منقول من موقع عربي 21
كشف الصحفي المصري إبراهيم عيسى عن أنه جمعته جلسات بوزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي بلغت مدتها قرابة ستين ساعة منذ ثورة 25 يناير حتى حادثة محمد محمود في 19 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 المنادية بإسقاط المجلس العسكري، مقرا في الوقت نفسه بأن هذه اللقاءات استمرت حتى ما قبل إسقاط مرسي، وما بعد 30 حزيران يونيو 2013.
وتأتي أهمية هذا الكشف من أنه يفضح دور بعض الصحفيين والإعلاميين (ذوي التوجه اليساري والناصري المناهضين لجماعة الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموما)، في التماهي مع الانقلاب، والتنسيق مع السيسي، سواء قبل أو في أثناء أو في مرحلة ما بعد الانقلاب، ومنذ أن كان السيسي مديرا لإدارة المخابرات الحربية والاستطلاع وحتى ترقيته إلى رتبة فريق أول وتعيينه من قبل الرئيس المنتخب محمد مرسي وزيرا للدفاع بدلا من المشير محمد حسين طنطاوي في 12 آب/ أغسطس 2012.
كما تأتي أهمية اللقاءات من كونها تذاع لأول مرة، بلسان عيسى نفسه، الذي قال: "لم أذع إطلاقا حتى اليوم: لا خبر هذه اللقاءات ولا تفاصيل ما فيها، ولا ما كنت أعرف يومها من الرجل من أسرار وحقائق ما كان ينبغي أن تكون محلا للبوح".
"قبل أن يصبح السيسي السيد الرئيس"
جاءت اعترافات عيسى في مقاله بعنوان: "قبل أسابيع من أن يصبح السيسي السيد الرئيس"، المنشور اليوم الخميس 23 كانون الثاني/ يناير 2014، بجريدة "التحرير" التي يرأس تحريرها.
وكما يبدو من عنوان المقال، فعيسى هو أحد أهم الداعمين لحملة ترشيح السيسي للرئاسة، وأحد رؤوس الحربة في الحرب الإعلامية على مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وقد استغل موقعه طوال عام كامل كرئيس تحرير للجريدة، ومقدم لبرنامج تلفزيوني يومي، في تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين والرئيس مرسي، وتأليب الرأي العام عليهما، والتمهيد للانقلاب.
"كنا نتكلم ثلاثتنا فقط"
أوضح عيسى في مقاله أنه كان يجتمع مع الفريق السيسي يوم الاثنين من كل أسبوع، وأن اللواء محمد العصار صاحب الدعوة وشريك في المناقشات "وكنا نتكلم ثلاثتنا بلا حد، ولا سقف في شئون الوطن" حسب قول عيسى.
وفضح "رئيس تحرير التحرير" حقيقة أن السيسي كان يدبر لانقلابه قبل مجيء مرسي، ومنذ أن كان مديرا للمخابرات الحربية، فقال: "الفريق السيسي كان يقول لي، ويؤكد لي، أن الشعب سوف يستدعي الجيش مرة أخرى.. كان هذا قبل مجيء مرسي أصلا، كانت الرؤية دقيقة".
وكشف عيسى عن ضيقه الشخصي بالديمقراطية والحرية واحتقاره لإرادة الشعب، وهي الشعارات التي طالما تغنى بها، فقال: "إن مصر لن تحتمل رئيسا يأتيها بواحد وخمسين في المئة".. لكن "السيسي يملك حيثية لدى الشعب تجعل هذا الشعب متشبثا به بفطرة وبفطنة وبرغبة في خلاص يدفع به دفعا واندفاعا إلى مقعد الرئاسة".. لأن الشعب يعرف ما لا يعرفه كهنة الساحة السياسية"!.
"الدعاية للسيسي وتبرير الانقلاب"
وعلى طريقة عراب الانقلاب محمد حسنين هيكل في التلاعب بالألفاظ واستخدام التعبيرات، زعم عيسى أن "مصر تحتاج من لا يملك أغلبية فقط، بل يملك إجماعا.. الإجماع الوطني على دوره، والأغلبية السياسية على جدارته".. دون أن يحدد مدلولاته لمفهومي الأغلبية، والإجماع، والفارق بينهما.
وحاول عيسى في مقاله أن يلتمس المبررات للانقلاب فتارة يقول: "إن مصر تحتاج إلى قبضة تِلكِم.. مصر تحتاج إلى رجل دولة كي ينهي دولة الرجل"!.
ومارس عيسى هوايته في تزيين السيسي للشعب، والدعاية له.. وبعد عشرات الجمل في المقال من عينة: "مصر تحتاج رئيسا قويا لا مستقويا.. أمينا مستأمنا.. يوقن أنه قادر لكن ليس مقتدرا.. أنه قائد لكن ليس فرعونا.. أنه رئيس، ولكنه ليس سيدا.. تريد مصر رئيسا موزونا متوازنا ثم له وزن"، يصل عيسى إلى السؤال: "هل هذا هو السيسي؟". ويجيب: "بالتأكيد هو ليس أحدا آخر من المطروحين أمامنا منذ خمسة وعشرين يناير".
كيف أعد السيسي للانقلاب؟
بعد أن تحقق تحريض عيسى طوال عام كامل على اعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وإقصاء أكبر فصيل سيسي له جذور في مصر، وبعد أن أمن وجود معارضة مستأنسة للسيسي يقول - في مقاله الجديد- إنه "يتمنى صادقا" أن يكون هناك مرشح قوي أمام السيسي بل أكثر من مرشح، "ولأننا لا نريد تفويضا لأحد بل انتخابا لواحد.. ولأننا نريد لمصر أن يتاح لها الاختيار" حسب قوله.
ويكشف عيسى عن مدى تأثيره في السيسي بقوله: "أشهد أنني لم أتعرض منه لأي أذى أو ضغط أو نقد لما قلته، وكتبته، وأذعته يومها، ولا ضاق الرجل بما قلت وواجهته في جلساتنا، ولا مل من الاستماع إلى تحليلي".. هكذا يؤكد عيسى أنه كانت له مكانة لدى السيسي، ولأفكاره، كما لم يكن لأحد من الإعلاميين والكتاب، طبعا باستثناء عراب الانقلاب محمد حسنين هيكل.
ويكشف عيسى عن مدى بغضه للإخوان، وكيف أنه كان يحرض المجلس العسكري عليهم، فيقول: "جاء انقطاع اللقاءات (بينه وبين السيسي) نتيجة موقف اتخذته حادا وواضحا من أداء المجلس العسكري مع أزمة محمد محمود فضلا عما قلته بعدها للواء العصار من أن المجلس بحسن نية أو بعمد مقصود، يسلم البلد للإخوان، وإن كنت أعفي دائما وقتها، والآن الفريق السيسي من قيادة هذا القرار".
كما يكشف عيسى عن أن السيسي، ومنذ وقت مبكر، كان يمتلك توجهات سلبية تجاه الإخوان فيقول: "بل كنت أعرف، وبشكل شديد الدقة، ومشحون التفاصيل، أن السيسي يتحفظ تماما على الإخوان، ودورهم، ولعبتهم، ولكن القرار وقتها كان قرار من يقرر لا من يفكر".
وكشف عيسى، دون أن يدري، كيف أن السيسي كان يبحث عن تلميع نفسه، وأنه كانت له أطماع مبكرة في الحكم فقال: "سمعته (أي السيسي) يحلل صادقا ودقيقا جدا موقف الجيش بعد شهور من الثورة، يقول إن شعبية الجيش تتآكل.. حينما تولى المهمة (أي ترقيته إلى منصب وزير الدفاع) كان همه أن يستعيد شعبية الجيش، وقد فعلها كمعجزة، وقد فعلها بامتياز هو عندي أقصى نجاحا وأشق تعبا مما فعله الفريق محمد فوزي حين استعاد قوة وهيبة وشعبية الجيش بعد نكسة يونيو 67"!.
وتابع عيسى في مقاله: "حين كانت تصلني دعواته (أي السيسي) في فترة حكم مرسي لحضور مناسبات الجيش العامة التي كان يدعو لها مفكرين وسياسيين وإعلاميين وفنانين، لم أستجب لأي دعوة منها، لكنني كنت أعرف أن وراءها هذا الهدف النبيل من استعادة مكانة الجيش في قلوب المصريين".
وتابع: "حين كانت صوره تصلني، وهو يجري مع جنود وضباط الجيش ، مرتديا أفرول القتال، كنت أعرف أنه يعيد تركيب الصورة، وتجديدها، ويبني المهدم، ويرمم المتكسر، ويشكل الذهنية العسكرية، والشعبية بالقائد الشاب لا المسن، وبالقائد المشتبك مع الواقع لا المنفصل، وبالقائد المتفاعل مع جنوده لا المنعزل في مكتبه".
وواصل عيسى الحديث: "كان (السيسي) يقول لي، ويؤكد لي، أن الشعب سوف يستدعي الجيش مرة أخرى.. كان تهذا قبل مجيء مرسي أصلا، كانت الرؤية دقيقة. وفي ثلاثين يونيو وما بعدها، كان الرجل يعرف طريق خطواته إلى قلوب الناس"!.
إبراهيم عيسى .. ومحمد العصار
كان إبراهيم عيسى أكد مرارا مؤخرا أنه سيصدر قرار جمهوري خلال أيام بالدعوة للانتخابات الرئاسة أولا. وقال: "أستطيع أن أقطع بمنتهى التأكيد الواضح، وبمنتهى الوضوح المؤكد أن السيسي سيترشح لمنصب رئيس الجمهورية، فور الإعلان عن فتح باب الترشح للرئاسة".
أما اللواء محمد العصار، فهو عضو المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقد عينه الرئيس محمد مرسي مساعدا لوزير الدفاع (السيسي) لشئون التسليح في قرارته 12 آب/ أغسطس المشار إليها.
وقد وصفته جريدة "الوطن"، المقربة من العسكر، بأنه :"الرجل الغامض الذى نجا من مقصلة قرارات رئيس الجمهورية بالإطاحة برموز المجلس العسكرى ليستمر فى منصبه مساعدا لوزير الدفاع الجديد. وكان شغل منصب مساعد وزير الدفاع لشئون التسليح، وأوكله المجلس العسكرى كثيراً فى الظهور إعلامياً للرد على الانتقادات التى كانت توجه لـ"العسكرى" خلال فترة إدارته للبلاد، خاصة عقب أحداث ماسبيرو ومجلس الوزراء، وعقب أى قرار حيوى يقوم به المجلس".
كما وصفته "الوطن" بأنه "من الشخصيات المفضلة لدى جنرالات أمريكا، ويحترمون فيه طريقته فى التشاور خاصة إذا ما تعلق بالتسليح، وأنه كان أحد الأركان الرئيسية فى رحلات المشير طنطاوى والفريق عنان خلال لقاءاتهم بالمسئولين الأمريكيين، كما يجيد الإنجليزية بطلاقة، وكونه ملما بتفاصيل صفقات التسليح التى جرت فى عهد مبارك، ومباحثات المعونة العسكرية الأمريكية".