25 يونيو 2015

د. عبدالوهاب الأفندي يكتب: تهافت الإستئصاليين: إسقاط مصر نموذجا

وفر علينا الأحبة في مصر العزيزة أطناناً من الحبر عندما أثبتوا عبر «البيان بالعمل» صحة ما ذهبنا إليه في مقال الأسبوع الماضي بأن أهم سبب لفشل مشاريع استئصال الإسلاميين، خلافاً لاستحالة أي مشروع من هذا النوع من ناحية المبدأ، هو أن القائمين على هذه المشاريع هم أعداء أنفسهم. فما أن ينجح هؤلاء في تنحية الإسلاميين من الساحة السياسية ـ علماً بأن الإسلاميين ظلوا أصلاً أقلية معارضة في كل هذه الدول- حتى يتوغلوا في مجاهل الانحطاط السياسي والأخلاقي، ويبنوا نماذج سياسية-اقتصادية تصبح تجسيداً للفساد والظلم والفشل والهزائم. ولأن هؤلاء أصلاً قدموا أنفسهم على أنهم الترياق ضد الإسلاميين، فإنهم يتحولون بالضرورة إلى أفضل دعاية للإسلاميين.
وقد تصدق علينا قراقوش القضاء المصري بعد ساعات من نشر المقال بأنصع الحجج على صحة ما ورد فيه، ليس فقط حين أصدر أحكاماً جماعية بالإعدام على قادة البلاد المنتخبين ديمقراطياً، بل بما ساقه من حجج هي أقبح من الذنب لمثل هذه «الأحكام» المأساوية-الهزلية. فبحسب قاضي العدالة، فإن المعتقلين الإخوانيين لم يهربوا فقط من السجن، ولكنهم نجحوا، وهم داخل زنازينهم، في استنفار جيوش غازية من غزة المحتلة ولبنان النائية، احتلت مصر، وشردت جيشها، وهزمت شرطتها، واجتاحت سجونها وأسقطت نظامها. ولو صح هذا الاتهام، فإن الواجب هو دعوة هذا الثلاثي من حماس-الإخوان-حزب الله إلى حكم مصر. فإذا كانت حماس قادرة، وهي محاصرة في غزة، على هزيمة أكبر جيش عربي وإسقاط النظام في أكبر دولة عربية، فأي إنجازات يمكن أن تحققها لو تملكت موارد مصر وإمكاناتها التي يحتكرها الجيش المصري الذي هزمته حماس وأذلته، بعد أن أذلته وهزمته إسرائيل، وحولته إلى شركة حماية خاصة لحدودها تحت إمرة نتنياهو، وبأجر مدفوع من دول عربية؟
وحتى نوضح حجم هذه المعجزة التي اجترحها تحالف حماس-الإخوان، والعهدة على القضاء المصري الشامخ، لا بد أن نذكر بالحقائق المعروفة حول هذه القضية، بداية باعتقال أربعة وثلاثين من قيادات الإخوان عشية «جمعة الغضب» التي دعي لها في 28 كانون الثاني/يناير 2011. وبحسب روايات تواترت، فإن احتجاز قيادات الإخوان بغرض تعويق الاحتجاجات التي اعتقد النظام المصري أنها لن تنجح بدون مشاركة الإخوان تم في مركز اعتقال بمنطقة 6 أكتوبر في القاهرة ابتداءً من فجر الجمعة 28 يناير. وبعد اعتصام المعتقلين احتجاجاً على اعتقالهم بدون إجراءات قانونية، أبلغوا يوم السبت 29 يناير بأنهم سيعرضون على النائب العام. ولكنهم فوجئوا بأن السيارة أخذتهم إلى سجن وادي النطرون الصحراوي، حيث أودعوا إحدى زنازينه. وفي أثناء الليل سمعوا أصوات صدام وإطلاق نار في السجن، وفي الصباح علموا ممن بقي من المعتقلين أن قيادة السجن وجميع حراسه فروا.
بقي معتقلو الإخوان وحدهم في زنزانتهم، عاجزين عن فتح الباب من الداخل، حتى أعانهم مساجين محررين وبعض أهالي المنطقة الذين حضروا لمشاهدة الحادث بكسر الباب.
ولدى خروجهم، حصلوا على هاتف نقال استخدمه محمد مرسي للاتصال بقناة الجزيرة، وتأكيد أنهم لم يهربوا، ولكنهم لم يجدوا سلطة لا في السجن ولا في خارجه حتى يستفسروا منها عن «موقفهم»!
أذكر هنا ـ سامحني الله- أنني سخرت من مرسي في مقالة كتبت بعد أشهر من الحادث، ونشرت في مجلة أكاديمية بريطانية في مطلع 2012، قائلاً أن الرجل كان يشبه أصحاب الكهف، لأن اليومين اللذين قضاهما في المعتقل شهدا انهيار السلطة وتغيير المشهد، بينما ظل هو يتوهم أن النظام الباطش الذي خبره ما يزال موجوداً. وقلت أن عرضه تسليم نفسه لنظام أطاحت به الثورة فعلياً يعكس الرعب الذي بثته تلك الدولة في نفوس ضحاياها، حتى أن الرجل لم يصدق أنه حر، وظل يبحث عن من يسلم نفسه له!
وبحسب مدير سجن وادي النطرون فإن مرسي ورفاقه عندما سلموا للسجن لم يتم إيداعهم بأوراق رسمية. وبحسب شهادة أحد حراس السجن، فإن جهات مجهولة بدأت إطلاق النار على السجن، مما دفع حراسه وكل طاقمه للهرب بعد أن نفدت ذخيرتهم. 
وإذا جمعنا خلاصة هذه المعلومات والشهادات، نصل إلى النتائج الحالية.
إن مرسي وصحبه أودعوا سجن وادي النطرون مساء السبت 29 يناير، بدون أوراق رسمية، وأنهم لم يكونوا يعلمون وجهتهم مسبقاً. وهذا يعني أن أي جهة بخلاف الأجهزة الأمنية لم تكن تعلم عن مكان اعتقالهم، خاصة وأنه لم تكن لديهم أجهزة اتصال. ومع ذلك فإن حماس علمت بهذا السر، وقامت خلال سويعات من استنفار جيش عرمرم من المغاوير، واستنجدت بأنصارها من حزب الله الذين تمكنوا بنفس السرعة من استنفار جند سليمان، وعبور الأراضي والأجواء والبحار وإسرائيل المسكينة غافلة، واجتياح مصر واستباحة أراضيها وسجونها، قبل أن يرتد للأمن المصري طرفه. 
وإذا أضفنا إلى هذا شهادة حراس السجن، فإن قوات حماس الباسلة أرعبت الحراس بإطلاق طلقات قليلة، ففروا تاركين السجن ومن فيه. ولا يخبرنا الشهود كيف يكون الحل لسجن محصن يتعرض لهجوم من بالخروج لمواجهة المهاجمين في الخارج، بدلاً من التحصن داخل السجن (كما يفعل حراس سجن حلب المركزي المحاصرون منذ قرابة أربع سنوات) وطلب النجدة من جيش مصر الهمام؟ وكيف سمح لهم المهاجمون بالفرار؟ ولماذا نسي مغاوير حماس إطلاق سراح مرسي وصحبه، إذا كان هذا هو ما قطعوا كل هذه الفيافي لأجله في طرفة عين؟
ولعل اهم سؤال هو: لماذا تنسج المخابرات المصرية ودولتها (فمصر دولة مختطفة حالياً من قبل جهاز المخابرات) كل هذه الترهات للتغطية على انهيار وتداعي آلتها القمعية غداة ثورة الشعب الكاسحة؟ وأليس هذا دليلاً عن غباء مزدوج لهذه المخابرات المتهافتة، حيث أنه لو صحت رواياتها المضحكة فإنه حقاً عذر أقبح من الذنب، وإعلان فشل وعجز أفدح مما لو تقبلت الحقيقة، وهي أن مؤسسات القمع انهارت، لأنها حقاً أجبن من أن تواجه شعباً أراد الحياة؟ وفوق ذلك، فإن الانهيار تمثل كذلك في تصادم هذه المؤسسات المتباغضة المتنافسة، ومساهمة بعضها عمداً أو جهلاً في تسريع الانهيار عبر استراتيجيات إجرامية مثل فتح السجون ثم الادعاء بأن حماس هي التي فتحتها!!
مهما يكن، فإن هذه الادعاءات بأن الإخوان وأنصارهم من الخارج، يعلمون الغيب، ويتحركون بسرعة الضوء، ويجترحون المعجزات، ويهزمون أجناد مصر ويمرغون أنفهم في التراب، كل ذلك في الفترة بين صلاة العشاء ووقت السحر، هي دعاية مجانية للإخوان وقدراتهم. وقبل ذلك ذهب بن علي ومبارك والقذافي والأسد وعلي عبدالله صالح إلى مزابل الخزي وكلهم يصرخ: أكلوني الإخوان! فالإخوان هم من يحاصرون دمشق، ويزلزلون القاهرة، وينتقلون بين بنغازي وعدن بأسرع من هدهد سليمان.
وقد زاد أجناد مصر الذين انتقلوا من إمرة كتشنر إلى إمرة نتنياهو فأصبحوا يتهمون كل شريف ومناصر للحرية وداعية للحق بأنه إخواني. فأوباما إخواني لأنه لم يتحمس بما يكفي لتأييد الانقلاب، ورئيس البرلمان الألماني إخواني لأنه يتعفف من تلويث يديه بمصافحة قتلة المصريين، وأمنستي وهيومان رايتس ووتش إخوانيتان لأنهما تنكران تعذيب وقتل المصريين (وليس الهنود الحمر!). فكل غيور على كرامة شعب مصر ورافض لإذلاله وتحويل مصر إلى مزرعة يملكها الطاغية، هو «إخواني».
وبعد هذا يستغرب هؤلاء أن يسارع الشباب إلى الانضمام إلى كل منظمة يذمونها بسبب هذا الذم، وليس رغماً عنه؟ فكل مذمة من ناقص فاسد عاجز هي مدح بدون الحاجة إلى الاستشهاد بأبي الطيب. فحماس لم تهاجم أو تسقط مصر، ولكن من أسقط مصر معروف وماثل أمامنا.

21 يونيو 2015

محمد رفعت الدومي يكتب: إلا أن يكون معه نبيّ!

 
نجح "محمد بن عبد الله بن طاهر" في اصطياد هذه المقولة في لحظة مجردة فأرسلها مثلاً:
"ليس يفلح أحدٌ من العرب إلا أن يكون معه نبيٌّ ينصره الله به"! 
كانت هذه العبارة هي النغمة الأولي في هزيم الرعد الذي اندلع بعد قرون تحت اسم "الدولة العثمانية"، ذلك أنه قالها عندما بلغة انتصار الأتراك علي قائد عربي، ولا أتكلم عن أشخاص إنما المكان، "تركيا" لا العثمانيين فالغموض يحيط بأصولهم..
آنذاك، كان تنامي وطأة الأتراك يبدأ من جرّاء رؤية سياسية خاطئة استراتيجياً تبناها "المعتصم" وأخلص لها دائمًا دون أن يدور بباله أنه بذلك كان يزرع ألغامًا سوف تفجر الدولة العباسية من الأمام ومن الخلف ومن الجانب الآخر! 
لقد استبعد "المعتصم" العرب من إدارة الدولة واستعان بغير العرب، لكن، لدهائه وفروسيته ظل خطرهم نائمًا حتي رحل وورث " الواثق بالله" مقعده وأكبر أخطائه، فبدأ ترهلهم الذي اكتمل في خلافة "المتوكل" إلي حد تخلو معه سجلات تلك المرحلة من الأسماء العربية أو تكاد، إنما، "وصيف"، "بغا"، "باغر"، وغابة من الأسماء المستوردة!
لقد هيمنوا علي مفاصل الدولة وأعصابها حتي أصبح الخليفة مجرد لقب مطليٍّ بظلٍّ باهتٍ من اللاشئ، وحتي قتلوا "المتوكل" ووضعوا ابنه "المنتصر بالله" مكانه، حينئذٍ، وحتي سقوطها الصريح، صارت الدولة العباسية دولة فاشلة أو تكاد! 
ليس الأتراك وحدهم، الديلم أيضًا، والفرس، وصاحب المقولة "محمد بن عبد الله بن طاهر" ينحدر من عائلة فارسية لتحولاتها التي لا تصدق قصة تعكس جسامة ما يمكن أن يحدثه الصراع بين الأجنحة السياسية من انقلابات طبقية تصب دائمًا في صالح المفردات البشرية الأكثر انحطاطاً..
كان جده "زريق بن ماهان" من موالي "طلحة الطلحات"، الأمويُّ الهوي، وأجود أهل البصرة في زمانه، وابن "عبد الله بن خلف" كاتب "عمر بن الخطاب"، وأمير "سجستان" الذي قال الشاعر في رثائه:
رحم الله أعظُماً دفنوها / بسجسْتان طلحة الطلحات
عندما تغير قانون الحياة بتغير النظام الذي يحكم تمكن أبناء "زريق"، بمباركة العباسيين، من تأسيس الدولة الطاهرية في "خراسان"، أول شكل للحكم المستقل في الإسلام، أو هكذا أظن، وأصبحوا ملوكاً يفد إليهم العرب للتسول!
لا أعرف لماذا فرض الكلام عليَّ بدايته بهذا الشكل، لعله ذلك الالتحام الحميم الآن بين ما هو ديني وما هو سياسي، وبين الماضي والحاضر وما يغرِّد لي به البومُ عن بشاعة وجه القادم!
وكما أن نشأة الدولة العثمانية ملتبسة كذلك سقوطها، لقد كان سقوطها في عشرينيات القرن الماضي خبرًا لمبتدأ يعرف في أدبيات أوروبا بمعركة "ليبنتو" البحرية في القرن 16، عندما عقد العثمانيون العزم علي احتلال "قبرص" فكان هذا سبباً كافيًا لاندلاع مخاوف البابا "بيوس" الذي أرسل كتابًا إلي ملك "إسبانيا"، الكاثوليكيِّ الأكثر تزمتاً، قال فيه:
"لا توجد دولة في العالم المسيحي يمكنها أن تقف بمفردها في مواجهة الدولة العثمانية، فمن الواجب على كافة الدول المسيحية أن تتحد لكسر الغرور التركي"!
وكسروه! 
من الجدير بالذكر أن "سرڤانتس" مؤلف رواية "دون كيشوت" كان أحد الأسرى المسيحيين في "ليبنتو"!
لكن الأتراك رمَّموا جراحهم سريعًا، مع ذلك، كان الأوربيون قد كسروا حاجز الخوف ولمسوا عمق الدولة التي ليس من الصعب أن تهزم كما كانوا يعتقدون، كما ظل الائتلاف الذي شكَّله "بيوس" قائمًا حتي أجهزوا علي "رجل آسيا المريض"، وما زال قائمًا!
لقد انسحبت الدولة العثمانية إلي ركنها بعد أن نحتت في ذاكرة "أوروبا" أفكارًا سوداء، ولقد لعب العرب في سقوطها دورًا كبيرًا، وكل العائلات التي تحكم الآن الخليج ما هي إلا صديً لتلك المؤامرة، وما أشبه الليلة بالبارحة، ذلك أنهم، عندما استفحل أمر الرجل الذي أعطت إنجازاته "تركيا" وعدًا بدولةٍ محوريةٍ في العالم الكبير، يتآمرون الآن أيضًا للإجهاز علي هذا الوعد!
لا شك أن طعنة في الصميم وجهت إلي الظاهرة الأردوغانية في الانتخابات الأخيرة، لا شك أيضًا أن "أردوغان" ينحسر وتسيجه المتاعب التي سوف تتفاقم بمتوالية هندسية، النقطة الدالة في هذا الاتجاه هي شماتة دول لا تعرف الديمقراطية فيه لمجرد أنه فشل في إحراز أغلبية تمكنه من استئناف مشروعه وتصميم جسور "تركيا" الجديدة! 
إنها محنة الدهاء حين يضيع، فلا شك أن "أردوغان" كان يتعاطي مؤخرًا بخشونة أخرجته من السياسي إلي الديني في وقتٍ بلغ عنده حرج المشهد ذروته، مقارباته المتعلقة بسوريا تحديدًا، لا شك أيضًا أن لشيوخ الإمارات نبض في كل ما حدث وكل ما سوف يحدث! 
عندما تتأمل كيف يتصرف أولاد "زايد" سوف تتعب كثيرًا في التمييز بين البشر والشياطين، بل يصبح جوهر الإنسان نفسه محلاً للشك، تخيل، عائلة أفرادها لا يتجاوزون العشرات هم دائمًا كالأوتار المشدودة لتصميم الخطط التي يرسمونها لحماية عرشهم بدماء الملايين وحرياتهم وثرواتهم، وكلما ازدادت مشاعر الكراهية تجاههم من المحيط إلي الخليج سمكًا يزدادون تهورًا! 
فهل تمكن الغرور من زند "إسرائيل" الأكثر إخلاصًا وانصياعًا وغباءًا إلي هذا الحد؟
أياً كان عمق الكابوس، لقد انحسر "أردوغان" وهذا ليس كل شئ، فانحساره أول خطوة في الممر نحو عرقلة "تركيا" وانحسارها، كيف؟
الا أظن مسلمًا لم يسمع بـ "خيبر"، و لـ "تركيا" عند المسيحيين رمزية تتحد تمامًا بتلك الرمزية التي لـ "خيبر" عند اليهود، لكن الدول المعبأة بالحقد علي "تركيا" أكثر من غيرها، وتحرس أكثر من غيرها أوجاع الماضي هي دول البلقان، هذه الدول - بشكل أكثر عمقاً "صربيا" التي أضاءت للعالم بالمجازر التي ارتكبتها في حق مسلمي "البوسنة" ما يمكن أن تصنعه إسقاطات الماضي من الشر- هي العدو الذي تباشر "الإمارات" الآن برعاية إسرائيلية تربيته والعمل علي بدانته وادخاره لعرقلة "تركيا" عند الحاجة! 
وفي سياق متصل، "صربيا" هي الدولة التي منحت "محمد دحلان" وعائلته جنسيتها!
لماذا؟

17 يونيو 2015

فايز ابو شمالة يكتب: هل فشل حزب العدالة والتنمية؟


الحزب الذي حصل على نسبة 41% من أصوات الشعب التركي لم يفشل، بل فاز حزب العدالة والتنمية بثقة الشعب التركي الذي أدرك أن خياره الوحيد لمواصلة الازدهار والاستقرار هو تعزيز الثقة بحزب العدالة والتنمية، والشعب التركي ليس غيبيا، وليس غيبيا، وقد جرب عبر مساره الديمقراطي الأحزاب السياسية كلها، وجرب الحكومات الائتلافية على اختلافها، واستنتج أن خلاصه وتطوره كان قرين حزب العدالة والتنمية.
ومع ذلك، فلم يعط الشعب التركي حزب العدالة والتنمية أكثر من نسبة 41%، لم يعط الشعب التركي الحزب الذي يثق فيه النسبة التي تؤهله لتشكيل الحكومة وحيدًا، وفي الوقت نفسه لم ينكص الشعب التركي على عقبيه، إذ لم يعط ثقته لبقية الأحزاب التي توحدت ضد حزب العدالة والتنمية، ووظفت كل طاقتها لتشويه صورته، مستثمرة في ذلك الحملة الإعلامية الشرسة التي تشنها أكثر من قوة عالمية ضد الدولة والشعب التركي، لأنه يصر على استرجاع شخصيته الإسلامية، وبناء شخصيته الحضارية والإنسانية.
ومن الغبن أن نتجاهل تأثير الأحداث في البلاد العربية على موقف عموم الشعب التركي من الحزب الحاكم؛ حزب العدالة والتنمية، فما جرى في مصر قد أثر بشكل خطير على شعبية الحزب، وما يجري في ليبيا يجد ارتداده على حياة الناس في تركيا، ولاسيما أن حزب العدالة والتنمية لم يغب عن الساحة العربية، وظل موجودًا في قلب الحدث، مدركًا أن حدود تركيا السياسية لا ترسمها الجغرافيا، وإنما توثقها كتب التاريخ، لذلك، فإن ما يجري من أحداث عنيفة في كل من سوريا والعراق أثر بلا أدنى شكل على مزاج الشعب التركي، ولاسيما أن طول أمد الاقتتال الداخلي، قد أثر على اقتصاد تركيا بشكل مباشر، وأثر اجتماعيًّا وسياسيًّا على قسم كبير من الشعب التركي؛ الذي ينتظر نتائج الحرب الدائرة على حدوده التاريخية والجغرافية.
إضافة لما سبق، فقد تعرضت تركيا ممثلة بحكومة حزب العدالة والتنمية إلى حملة تشكيك خطيرة في السنوات الماضية، وتكفي الإشارة هنا إلى المؤامرة التي نسجت خيوطها من داخل أمريكا جماعة فتح الله كولن، حيث عمدوا إلى طعن تركيا من الداخل، ولا يمكن أن نغفل في هذا المقام دور أولئك العلمانيين المتضررين من نجاح التجربة الإسلامية، وهي تنهض مع تركيا على حساب أفكارهم، زد على ذلك ما للإعلام الصهيوني من تأثير سلبي على حياة الشعب التركي، وقد أفصحوا عن ذلك بلسان عبري، وأعربوا عن قلقهم الواسع من مستوى النجاح الباهر الذي حققه الحكم الإسلامي في تركيا، والذي اتسع مداه حتى وصل إلى حد الاشتباك اللفظي، حين اتهم اردوغان رئيسهم الإسرائيلي شمعون بيرس بالإرهاب أثناء انعقاد مؤتمر دافوس، وما تلى ذلك من محاولات شعبية تركية لفك الحصار عن غزة، وما نجم عنها من اشتباكات عنيفة، وارتقاء شهداء أتراك فوق ظهر سفينة مافي مرمرة.
كان تعليق اليهودي شمعون بيرس على نتائج الانتخابات التركية خير دليل على كراهية اليهود لحزب العدالة والتنمية، وبالتالي هو خير دليل على مدى عشق الشعب الفلسطيني للسياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية إزاء قضايا الأمة العربية والإسلامية، لقد فرح شمعون بيرس لعدم حصول حزب العدالة والتنمية على النسبة المطلوبة لتشكيل الحكومة بشكل منفرد، وقال بمفهومه العنصري: كانت تركيا في طريقها لأن تصير إيران أخرى في المنطقة، وأن يكون لها زعيم روحي آخر مثل إيران، ولكن ذلك انتهى مع ظهور نتائج الانتخابات التركية.

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: العنصرية أعلى مراحل الاستبداد

((تعنى المواطنة ان يتساوى الجميع أمام القانون، لا فرق فى ذلك بين مسلم و مسيحى، أو غنى و فقير، أو رجل و امرأة، وكذلك لا فرق بين ليبرالى و اشتراكى وقومى و اسلامى))
***
تجاوز الاستبداد فى مصر، مرحلة العصف بالحياة و بالحقوق والحريات و بالعدالة، الى مرحلة التمييز العنصرى. فالنظام الحاكم يتبنى هو والقائمون عليه والمروجون له، خطابا وسياسة عنصرية اقصائية اجتثاثية تجاه كل الخصوم والمعارضين، لا فرق فى ذلك بين اسلامى وغير اسلامى.
من اول وصم الاسلاميين بانهم شعب آخر، مرورا بشيطنتهم محليا ودوليا بأنهم يهددون البشرية((خطاب السيسى عن تهديد 1.6 مليار مسلم لباقى البشرية))
والى آخر حظر كل المعارضين والخصوم السياسيين، وتجريدهم من وطنيتهم ومواطنتهم وحقوقهم وحرياتهم الدستورية والقانونية، واعتبارهم ارهابيون وجواسيس، أو خونة وعملاء، يتوجب قتلهم وسفك دمائهم وإعدامهم بالجملة أو سجنهم مدى الحياة فى محاكمات تفتقد أبسط الضمانات القانونية.
***
وهى حالة لم نرَها فى مصر من قبل، او فلنقل اننا لم نرَها بمثل هذه الدرجة من القسوة والتحريض؛
فلقد تعرض الشيوعيون والاخوان فى الخمسينات والستينات، والناصريون واليسار فى زمن السادات، والجماعات الاسلامية فى زمن مبارك، الى حملات تحريض وكراهية، ولكنها لم تبلغ أبدا هذه الدرجة من العنصرية والخطورة.
انها حالة شبيهة بعنصرية العدو الصهيونى تجاه الفلسطينيين، أو الاستعمار الاوروبى تجاه باقى شعوب العالم، والتى بلغت ذروتها فى الفاشية والنازية. أو سنوات الفصل العنصرى فى جنوب افريقيا، أو العنصرية البيضاء ضد الزنوج ومن قبلهم الهنود الحمر فى الولايات المتحدة الأمريكية.
ولكن الجديد اليوم، انها عنصرية تمارسها السلطة وجماعاتها، ضد مواطنين ينتمون الى ذات الشعب، مواطنين شركاء لنا فى الوطن والتاريخ والمستقبل والحضارة .
***
والأخطر ان جرثومتها، امتدت الى عدد من الشخصيات والمؤسسات المدنية والسياسية، التى لم تجد أى غضاضة فى الكيل بمكيالين فى الحقوق والحريات وتطبيق القانون؛ فشيماء لا تتساوى مع سندس. والحسينى أبو ضيف فوق باقى شهداء الاتحادية. وضحايا محمد محمود شهداء، بينما قتلى رابعة والنهضة والحرس الجمهورى و ترحيلات أبو زعبل، مجرمون. وماهر و دومة وعلاء عبد الفتاح لهم الاولوية عن آلاف المعتقلين الاسلاميين. وخميس و البقرى غير قيادات الاخوان. وشهدى عطيه و خالد سعيد أسمى من سيد بلال ومحامى قسم المطرية كريم حمدى. وعبد العظيم أبو العطا غير كمال السنانيرى و فريد اسماعيل ومحمد الفلاحجى، وهكذا.
وكذلك فى الحياة السياسية، وبعد ان اتفق الجميع على اقصاء الاسلاميين واجتثاثهم، أخذوا يشتبكون فيما بينهم على قانون هنا او قرار هناك يرون أن فيه مساسا بأحزابهم أو حقوقهم وحرياتهم. وفقا لقاعدة أن الاستبداد حلال على الاسلاميين، حرام بيننا.
ورغم أن الدستور والقوانين تنص على الحقوق والعدل والمساواة للجميع، حيث لا مجال للحديث عن الكراهية أو الخصومة او المصالحة العامة، او الإدانات والعقوبات جماعية، إلا أنهم أطلقوا حملات لا للمصالحة، على غرار شعارات مؤتمر الخرطوم فى 1967 لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف فى مواجهة اسرائيل. تلك اللاءات التى تخلى عنها النظام الحاكم منذ انور السادات حتى يومنا هذا. لقد صالحوا العدو الصهيونى، ويرفضون مصالحة المصريين بعضهم البعض.
اننا هنا لا نتحدث عن المواقف والمرجعيات والصراعات السياسية، بل نتكلم عن الحقوق والحريات والعدالة التى لا تفرق دستوريا وقانونيا بين المواطنين على اى أساس كائنا ما كان.
وبالطبع نستثنى من هذه الظاهرة العنصرية، كل الشخصيات والمجموعات الحقوقية التى لا تزال ترابط وتناضل من اجل حقوق الجميع بما فيهم المختلفين معهم.
***
ولا شك ان جرثومة التكفير الطائفى أو العنصرى، قائمة ايضا لدى عدد من الاسلاميين فى مصر،ولكنها لم تتحول بعد، الى ظاهرة عامة وطاغية ومكتسحة كما هى لدى السلطة وجماعاتها اليوم، ربما فيما عدا الجماعات الارهابية التى لا تزال حتى الآن تمثل ظاهرة محدودة ومحصورة، ندعو الله أن تظل كذلك.
وحتى لو افترضنا جدلا ان الاسلاميين كلهم طائفيون فلا يصح أبدا ان تكون السلطة الحاكمة وأجهزتها الأمنية والاعلامية والقضائية كذلك، لأن السبيل الوحيد لمواجهة الطائفية والتطرف هى بسيادة العدل وتطبيق القانون على الجميع بلا اى تربص أو انحياز أو تمييز.
ان المقتل فى هذه العنصرية السلطوية الموجهة، يتمثل فيما ستصنعه من ردود فعل مضادة شديدة الخطورة، فهى تخلق بيئة حاضنة ومفرخة للعنف والارهاب، مشابهة لتلك التى ضربت عديد من الاقطار العربية، وأسقطتها فى مستنقعات من حروب الكراهية الطائفية والعنصرية، التى تبيد وتبتلع كل ما أمامها لا فرق فى ذلك بين بشر وشجر وحجر.
***
قراءة فى المواثيق الدولية:
· لقد بحثت فى المواثيق الدولية عن توصيف لهذه الحالة المأساوية الغريبة عن مصر، فلم أجده فى المواثيق الكلاسيكية للحريات السياسية والمدنية، ولكنى وجدته، مع الأسف، فى المواثيق التى تحظر كل اشكال التمييز والعنصرية، ومنها الإعلان الصادر عن المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، فى دورته العشرين، يوم 27 نوفمبر 1978 بشأن العنصر والتحيز العنصري، وكذلك الاتفاقية الدولية للقضاء علي جميع أشكال التمييز العنصري، الصادرة عن الأمم المتحدة فى ديسمبر 1965. ولنقرأ معا بعض ما ورد بها فيما يلى، لكى نرى كيف أن الحكاية قد تجاوزت الاستبداد الى عنصرية مقيتة:
· يولد البشر متساوين في الكرامة والحقوق ويشكلون جميعا جزءا لا يتجزأ من الإنسانية.
· يحق للبشر أن يتغايروا في أساليب العيش، وان يكون بينهم فروق مصدرها تنوع الثقافات والظروف البيئية والتاريخية، وان يحافظوا علي هويتهم الثقافية.
· كل نظرية تنطوي علي الزعم بأن هذه أو تلك من الجماعات .. هي بطبيعتها أرفع أو أدني شأنا من غيرها، موحية بأن ذلك يمنح جماعات معينة حق التسلط أو القضاء علي من تفترضهم أدني منزلة... هي نظرية لا أساس لها من العلم ومناقضة للمبادئ الأدبية والأخلاقية للإنسانية.
· تشمل العنصرية أية مذاهب عنصرية، وأية مواقف تحيزية، وأية أنماط من السلوك التمييزي ... تسفر عن تفاوت عنصري.
· كما تشمل الدعوى الزائفة بوجود مبررات أخلاقية وعلمية لقيام علاقات تمييزية بين الجماعات. وهي تنعكس في صورة أحكام تشريعية أو تنظيمية وممارسات تمييزية .. تشيع الفرقة بين أبناء الأمة الواحدة...
· والتحيز العنصري يرتبط تاريخيا بعدم مساواة في السلطة، وتعززه فوارق اقتصادية واجتماعية بين الأفراد وبين الجماعات .
· يحظر كل قيد علي حرية البشر .. يناقض مبدأ المساواة في الكرامة والحقوق.
· يجب أن تحث وسائل الإعلام ... علي تعزيز التفاهم والتسامح والود فيما بين الأفراد والجماعات، وعلي الإسهام في استئصال العنصرية والتمييز والتحيز العنصريين وخصوصا بالامتناع عن تقديم صورة للأفراد أو لبعض الجماعات البشرية نمطية القالب أو مغرضة أو أحادية الجانب أو متحيزة.
· تتحمل الدولة المسؤولية الأولي عن كفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لجميع الأفراد وجميع الفئات، علي قدم المساواة التامة في الكرامة وفي الحقوق.
· يشكل التشريع .. واحدة من الوسائل الرئيسية لكفالة المساواة بين الأفراد في الكرامة والحقوق، ولكبح أية دعاية أو أية صيغة تنظيمية أو أية ممارسة .. تحاول تبرير أو تشجيع الكراهية والتمييز العنصريين علي أية صورة.
· أي شكل من أشكال التمييز العنصري الذي تمارسه دولة ما يشكل انتهاكا للقانون الدولي يستتبع مسؤوليتها الدولية.
· يقصد بتعبير "التمييز العنصري" أي تمييز .. يستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، علي قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة.
· تتعهد الدول بضمان حق كل إنسان ... في معاملة علي قدم المساواة أمام المحاكم وجميع الهيئات الأخرى التي تتولى إقامة العدل.
· والحق في الأمن علي شخصه وفي حماية الدولة له من أي عنف أو أذى بدني، يصدر سواء عن موظفين رسميين أو عن أية جماعة أو مؤسسة،
· تكفل الدول الأطراف لكل إنسان داخل في ولايتها حق الرجوع إلي المحاكم الوطنية وغيرها من مؤسسات الدولة المختصة لحمايته ورفع الحيف عنه علي نحو فعال بصدد أي عمل من أعمال التمييز العنصري.
***
وفى النهاية أختم هذه السطور، بنداء الى كل مصرى عاقل و رشيد، أياً كانت مرجعيته او مواقفه أو انحيازاته الفكرية و السياسية: " انقذوا مصر من هذه الكراهية السوداء، فالعنصرية كالطائفية تهدم وتبيد الأمم والأنظمة والدول، لا تستثنى منهم أحدا."
****
موضوعات مرتبطة:

13 يونيو 2015

شركة تنظيم حفل افتتاح قناة السويس عملت في اسرائيل

 

في فضيحة جديد لنظام الانقلاب نشرت صحيفة "التحرير" الموالية للانقلاب صورة قالت انها تثبت قيام شركة WPP متعددة الجنسيات، والفائزة بتنظيم حفل افتتاح قناة السويس بوجود سابقة أعمال لها في إسرائيل.
وقالت مها البدينى الصحفية في هذه الصحيفة ان الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة تحدث عن قيام شركة جراي وهي احدى الشركات التابعة لــ wpp بعمل وحدة لتنظيم شبكات الإنترنت بشارع تيجال ألون بمدينة تل أبيب. 
وتُظهر الصور التي حصلت عليها "التحرير" موقع عمل الشركة في إسرائيل و خريطة الموقع.
يُذكر أن الشركة WPP متعددة الجنسيات والبريطانية الأصل، يدخل في شراكتها دول أسيوية وأوروبية متفرعة على مستوى العالم إذ تضم 75 شركة مختلفة ويصل عدد مكاتبها لــ3000 مكتب موزعون على 100 دولة حول العالم، ويصل عدد موظفيها إلى 43 ألف موظف وقد وصلت إيرادتها ومكاسبها إلى 3.5 مليار في عام 1999.
ياأتى ذلك رغم ادعاء الجهات الامنية المصرية بتفريغ المتابعات الأمنية والسيادية لكل الشركات المشكوك في أمرها وقامت بإزالتها واستبعادها من تنظيم حفل افتتاح قناة السويس.




11 يونيو 2015

الى ثوار مصر .. معلومات هامة حول ما حدث فى انقلاب الجزائر

كتب - ناشط جزائري
في حملة تضليلية غير مسبوقة قام هذا الحثالة المدعو محمد قايدي برتبة لواء -يعني كان مشارك في حرب الإبادة ضد الشعب الأعزل- بتقديم محاضرة بعنوان :"هكذا نشأ الإرهاب في الجزائر، و هكذا تم القضاء عليه" ....
أنا العبد الضعيف هنا أقدّم لكم بعض جوانب الخرطي التي ذكرها هذا "الجنرال" و مع التعليل كي لا تخرج علينا "شبّيحتهم" و "نبّيحتهم" و تتهمنا بالإفتراء ....
أوّلا: استخدم النظام المجرم الحقير و من خلفه الزواف كل أنواع الترهيب و المطاردة ضد كل شخص يُشتبه فقط في كونه إسلامي، و هذا سواء كان بمواضبته على المسجد أو بحسن خلقه...و هنا تمت عملية ترويع لفئة الشباب و الكهول في خانة واحدة و عدم ترك مجال لهم إلّا بالهروب للجبال. و من كان ينتظرهم هناك ؟ فمن جانب آخر كانت المخابرات قد استلمت قوائم المحاربين الجزائريين العائدين من أفغانستان، و تم التركيز على هذا بالضبط بعد مقتل "بويعلي" و كذلك ما وقع من أحداث 1988. فالإنتقام من الشعب باستخدام الإسلاميين لم يكن محض الصدفة، بل تم التسطير له مسبقا و بيد فرنسية فاعلة.
ثانيا: الفيس قد فاز بجدارة في الإنتخابات، و لكن هل تحقّق ذلك عن طريق الصدفة ؟ في الواقع شريحة من الجزائريين و لا نقول أغلبها، مالت و انتخبت الجبهة الإسلامية للإنقاذ. و كان كذلك انتقاما من الظلم و الحڤرة و اللاعدالة التي سادت الفترة بين 1962 و 1989... هذا الفوز المستحَق للفيس، استُخدِمَ في شحن المعنويات لدى الفئة المغفّلة من الإسلاميين لإظهار نوع من "محاولة السيطرة" و التمرّد على مايُسمّى بقوانين الجمهورية -جمهورية الموز-.
ثالثا: بعد توالي الفوز بعد الآخر لحزب الفيس، بدأت مرحلة العمل الجاد للزواف. فقد أصبح حضور المخابرات الفرنسية إلى وزارة الدفاع و القيام باجتماعات دورية أمرا متكرّرا و من دون علم الرئيس الشادلي بن جديد. خلال هذه الإجتماعات تم تدريس كل فنون حروب الإختراق و صناعة الجماعات الإسلامية المزيّفة، و فرنسا بالمناسبة سبّاقة لكل ذلك، فأيام الثورة تم صناعة ما يُسمّى بجماعة "كاف" و غيرها من الجماعات التي بقيت سِرّا و لم تصل مسامعنا. معناه بأن الترتيبات لحرب الإبادة تمّت بدعم فرنسي كامل و فوق التراب الوطني و في وزارة الدفاع التي ينتمي لها هذا الجنرال الصعلوك الكذّاب.
رابعا: بعد التحضير لحطب الحرب و نشر العملاء على مستوى حزب الفيس، كان النظام الزوافي المجرم يمتلك كل الأمور بيده، و لم يبقى إلا إشعال فتيل الظلم عن طريق وقف المسار الإنتخابي. و قد وقع ذلك فعلا و بدأت حملات الإعتقال و المطاردة لكوادر الفيس، ما عزّز نوع من الروح الإنتقامية لدى المتعاطفين معه -الفيس-. و لا نخفيكم بأنّ أوّل الملتحقين بالعمل المسلّح كانوا من المقاتلين العائدين من أفغانستان و معظمهم مُخترق و غارق حتى أذنيه. لحق هذا الحدث مجموعة وقائع مصطنعة لتهريب السلاح و قتل عناصر الأمن مثل عمليّة "ڤمار" بواد سوف و غيرها، مما كان يخلق الكثير من العظمة الزائفة لدى السُذّج من أبناء الشعب، و كان ذلك دافعا لإلتحاقهم بالجبال على أمل الدفاع و استرداد حقوق المظلومين.
خامسا: لا أخفيكم أن بناء رهان حرب على اختراق مجموعة من المقاتلين العائدين من أفغانستان أوشك على الفشل، للخبرة التي اكتسبوها من الحرب ضد الروس، و هذا ما دفع المخابرات الجزائرية للتحضير لمخطط احتياطي اعتمد بالأساس على اختراق الجُهّال من الشباب المندفع و الغير متعلّم، و من هنا نجحت تجربة "موح ليفي". و التي كانت تحوّلا رئيسيا في استراتيجية جديدة تقوم على فرض النظام باستخدام العنف المفرَط. و تم تغيير استراتيجية حرب الإختراق من الإعتماد على قدماء المحاربين، إلى الترويج لمجموعة من الحثالة الذين لاعلاقة لهم لا بالدين و لا بالأخلاق.
سادسا: إن من بين أسباب فشل المخابرات الزوافية في ترويض قدماء المحاربين، لا يرجع فقط لخبرتهم، بل أيضا لوجود العقلاء و الكوادر و من بينهم محمد السعيد و عبد الرزاق رجّام رحمهما الله. و الحقيقة أن اجتماع المبايعة للجماعة الإسلامية المسلحة كان اجتماعا مخابراتيا 100%، و لم يتم فيه إعلان للنوايا الخفيّة للجماعات المخابراتية، بل كان الهدف الأساسي منه هو الحصول على مبايعة محمد السعيد و عبد الرزاق رجّام أساسا. و بعدها سيصبح كل المقاتلين في الجبال تبعا للمخابرات بطريقة غير مباشرة... و بالتحديد أنه بعد الحصول على البيعة بوقت ليس بطويل تم اغتيال محمد السعيد و عبد الرزّاق رجام بأمر من الخنزير المخابراتي جمال زيتوني.
سابعا: المرحلة الجديدة للجماعات المسلّحة المخابراتية هي تصفية كل ماهو إسلامي وفق مخطط إحصائي من وزارة الداخلية مبني على ثقل الوعاء الإنتخابي الإسلامي. و هنا أقصد أن المجازر التي أصبحت "الجيا" المخابراتية ترتكبها لم تكن عشوائية، بل كانت تنتقم من القرى و المداشر التي انتخبت لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ، و هل نطرح السؤال: "لو كان الإرهاب إسلاميا، هل يُعقَل أن تتجه الجيا لذبح من انتخبوا على مشروعها؟" أيّ إرهابٍ هذا ؟... نقطة أخرى، فالجماعة الإسلامية المسلحة شكّلت طوقا أمنيا حول العاصمة ليس لتهديد خنازير النظام، بل لحماية النظام من وصول الجماعات الغير مخترقة إليه -نفس دور داعش في سوريا- ، و كذلك لتهجير سكان سهل متيجة للسيطرة على أراضيه الشاسعة، و اذهبوا اليوم هناك و تفقّدوا سكّانه إن لم تجدوا معظمهم من خنازير النظام و الزواف على وجه الخصوص، و هذا بعد طرد سكانه الأصليين. كما لا نغفل أيضا الدور الذي لعبته فرقة الموت التي تأسست بين أسوار ثكنة بن عكنون و الذي أشرف عليها المجرم الخنزير كمال عبد الرحمن.
ثامنا: استطاع النظام المخابراتي الزوافي من إيصال صوته عن طريق صديقهم "برنار ليفي" الذي حضر بدعوة من الزواف لتقديم شهادة الزور للعالم. الإرهاب المخابراتي الزوافي ذبح في بن طلحة و الرمكة و الرايس... وووو.... بعدها تم تسويق رواية الإسلاميين هم من يذبحون و يقتلون في الجزائر - الإسلاميين أيضا ذبحوا و قتلوا، لكن ليس بمستوى الجيا التي مارست القتل الممنهج-... و عندما تأكّد النظام الزوافي من ترويض الشعب، بحثوا عن صعلوك ذو سوابق عمالة و خيانة، و أتوا لنا بالدجال بوتفليقة لفرض "المكالحة" الوطنية، و في المقابل الإحتفاظ بالجماعة المخابراتية المسلحة و مقايضة نشاطها بجلب "أفريكوم" مقابل السكوت عن حرب الزواف ضد الشعب الأعزل. و قد لبست الجماعة المخابراتية المسلحة أثوابا متعددة وفق إملاءات خارجية بالدرجة الأولى و داخلية للإبقاء على قدر معيّن من العنف لترهيب الشعب في حال ما فكّر في معارضة النظام الزوافي الإرهابي. فمن الجماعة الإسلامية المسلحة إلى الجماعة السلفية للدعوة و القتال، ثم إلى القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و اليوم تنتظر الشارة الخضراء لتحمل إسم "داعش"... و الغرض من ذلك بسيط... إن انتهى الإرهاب من الجزائر، سيسقط خنازير النظام الزوافي الإرهابي.
تاسعا: يتحدث هذا الجنرال الصعلوك عن مسيرة الإرهاب في الجزائر ، لكنه لم يشرح لنا لماذا الإرهاب في الجزائر فقط دون غيرها ؟ لماذا صرفت الجزائر 100 مليار دولار على السلاح و لا يزال الإرهاب يضرب هنا وهناك ؟ لماذا لم يتجرّأ هذا الإرهاب على ضرب أنابيب النفط الذي يمثّل شريان الإقتصاد لتركيع النظام ؟ لماذا استهدف الإرهاب أبناء الشعب الأعزل ولم يقتل ضابطا واحدا إلا أولئك الضباط الذين عارضوا ترويع الشعب ؟ لماذا ضرب الإرهاب في كل ربوع الوطن إلا في ولايتي بجاية وتيزي وزو ؟ لماذا ينتمي الجيل الجديد من الأثرياء إلى منطقة القبائل ؟ ونحن في 2015 و قد قلتم الإرهاب قد انتهى أو أنه يعيش الربع الأخير، فلماذا تظهر التهديدات و الأعمال الإرهابية كلّما رفع الشعب مطالبه ؟
كل هذه الأسئلة لم يتطرّق إليها لا هذا اللواء الصعلوك و لا الحضور من المغفّلين... في جملة أخيرة أقول "كلما ظننتم أنّ كذبكم بلغ عنان السماء، أمطرته حقائقنا لينهار على رؤوسكم

أيمن خالد يكتب : تنظيم الدولة: الفائز الأكبر في الانتخابات التركية

بلا منازع، فاز «تنظيم الدولة الاسلامية» في أعقاب انتهاء الانتخابات التركية، لأن نظرية هذا التنظيم أثبتت صحتها لاتباعه السابقين والجدد، الذين سيزحفون اليه من مختلف الاماكن بشكل أكبر خلال العامين المقبلين، مع احتمال تبدلات هائلة في الجغرافيا، وغرق المنطقة وسط هالة دموية مرعبة.
في التفاصيل، المعارضة التركية وإسرائيل ووسائل إعلام غربية عديدة هللت لتقدم المعارضة على حساب حزب العدالة، وهو تقدم له ما بعده، فبالنسبة لحزب العدالة والتنمية، خسر الأغلبية التي كانت ستتيح له نقل تركيا الى مصاف الدول الكبرى، وستفرض حينها رؤيتها السياسية التي تصل حد إنهاء النزاعات في المنطقة، ولأن هذا غير مطلوب فقد حشدت واشنطن وأوروبا كامل طاقاتها، وعمل الجميع معاً لمنع تحقيق المعجزة التركية، وهو باختصار الملف الأول الذي نتحدث عنه، فالمطلوب تراجع الاقتصاد والسياسة التركية، لصالح حروب تفتيت المنطقة، وهنا كان «تنظيم الدولة» يثبت لعناصره نظريته، أن الانتخابات غير مجدية، وأن الأقليات يجب ألا يكون لها أي صوت، لأنها في النهاية ستتعامل مع الخارج، وأن الحلول السياسية هي مضيعة للوقت، وأن خيارات المنطقة تعنى بتحقيق معادلة كل شيء بالقوة.
ساهم في صناعة هذه النظرية في تركيا من الناحية العملية، الاحزاب التي تكاتفت معاً لإسقاط حزب العدالة والتنمية، وعلى رأسها جماعة فتح الله قولن، وهي المجموعة الاسلامية الأكبر، التي تحالفت مع أعدائها الطبيعيين، وبررت لنفسها مواجهة حزب العدالة، مع أنها في الوقت نفسه كانت تقف في تحالف ضم كل الأعداء التاريخيين، مضافاً اليهم الاعداء من الناحية الاخلاقية، فقد كان في صف المعارضة ايضا من المثليين جنسياً والذين استفادوا من وقوف مجموعة فتح الله قولن ضد حزب العدالة، ثم يأتي حزب السعادة، الذي كان يعلم أنه لن يحصل على نسبة مفيدة له، لكنه فقط دخل الانتخابات بقصد تشتيت الاصوات ومنعها من الوصول لحزب العدالة، والذي بسببه فقد حزب العدالة ثلاثة بالمئة من الاصوات، ثم يأتي طرف ثالث وهو المجموعة السلفية، وهذه تضم نخبة واسعة من الشباب التركي، وهذه لا تؤمن بنظرية الانتخابات، وبالتالي هي وقفت على الحياد وبوقوفها على الحياد منعت نسبة كبيرة من الاصوات كانت تخدم حزب العدالة والتنمية.
المعادلة الثانية تكمن في المستقبل، فإذا أرادت المعارضة أن تستمر تركيا بالتقدم على المستوى الاقتصادي والسياسي، فعليها أن تتحالف بشكل جيد مع حزب العدالة، الذي بإمكانه المحافظة على المعجزة الاقتصادية، وفي حالة استمرار هذه الحالة، فلن تواجه تركيا مشاكل كبرى، وفي حالة النقيض من ذلك فسوف تتحول تركيا إلى قنبلة موقوتة، تضم عشرات الملايين من البشر، وهذه القنبلة الموقوتة سوف تؤثر على عموم المنطقة وكامل الجغرافيا المحيطة. أما في الحالة الراهنة، فالمنتصر لا يزال «تنظيم الدولة»، الذي يتمنى وصول تركيا الى حالة من الانقسام والضعف، عند ذلك سيكون تنظيم الدولة هذا المقيم في الصحراء، القوة الاقليمية، الكبرى هو الذي سيتحكم في المنطقة، وهو الذي سيديرها، وهو الذي سينشئ امبراطورية من لبنان حتى بغداد وحتى مكة.
الشبان الاتراك الذين قاتلوا في البوسنة وافغانستان والشيشان، أيام حكم العسكر، سيكونون أكبر رافد لتنظيم الدولة الاسلامية في حال تراجع دور الحكومة المركزية.
أخيراً اقول للإسلاميين في تركيا، بعد خيانتكم لمصالح أمتكم، استفيدوا من نصائح الامريكان، وكرروا تجربة حزب النور السلفي في مصر الذي ساهم في ذبح الثورة المصرية، وفي نهاية المطاف اصبح هذا الحزب تحت أقدام العسكر.
٭ كاتب فلسطيني



10 يونيو 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: رؤية السيسى

يتساءلون كثيرا عن رؤيته، ويعاتبونه على انه لم يعلن بعد عن خططه واستراتيجياته الرئيسية والكبرى، أو عن توجهاته الفكرية والسياسية، وانحيازاته الاجتماعية والطبقية.
رغم أن كل ذلك واضح وضوح الشمس لمن يريد أن يرى!
***
· فهو مع ثورة يناير فيما يخص ازاحة حسنى مبارك فقط، وافشال مشروع التوريث، فلولاها لما اصبح وزيرا للدفاع و رئيسا.
· ولكنه فيما عدا ذلك مباركيا أصيلا، يدافع عن النظام الذى ينتمى اليه، والذى خدم فى مؤسساته وتقلد فيه كل مناصبه، ولذا يستميت لإعادة احياءه واسترداد هيبته وسيطرته على كل اجهزة الدولة ومؤسساتها من شرطة وقضاء واعلام، والانتصار والثأر لتحالفته وانحيازاته الرئيسية، مع الحرص الكامل على تصفية كل مكتسبات ثورة يناير وأحلامها فى الحرية والكرامة والعدالة، التى يعتبرها كوارث.
· لقد تربى فى مدرسة أن الرئيس هو الدولة هو مصر، لا مكان فيها لمن يعارضه، واليوم أصبح هو ناظر هذه المدرسة.
· تستطيع ان تعتبره نظام مبارك الفتاة، مبارك موديل 2015، أو "بن على" تونس 1987.
***
· وهو ساداتيا حتى النخاع فى توجهاته الاقتصادية وإنحيازاته الاجتماعية والطبقية، رأسمالي التوجه شديد الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولى وكتالوج النيوليبرالية، يؤمن بالاقتصاد الحر وريادة القطاع الخاص، وفتح الاسواق للرأسمال الاجنبى، وتشجيعه بكل التسهيلات والإعفاءات أو التخفيضات الضرائبية. ورفع يد الدولة عن الاقتصاد، وإلغاء الدعم وإفقار الناس وتجاهل مطالبهم واحتياجاتهم، وتعويم الجنيه والخصخصة وتحصين صفقاتها. وهو يؤمن بأن القطاع العام ودعم الفقراء خرب البلد. وينتقد طول الوقت العمالة المصرية التى لا تنتج بقدر أجورها، ولكنها تنشط فى الاضرابات والمطالب الفئوية التى تعطل الانتاج وتضرب الاقتصاد.
· ولكنه قد يستدعى الخطاب الاشتراكي وقت اللزوم مع خصومه من رجال الأعمال، حين لا يتبرعون له ولصناديقه بما فيه الكفاية، أو حين تستضيف احدى قنواتهم الاعلامية معارضا أو ناقدا لسياساته، حينئذ يتهمهم بالسرقة وتهريب الاموال، والفساد والرشوة، والتهرب من الضرائب، ويطلق صبيانه لابتزازهم، ملوحين بالتأميم والمصادرة.
· وهو "ساداتيا أرثوذكسيا" أيضا فى تحالفه مع اسرائيل وتنسيقه معها وفى اخلاصه الوجدانى غير المحدود للسلام معها. بل انه يعتمد عليها فى حلحلة الموقف الأمريكى والدولى تجاهه، وهو ما نجح فيه بجدارة، فلأول مرة فى التاريخ، تضغط اسرائيل على الادارة الأمريكية لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر.
· ولكنه يستدعى الخمسينات والستينات حين يتعلق الموضوع بقضايا الحريات السياسية، أو الدفاع عن تغول الاجهزة الامنية وتجاوزاتها، أو باعتقال واعدام الخصوم السياسيين، أو حين يريد نقد الأحزاب وتشويهها وتهميشها، أو تمرير تزوير الانتخابات أو الترويج لخطورة الحرية والديمقراطية على الامن القومى.
· وهو يستدعي هذه المرحلة أيضا فى مواجهة المطالبين بدولة مدنية، ويؤكد دوما على تفوق العسكريين فى الحكم والإدارة، ويستخف بالمدنيين ويحتقرهم ويتهمم بالفشل والعجز الذى كاد أن يضيع البلد بعد "كارثة" الثورة. ويؤكد فى كل مناسبة على أن الجيش هو الحل الوحيد، ولذا يركز رجاله دائما على ان عبد الناصر بكل زعامته ووطنيته كان عسكريا. 
***
· يرسم له اعلامه ورجاله أمام الكاميرات، صورة الرجل الوطنى المعادى للأمريكان، ولكنه فى الحقيقة وفى الكواليس هو حليفا مخلصا و أمينا لهم. قالها صراحة فى حديثه لصحيفة وول ستريت (( بأن علاقته الاستراتيجية بأمريكا أهم لديه من أى شئ آخر، وانه لن يدير ظهره لها أبدا، حتى لو أدارت له ظهرها.)) وهو يعمل على صيانة ودعم وتجديد التحالف العسكرى معها، ويحرص على مواصلة تقديم كل التسهيلات والتشهيلات لقواتها فى قناة السويس والمجال الجوى وفى كل حملاتها العسكرية فى المنطقة. كما أنه على غرار أسلافه، يقبل ويبارك استمرار وجود قواتهم فى سيناء ضمن الـ MFO.
· صحيح أنه حريص على تنويع علاقاته الخارجية مع الدول الكبرى، ولكن بالقدر الذى يثير الادارة الأمريكية ويدفعها الى الرضا عنه والاعتراف بشرعيته، وتجديدها لدور مصر الحليفة والتابعة تحت قيادته.
· وهو أسد على شعبه وخصومه ومعارضيه، وحمامة امام الامريكان والأوربيين واسرائيل ومجتمعهم الدولى.
· ومشكلته مع هذا المجتمع الدولى، ليس هى قضية الاستقلال والتحرر من التبعية التى كنا نحلم بها دائما، وانما هدفه الرئيسى هو الاعتراف الدولى بشرعيته، بأى ثمن.
· وهو تاجر شاطر، يجيد عقد المقايضات الدولية، اشترى رضا واعتراف فرنسا، بـ 5.2 مليار دولار قيمة صفقة الـ 24 طائرة الرافال، ورضا واعتراف المانيا بـ 8 مليار يورو قيمة صفقة محطات الكهرباء مع شركة سيمنز.
· وهو قومى عربى حين يتعلق الأمر بأموال السعودية والخليج، ولكنه شديد العداء للعروبة فى كل ما يتعلق بفلسطين والصراع العربى الصهيونى، او بالمشروع الأمريكى فى المنطقة وحروبه بالوكالة.
· هو يصرح على الدوام، مثله مثل باقى الحكام العرب، على أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها، ولكنه يحاصر الفلسطينيين فى غزة ويغلق معبر رفح رغم هدمه الانفاق التى رفض مبارك هدمها. وينحاز الى اسرائيل فى عدوانها الأخير على غزة، ويشيطن الفلسطينيين، ويتفهم مخاوف اسرائيل النووية حسب تصريحه الشهير مع الواشنطن بوست.
***
· وهو علمانيا مع العلمانيين ضد خصومه من الاسلاميين، يهاجم توظيفهم للدين سياسيا، ويتهمهم بالتخلف والانتماء للعصور الوسطى، ويستشهد بتقدم الغرب بعد نجاحه فى فصل الدين عن الدولة. ويستخدم هذه الورقة كثيرا فى مغازلة الغرب، الذى يطلق عليه بعض اعلاميوه لفظ "المصلح المنتظر للاسلام"!
· ولكنه يغير موقفه 180 درجة، ويتراجع تماما عن فصل الدين عن السياسة، حين يقوم بتوجيه وتوظيف المؤسسات والقيادات الدينية، للترويج له ولسياساته.
***
· وهو مع الاحزاب فقط حين تطالب بإقصاء الاسلاميين، ولكنه ضدها حين تريد القيام باى دور سياسى حقيقى ومستقل، فحينئذ يعمل على تشويهها وعزلها وإضعافها وتهميشها .
· هو يؤكد دوما على قرب اجراء الانتخابات البرلمانية، ولكنه لا يريدها الا بعد أن يضمن انها ستسفر عن برلمان أليف وتابع وخاضع، ولذا تتآمر اجهزته طول الوقت لتعويق او اجهاض أى احتمال لوجود برلمانا مستقلا أو معارضة حقيقية.
· هو مع حرية الاعلام حين يدعمه ويدافع عنه ويروج له ويأتمر بأوامره ويحرض ضد خصومه ومعارضيه.
· ولكنه ضده حين يعارضه أو ينتقده، لا تأخذه فى ذلك رحمة بأى صحيفة أو قناة أو كاتب أو اعلامى، فيطلق عليهم أجهزته وصبيانه للإغلاق أو للتشهير والتخوين.
· وبصفته ضابط مخابرات سابق، فانه يجيد توظيف ما لديه من ملفات ومعلومات وأسرار عن فرقاء السياسة والإعلام والفن والثقافة، فى الضغط والترويض والتجنيد والمساومة والإغواء والإحتواء، ليشكل منهم ظهيرا سياسيا نخبويا، يضفى عليه شرعية شعبية زائفة.
· يدافع كثيرا عن خريطة الطريق والديمقراطية والانتخابات النزيهة فى اللقاءات الدولية، ويعصف بها فى الممارسة الحقيقية.
· يكره الحريات السياسية وحقوق الانسان حتى النخاع، ويعاديها ويتهمها دوما بانها تهدد الامن القومى.
· يدافع بشراسة عن استقلال القضاء المصرى فى المنابر الدولية، ويقسم انه لا يتدخل فى شئونه وليس له سلطة عليه. اما على أرض الواقع، فهو من أهم أدواته التنفيذية للعصف بمعارضيه.
· يهاجم صناديق الانتخابات حين تأتى برئيس من خارج الجيش ويدافع عنها حين تأتى به. ويعاقب كل من تجرأ على التفكير فى المنافسة أو المشاركة فى حكم مصر، بالتصفية قضائيا أو سياسيا أو "معنويا". تماما على غرار ما حدث مع نعمان جمعة و أيمن نور بعد الانتخابات الرئاسية فى 2005.
· يدافع عن 30 يونيو و 3 يوليو، فيما اعطته من غطاء سياسى للاستيلاء على السلطة، ولكنه بعد ذلك يهاجم كل شركائه فيها، ممن صدقوا خريطة الطريق ويطالبوا بتفعيل الدستور وتداول للسلطة وبديمقراطية حقيقية.
***
· يكافح الارهاب فى مصر مرة، ويتاجر به مرات، ولكنه يمارس ارهاب الدولة ضد معارضيه ألف مرة.
· فهم يحكمون الشعب المصرى اليوم بسلاح الخوف، يختلقون أخطارا وهمية، او يضخمون الاخطار القائمة، لإثارة الرعب بين الناس؛ الرعب من الارهابيين والاسلاميين، ومن شباب الثورة أو من أى صوت معارض، ومن مصير سوريا والعراق، ومن المؤامرات الخارجية والطابور الخامس والجيل الرابع والفوضى وانهيار الدولة...الخ، ثم بعد ذلك يعصفون بحقوقنا وحرياتنا بذريعة حمايتنا من الأخطار التى اختلقوها.
· وسيكتب عنه التاريخ انه صنع بيديه اخطر بيئة حاضنة لتفريخ الارهاب والارهابيين، دفعت آلاف من الشباب الى الكفر بجدوى السلمية.
· أليس هو صاحب التحذيرات القديمة الشهيرة، بخطورة تهجير اهالى سيناء، واخلاء الحدود، واستخدام القوة فى مواجهة السكان، لما يمكن أن تؤدى اليه من غضب شعبى وتفشى الارهاب وحرب أهلية طويلة. قبل أن يصدر قراراته الأخيرة، بتهجير الاهالى وهدم المنازل لإقامة المنطقة العازلة التى لطالما طالبت بها اسرائيل.
***
· يقدم خطابا هادئا مهذبا ودودا معتدلا فى لغته ومفرداته، ولكنه يطلق اعلامييه على المعارضين، ليتولوا بدلا منه مهام السب والقذف والتشويه، التى لم نراها من قبل فى أسوأ عصور الاستبداد.
· لقد خلق أجواء مسمومة، خانقة الجميع، تزخر بالابتذال والنفاق والمنافقين والحصار والحظر والتهديد والترهيب والتحريض والكراهية والانقسام، مع اغلاق كل المنافذ للتعبير أو التنفيس أو الدفاع عن النفس فى مواجهة حملات الظلم والتشهير والتخوين.
· فى أحاديثه، يعطيك انطباعا بانه لا يستطيع ان يؤذى بعوضة، ولكن ملف حكمه حافل بجرائم القتل والتعذيب والاعتقالات والإعدام بالجملة والعصف بالحقوق والحريات.
· يتحدث كثيرا عن وعوده المستقبلية وانجازاته الداخلية ومشروعاته القومية ومؤتمراته الاقتصادية ومقاومته للفساد...الخ، ولكن مع شيوع القهر والقمع والاستبداد، وفى ظل اعلام مؤمم وموالى ومنافق، وفى ظل تعتيم وانعدام كامل للشفافية، ومع غياب للبرلمان ولأى رقابة شعبية، وقتل للسياسة وتضييق ومطاردة للمعارضين، وهيمنة كاملة على السلطة القضائية... الخ، فى ظل كل ذلك، من يستطيع أن يميز الحقائق من الأكاذيب؟ ومن يستطيع أن يناقش ويفند وينتقد ويكشف؟
***
· وهو صاحب شخصية نرجسية، تفشل فلاتره كثيرا فى إخفائها، وتفضحها بعض تصريحاته "المرتجلة"، وآخرها كان تصريحه الغريب "الطريف" غير المسبوق مصريا او عالميا من أى رئيس أو مسؤول، فى لقاءه بالجالية المصرية فى ألمانيا، حين قال أن الله منحه هبة أن يكون كالطبيب القادر على الفهم والتشخيص. وأن ساسة العالم وفلاسفته ومخابراته وإعلامه أصبحوا يتسابقون اليوم للاستماع اليه والتعلم منه.
*****
موضوعات مرتبطة :

07 يونيو 2015

محمد رفعت الدومي بكتب: أبو خليل .. خاتم الزِفَريين!

