24 ديسمبر 2014

طارق الغزالي حرب : قول واحد: إنها أجندة إعلامية لدولة غبية

الحديث عن الإعلام المصرى هذه الأيام لا يتوقف.. وأعتقد أن السبب وراء ذلك هو أن الجميع بدأ يدرك مدى خطورته وأهميته فى تشكيل الحالة الثقافية للشعب المصرى ودرجة وعيه، ومن ثَم على فرص صعوده أو هبوطه درجات الرقى والتقدم الإنسانى والحضارى. المتابع المحايد لما يشاهده المصريون الآن فى أجهزة التليفزيون الموجودة داخل كل بيت تقريبا يشعر بأن هناك من يوجه للاهتمام بأمور وغض النظر عن أخرى، ولا أعرف يقيناً إن كان ذلك يتم بغير قصد أو بقصد (نظرية المؤامرة)، يستوى فى ذلك الإعلام الحكومى والخاص الباحث عن الربح. هناك اهتمام مُبالغ فيه يتمثل فى إعطاء مساحات زمنية طويلة للبرامج الرياضية والترويحية (تمثيليات تافهة ومسابقات للغناء والرقص) والدينية والطبخ والثرثرة الفارغة صباحاً ومساءً.. فى نفس الوقت الذى يقل فيه بشكل كبير وأحياناً ينعدم الاهتمام بأخرى مثل برامج جذابة للأطفال (ولن أقول قنوات خاصة بهم باللهجة المصرية كما فعلت عديد من البلاد العربية بلهجاتها الخاصة)، أو البرامج العلمية التى تلفت الانتباه إلى ما يحدث فى العالم المتقدم من تطورات علمية مذهلة تغير شكل الحياة يوماً بعد يوم، تُقدم بطريقة مُبسطة جاذبة (حتى ولو مُترجمة).. برامج تدعو إلى الغوص فى المعرفة والتدبر فى خلق الله (تذكروا برامج عالم الحيوان وعالم البحار فى زمن مضى).. برامج تشرح للناس بطريقة مُبسطة وغير مباشرة الطريقة العلمية للتفكير فى أى موضوع، وتحث على البعد عن الخرافات والموروثات البالية، وتفضح من يتاجرون بها.. برامج تزيد من الوعى الصحى للمواطنين، والأساليب السليمة فى التغذية، وطرق الوقاية من الأمراض، والمفاهيم الخاطئة فى هذا المجال، وما أكثرها! (وليست برامج الدعاية الطبية الفجة لبعض العاملين فى هذا المجال التى تحدث الآن)، وبرامج تُقدم بطريقة جذابة ومحترفة لتوجيه النظر إلى مشكلة الانفجار السكانى التى ستقضى على أى فرصة لرفع مستوى المعيشة ودور كل فرد من الشعب المصرى فيها.. برامج لمسابقات من نوع جديد (غير الغناء والرقص)، تحث على المنافسة مثلاً بين المدارس والجامعات فى مدى الانتظام والالتزام بالمعايير العالمية لجودة التعليم، أو المنافسة مثلا بين أحياء أو حتى شوارع فى مستوى النظافة والجمال والهدوء، ودور الناس فى ذلك.. برامج توضح للشباب أسرار سوق العمل والمهن والحِرف التى يحتاجونها، وتوجههم إلى الطرق الممكنة للتأهيل لها وتسهيل ذلك لهم.. برامج يجلس مقدموها مع الفلاحين على الأرض ليسمعوا منهم مشاكلهم فى مجال الزراعة، وتتيح الفرصة للمتخصصين فى المجال لمناقشتهم وتوعيتهم.. برامج تذهب إلى صغار المستثمرين فى الصناعة لنستمع إلى تجاربهم وما يلاقونه من صعوبات وكيف يتصرفون فيها.. برامج يومية تناقش على أرض الواقع المشاكل الكارثية التى تعانى منها المدن الكبيرة، مثل المرور والنظافة، تسمع من المواطنين الذين يعانون آراءهم ومقترحاتهم فى هذا الشأن، فلربما يسمع المسؤولون فكرة جديدة أو رأياً يمكن فعلا الاستفادة منه، وبرامج يومية عن فوضى الشارع المصرى التى لا مثيل لها فى أى بقعة فى العالم، وثقافة «الميكروباص» التى فرضت نفسها عليه.. برامج تناقش مأساة الدروس الخصوصية التى تعانى منها كل أسرة، فتستمع إلى وجهات نظر جميع الأطراف المشاركة فى هذه الجريمة، التى أثرت بالسلب، بل تكاد تقضى على التعليم بمصر.. قد يدّعى أحد هؤلاء المستفيدين من الأوضاع الإعلامية البائسة أن ما ذكرته كله من موضوعات موجود، لكن فى قنوات متخصصة، لا يراها أحد أو فى أوقات لا يشاهدها أحد، ولكن ما أطالب به هو أن تكون هذه المواد الإعلامية موجودة بصفة يومية فى القنوات الأكثر مُشاهدة، وفى أوقات حية يتم التنويه عنها.
بالله عليكم.. ماذا لو استقطعنا نصف الوقت المخصص لاستادات التحليل الكروية الموجودة فى معظم القنوات وتصدع رؤوسنا بكلام فارغ مكرر لا فائدة منه سوى الاستفادة الماديه لمقدمى وضيوف هذه البرامج؟! ماذا لو جعلنا برامج الثرثرة المسائية (ما يسمونه التوك شوز) مرة فى الأسبوع لكل قناة؟! المشكلة يا سادة هى الممول والبحث عن الربح حتى لو كان بالتفاهة والهلس، وليذهب الوطن ومستقبله إلى الجحيم.. مشكلة من يدفع فاتورة إعلام دولة فتية ليحل محل إعلام لا يؤدى إلا إلى دولة غبية!

ليست هناك تعليقات: