24 ديسمبر 2016

(شمس في المقهى) لنازك ضمرة.. كثافة اللغة

غلاف مجموعة "شمس في المقهي"

بقلم حسب الله يحيى*
تتيح القراءة الثانية لأي عمل إبداعي أو ثقافي، فرصة جديدة للناقد والقارئ لمراجعة ما توصل إليه في قراءته الأولى. وهذا لا يعني أن القراءة الأولى هامشية عابرة، والثانية معمقة دالة.. بل هي الدقة والإمعان والوصول الى مستويات جديدة للقراءة، وقد تقترن بظروف نفسية يمر بها المتلقي وبالتالي تنعكس على قراءته.
وتشكل القراءة الثانية تلويناً وحيوية وتفهماً أعمق لا تحققه القراءة الأولى، وقد أتاحت لي هذه القراءة الخروج بنتائج إيجابية إزاء أعمال فذة مثل «العالم الطريف» لهكسلي، و»لعبة الكريات الزجاجية» لهيرمان هيسه، و»العقب الحديدية» لجاك لندن، في حين كانت القراءة الأولى لهذه الأعمال سلبية، حتى إذا جاءت القراءة اللاحقة بعد زمن وبدافع ملحّ للفهم، كانت القناعات قد أخذت قناعات جديدية. 
من هنا وجدت ضرورة حفزني إليها القاص نازك ضمرة لإعادة قراءة مجموعتيه «لوحة وجدار» و»شمس في المقهى». وكنت قرأتهما وتناولتهما بالنقد تباعاً.. ومثل هذا الحافز يثير الفضول، والدعوة إلى تمثل التجربة القصصية لكاتب بريد أن يفهمه ناقده ويستوعب ما أراد، مع علم الناقد أنه غير ملزم -ولا يلزمه المؤلف كذلك برأيه- بإظهار تطابق مع ما يطرحه المبدع، فقد تكون المسائل التي يتناولها كل واحد من جهته واضحة بينة، إلا أنها أثناء الكتابة التنفيذية تبدو مختلفة.. وقد لا تلتقي فيها القناعات، بل قد تتناقض لتصل حد التضاد، ومع ذلك تبقى جسور الحوار الثقافي قائمة، والعلاقات الإنسانية وثقى..
لذلك وجدت في القراءة الثانية لقصص نازك ضمرة في مجموعتيه «لوحة وجدار» و»شمس في المقهى» متعة وتصوراً مضافاً لم يظهرا لي في القراءة الأولى، إلا أنهما في الوقت نفسه لم يتقاطعا مع تلك القراءة.
ففي كلا المجموعتين، هناك رؤية مشتركة بل رؤى عدة تشكل بمجموعها حضور القاص وطبيعة إنجازه لفنه القصصي. فهناك الواقع المتخيل.. فهو وإن وُجد في كل فن، إلا أن كل فنان لديه ما يميزه عن سواه، ليصبح دالاً، وليحمل خصائص محددة. وهذا الواقع المتخيل هو الواقع الفني وليس الواقع المادي الذي يعيشه القاص وسواه من الناس.. إنه منظور القاص إلى الأشياء وكيفية تفهم هذه الأشياء وانعكاساتها في نفسه.
نازك ضمرة لا يكرر نفسه، وإنما يؤكد أسلوب كتابته.. فهو يعتمد الجمل القصيرة الموحية والمتدفقة.. ويتنبه إلى الأشياء مهما صغرت ويسعى لتقديم منظور جديد لها، والتعامل معها ضمن هذا المنظور. ومثل هذه النظرة، لا يتقنها إلا خبير مجرب لطقوس الحياة وتلوينها. كما لا ينشئ منها عالماً للفحص والتدقيق إلا من يملك خزيناً هائلاً من التجارب، حيث لا تمر الأشياء أمامه بشكل عابر.
هذه خاصية تميز قصص نازك ضمرة، وقد لا نجدها لدى عدد كبير من الكتّاب الذين لا تتحرك حواسهم إلا إزاء حدث كبير ينوء ثقله عليهم، أو تعمر به قلوبهم، لتصبح الكتابة عندئذ كتابة انفعالية.
نازك ضمرة على العكس من ذلك، ينظر إلى الأشياء بهدوء تام، ولكن بتعلق عميق وبدراية وحساسية خاصة ليجعل منها حيوات أخرى مشحونة بالحركة. فقصة «الديك» التي ظهرت في المجموعة الأولى تعود في المجموعة الثانية بعنوان «ابن الديك»، وعلى الرغم من التباين القائم بين كلتا القصتين، إلا أنهما يشكلان موقع حدقة العين وترصدها ومراقبتها وإدراكها بالكائن الذي يقف أمامها. والشيء نفسه ينطبق على عدد آخر من القصص.
الاديب نازك ضمرة
كذلك تتميز قصص نازك ضمرة بالإيجاز المقصود وكثافة اللغة.. ومثل هذا الفن الذي يطلق عليه «القصة القصيرة جداً» أو «القصة الدقيقة» نادر في القصص العالمي وإن كان موجوداً.. وأقرب نموذج أجنبي وصل إلينا «100 قصة وقصة عن الأميركية» لجيمس يونج. والتي ترجمها إلى العربية محمد السيد شوشة (الهيئة المصرية للكتاب، 1984)، وهذا لا يعني بالضرورة أن نازك ضمرة كان قد قام بتقليد هذه القصص، وربما لا يكون قد قرأها أصلاً، وإنما أريد بذلك القول إن هذا النموذج في الكتابة قائم ومثير للانتباه وللجدل كذلك باعتباره فناً يتقدمإالى القارئ بتجارب وأحاسيس -صغيرة وكبيرة- ولكن بإيجاز اقتصادي في السرد القصصي. وقد يكون عصرنا الذي يتسم بالسرعة مجنداً لهذا النمط من الفن القصصي.
إضافة إلى ذلك، نجد القاص وفي كلتا مجموعتيه يعنى بالكائنات –إنساناً وحيواناً- وأحياناً يونسن الأشياء أو يستنطقها، وصولاً إلى حدب كلي وهيمنة على المادة القصصية التي يريد التعبير عنها، كما في قصة «اغتيال الأطفال» التي يظهر فيها التداخل والتفاعل، لتجتمع فيها حيوات عدة، تبدأ من مراقبة دقيقة لنقطة ماء متساقطة.
ودافع المراقبة والترقب هذا هو الذي يشكل عالم نازك ضمرة القصصي، وهو العالم نفسه الذي قد لا يجد استقبالاً متحمساً لدى النقاد أحياناً، ومن القراء في أحيان أخرى، باعتباره يجري تحت مسقط النظر بشكل يومي وأقرب إلى الآلية، فلا يلفت نظرهم، في حين يلفت نظر الفنان المبدع الذي لا يدع الأشياء تمر دون أن يتوقف عندها ويتأملها ويراجعها.
هذا ما نجده في نازك ضمرة، إذ ينقل إلينا الكثير من الإحباطات والقرف من أشياء كثيرة تحيط به، ولا يجد حرجاً في استخدام عبارات وحتى عناوين لعدد من قصص تحمل مثل هذا القرف وعن قصد واضح.. كما في قصصه «مخاط» و»الحذاء» و «الجلة» وسواها.. ويسود الإحباط حد العجز كما في قصتي «شجرة الصنوبر» و»موناليزا»، الأمر الذي ينبه فيه القاص قارئه إلى حال ويدفعه إلى أن يكون شاهداً على واقع إنساني متخيل أو واقعي، وهو إلى جانب ذلك يمكن أن نراه ونحدد موقفاً منه.
إلا أن المشكلة التي تجعلنا قد لا نجد تفاعلاً كلياً مع القاص وقصصه أحياناً هو تعجّله في اختتام قصصه، فهو قبل أن يجعلنا في قلب الحدث وفي تلمس الشخصيات يكون قد أنهى قصته.. وقد يكون الكاتب قاصداً هذا اللون من الكتابة، ودليلنا إلحاحه على هذا الطراز من الكتابة كمؤشر مقصود، لا عجزاً. وكل قصد يحتاج إلى ما يدعمه ويقرّه ويثريه.
ونازك ضمرة قاص نابه قادر على تأكيد أسلوبه القصصي هذا، ليصبح نهجاً هو من خصوصيات ومعالم قصصه.. ذلك أن هذا الثراء سواء في التجارب العديدة التى يكتب عنها أو الأسلوب البرقي الذي يعتمده، يفتح أفقاً إلى كتابة جديدة هي من معالمه ومن رؤاه التي ستحقق إنجازاً -إن لم تنجزه فعلاً. فقصصه محطات في قطار الحياة الممتد إلى البعيد.. إلى أفق إبداعي متجدد.

• كاتب المقال عربي عراقي والاديب نازك ضمرة عربي فلسطينى

23 ديسمبر 2016

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب : لماذا يحصن السيسى المستوطنات الاسرائيلية؟

احتاج الأمر ثلاثين عاما (1948 - 1978) وعدوانين كبيرين فى 1956 و 1967، والجسر الجوى الأمريكى وثغرة الدفرسوار فى حرب 1973، لاخضاع الادارة المصرية تحت رئاسة السادات"الضعيفة والمهزوزة"، واجبارها على التراجع عن المواقف المبدئية والمقررات العربية والثوابت الوطنية والقومية، والقيام بالصلح مع (اسرائيل) والاعتراف بشرعيتها والتنازل لها عن فلسطين 1948.

بينما لم يتطلب الأمر سوى بضع دقائق و مكالمة تليفونية واحدة أو ربما مكالمتين من دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو الى عبد الفتاح السيسى لاقناعه بارجاء وتعطيل التصويت على قرار يدين المستوطنات الاسرائيلية فى مجلس الأمن.

***

وأصل الحكاية هو أن مصر كانت قد وزعت مشروع قرار على أعضاء المجلس الـ15 مساء الأربعاء 21 ديسمبر الجارى، على أن يتم التصويت عليه الخميس.

وينص هذا المشروع على وقف فورى وتام لكل الأنشطة الاستيطانية فى الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية.وأن إقدام إسرائيل على إقامة المستوطنات ليس له سند قانوني ويمثل انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي، ويثير القلق البالغ من أن يكون استمرار الأنشطة الاستيطانية معرقلا خطيرا يحول دون تطبيق حل الدولتين.

ولقد نقلت وكالات الأنباء انه كانت هناك مخاوف اسرائيلية بأن تقوم إدارة أوباما، التى تعيش ايامها الاخيرة، بالامتناع عن استخدام الفيتو.وان مسئولا إسرائيليا قد صرح لوكالة رويترز بأن إسرائيل تواصلت مع الفريق الانتقالي لترامب لكي يتدخل في الموضوع. وبالفعل اعلنترامب عن اعتراضه علي القرار، وقال فى البيان الذى اصدره فى هذا الشأن ان: "السلام بين إسرائيل والفلسطينيين سيتحقق فقط عبر المفاوضات المباشرة بين الطرفين، وليس عن طريق فرض شروط من جانب الأمم المتحدة". وأن مثل هذا القرار "سيضع إسرائيل في موقف تفاوضي ضعيف للغاية، وهو غير عادل بالمرة بالنسبة لكل الإسرائيليين."

وفى يوم الخميس الموافق ٢٢ ديسمبر ٢٠١٦، طلب الرئيس عبد الفتاح السيسي من البعثة المصرية في مجلس الأمن تأجيل التصويت على مشروع القرار. وسط حالة من الصدمة والذهول العام، لم تقتصر على الفلسطينيين والعرب فقط، بل شملت عديد من المراقبين الاجانب.

وفى غضون لحظات خرجت وسائل الاعلام الاسرائيلية تشيد بالموقف المصرى الذى انقذ المستوطنات الاسرائيلية من ادانة دولية، وتشيد بنتنياهو لنجاحه فى "تدشين شبكة علاقات شخصية مع السيسي تحقق لإسرائيل عوائد إستراتيجية."

وفى اليوم التالى الموافق الجمعة 23 ديسمبر، نشرت جريدة الاهرام المصرية الخبر تحت عنوان مراوغ جاء فيه أن ما يلى : ((تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مساء الخميس، اتصالاً من الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، تم التطرق خلاله إلى مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية بعد تولي الإدراة الأمريكية الجديدة مسئولياتها بشكل رسمي .. وفى هذا الإطار تناول الاتصال مشروع القرار المطروح أمام مجلس الأمن حول الاستيطان الإسرائيلى، حيثاتفق الرئيسان على أهمية إتاحة الفرصة للإدارة الأمريكية الجديدةللتعامل بشكل متكامل مع كافة أبعاد القضية الفلسطينية بهدف تحقيق تسوية شاملة ونهائية لهذه القضية))

***

· لماذا فعلها السيسى وقرر ان ينحاز علانية لاسرائيل ويساعد فى تحصين المستوطنات الاسرائيلية فى الضفة الغربية ضد قرار محتمل من مجلس الأمن؟

· لماذا ساعد فى اضاعة هذه الفرصة المحتملة و النادرة التى قد لا تتكرر مرة اخرى؟

· لماذا تنازل بهذه السهولة عن آخر مطلب لا يزال تتمسك به السلطة الفلسطينية والنظام العربى الرسمى، بعد أن تنازلوا عن كل شئ آخر؟ 

· لماذا استجاب فورا لطلبات ترامب الذى لم يكلفه الامر سوى مكالمة تليفونية واحدة ؟

· لماذا لم يرفض طلب نتنياهو، رغم انه كان بامكانه التذرع بأنه ليس فى مقدور مصر أن تخرج عن الاجماع العربى والدولى برفض المستوطنات الاسرائيلية وعدم الاعتراف بشرعيتها؟

· لماذا لم يجرؤ ان يقول لا؟

· لماذا ضرب ما تبقى من ثقة فى دور مصرى رسمى داعم لما تبقى من القضية الفلسطينية، بعد ان اصبح واضحا للجميع، انه فى اوقات الشدة والأزمات والمحكات، ستنحاز الادارة المصرية الى الجانب الاسرائيلى، باشارة صغيرة من الامريكان؟ 

· لماذا قبلت الخارجية المصرية وأعضاء البعثة المصرية بالأمم المتحدة هذا القرار المهين بدون اعتراض او تعقيب؟ ولماذا لم نسمع عن اى استقالة تقدم بها اى منهم رفضا لما حدث على غرار جيل الرواد من امثال ابراهيم كامل واسماعيل فهمى؟

· لماذا لم يدرك السيسى انه بهذا الموقف، إنما يسقط آخر ورقة توت عن كل الادعاءات الزائفة بالوطنية والاستقلال، التى يطنطن بها هو وإعلامه ليل نهار؟ بل ها هو يعلن بلا اى خجل او مواربة ان الاولوية هى للعلاقات مع الولايات المتحدة واسرائيل، وأن التبعية هى الحل؟

· لماذا لم يشعر بالخجل من ان يكون هو صاحب اول سابقة لحاكم عربى على مر التاريخ، يقوم بالانحياز لاسرائيل علنا فى الامم المتحدة؟ الآخرون يفعلونها سرا وفى الخفاء، وفقا لقاعدة "اذا بليتم فاستتروا."

· لماذا قرر ان يقدم تنازلات رفض السادات ومبارك رغم كل تنازلاتهما ان يقدماها لاسرائيل؟ 

· لماذا لم يراع مشاعر الشعب المصرى، الذى يحب فلسطين ويؤاخيها ولا يزال يكره اسرائيل ويعاديها رغم كل محاولات التضليل وتزييف الوعى التى مارسها ولا يزال نظام كامب ديفيد فى اربعة عقود.

***
لقد اصبح واضحا للجميع منذ فترة طويلة، اننا نعيش تحت حكم السيسى فى "العصر الذهبى للعلاقات المصرية الاسرائيلية"، وان اسرائيل هى بوابته الرئيسية لنيل القبول والرضا والدعم الامريكى والدولى. ولكنه هذه المرة فى تحصينه للمستوطنات الاسرائيلية ضد قرار ادانة محتمل من مجلس الامن، قد تجاوز كل الحدود والتنازلات والمحرمات، بما فيها اتفاقيات كامب ديفيد التى كانت فيما قبل حكمه ومواقفه وانحيازاته الصادمة، تمثل قمة التنازلات.

*****

القاهرة فى 23 ديسمبر 2016

05 ديسمبر 2016

زهير كمال يكتب: ما أكبر الحلم! ما أصغر المقاطعة

يتململ محمود درويش وهو يرى أبياته الرائعة تستعمل بطرق أخرى وبتصرف.
قال درويش:

ما أوسع الثورة
ما أضيق الرحلة
ما أكبر الفكرة
ما أصغر الدولة!..
تقلصت الدولة التي يقصدها محمود درويش ( دولة اوسلو ) من 22% من مساحة فلسطين الى بضع مئات من الأمتار المربعة هي منطقة المقاطعة في رام الله يسيطر عليها ظاهرياً محمود عباس ، وفي هذه المساحة عقد مؤتمر حركة فتح السابع ، وكان عدد الضيوف الذي بلغ 62 وفداً أكبر من عدد أعضاء المؤتمر.
لنسمي الأمور بمسمياتها:
حددت الدولة المضيفة ( إسرائيل ) نوعية الحضور وعددهم، فهي التي تسيطر على الحدود والمعابر، وكمثال لذلك فقد سمحت لبعض من وفد غزة بالمرور ومنعت 75 عضواً من حضور المؤتمر ، ربما سيسببون الصداع لعباس وهو في هذه المرحلة المتقدمة من العمر.
في كل مؤتمرات فتح السابقة كان هناك حركة ما، ترقب ما، احتمال حدوث تقدم أو تغيير، إلا في هذا المؤتمر ، ويمكننا القول : لا جديد تحت شمس فتح.
وإذا أردنا الدقة فلم يكن هناك أي جديد تحت شمس فتح منذ فترة طويلة، وجاء هذا المؤتمر تكريساً لهذا الوضع.
أسماء أعضاء المؤتمر:
الحاضر الأول اسمه محمود عباس .
الحاضر من رقم 2 الى رقم 1400 اسمه محمود عباس أيضاً ، أليست صدفة عجيبة؟! وللدقة فإن علينا إضافة اسم الدلع للحاضر رقم واحد إذ يطلقون عليه اسم (أبو مازن )، وليس لكلمة أب هنا أية علاقة بالمهابة ولا بتحمل المسؤولية كما يفهم منها.
ما الذي جرى لمثقفي الطبقة الوسطى الفلسطينية هل أصابهم العمى لهذه الدرجة أم أصابهم اليأس أم أصابهم الطمع وحب الذات فنسوا وتغاضوا عن هموم شعبهم المقهور؟ هل يمكن أن يقودهم رجل واحد مثل القطيع الى الهاوية؟!
بداية كان تفكيري يقودني الى هذا المنحى ولكنني استدركت قانون الثورة الخالد أن الشجعان والمؤمنين بها يستشهدون أو يؤسرون على طريق النضال الطويل ولا يبقى في النهاية سوى الجبناء والانتهازيين والمتخاذلين.
وحركت فتح لا تختلف عن غيرها فقد سارت على هذا المنوال في التطور، سوى أنها ثورة لم تنتصر، وهكذا فمن تبقى فيها يتصفون بوصف لا يسمح الناشر بتمريره.
كان هدف إسرائيل بعد احتلال ما تبقى من فلسطين في العام 1967 إقامة نوع من التنظيم لحياة هذا العدد الكبير من السكان ، فهي غير مستعدة ولا تقبل أن تجمع قمامة أعدائها الفلسطينيين ، وكانت الفكرة هي إنشاء روابط القرى تسمح للفلسطينيين بحكم أنفسهم أي سلطة على السكان وليس على الأرض، وهذا ما جرى فعلاً في نهاية المطاف بعد أعوام الصراع الطويلة والتي خسر فيها الفلسطينيون كثيراً من الضحايا.
وكحقيقة لا مراء فيها : يضاهي الفلسطينيون أعداءهم الصهاينة في الذكاء والفطنة والقدرة على تحمل المشاق والتضحية، بل أثبتت الأيام أنهم يتفوقون عليهم في كل ذلك ولهم تاريخ وحضارة بعكس الصهاينة الذين تم تجميعهم من كل أنحاء الأرض.
كانت المشكلة عدم تمكن الفلسطينين من تكوين قيادة واعية ذكية صلبة الإرادة مخلصة وتتمسك بالكفاح المسلح مهما طال الزمن، وتتمسك بالثابت الحقيقي الوحيد وهو عدم التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، ولا شك أنها بمثابة مزحة كبرى لا تنطلي على أحد عندما يقول ورثة فتح إنهم مستمسكون بالثوابت، فعن أية ثوابت يتحدثون؟ وعندما يشعرون أنهم أنفسهم غير مقتنعين بهذه الزعم يتشدقون بأنهم (أول رصاصة وأول حجر) .
ينطبق عليهم عندما يتغنون بأمجاد الماضي والانتصارات اللفظية قول علي بن ابي طالب:
إن الفتى من يقول ها أنا ذا .... ليس الفتى من يقول كان أبي
في تاريخ الثورة الجزائرية كان هناك حزب يسمى حركة مصالي الحاج، وكان أعضاؤها يتعاونون مع الاحتلال الفرنسي ويرشدون عن الثوار، وعندما انتصرت الثورة لم يكن هناك مجال لبقائهم في الجزائر ، فمصيرهم الموت المحتوم فغادروها الى فرنسا مع الجيش الفرنسي المنسحب. وكان الجزائري إذا أراد أن يسب أحداً مسبة عظيمة قال له : يا حركي !
وربما انطبق هذا على الفييتناميين الذين تعاونوا مع الأمريكان ضد شعبهم، فنسبة كبيرة من الشهداء والقتلى والأسرى تكون عادة من صنع هؤلاء المتعاونين مع المحتل، والشعوب لا تنسى هؤلاء الذين يفضلون مصلحتهم الخاصة على مصلحة شعوبهم.
فهل سيأتي اليوم الذي تصبح فيه كلمة فتحاوي معادلة لكلمة حركي؟
أمر غير مستبعد إطلاقاً، فهناك حلم كبير للفلسطينيين بإقامة دولة ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود في مساواة تامة بنفس الحقوق والواجبات لكل فرد.
يومئذ سيهرب هؤلاء الذين تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء الى المنافي وسيهرب معهم كل متعاون مع الاحتلال.
وربما يعتقد البعض أن هناك مبالغة في هذا القول ولكن طالما أن معظم شعب فلسطين يعيش في مخيمات حول فلسطين وفي داخلها فسيظل الصراع قائماً ومستمراً. وليس ذلك فحسب بل إن السكان الذين يعيشون في الضفة وغزة والجليل وباقي الأراضي الفلسطينية يعانون نفس المعاناة ونفس القهر ونفس الظلم.
وإذا كان هناك حالة نكوص عامة تسود المنطقة فإنما هي حالة مؤقتة سيتبعها حالة نهوض شاملة، وسينتصر الحلم الفلسطيني مهما طال الزمن. 

03 ديسمبر 2016

سيد أمين يكتب: هنا مصنع إنتاج "البهلوان"

آخر تحديث : السبت 03 ديسمبر 2016 11:12 مكة المكرمة

لا تندهش إن وجدت أتفه من حولك وأقلهم وعيا وخبرة هو ذاته من اعتمد عليه النظام من أجل خوض غمار معركة الوعى والتنوير، أو تجد اللص هو من يتولى مقاليد خزائن المال ومناجم وآبار الثروة، والفاسد قاضيا، والعنصري وزيرا للعدل، والجاهل عالما ، ولا تتعجب أن أطلقوا على الغباء حكمة والسذاجة حنكة والتهور إخلاص، فهذا هو نتاج حكم وكلاء الاستعمار في وطننا العربي لا سيما مصر ولا تتبرم إن رأيت أجهزة الدولة تقوم بعكس وظيفتها تماما، فالشرطة مثلا بدلا من أن تحفظ أمن الناس هى من تروعهم، والجيوش بدلا من أن تحافظ على وحدة البلاد، هى من تفرط فيها ، والقضاء بدلا من أن يحمى العدل بين الناس ، هو من يكون مثالا للفساد والظلم ، وجهاز الصحة هو من ينشر المرض ويخفض خصوبة الشعب ، والإعلام بدلا من أن ينقل الحقيقة تكون مهمته هو كيفية إخفائها.
الأمر جلى جدا ولا يحتاج لأن نشرحه فكل واع عربي أو مصري خاصة يري في محيطه وبيئته الضيقة أمثلة حية تشخص بكل براعة وإتقان هذا الحالة ، بدءا من أصغر الوظائف حتى أعلاها شأنا.
والعتب كل العتب أن يذهب أحدنا للاعتقاد بأن هذا الوضع المقلوب جاء نتيجة سوء إدارة ممن يدير زمام هذه البلاد، فالأمر تجاوز سوء الإدارة إلى ارتكاب أعمال التخريب عن عمد، بهدف تدميرهذا الوطن والحيلولة دون نهضته خدمة لمصالح دول أخري، فضلا عن التمكن من استمرارهم في نهب ثرواته.
ولا غرابة إن نصح أحدنا طالبا للعلم أو العمل نابغا في مجاله بأن يخفي تفوقه من أجل أن يتمكن من إيجاد وظيفة مريحة تكفيه شر التسكع وندب سوء الحظ ووفرة العلم!
واستمرارا لهذا النهج التخريبي، أنتج النظام المخرب في مصر ضمن ما أنتج أيضا مثقفين بالأجرة كل مهمتهم هو إيجاد المخرج الفلسفي لكل حماقة يرتكبها من يديرون البلاد مهما كان تنافرها مع المنطق والوطنية ، بدءا من "الكفتة" حتى التفريط في السيادة الوطنية.