كتبت من قبل كلامًا عن "أحمد البدوي" حاولت من خلاله تبديد غيظي من استثناء التنظيمات الصوفية من المرور تحت أقواس القانون المصري! 
تعقيبًا علي مكيدة نُسِّقت في أرض "العراق" وقع الاختيار عليه للقيام بها وفد "البدوي" عما عقودٍ من إخراج مصر عن النطاق الشيعي، ولولا يقظة "الظاهر بيبرس" وصلابة عضلات دولته لنجح في استردادها جغرافياً كما استردها روحيًا بحيلةٍ بسيطة، لقد أحدث تشويهًا في الصورة الذهتية لنبيِّ الإسلام عبر تسفيه بعض القيم التي نادي بها، واستحدث أفقاً جديدًا يهدِّئ الإحساس بالقهر والمعاناة من خلال رفع الحصار الديني والعزلة عن بعض ما يروق العوام ويستحوذ علي حواسهم ويلهيهم، ببساطة، لقد أضاف إلي لهجات المصريين عبارة  يكتب: "البساط أحمدي" فبهتت إلي حد بعيد تلك الحدود العازلة بين ما هو حرام وما هو حلال!
كان الفاطميون قد سبقوه إلي القيام بانقلاب روحي أسست فيه الذات المصرية وعياً جديدًا يهتم بالظاهر علي حساب الباطن ما زالت مظاهره باقية، كاختزال مولد النبي في "عروسة المولد"، وتجليات الصوم في "فانوس رمضان"، و ظهور سيرة "عنترة بن شداد" لإلهاء الناس عن فضيحة جنسية اشتعلت في قصر الخليفة وتجاوزت أسواره، لقد أحرقوا الكثير من الأوراق المقدسة ليشعلوا فتيل سؤال لم ينطفئ بعد:
- أي نسخة من الإسلام هي الصحيحة؟ 
آنذاك، وصفتُ التنظيمات الصوفية بـ "محليات المتعة" لإيماني الغائر بأنها عائقٌ في طريق الديمقراطية أشد خشونة من "المجالس المحلية" علي الرغم من فداحة دور الأخيرة في منظومة الفساد المتجذر، وصفتهم أيضًا بالحشرات الضارة التي تتناسل بطنينٍ مسموع حول شرج كل نظام ديكتاتوري، فلا دين لهم إلا المتعة، ووطنهم محله المعدة، وكل منتسب إلي طريقةٍ صوفية هو بالضرورة "زِفَرِي"!
حتمًا، في ذاكرة كل من عاش في قري الجنوب في السبعينيات وما قبلها صورة ذلك الرجل الذي يرتدي علي الدوام ثوبًا شديد الاتساخ وملطخاً بالدهن،والذي، تسبقه رائحة جسده الزهمة بخطوات إلي أعماق البيت الذي يتوقف عنده ليقول لصاحبته في ذلة مقصودة:
- أمانة حتة "زفر"!
الإسم الدارج للحم في لهجات الجنوب، وربما الشمال، ومن هنا اكتسب "الزِفَرِي" كنيته التي تراجع أمامها اسمه إلي خلفية مهجورة، وهو، عندما يواجه غالبًا بنظرات الأم الصلدة لم يكن ينسحب أو يستسلم، إنما يختبر دائمًا أساليب أخري أشهرها التودد إلي عذاري البيوت بالعزف شعرًا علي وتر العفة لشهرتها في إرضاء قلب الأم قبل ابنتها، فكلهنّ بلا استثناء:
كريمة من بيت كريم / ما تطلع العيبة منها
تِطُلّ م البيت كـ "ريم" / عدرا.. وأبوها ضامنها
لقد اكتسب بالإخلاص لزفريته، وبالتجربة، نظرة تمكنه من قراءة الأعماق بسلاسة، لذلك، لم يحدث أبدًا أن غادر القرية قبل أن يملأ معدته بالطعام، وجيوبه أيضًا! 
هذه الشخصية لم تختف من المجتمع المصري إنما استدارت وذابت قطرة قطرة في مجتمعات الصوفية الدنيا..
ويختلط لدي الغيظ برحم الحكايات، لعل حكاية العم "محمد أبو شومان" التي لا أزهد في ترديدها هي الأفضل لتعرية المجتمع الصوفي وتشويهه كمجتمع اعتباطي!
كان العم "أبو شومان" واحدًا من صناع البهجة ونجمَ أمسيات "الحضرة الشومانية" التي اقتطفت القرية من حوافها جذوات وجذوات من نار المرح الداخلي، وكان الكبار أحيانًا ينطقون اسمه متبوعًا بـ "محسوب البدوي"، وهذا كان كافيًا لأن يكون له نصيب موسمي من محاصيل القرية!
ذات ليلة، عندما تأكد من إمساكه بأزمة الرجال المترنحين علي الحافة الغامضة، وتحولهم التام إلي مفردات روحية متناغمة، استغرق العم "محمد" في حالته، وأنشد بنغمٍ سُكَّريٍّ:
- ساكن طنطا و فـ مكة صلاااااتو!
تلك اللحظة، اقتحمت الخالة "صِدِّيقة" حالته، وألقت عليه مذعورة نبأ شجار عائليٍٍّ كان لا يزال نشطاً حول بيوتهم، وأضافت، أن العم "حلاتو" الطوَّاب، كان في زيارة لأخته وتدخَّل كطرف أصيل في المعركة! 
تحلل تعبير الرضا علي وجه العم "محمد" سريعًا إلي غضب حقيقي، ولعله لم يتمكن من الانسحاب من حالته في الوقت المناسب، أو، لعله الذعر من تهورات العمِّ "حلاتو" الشهيرة هو ما جعله يُعنِّف الإيقاع ويسأل زوجته بنغم عدائي:
- وايش دخََّلوو فيها حلااااااتو؟!
حكاية أخري يضفي عليها المكان الذي كان مسرحًا لها خصوصية وبعدًا ساخرًا، مكتب مدير معهد الأورام يا سادة، مكان يفترض أنه أحد أهم المراكز البحثية في مصر، وكم ذا بمصر من المضحكات!
عما شهور من ثورة يناير، في انتظار الدخول للقاء "د. علاء حداد" كنت أجلس إلي جوار آخرين وصيدلانيتين قبطيتين، إحداهما ملكة جمال حقيقية، عندما بدأ صوته يلاحقنا وهو يتوعد مديرة المكتب في تحفز يليق بجنرال كلاسيكي:
- والللاهي .. أدعي عليكي!
كان أمرًا غريبًا أن يتحدث هكذا شئٌّ يرتدي في القرن 21، وبعد ثورة عظيمة، جلبابًا قصيرًا أخضر اللون وجوربًا أحمر وينتعل حذاءًا رديئاً، مع ذلك، هو أغلي منه قيمة، وليس من رأي كمن قرأ.. 
الأغرب هو أثر وعيده علي المرأة التي من المؤكد أنها كانت تعرفه، فهي، بلهجة تنم عن خضوع، كانت تردد مذعورة:
- أمانة عليك لا يا شيخ ...
عندما رضخت له وخرج أخيرًا توقف في مواجهتنا تمامًا وهو يحاصر أجمل الصيدلانيتين بنظرات لم أكن أتصور أبدًا أنها ستنجو من أطرافها الحادة، وقال لها كأنما للجميع:
- سلامو عليكم!
فأجابه الصمت، لقد أرسل كلٌّ منا عينيه بعيدًا واحتجز ضحكاته، وأمام هذا التيار من الإحتقار المتعمد لم يجد " النطع" بدَّاً من أن يستدير ويمضي، عندما ابتلعته مسافة كافية اندلعت ضحكاتنا دون تحفظ!
وآخر "زفري" وقع عليه اختيار أبينا الذي لم يعد مجهولاً في المخابرات لتبليغ رسالته هو "أبو خليل" الذي، لتواضعه الشديد، لم يدعي الألوهية واكتفي بادعاء النبوة فقط في كرنفال لم يغب رقصُ البطن عنه ولا الخمور والمخدرات!
ولحظة من التفكير السليم تكفي للتوجس من توقيت ظهور "أبو خليل"، وتفرض قراءة الحدث لا في ضوء الحرب علي الإسلام، فهذه بديهية تم تجاوزها وباتت في الخلف، إنما في ضوء ذعر النظام من ارتقاء الصراع ذروة سوف لا يستطيع بعدها أن يجد له موطأ قدمٍ في اقتصاد مصر ولا سياستها، لذلك، كأنه يخطط لمعركةٍ يحلم بأن تبدو للعالم لا أهلية فقط إنما للطائفية فيها نصيب!

