04 ديسمبر 2015

بركات الحائط المائل .. قصة قصيرة بقلم المستشار فؤاد راشد

منذ طفولته كان وهدان يمر ويده بيد أبيه الحاج سعيد النعماني بعد مسجد النجع علي طاحونة مهجورة , دارت حكايات كثيرة عن الجن والعفاريت التي تظهر أحيانا جهارا نهارا داخل سور الطاحونة القديم , كان الرواة يحددون أسماء قتلي لقوا حتفهم قرب الطاحونة عند حفر بئر الساقية المجاورة , كان الحفر يتطلب النزول الي أعماق بعيده لوضع الساقية وضبط حركتها , وكان بعض الشباب يتطوع بالنزول الي أسفل حيث ينهار الركام أحيانا فيموت بعضهم اختناقا .
حسب زعم أهل النجع فان شيخا مباركا طيبا مدفون من زمن سحيق تحت السور الشرقي للطاحونه .
اعتاد وهدان أن يري والده كلما مر بجانب السور الشرقي يقف خاشعا ويقرأ الفاتحه لروح ( سيدي مسعود المكباتي ) ثم يدعو لنفسه والأسرة متضرعا الي الله أن يتقبل دعاءه ببركة الشيخ الطاهر .
وراح وهدان يقلد والده في الدعاء قرب السور الشرقي للطاحونه , وكان حتي حصل علي الثانوية العامة كلما شعر بالضيق لأي سبب بادر الي الذهاب قرب السور والدعاء متضرعا الي الله أن يتقبل ببركة الشيخ الطاهر سيدي مسعود .
بعد أن صار وهدان طبيبا شرعيا واستقر في القاهرة كان لايكف عن تذكر أيامه الخوالي بالنجع ويقرأ الفاتحه لروح الشيخ الطاهر ويذكر بامتنان عظيم كيف كان يعود صافي البال كلما جلس بجوار مقام الشيخ الطاهر وتضرع الي الله أن يجيب دعاءه ببركة الشيخ .
ذات يوم عقب أحد الأعياد تجمع ورثة مالك الطاحونة وكانوا جميعا يقيمون خارج النجع وقرروا تكليف مقاول كبير بهدمها وبناء عمارة شاهقة تكون مأوي لهم جميعا كلما تجمعوا في أي مناسبة .
بدأت أعمال الحفر مع حذر شديد من الاقتراب من السور الشرقي للطاحونه حيث مثوي الشيخ .
لم ينصت المقاول طويلا الي تحذيرات متكررة من الأهالي بعدم الاقتراب من مدفن الشيخ , وقرر بناء علي تعليمات المهندس المشرف هدم السور واجراءالحفر تحته للعمق الذي حدده المهندس .
كانت المفاجأة المذهلة أن تحت السور بقايا حصان نافق من زمن طويل .
ازاء احتدام النقاش بين أهل النجع حول الشيخ المدفون وتأكيد بعضهم أن جده هو من دفن الشيخ بيديه , وأن ملاك الطاحونه لم يراعوا حرمته , حضر من القاهرة ابن النجع الدكتور وهدان وراح بمعاونة العشرات من أهل النجع يفحص كل العينات بالتربة فحصا دقيقيا ليؤكد في النهاية أن المدفون حصان ولا أثر يدل علي دفن أي انسان تحت السور الشرقي في أي وقت ..
كان الدكتور وهدان بعدها وحتي وفاته , كلما زار النجع واقترب من موقع السور الشرقي اشتعلت في روحه فكرتان تتصارعان تجسدان معني الحنين الي أيامه الخوالي ودعاءه وتضرعاته الي الله أن يتقبل ببركة الشيخ مع شعور طاريء فاجع بالخديعة الطويلة .

ليست هناك تعليقات: