10 مارس 2015

المفكر القومى محمد سيف الدولة يكتب: يا خسارة يا عرب

حين كنت استمع الى خطاب نتنياهو فى الكونجرس، وهو يعبر عن خوفه الشديد من القدرات النووية الايرانية، ويشن عليها كل هذه الهجوم الشرس، حسدت ايران، وتحسرت على بؤس احوالنا فى الوطن العربى .
***
 لم يكلف نتنياهو نفسه عبء الحديث عنا، لم يضع "الدول العربية" فى جملة مفيدة، خلال كلمته الطويلة، وهو ما يكشف حجم الطمأنينة التى يشعر بها تجاهنا، فنحن وفيما عدا "حركات المقاومة" لم نعد نشكل اى خطر على اسرائيل. لم نعد نخيف أحدا، منذ ان أصبحنا جميعا دولا وأنظمة عربية أليفة وحليفة وشريكة.
 ورغم ان منطقتنا كانت هى موضوع خطاب نتنياهو من حيث موازين القوى العسكرية والمخاطر النووية، وهى المنطقة التى يمثل فيها العرب الغالبية العظمى، سواء من حيث عدد السكان او عدد الدول او مساحات الاراضى او الثروات والإمكانيات او المواقع الاستراتيجية. رغم كل ذلك الا اننا لم نعد طرفا رئيسيا او مهما فى تحديد مصائرها، فاللاعبون الرئيسيون بالإضافة الى امريكا واوروبا واسرائيل، هم إيران وتركيا.
 الجميع لهم أوزانهم النسبية فى المنطقة الا العرب، لم يعد لهم أى وزن.
 لقد تم تدويل كافة الملفات العربية، العراق وسوريا وليبيا واليمن، فلم نعد قادرين على ادارة علاقاتنا وصراعتنا معا، نحتاج الى مُحَكم و محرم دولى يجلس بيننا ويدبر لنا شؤوننا.
 يخشى الصهاينة والغرب من السلاح النووى الايرانى، ولكن لا احد يخشى من السلاح النووى العربى لانه لا احد من العرب يطالب به أصلا، او حتى يجرؤ على المطالبة به. 
 يقف عدونا اللدود فى الكونجرس رغما عن انف الرئيس الامريكى. وسط نوابه الذين لم يكفوا عن التصفيق له واقفين مهللين، ثم يتمسك حكامنا العرب بالرهان على الرعاية الامريكية لعملية "السلام".
 نتنياهو يكذب ويتحدث عن عراقة وقدم دولتهم المزعومة، ويقص أساطيره وأكاذيبه السخيفة عن تاريخهم المزيف، ونحن لا نرد ولا ننطق وكأنه يتكلم عن بلاد اخرى غير البلاد العربية وغير فلسطين.
 نتنياهو"يناضل" ضد من يراه العدو والخطر الأكبر على اسرائيل، ونحن لا ننطق بكلمة واحدة عن اسرائيل.
 كل الحديث اليوم يدور عن النفوذ الايرانى فى العراق وسوريا ولبنان واليمن، أو النفوذ التركى فى قطر، ولا حديث عن اى نفوذ عربى فى ايران أو تركيا.
 فى اليمن على سبيل المثال، تحتل ايران اليوم الدور والنفوذ والمكانة التى كانت لمصر فى الستينات.
 العراق وإيران فى حرب الخليج الأولى 1980- 1988، كانا رأسا برأس، واليوم اصبحت العراق مجرد ساحة للصراع بين النفوذ الايرانى والامريكى.
 اسرائيل لا تجرؤ على ضرب ايران ولكنها فعلت وتفعل فى فلسطين ولبنان وسوريا والسودان والعراق.
 نحن نستجدى الرضا الامريكى، ونستمرئ الاحتلال والخضوع والتبعية، وايران تفاوض الغرب رأسا براس وندا لند.
 ايران تدافع عن نفسها ونحن نستأجر الامريكان والناتو ليدافعوا عن عروشنا وكراسينا.
 ايران تدعم المقاومة الفلسطينية ونحن نتهمها بالإرهاب.
 ايران ترفض الاعتراف باسرائيل، ونحن نعترف بها ونصالحها ونطّبع معها.
 وجه نتنياهو فى خطابه، الشكر لاوباما وليس للادارة المصرية، على انقاذه للسفارة الاسرائيلية فى القاهرة عام 2011، من غضب وحصار المتظاهرين المصريين.
 وشكر الامريكان على دعمهم اسرائيل فى مواجهة صواريخ حماس، بينما لا يمكن لحماس ان توجه شكرا مماثلا للعرب الذين يتآمرون عليها، ويدعمون اسرائيل فى الكواليس بل أن بعضهم أصبح اليوم يدعمها فى العلن.
 الديمقراطيون انتقدوا الخطأ الجسيم فى قرار الحرب على العراق عام 2003، وهاجموا نتنياهو على تحريضه للإدارة الامريكية عليها. و الحكام العرب لم يفعلوها.
 الديمقراطيون يرفضون خيار الحرب على ايران، والعرب لا يفعلونها.
 فى المنطقة الآن ثلاثة مشروعات رئيسية فاعلة ومؤثرة: على رأسها بالطبع المشروع الامريكى الصهيونى القديم الجديد، بالإضافة الى مشروع ايراني وآخر تركي، ولكن بالقطع لا يوجد مشروع عربي وطنى مستقل وموحد، وانما هناك مواقف وسياسات للأنظمة العربية تتبع أو تتصارع مع هذا المشروع او ذاك، دفاعا عن بقائها وشرعيتها.
**
نستطيع بالطبع ان نعدد ونتحدث عن الاسباب والظروف التاريخية والسياسية، التى أدت الى تدهور الحالة العربية الى هذه الدرجة، نستطيع أن نتكلم عن سنوات الاستعمار والتجزئة والتبعية واسرائيل، عن الانقسام والاستقطاب والاقتتال والمذهبية والطائفية، عن القهر والاستبداد، عن النهب والاستغلال والطبقية، عن المخططات الخارجية والمؤامرات العالمية.
ولكن ليس هذه هى غاية هذا المقال، وانما وددت فقط أن نتشارك قليلا من خواطر الألم والغضب.
*****
موضوعات مرتبطة :
· حفلة أوباما فى الأمم المتحدة
· ديارنا الموروثة تتبدد
· كل مجلس أمن وأنتم طيبون

ليست هناك تعليقات: