًا حضارية داخل حضارة شخص آخر، فإن أدوات الحرب الباردة التي استخدمناها لن تكون مجدية. منذ السنوات الأولى من الكفاح الطويل ضد السوفييت، انهمكت الولايات المتحدة في حملة دبلوماسية عامة واسعة، سرية وعلنية، بهدف إظهار تفوق الرأسمالية الديمقراطية على الشيوعية.
سعى الرئيس الأمريكي جورج بوش لإحياء هذا الجهد مباشرة بعد هجمات 11/ 9، بتعيين سيدة الأعمال شارلوت بيرز، إحدى الشخصيات القيادية الرائدة في جادة ماديسون، مركز الإعلانات التجارية والدعاية في نيويورك؛ لتطوير رسائل جديدة للعالم الإسلامي. كانت إعلانات تليفزيون بيرز التي تروج لاحترام أمريكا للمسلمين موضع سخرية في العالم العربي، والتي تم التراجع عنها في وقت قريب.
اعترفت بيرز في وقت لاحق قائلة: يجب على أمريكا أن لا تتوقع كسب القلوب والعقول. من جاء بعدها لم يكونوا الأفضل. يواجه مكتب الدبلوماسية العامة للرئيس باراك أوباما عملًا صعبًا تجاه دولة معادية للإسلام تنشر الدعم والموالاة في تويتر بصورة واسعة. إنها محاولة فاشلة ولا طائل من ورائها، ليس لأن الولايات المتحدة ليست جيدة في الدبلوماسية العامة، لكن لأن عددًا قليلًا جدًا من الجمهور المستهدف سيستمعون إليها.
دائمًا ما يتم انتقاد الدبلوماسية العامة بنقد مشترك واحد وهو أن المهم هو الأفعال، وليس الكلمات؛ فالكلام المعسول عن التسامح الأمريكي لا يعني شيئًا عندما تقوم الولايات المتحدة بتعذيب المعتقلين المسلمين واحتجازهم في غوانتانامو. عندما تولى أوباما الرئاسة، أعلن في أول يوم له في منصبه أن الولايات المتحدة سوف تتخلى عن التعذيب، وألقى خطابًا مهمًا في القاهرة واعدًا بـ”بداية جديدة” في العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي على أساس “المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل”، على سبيل التجربة في التأثير على الرأي العام العربي، على ما يبدو كان أكثر فعالية بقليل من الإعلان بالكلام المعسول، وسيكون من الجيد إجراء تجربة إضافية بإغلاق معتقل غوانتانامو الذي يهيج المسلمين، رغم أنني لا أصدق أن الأمر يهمهم.
تشكل صياغة حل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين الاختبار الأعلى، أحد خلفاء بيرز، وهو كارين هيوز؛ اعترف لي بأنها قالت لبوش إنه من غير المرجح الحصول على دعم الرأي العام العربي في أي مكان، حتى تجبر واشنطن إسرائيل على دفع عملية السلام إلى الأمام، لكنه ربما لن يفعل الكثير لتجفيف المستنقع الجهادي.
بطبيعة الحال، كانت الاستراتيجية الأمريكية الأساسية أثناء الحرب الباردة، تدور حول تقديم الدعم العسكري، والاقتصادي، والدبلوماسي لحلفائها المهددين من قبل الشيوعية. وعلى الرغم من الموضوع المكرر من الرئيس هاري ترومان فصاعدًا، بخصوص مساعدة الولايات المتحدة للديمقراطيات المعرضة للخطر، إلا أنها عمليًا لم تساعد إلا الدول الاستبدادية: إيران، ومصر، وباكستان، وتشيلي، والمغرب، وغيرها.
مع انحسار الحرب الباردة، وفي عهد جيمي كارتر ورونالد ريغان، كانت الولايات المتحدة على استعداد لتحمل مخاطر انتقاد مثل هؤلاء الحلفاء المستبدين كما هو الحال في التشيلي والفلبين. في أعقاب 11/ 9، خلص بوش إلى أن دعم الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط أصبح استراتيجية تهزم ذاتها. وكانت الولايات المتحدة تعلم، كما قال في خطابه الافتتاحي في عام 2005، أنها ستظل عرضة للإرهاب طالما بقيت مناطق بأكملها من العالم في حالة هياج واستياء من الطغيان. كان هذا المبدأ الأساسي في سياسة بوش لتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط. لم تخطُ أمريكا في سبيل الحرية إلا خطوات متواضعة، ومن ثم لم تستطع تحقيق أهدافها المرجوة مثلما فعلت في سياستها العامة.
أثبت العراق، الذي كان فرصة بوش لإثبات أنه بإمكان ترسيخ الديمقراطية في العالم العربي، مقاومة الجهود الأمريكية لتحسين الحكم، ناهيك عن إرساء مبادئ الديمقراطية. والأكثر من ذلك، أن إدارة بوش وجدت أنها لا تزال بحاجة إلى حلفائها المستبدين مثل مصر، وبطبيعة الحال، المملكة العربية السعودية.
أخذ أوباما العظة من تلك الإخفاقات، فاستخدم لغة تهديدات لينة وناعمة فيما يختص بالديمقراطية، وأكد بدلًا عن ذلك على مبدأ “المشاركة” مع الأنظمة الاستبدادية على أمل إذعان هذه الأنظمة لأمريكا، وبذلك يحقق أهدافه العالمية، مثل منع الانتشار النووي؛ لكن كل ما حدث أنه استعاد الوضع السابق لا أكثر. أوقد الربيع العربي شموع الحلم لفترة وجيزة بأن الجماهير العربية سترفع صوتها وتطالب بحقوقها، مما جعل الرئيس يعيد ادعاءات بوش، وهي أنه من مصلحة الولايات المتحدة تطبيق الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط؛ لكن انهيار الحركات الشعبية في كل مكان قاد تونس إلى وضع حد لهذا الخطاب.
أظهر قرار أوباما الأخير بتغيير خططه وزيارة السعودية بعد وفاة الملك عبد الله مباشرة أن واشنطن مستمرة في الاعتماد على المصادر التقليدية للاستقرار العربي. استعد السعوديون للانضمام إلى الغرب في الحملة ضد الدولة الإسلامية، تمامًا كما كانت إيران في عهد الشاه مستعدة للوقوف بحزم ضد الشيوعية.
هذه المقارنة تظهر مدى هشاشة الاستقرار الاستبدادي. وأظن أن الولايات المتحدة سوف تندم على دعمها للعائلة المالكة الأحادية التفكير في السعودية، كما حدث سابقًا مع الشاه، وربما أكثر من ذلك، لأن الحرب ضد شرعية الدول الإسلامية، أكثر أهمية من شرعية الرأسمالية قبل نصف قرن من الزمان. إن دوافع المتطرفين الإسلاميين تأتي من نفس المظالم التي تحرض غير المتطرفين على الاحتجاج والتظاهر ضد أنظمة وحشية، وفاسدة، ومشلولة. قلب الخيال الرجعي للخلافة الإسلامية، وحتى حكم الطائفية الذي احتضنته الملايين سواء كانوا سنيين أو شيعيين، الدولة التي تحكم باسم المبادئ الأكثر شمولًا. وفي هذا الصدد المركزي للغاية، كان بوش على صواب، حتى لو أخطأ بشأن قدرة الولايات المتحدة على معالجة هذه المشكلة.
من المفهوم أن تعبر إدارة أوباما مسافات طويلة لتهدئة المزاج السعودي المتكدر، جميع الإدارات الأمريكية السابقة لم تفعل نفس الشيء. لكن الفوائد الفورية التي يقدمها السعوديون على هيئة نفط وأمن وخطابات منمقة، تفوق التأثير السيء للعنف، والإيمان الوهابي المتعصب الذي يحكم به الملوك السعوديون، والقمع الوحشي الذي يدعي أن الإسلام معاد للديمقراطية وحقوق الإنسان، والتعبير عن الذات. لنكن واضحين: المملكة العربية السعودية هي أكثر منابع التطرف تحصنًا منه.
يظهر شكل الحكم الإسلامي في جزر الاستقرار أكثر جاذبية، وربما شرعية مثل الإمارات العربية المتحدة، حيث تعد ممارسة الشعائر الدينية شأنًا خاصًا لا تتدخل فيه الحكومة، كما هو الحال في الغرب، على الرغم من انسجام الآداب العامة، في مسائل اللباس واستهلاك الكحول وما شابه ذلك، مع التعاليم الإسلامية السائدة.
ومن يسافر بانتظام إلى أبو ظبي سيرى ذلك واضحًا “حيث إنني أعمل أستاذًا في جامعة نيويورك أبوظبي”، ولعل مثل هذا النظام كان يطبق في دولة معتدلة ومزدهرة نسبيًا مثل سوريا، لكن ليس في أكبر الدول وأكثرها فقرًا وتدينًا مثل مصر، كما يشير إلى ذلك شادي حميد، في كتابه “إغراءات السلطة”، الذي يتحدث عن الإسلام السياسي؛ والذي يرى بأن المصريين شعب متدين لا يمكن أن يقبل حصر الدين في الحياة الخاصة. إنهم يريدون العيش في ظل الشريعة الإسلامية، على الرغم من أنهم يختلفون فيما بينهم حول ما يعنيه ذلك. هكذا يفعل مئات الملايين من الناس في العالمين العربي والإسلامي.
في آخر لقاء معه، قال حامد إن الحركة الإسلامية الوحيدة التي حاولت بجدية استيعاب الدولة القومية هي جماعة الإخوان المسلمين، والتي خرجت إلى حيز الوجود في عام 1920 بعد زوال الخلافة العثمانية.
ويوضح حميد في كتابه قائلًا: لم تكن جماعة الإخوان منظمة ليبرالية، لكنها تتفاهم إلى حد كبير مع مصطلحات الديمقراطية، وتقبل بنتائج الديمقراطية غير الإسلامية، كما يفعل الإسلاميون في دول مثل المغرب وتونس، التي تسمح باستهلاك الكحول وما شابه ذلك. منح انتخاب حكومة الإخوان في مصر في عام 2012 للعالم العربي أكبر فرصة لإثبات أن الإسلام والديمقراطية متوافقان.
لكن بسبب عدم كفاءة وضيق أفق حكومة الرئيس محمد مرسي، بالإضافة إلى التواطؤ النشط بين الجيش والقضاء، أطيح بحكومة مرسي بعد انتخابه بعام واحد ليترك هذا الحدث جرحًا عميقًا في جسد الربيع العربي، ولتعود مصر مرة أخرى، كما كانت لفترة طويلة، إلى الاستبداد والأوتوقراطية العلمانية التي يهيمن عليها الجيش. تعجبت من الشعب المصري كيف صافح القمع الوحشي والركود الاقتصادي مؤيدًا ومباركًا لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وسواء استمر هذا النظام أم لم يستمر، فقد أثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة بأن الإسلاميين لا مكان لهم في النظام السياسي العربي.
يتم التعامل مع تدمير جماعة الإخوان المسلمين الآن باعتباره نجاحًا هائلًا في مصر وعبر الخليج العربي (ما عدا في قطر، معقل الإخوان). يبدو الأمر في مصلحة الولايات المتحدة لتشجيع حلفائها العرب لتجد مكانًا لمثل هذه الجماعات ولتشجيع الديمقراطية أيضًا، لكن هذا لن يحدث. سألت مؤخرًا مسؤولًا كبيرًا في الإدارة عما إذا كانت واشنطن تستطيع دفع الأنظمة لإلغاء حظر جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية في معظم أنحاء الشرق الأوسط؛ فقال بشكل قاطع: “لا”.
لن تنفصل الولايات المتحدة قريبًا عن السعودية، حتى إن إدارة أوباما غضت الطرف عن معاقبة البحرين، الحليف الثانوي الذي يسحق باستمرار أي محاولة للمعارضة السياسية، البحرين هي فعليًا مجرد قمر صناعي للسعودية التي تسرع بإرسال قواتها لخنق أي معارضة سياسية.
تستطيع الولايات المتحدة والجهات الخارجية الفاعلة فعل القليل جدًا لتغيير السردية الإسلامية وتحسين شرعية الدول العربية، فيما إذا تخلت عن استخدام القوة. أظهر الإعدام العلني للرهائن الأمريكيين، الجمهور الأمريكي، منهكًا وغير مبال إلى حد كبير لإقبال أوباما على الحرب الجوية في العراق وسوريا، وأي هجوم بسيط على الأراضي الأمريكية يشبه نباح الكلاب التي تعوي طلبًا للانتقام.
وقد حاول أوباما تسوية الأعمال العدائية، لم يوافق على قصف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلا بعد استبدال المالكي بالعبادي، وبعد أن قدمت العراق محاولة جادة لإقامة سلطة سياسية شرعية. ولا يمكنني فهم سياسته تجاه سوريا، حيث قبل سنتين إلى ثلاث سنوات وافته الفرصة لدعم القوميين، وكان الإسلاميون والمتمردون في مواجهة مع النظام القاتل بشار الأسد.
الآن، يتمنى أوباما تدريب هؤلاء المتمردين للقتال ضد الدولة الإسلامية وليس ضد الأسد. وفي الوقت نفسه، يأمل في احتواء وتقهقر الدولة الإسلامية في سوريا من خلال حملة قصف منفصلة حتى يستعد المتمردون للقتال، أو هكذا قيل لنا. وربما يسعى في سياسته الحقيقية لصنع السلام مع الأسد على أمل تجنيده ضد المتطرفين. لكن الأسد مخادع: قد يتعايش مع الدولة الإسلامية طالما بقيت ضمن حدودها الحالية في شمال شرق سوريا.
لذا، نعم، قد تستمر الحرب لفترة طويلة، لكن ليس بين “نحن” و”هم”؛ بل بين المسلمين وداخل العالم الإسلامي. قد يثبت الرئيس الأمريكي القادم بأنه أكثر ميلًا للقتال من باراك أوباما. لقد تعبت الأمة من مناشدات الصبر أثناء هجمات تنظيم القاعدة، أو من الدولة الإسلامية التوسعية. قد تتبع منهج الاحتواء أو التهدئة. لكن في هذه الحرب الباردة، سيتعلم الأمريكيون كيفية احتواء عدو لن يدمرهم، والتي ستكون بمثابة اختبار للوطن الأمريكي الكبير.
لكن بسبب عدم كفاءة وضيق أفق حكومة الرئيس محمد مرسي، بالإضافة إلى التواطؤ النشط بين الجيش والقضاء، أطيح بحكومة مرسي بعد انتخابه بعام واحد ليترك هذا الحدث جرحًا عميقًا في جسد الربيع العربي، ولتعود مصر مرة أخرى، كما كانت لفترة طويلة، إلى الاستبداد والأوتوقراطية العلمانية التي يهيمن عليها الجيش. تعجبت من الشعب المصري كيف صافح القمع الوحشي والركود الاقتصادي مؤيدًا ومباركًا لنظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، وسواء استمر هذا النظام أم لم يستمر، فقد أثبتت الأحداث في السنوات الأخيرة بأن الإسلاميين لا مكان لهم في النظام السياسي العربي.
يتم التعامل مع تدمير جماعة الإخوان المسلمين الآن باعتباره نجاحًا هائلًا في مصر وعبر الخليج العربي (ما عدا في قطر، معقل الإخوان). يبدو الأمر في مصلحة الولايات المتحدة لتشجيع حلفائها العرب لتجد مكانًا لمثل هذه الجماعات ولتشجيع الديمقراطية أيضًا، لكن هذا لن يحدث. سألت مؤخرًا مسؤولًا كبيرًا في الإدارة عما إذا كانت واشنطن تستطيع دفع الأنظمة لإلغاء حظر جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية في معظم أنحاء الشرق الأوسط؛ فقال بشكل قاطع: “لا”.
لن تنفصل الولايات المتحدة قريبًا عن السعودية، حتى إن إدارة أوباما غضت الطرف عن معاقبة البحرين، الحليف الثانوي الذي يسحق باستمرار أي محاولة للمعارضة السياسية، البحرين هي فعليًا مجرد قمر صناعي للسعودية التي تسرع بإرسال قواتها لخنق أي معارضة سياسية.
تستطيع الولايات المتحدة والجهات الخارجية الفاعلة فعل القليل جدًا لتغيير السردية الإسلامية وتحسين شرعية الدول العربية، فيما إذا تخلت عن استخدام القوة. أظهر الإعدام العلني للرهائن الأمريكيين، الجمهور الأمريكي، منهكًا وغير مبال إلى حد كبير لإقبال أوباما على الحرب الجوية في العراق وسوريا، وأي هجوم بسيط على الأراضي الأمريكية يشبه نباح الكلاب التي تعوي طلبًا للانتقام.
وقد حاول أوباما تسوية الأعمال العدائية، لم يوافق على قصف الدولة الإسلامية في العراق وسوريا إلا بعد استبدال المالكي بالعبادي، وبعد أن قدمت العراق محاولة جادة لإقامة سلطة سياسية شرعية. ولا يمكنني فهم سياسته تجاه سوريا، حيث قبل سنتين إلى ثلاث سنوات وافته الفرصة لدعم القوميين، وكان الإسلاميون والمتمردون في مواجهة مع النظام القاتل بشار الأسد.
الآن، يتمنى أوباما تدريب هؤلاء المتمردين للقتال ضد الدولة الإسلامية وليس ضد الأسد. وفي الوقت نفسه، يأمل في احتواء وتقهقر الدولة الإسلامية في سوريا من خلال حملة قصف منفصلة حتى يستعد المتمردون للقتال، أو هكذا قيل لنا. وربما يسعى في سياسته الحقيقية لصنع السلام مع الأسد على أمل تجنيده ضد المتطرفين. لكن الأسد مخادع: قد يتعايش مع الدولة الإسلامية طالما بقيت ضمن حدودها الحالية في شمال شرق سوريا.
لذا، نعم، قد تستمر الحرب لفترة طويلة، لكن ليس بين “نحن” و”هم”؛ بل بين المسلمين وداخل العالم الإسلامي. قد يثبت الرئيس الأمريكي القادم بأنه أكثر ميلًا للقتال من باراك أوباما. لقد تعبت الأمة من مناشدات الصبر أثناء هجمات تنظيم القاعدة، أو من الدولة الإسلامية التوسعية. قد تتبع منهج الاحتواء أو التهدئة. لكن في هذه الحرب الباردة، سيتعلم الأمريكيون كيفية احتواء عدو لن يدمرهم، والتي ستكون بمثابة اختبار للوطن الأمريكي الكبير.