أحمد جميل عزم يكتب: مخططات لإعادة استعمار العرب العام 2017؟


نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية؛ إحدى أشهر الدوريات العالمية، والقريبة من مراكز صنع القرار الأميركي، مقالا الأسبوع الماضي، يدعو لعودة الاستعمار إلى الشرق الأوسط. فقد جاء عنوان المقال ""إنّه الوقت لعودة الإمبريالية للشرق الأوسط". لكن الانتقادات أدت إلى تغيير عنوانه على موقع المجلة الإلكتروني.
كاتب المقال هو روبرت كابلان، أحد أشهر الكتاب الأميركيين والعالميين، وهو مسؤول سابق عمل في رسم سياسات وزارة الدفاع الأميركية، عقب وصول الرئيس الأميركي الحالي إلى البيت الأبيض، العام 2009. كما عمل أيضاً مستشاراً للجيش الأميركي، ويعتقد أنه ساهم في التخطيط لحرب العراق العام 2003. وهو كذلك جندي سابق في الجيش الإسرائيلي، حيث عاش سنوات بعد فشله في الحصول على عمل بعد تخرجه من الجامعة، قبل عودته ليصبح واحدا من أشهر الصحفيين العالميين، وليصنف أحد أبرز المفكرين العالميين أيضا. 
يعتقد كابلان أنّ الصراعات الدموية التي يعيشها الشرق الاوسط حاليا، هي نتائج مرحلة ما بعد الاستعمار. وأنّ المنطقة لم تستطع التعامل مع سقوط ثلاث قوى استعمارية سيّرتها في القرن الماضي؛ العثمانيون، والأوروبيون البريطانيون والفرنسيون، والقوة الأميركية العظمى التي يقول إنّ فيها كل مواصفات الإمبراطورية سوى الاسم، وأنّ إنهاء أوباما تدخله في ضمان استقرار المنطقة، يجعل المرحلة أيضاً مرحلة "ما بعد الاستعمار" (الأميركي). 
ويقول إنّه إضافة لذهاب الإمبراطوريات الاستعمارية هذه، ذهب أيضاً دكتاتوريون مثل صدام حسين ومعمر القذافي وتقهقر بشار الأسد، وهؤلاء جميعاً كانوا من معالم مرحلة ما بعد الاستعمار والتكيف معها، وأنّهم بنوا حكمهم على أساس مقارعة الاستعمار، وكل "الربيع العربي" هو برأيه نتائج انهيار السلطات المركزية، وليس بسبب السعي للحرية، أي إن غياب الاستعمار والدكتاتورية هو سبب الحروب الدموية الراهنة. 
وبرأيه أنّه باستثناء مصر والمغرب وتونس التي كانت يوماً دولا قبل الاستعمار الأوروبي، فإنّ الدول الاصطناعية التي نتجت عن الاستعمار، بما فيها العراق وسورية والجزائر، لم ينجح أحد في حفظ الاستقرار فيها إلا دكتاتوريون وحكم شمولي، مستثنيا الأردن الذي فيه حكم هاشمي معتدل. 
بالتالي، يعتقد كابلان في مقاله أنّ الرئيس (أو الرئيسة) الأميركي الجديد، بدءا من العام 2017، يحتاج لاستعادة النفوذ الإمبريالي الغربي، "باسم آخر طبعاً". ويقول إنّه كان أسهل للأميركيين ممارسة هذا الاستعمار من خلال رؤساء دكتاتوريين، لكن عدة دول تفتقد لمثل هؤلاء الآن. ويقول إنّه لا معنى للحديث عن نشر الديمقراطية، لأنّه من دون استقرار لا توجد ديمقراطية، وأنّ الاستقرار هو الأساس، وأنّ الصراع الشيعي-السُنّي الحالي بمركزيه إيران والسعودية صار يحدث داخل الدول وليس بينها. 
بعد الانتقادات، جرى تعديل عنوان المقال على موقع المجلة إلى "حطام الإمبراطورية في الشرق الأوسط". وقال كابلان معلقاً إنّه كان يفضل عنوان "أهلا في "شرق أوسط" ما بعد الاستعمار". وادعى أنّه لم يقصد ضرورة عودة الاستعمار، بل يدعو كذلك لتفاهم مع إيران، وإلى منهح أميركي متحفظ في الشرق الأوسط. لكن إنكاره لا يتضمن إلغاء قوله إنّ الدكتاتورية كانت أفضل، وإنّ النفوذ الاستعماري هو المطلوب. 
بطبيعة الحال، بإمكان كابلان أن يستخدم ذات الذريعة التي استخدمها كثيرون جداً لتبرير الاستعمار مع ادعاء الحرص على الحرية، بدءا من جون ستيورات مل (1806-1873)، الذي برر استعمار الهند وغيرها بحجة تأهيل الشعوب البربرية لتصبح راشدة قادرة على تقرير شأنها بنفسها. وهو المنطق ذاته لفرض الوصاية والانتداب من عصبة الأمم كغطاء للاستعمارين الفرنسي والبريطاني. 
إنّ عودة الجمهوريين وبعض الديمقراطيين للحكم في البيت الأبيض، يمكن أن تأتي فعلا بمن يؤمن بمثل هذه الأفكار، التي ستأخذ شكل تعزيز نفوذ دكتاتوريين دمويون يحفظون المصالح الاستعمارية سراً أو ضمناً، ويناهضونها علناً، أو حتى من دون مناهضة، بل تبرير أي قمع بحفظ النظام، بعد أن كانوا يبررونه في الماضي بمناهضة عملاء الاستعمار. والمشكلة أنّ هذا التقاء في مصالح الدول الكبرى وتقريباً معظم الحكام الحاليين أو الممكنين. وأمثال كابلان ربما سيكون دورهم التخطيط للاستعمار باسم آخر، وربما بأدوات وأشكال مختلفة.
* الغد الأردنية

04 يونيو 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: حين ثار القضاة للحرية والكرامة الوطنية

يكذب النظام ويضلل الناس، حين تدعى قياداته وإعلامه وحاشيته أن الثورة والحريات كانت فوضى وكوارث هددت الدولة وأمنها القومى وكادت أن تعصف بهما، وانه لا محل لها لعدة سنوات قادمة، قبل أن تسترد الدولة عافيتها وهيبتها، وأن الحديث عن الحرية والديمقراطية والحقوق السياسية وحقوق الانسان، هو ترف لا قِبَّل لمصر به الآن.
يكذبون لأنهم يعلمون أن محاربة النظام ودولته العميقة، للثورة وتخريبها هو الذى خلق الفوضى منذ الساعات الاولى، وليس العكس.
وتخطئ تلك القلة من القضاة التى ارتضت أن تكون مطارق فى أيدى السلطة التنفيذية، تستخدمهم متى وكيفما تشاء، للعصف بالدستور والقانون والعدالة، وبالحقوق والحريات، وبالمعارضين والخصوم السياسيين. فهم بذلك يرسمون صورة كريهة ومشوهة عن القضاء والقضاة، صورة ستضعهم فى عداء وخصومة مع جموع الشعب المصرى لسنوات وربما لعقود طويلة، بدلا من صورتهم السامية والمقدسة كحراس للعدالة، وكحماة ودروع لصد شرور وانتهاكات واعتداءات وتجاوزات وتغولات النظام الحاكم وأجهزته الامنية. انهم ينقلبون على تاريخ وطنى عريق ومشرف كان فيه "غالبية" القضاة فى طليعة النخبة الوطنية المصرية، يدافعون عن استقلال البلاد وحرية وكرامة مواطنيها فى ذات الوقت.
***
ومن باب التذكرة والتأكيد والتحذير، دعونا نسترجع ونستلهم تلك المبادرة الوطنية الشجاعة التى طرحها قضاة مصر بعد العدوان الامريكى على العراق فى 2003، وبعد الهزيمة المروعة والانهيار المزرى والمباغت للدولة العراقية ومؤسساتها أمام العدوان، وفى ظل تواطؤ عربى رسمى، حين أصدروا بيانهم الشهير والذى كان بمثابة انذار مبكر لنظام مبارك وكافة الأنظمة العربية، وصرخة غضب فى مواجهتهم، بأن الاستبداد هو الخطر الأكبر على استقلال البلاد وأمنها القومى، وهو الذى ادى الى سقوط العراق بلا مقاومة تذكر، وهو الذى سيؤدى الى سقوط باقى الأمة ان لم نتدارك الأمر ونحررها من استعباد البلاد والعباد.
لقد كان هذا البيان هو الأكثر تعبيرا عن الضمير المصرى حينذاك، وكان شرارة الانطلاق الاولى لما تلى ذلك من حراك سياسى فعال ونشيط وشجاع لأول مرة فى مواجهة نظام التبعية والتواطؤ والنهب والاستغلال والاستبداد والتعذيب والتجديد والتوريث والتزوير. وهو الحراك الذى انتهى بالنهاية السعيدة فى 11 فبراير 2011، قبل ان تنقض الثورة المضادة علي الجميع.
***
فى 24 مارس 2003 أصدر نادى القضاة البيان التالى :
((قضاة مصر، قد تدارسوا العدوان الجاري على أمتهم العربية والإسلامية في فلسطين والعراق، ودوافعه الاستعمارية والصهيونية المعلنة ... ورغبة المعتدين الصريحة في إعادة تشكيل المنطقة تحقيقا للهيمنة الإسرائيلية ... وحماية للمصالح الأمريكية بزعم نشر الديمقراطية والحرية، وتخليص الأمة من حكام مستبدين، يستمرون في كراسيهم مدى حياتهم ثم يورثونها، ويزورون الانتخابات ويحكمون بقوانين استبدادية واستثنائية، وتدارس القضاة الموقف العظيم لشعوب هذه الأمة وفي مقدمتهم شعبي فلسطين والعراق ... وكذلك موقف الحكومات العربية الذي يكتفي في الأغلب بإعلان رفض العدوان قولا، وكبت شعوبها عملا، تدارس القضاة كل ذلك وانتهت مداولاتهم إلى ما يلي:- 
أولا: إن أبرز أسباب هذه المحنة هو وهن الأمة، فلا كرامة ولا حرية لوطن لا يحمي كرامة وحرية مواطنيه، وإن تعطيل الديمقراطية الحقيقية خطأ جسيم يكاد يرقى إلى مرتبة قتل الأمة عمدا، وتمكين عدوها منها. 
ثانيا: إن واجب الحكومات العربية والإسلامية إعلان معاداتها للدول التي تشارك في العدوان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومحاربة مخططاتها بكل السبل، ورفض وجود القواعد العسكرية أو تقديم تسهيلات لها أو الاشتراك في مناورات عسكرية معها، وتقديم كل أنواع المساعدة للشعب العراقي وحكومته وللشعب الفلسطيني والمقاومة. 
ثالثا: إن واجب الشعوب العربية والإسلامية وكافة الشعوب المؤمنة بالإنسانية هو أن تجاهد بكل السبل لرد العدوان الجاري.. وتعلن عدائها للقائمين به.. وإدانتها للمتقاعسين عن دفعه، وتعمل على إعلاء كلمتها بكل السبل المشروعة مع الحرص على أمن المجتمع وحرية الممتلكات العامة والخاصة ..........))
*****
موضوعات مرتبطة:
عودة الشيخ القضاة