01 يوليو 2016

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: رؤية السيسي



Seif_eldawla@hotmail.com


يتساءلون كثيرا عن رؤيته، ويعاتبونه على انه لم يعلن بعد عن خططه واستراتيجياته الرئيسية والكبرى، أو عن توجهاته الفكرية والسياسية، وانحيازاته الاجتماعية والطبقية.


رغم أن كل ذلك واضح وضوح الشمس لمن يريد أن يرى!


*** 
فهو مع ثورة يناير فيما يخص ازاحة حسنى مبارك فقط، وافشال مشروع التوريث، فلولاها لما اصبح وزيرا للدفاع و رئيسا. 
ولكنه فيما عدا ذلك مباركيا أصيلا، يدافع عن النظام الذى ينتمى اليه، والذى خدم فى مؤسساته وتقلد فيه كل مناصبه، ولذا يستميت لإعادة احياءه واسترداد هيبته وسيطرته على كل اجهزة الدولة ومؤسساتها من شرطة وقضاء واعلام، والانتصار والثأر لتحالفته وانحيازاته الرئيسية، مع الحرص الكامل على تصفية كل مكتسبات ثورة يناير وأحلامها فى الحرية والكرامة والعدالة، التى يعتبرها كوارث. 
لقد تربى فى مدرسة أن الرئيس هو الدولة هو مصر، لا مكان فيها لمن يعارضه، واليوم أصبح هو ناظر هذه المدرسة. 
تستطيع ان تعتبره نظام مبارك الفتاة، مبارك موديل 2015، أو "بن على" تونس 1987. 


*** 
وهو ساداتيا حتى النخاع فى توجهاته الاقتصادية وإنحيازاته الاجتماعية والطبقية، رأسمالي التوجه شديد الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولى وكتالوج النيوليبرالية، يؤمن بالاقتصاد الحر وريادة القطاع الخاص، وفتح الاسواق للرأسمال الاجنبى، وتشجيعه بكل التسهيلات والإعفاءات أو التخفيضات الضرائبية. ورفع يد الدولة عن الاقتصاد، وإلغاء الدعم وإفقار الناس وتجاهل مطالبهم واحتياجاتهم، وتعويم الجنيه والخصخصة وتحصين صفقاتها. وهو يؤمن بأن القطاع العام ودعم الفقراء خرب البلد. وينتقد طول الوقت العمالة المصرية التى لا تنتج بقدر أجورها، ولكنها تنشط فى الاضرابات والمطالب الفئوية التى تعطل الانتاج وتضرب الاقتصاد. 
ولكنه قد يستدعى الخطاب الاشتراكي وقت اللزوم مع خصومه من رجال الأعمال، حين لا يتبرعون له ولصناديقه بما فيه الكفاية، أو حين تستضيف احدى قنواتهم الاعلامية معارضا أو ناقدا لسياساته، حينئذ يتهمهم بالسرقة وتهريب الاموال، والفساد والرشوة، والتهرب من الضرائب، ويطلق صبيانه لابتزازهم، ملوحين بالتأميم والمصادرة. 
وهو "ساداتيا أرثوذكسيا" أيضا فى تحالفه مع اسرائيل وتنسيقه معها وفى اخلاصه الوجدانى غير المحدود للسلام معها. بل انه يعتمد عليها فى حلحلة الموقف الأمريكى والدولى تجاهه، وهو ما نجح فيه بجدارة، فلأول مرة فى التاريخ، تضغط اسرائيل على الادارة الأمريكية لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر. 
ولكنه يستدعى الخمسينات والستينات حين يتعلق الموضوع بقضايا الحريات السياسية، أو الدفاع عن تغول الاجهزة الامنية وتجاوزاتها، أو باعتقال واعدام الخصوم السياسيين، أو حين يريد نقد الأحزاب وتشويهها وتهميشها، أو تمرير تزوير الانتخابات أو الترويج لخطورة الحرية والديمقراطية على الامن القومى. 
وهو يستدعي هذه المرحلة أيضا فى مواجهة المطالبين بدولة مدنية، ويؤكد دوما على تفوق العسكريين فى الحكم والإدارة، ويستخف بالمدنيين ويحتقرهم ويتهمم بالفشل والعجز الذى كاد أن يضيع البلد بعد "كارثة" الثورة. ويؤكد فى كل مناسبة على أن الجيش هو الحل الوحيد، ولذا يركز رجاله دائما على ان عبد الناصر بكل زعامته ووطنيته كان عسكريا. 


*** 
يرسم له اعلامه ورجاله أمام الكاميرات، صورة الرجل الوطنى المعادى للأمريكان، ولكنه فى الحقيقة وفى الكواليس هو حليفا مخلصا و أمينا لهم. قالها صراحة فى حديثه لصحيفة وول ستريت (( بأن علاقته الاستراتيجية بأمريكا أهم لديه من أى شئ آخر، وانه لن يدير ظهره لها أبدا، حتى لو أدارت له ظهرها.)) وهو يعمل على صيانة ودعم وتجديد التحالف العسكرى معها، ويحرص على مواصلة تقديم كل التسهيلات والتشهيلات لقواتها فى قناة السويس والمجال الجوى وفى كل حملاتها العسكرية فى المنطقة. كما أنه على غرار أسلافه، يقبل ويبارك استمرار وجود قواتهم فى سيناء ضمن الـ MFO. 
صحيح أنه حريص على تنويع علاقاته الخارجية مع الدول الكبرى، ولكن بالقدر الذى يثير الادارة الأمريكية ويدفعها الى الرضا عنه والاعتراف بشرعيته، وتجديدها لدور مصر الحليفة والتابعة تحت قيادته. 
وهو أسد على شعبه وخصومه ومعارضيه، وحمامة امام الامريكان والأوربيين واسرائيل ومجتمعهم الدولى. 
ومشكلته مع هذا المجتمع الدولى، ليس هى قضية الاستقلال والتحرر من التبعية التى كنا نحلم بها دائما، وانما هدفه الرئيسى هو الاعتراف الدولى بشرعيته، بأى ثمن. 
وهو تاجر شاطر، يجيد عقد المقايضات الدولية، اشترى رضا واعتراف فرنسا، بـ 5.2 مليار دولار قيمة صفقة الـ 24 طائرة الرافال، ورضا واعتراف المانيا بـ 8 مليار يورو قيمة صفقة محطات الكهرباء مع شركة سيمنز. 
وهو قومى عربى حين يتعلق الأمر بأموال السعودية والخليج، ولكنه شديد العداء للعروبة فى كل ما يتعلق بفلسطين والصراع العربى الصهيونى، او بالمشروع الأمريكى فى المنطقة وحروبه بالوكالة. 
هو يصرح على الدوام، مثله مثل باقى الحكام العرب، على أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها، ولكنه يحاصر الفلسطينيين فى غزة ويغلق معبر رفح رغم هدمه الانفاق التى رفض مبارك هدمها. وينحاز الى اسرائيل فى عدوانها الأخير على غزة، ويشيطن الفلسطينيين، ويتفهم مخاوف اسرائيل النووية حسب تصريحه الشهير مع الواشنطن بوست. 


*** 
وهو علمانيا مع العلمانيين ضد خصومه من الاسلاميين، يهاجم توظيفهم للدين سياسيا، ويتهمهم بالتخلف والانتماء للعصور الوسطى، ويستشهد بتقدم الغرب بعد نجاحه فى فصل الدين عن الدولة. ويستخدم هذه الورقة كثيرا فى مغازلة الغرب، الذى يطلق عليه بعض اعلاميوه لفظ "المصلح المنتظر للاسلام"! 
ولكنه يغير موقفه 180 درجة، ويتراجع تماما عن فصل الدين عن السياسة، حين يقوم بتوجيه وتوظيف المؤسسات والقيادات الدينية، للترويج له ولسياساته. 


*** 
وهو مع الاحزاب فقط حين تطالب بإقصاء الاسلاميين، ولكنه ضدها حين تريد القيام باى دور سياسى حقيقى ومستقل، فحينئذ يعمل على تشويهها وعزلها وإضعافها وتهميشها . 
هو يؤكد دوما على قرب اجراء الانتخابات البرلمانية، ولكنه لا يريدها الا بعد أن يضمن انها ستسفر عن برلمان أليف وتابع وخاضع، ولذا تتآمر اجهزته طول الوقت لتعويق او اجهاض أى احتمال لوجود برلمانا مستقلا أو معارضة حقيقية. 
هو مع حرية الاعلام حين يدعمه ويدافع عنه ويروج له ويأتمر بأوامره ويحرض ضد خصومه ومعارضيه. 
ولكنه ضده حين يعارضه أو ينتقده، لا تأخذه فى ذلك رحمة بأى صحيفة أو قناة أو كاتب أو اعلامى، فيطلق عليهم أجهزته وصبيانه للإغلاق أو للتشهير والتخوين. 
وبصفته ضابط مخابرات سابق، فانه يجيد توظيف ما لديه من ملفات ومعلومات وأسرار عن فرقاء السياسة والإعلام والفن والثقافة، فى الضغط والترويض والتجنيد والمساومة والإغواء والإحتواء، ليشكل منهم ظهيرا سياسيا نخبويا، يضفى عليه شرعية شعبية زائفة. 
يدافع كثيرا عن خريطة الطريق والديمقراطية والانتخابات النزيهة فى اللقاءات الدولية، ويعصف بها فى الممارسة الحقيقية. 
يكره الحريات السياسية وحقوق الانسان حتى النخاع، ويعاديها ويتهمها دوما بانها تهدد الامن القومى. 
يدافع بشراسة عن استقلال القضاء المصرى فى المنابر الدولية، ويقسم انه لا يتدخل فى شئونه وليس له سلطة عليه. اما على أرض الواقع، فهو من أهم أدواته التنفيذية للعصف بمعارضيه. 
يهاجم صناديق الانتخابات حين تأتى برئيس من خارج الجيش ويدافع عنها حين تأتى به. ويعاقب كل من تجرأ على التفكير فى المنافسة أو المشاركة فى حكم مصر، بالتصفية قضائيا أو سياسيا أو "معنويا". تماما على غرار ما حدث مع نعمان جمعة و أيمن نور بعد الانتخابات الرئاسية فى 2005. 
يدافع عن 30 يونيو و 3 يوليو، فيما اعطته من غطاء سياسى للاستيلاء على السلطة، ولكنه بعد ذلك يهاجم كل شركائه فيها، ممن صدقوا خريطة الطريق ويطالبوا بتفعيل الدستور وتداول للسلطة وبديمقراطية حقيقية. 