مثقفون بالأمر

في الحقيقة أنه منذ زمن ليس ببعيد كنا نعرف "المثقف" بأنه هو الشخص الذي يعرف بعض الشيء عن أى شيء معرفة اليقين،وكنا نكشف بسهولة هؤلاء "المسطحين" الذين يدعون معرفة كل شئ رغم أنهم لا يعرفون أى شئ أصلا، وذلك لأن الأقل وعيا آنذاك كان يدرك أنه كذلك، ويتقبل ذلك بروح راضية، ومع ذلك كان يمتلك القدرة على أن يميز لحد ما بين الكلام العلمى و"اللغو" احتكاما لمعيار"المنطق".

لكن في مصر الآن يحدث خلط مقصود للحابل بالنابل ، خلط فكري تم خلاله استغلال جهل قليل الوعى عبر تلقينه مفاهيم ومصطلحات تبدو كبيرة كتلك التى يستخدمها "المثقفون" ولكن بطرق خاطئة ، فأشبعوا بذلك حاجته الماسة في أن ينضوى تحت زمرة "المثقفين" ، ثم استخدامه كقنبلة تنفجر في وجه خصوم الدولة العسكرية والذين هم عادة من قوى "الاستنارة".
وصار بذلك عدد من أنصار النظام الحاكم "مثقفين" بالأمر العسكري ، لينضموا إلى طابور طويل ممن يطلق عليهم النخبة الرسمية ، المزورة المصنوعة على يد الحاكم وعينه ، قوامها من مثقفي المفردات الرنانة أو"التيك أواي"الذين نجدهم بكل انتهازية يحرمون لهذا ما شرعوه لذاك ويباركون لزيد ما لعنوه في علي.
صحيح أن كل منابرالاعلام لا تفتح ابوابها إلا من أجل تلك النخب الرسمية ، لتقود فيها عادة عزفا منفردا دون رادع أو منافس ،وتسقط في حبائلها الكثي من الضحايا ، إلا أنها مع ذلك لا تستطيع الحفاظ على تفردها حينما تواجه أى قدر من حديث "المنطق " والعلم والمعلومة" فتلجأ إلى حديث الغيبوبة والتخوين والصراخ.
والحقيقة المُرة أنه كما تفسد السمكة من رأسها ، فإن المجتمع فسد أيضا حينما فسد مثقفوه، فما كان للانقلاب العسكري أن "يستمر" لو وجد مثقفين حقيقيين يقفون ضده دون هوى أو زيغ نفس، وما كان للسيسي أن يمرر مذابحه لولا أنه وجد تواطئا أو خوفا منهم، فراح يشتريهم بذهب المعز أو يخرسهم بسيفه. 
ونعرف جميعا، أن وحدة المستعمر القديم لهذا الوطن، ووحدته الحديثة أيضا ، لم تصنعا "توحيدا" فيه أبدا إلا في توريث الورثة العسكريين الاستبداد، وطرق إدارة فنون الخداع والتخبئة، وتركيع الشعوب طوعا وكرها.

صناعة البهلوان

كل الأمور النخبوية تجري في مصر الآن لإنتاج هذا الكائن ، كما لو كنا نتسابق لتهيئة التربة الخصبة المواتية لصناعة بهلوان، بهلوان يصفق متى صفق الجنرال ، ويضحك متى ضحك ، ويندب متي ندب، بهلوان يناضل نضالا في سبيل معرفة الكذبة الأفضل التى تحوز دون رفاقه على القدر الأكبر من إعجاب الجنرال.
بهلوان لا يغضبه ما يغضب الناس ولا يسعده ما يسعدهم ، لكن مهمته الشاقة هى أن يجد الذريعة التى يمكنها تبرير كل نزق يقوم به الجنرال.
سحقا للبهلوان وكل بهلوان