*** 
يكافح الارهاب فى مصر مرة، ويتاجر به مرات، ولكنه يمارس ارهاب الدولة ضد معارضيه ألف مرة. 
فهم يحكمون الشعب المصرى اليوم بسلاح الخوف، يختلقون أخطارا وهمية، او يضخمون الاخطار القائمة، لإثارة الرعب بين الناس؛ الرعب من الارهابيين والاسلاميين، ومن شباب الثورة أو من أى صوت معارض، ومن مصير سوريا والعراق، ومن المؤامرات الخارجية والطابور الخامس والجيل الرابع والفوضى وانهيار الدولة...الخ، ثم بعد ذلك يعصفون بحقوقنا وحرياتنا بذريعة حمايتنا من الأخطار التى اختلقوها. 
وسيكتب عنه التاريخ انه صنع بيديه اخطر بيئة حاضنة لتفريخ الارهاب والارهابيين، دفعت آلاف من الشباب الى الكفر بجدوى السلمية. 
أليس هو صاحب التحذيرات القديمة الشهيرة، بخطورة تهجير اهالى سيناء، واخلاء الحدود، واستخدام القوة فى مواجهة السكان، لما يمكن أن تؤدى اليه من غضب شعبى وتفشى الارهاب وحرب أهلية طويلة. قبل أن يصدر قراراته الأخيرة، بتهجير الاهالى وهدم المنازل لإقامة المنطقة العازلة التى لطالما طالبت بها اسرائيل. 


*** 
يقدم خطابا هادئا مهذبا ودودا معتدلا فى لغته ومفرداته، ولكنه يطلق اعلامييه على المعارضين، ليتولوا بدلا منه مهام السب والقذف والتشويه، التى لم نراها من قبل فى أسوأ عصور الاستبداد. 
لقد خلق أجواء مسمومة، خانقة الجميع، تزخر بالابتذال والنفاق والمنافقين والحصار والحظر والتهديد والترهيب والتحريض والكراهية والانقسام، مع اغلاق كل المنافذ للتعبير أو التنفيس أو الدفاع عن النفس فى مواجهة حملات الظلم والتشهير والتخوين. 
فى أحاديثه، يعطيك انطباعا بانه لا يستطيع ان يؤذى بعوضة، ولكن ملف حكمه حافل بجرائم القتل والتعذيب والاعتقالات والإعدام بالجملة والعصف بالحقوق والحريات. 
يتحدث كثيرا عن وعوده المستقبلية وانجازاته الداخلية ومشروعاته القومية ومؤتمراته الاقتصادية ومقاومته للفساد...الخ، ولكن مع شيوع القهر والقمع والاستبداد، وفى ظل اعلام مؤمم وموالى ومنافق، وفى ظل تعتيم وانعدام كامل للشفافية، ومع غياب للبرلمان ولأى رقابة شعبية، وقتل للسياسة وتضييق ومطاردة للمعارضين، وهيمنة كاملة على السلطة القضائية... الخ، فى ظل كل ذلك، من يستطيع أن يميز الحقائق من الأكاذيب؟ ومن يستطيع أن يناقش ويفند وينتقد ويكشف؟ 


*** 
وهو صاحب شخصية نرجسية، تفشل فلاتره كثيرا فى إخفائها، وتفضحها بعض تصريحاته "المرتجلة"، وآخرها كان تصريحه الغريب "الطريف" غير المسبوق مصريا او عالميا من أى رئيس أو مسؤول، فى لقاءه بالجالية المصرية فى ألمانيا، حين قال أن الله منحه هبة أن يكون كالطبيب القادر على الفهم والتشخيص. وأن ساسة العالم وفلاسفته ومخابراته وإعلامه أصبحوا يتسابقون اليوم للاستماع اليه والتعلم منه. 


*****


القاهرة فى 9 يونيو 2015

ليست هناك تعليقات: