31 ديسمبر 2014

اياد العطاريكتب: هل تعلم بأن الأمم المتحدة نشأت في بيت دعارة؟

الدعارة هي من أقدم المهن في التاريخ ، أظن المومس الأولى ظهرت أيام الكهف ، ربما قايضت خدماتها بقطعة لحم من طريدة أصطادها أحد الرجال . ومنذ ذلك الحين عرفت المهنة رواجا لا يفتر ، فلا يكاد يخلو عصر أو بلد من بائعات الهوى ، معظمهن يعملن بالسر بسبب نظرة المجتمع الدونية لمهنتهن ، لكن هناك أيضا من نلن شهرة واسعة ، لا بل أن إحداهن أصبحت إمبراطورة ! .. صدق أو لا تصدق عزيزي القارئ ، فالإمبراطورة البيزنطية ثيودورا كانت عاهرة وراقصة تعري في شوارع القسطنطينية – اسطنبول – قبل أن تعتلي عرش الإمبراطورية في القرن السادس للميلاد .. لكن تلك قصة أخرى ليس محلها الآن .
للدعارة مستلزمات مثل كل مهنة ، يخطأ من يظن بأن الدعارة عمل عشوائي لا يخضع لنظام ، قد يصدق ذلك على بعض عاهرات الشوارع ، أما عاهرات المواخير فيخضعن لنظام دقيق وصارم . عاهرة الشارع قد يؤكل حقها وتتعرض للضرب والاهانة وحتى القتل ، أما عاهرة الماخور فتحظى بالرعاية مقابل تقديمها جزء غير يسير من أجرها للقواد أو القوادة الذين يتكفلون بالمأوى والحماية وجلب الزبائن . إنها علاقة طفيلية تحولت بمرور الزمان إلى صناعة كبيرة تدر مليارات الدولارات سنويا وأنجبت بعض أشهر القوادين على مر التاريخ ، ومنهم السيدة التي سنتحدث عنها اليوم ، سالي ستانفورد ، التي كانت تدير واحدا من أرقى وأفخر المواخير في أمريكا ، وكان يعمل عندها بعض أجمل وأرق وأذكى الفتيات وأكثرهن أناقة على مستوى العالم . لا عجب بعد ذلك أن يتقاطر المشاهير من كل حدب وصوب على ماخورها ، أو بالأحرى قصرها المنيف الذي يقع في أحد الشوارع الراقية لمدينة سان فرانسيسكو .
قائمة الزوار كانت تشمل سياسيين وموظفين حكوميين كبار وفنانين وأقطاب الصناعة والتجارة وضباط جيش وشرطة وسفراء ووزراء أجانب وحتى أمراء وملوك .. في كل ليلة كانت هناك سهرة صاخبة وباذخة وماجنة ، رقص وخمر وغناء ، حتى أن بعض الزوار كانوا يجلبون زوجاتهم معهم . وكانت تلك السهرات تنتهي دوما إلى حجرات النوم الكثيرة المبثوثة في أرجاء المبنى .
السيدة ستنافورد كانت لديها خدمة زبائن أيضا ، فبعض المشاهير كانوا يتحرجون من القدوم للماخور بأنفسهم ، لذا كانت السيدة ستنافورد ترسل فتياتها إلى الغرف والأجنحة التي يحجزونها سرا في الفنادق الراقية بعيدا عن أعين المتطفلين والفضوليين .
أحيانا كانت السيدة ستانفورد تقدم فتياتها مجانا ، وهو أمر يفعله معظم القوادين حول العالم ، لإغواء الموظفين الحكوميين ورجالات الشرطة والأمن ، وذلك لكي يغضوا الطرف عن ما يجري داخل الماخور ، فالدعارة ممنوعة قانونا في معظم دول العالم .
خدمات السيدة ستانفورد لم تقتصر على أمريكا ، بل تعدت ذلك إلى الشؤون الدولية وأمن العالم ! . في عام 1945 شهدت مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية حدثا عظيما ، إذ أجتمع ممثلون عن خمسين أمة وشرعوا في مفاوضات واجتماعات متواصلة قادت إلى نشوء الأمم المتحدة كما نعرفها اليوم . لكن مما لا نعرفه ولا يعرفه الكثيرون ، هو أن جزء كبير من تلك المفاوضات "الصعبة" جرت وقائعها داخل ماخور سالي ستانفورد .
المؤرخ هيرب كاين كتب قائلا : " الأمم المتحدة نشأت في بيت دعارة سالي ستانفورد ، الكثير من المفاوضين كانوا من زبائنها " . وبحسب هذا المؤرخ فأن هؤلاء الزبائن المهمين عقدوا العديد من اجتماعاتهم في غرفة معيشة الماخور ، وهذه الاجتماعات هي التي تمخضت بالنهاية عن ولادة منظمة الأمم المتحدة .
أما سالي ستانفورد نفسها فقد كتبت التالي في مذكراتها :
" في ربيع عام 1945 كان مفاوضي الأمم المتحدة بأعداد كبيرة في سان فرانسيسكو . كانت دور الضيافة المجتمعية البارزة في سباق محموم مع بعضها للفوز بأكبر حصة من صلصة التوابل والبهار الأجنبية التي أوحت بها هذه الواردات . كان هناك مرح ، أسمحوا لي أن أقول لكم ! .
متى ما قام الرقيب داير بغارة على الماخور أثناء مكوثهم معي كنت أدعي الحصانة الدبلوماسية ، كنت أنا الذي أقبض عليه ، امسك به كرهينة أو أسير حرب أو شيء من هذا القبيل . الدبلوماسيين الأجانب رفهوا عن أنفسهم بالكثير مما كنا نقدمه ، بما في ذلك رياضة الفراش . لا بل أن البعض منهم أمضى وقتا أطول في غمس فتيله بريش فراشنا مما أمضاه في التفكير بمسألة الأمم المتحدة ، حتى أن البعض منهم لم يبارحوا منزلي أبدا طوال فترة المفاوضات ! .
وبما أن هؤلاء الصبية كانوا في غاية الأهمية بالنسبة لوزارة الخارجية ، لذا فقد عملنا بجهد وبأوقات إضافية من أجل إبقاء العلاقات الدولية على أحسن ما يرام" .
يا لسخرية القدر .. أعظم مؤسسة دولية انطلقت من ماخور دعارة . كانوا يتفاوضون على امن العالم وهم يمارسون الجنس ، أجزم أنها كانت مفاوضات صعبة وحامية الوطيس ، وهي برأيي خير دليل على صحة العبارة القائلة أن السياسة والدعارة هي وجهان لعملة واحدة . مع التأكيد على أن العاهرة قد تكون أشرف من السياسي ، فهي لا تحتكم سوى على جسدها ، أما فسوق السياسي فيمتد أثره إلى أجساد وعقول وجيوب الآخرين .
طبعا كلامي هذا لا ينطبق على كل السياسيين ، هناك ساسة شرفاء حتما ، لكنهم قلة للأسف . ولعل سالي ستانفورد أرادت أن تكشف بنفسها عن حقيقة الوجه الفاسد للسياسة فاقتحمت فجأة عام 1967 مؤتمرا سياسيا حاشدا كان من بين حضوره بعض كبار رجالات السياسة والدولة ، مثل ادوارد كنيدي ، الشقيق الأصغر للرئيس الأمريكي الأسبق جون كنيدي . السيدة ستانفورد ألقت التحية على الجميع ثم اعتلت المنصت وأمسكت الميكرفون ، تطلعت لبرهة في الوجوه التي امتقعت لرؤيتها ، ثم انطلقت بلا هوادة تتلو أسماء زبائنها من بين الحضور ، تشير إليهم بأصبعها ، تجندلهم واحدا بعد الآخر كأنما تحمل مدفعا رشاشا ، وما هي إلا دقائق حتى أنقلب الحفل رأسا على عقب وتعالت الصرخات من كل مكان . كانت فضيحة مدوية ، أتضح أن معظم الحضور كانوا من زبائن سالي ستانفورد ، حتى أولئك الذين ما فتئوا يصدعون رؤوس الناس بحديثهم المتواصل عن النزاهة والشرف .
القوادة المحبوبة !
سالي ستانفورد ولدت عام 1903 ، في بلدة باكر بمقاطعة سان برناردينو ، أسمها الحقيقي مابل جانيس باسبي . كانت أمها معلمة . مات والدها وهي صغيرة فاضطرت لترك دراستها والعمل لمساعدة عائلتها المتكونة من ثلاثة أخوة وشقيقة واحدة . في سن السابعة عملت كمرافقة للاعبي الجولف ، تجمع الكرات وتحمل المضارب . وفي سن السادسة عشر تعرفت على رجل أوهمها بأنه يحبها وأستغلها من اجل أن تساعده في تصريف مجموعة من الشيكات المسروقة ، فألقي القبض عليها وسجنت سنتان .
في السجن تعلمت مهنة التهريب ، أعني تهريب الكحول ، إذ كان مهنة مزدهرة في تلك الفترة التي شهدت تحريم الكحول في الولايات المتحدة . وعن طريق التهريب جمعت سالي مبلغا طيبا استثمرته في شراء فندق صغير في سان فرانسيسكو عام 1924 ، ومن هناك انطلقت مهنتها كقوادة وهي لم تزل شابة في الرابعة والعشرين . ولم يطل الوقت حتى أينعت وازدهرت تجارتها الجديدة ، فسالي ستانفورد كانت متميزة عن غيرها من القوادين والقوادات ، ليس فقط لأنها ذكية ومرحة ولطيفة ، بل أيضا لاختيارها الدقيق لفتياتها ، واهتمامها الكبير بالنظافة والأناقة ووسائل الراحة على عكس المواخير الأخرى .
سالي لم تكن امرأة جميلة ، لكن كانت ذات شخصية ساحرة ، لذا لم تعدم عشاقا هاموا بحبها . تزوجت خمس مرات ، لكنها لم تنجب ، وتبنت طفلين ، ولد وبنت ، قالا لاحقا حين كبرا أن أمهما ، القوادة سالي ستانفورد ، كانت أما رائعة ، في غاية الحنان والحرص على مستقبل أطفالها ، أدخلتهما أفضل وأرقى المدارس ، وعملت كل ما في وسعها ليبقيا بعيدا عن كل ما يتصل بمجال عملها .
سالي تقاعدت في الخمسينات . افتتحت مطعما في مدينة ساوساليتو بكاليفورنيا وركزت اهتمامها على مسائل المساواة والحقوق المدنية . أحبها سكان المدينة كثيرا ، حتى أنهم انتخبوها عمدتهم عام 1972 .
سالي ستانفورد ماتت عام 1983 عن ثمان وسبعون عاما .
لو حدث عزيزي القارئ أن زرت يوما بلدة ساوساليتو في أمريكا فستجد نافورة لشرب الماء شيدها أهالي المدينة تكريما وتخليدا لذكرى عمدتهم "القوادة" وكلبها المدلل ليلاند .
ختاما ..المظاهر كثيرا ما تكون خادعة ، هناك أناس نظنهم ملائكة ، نحسبهم في غاية العفة والطهارة ، مع أنهم في حقيقتهم ليسوا سوى قوادين . وهناك على الجانب الآخر سيدة تدعى سالي ستانفورد ، مهنتها الرسمية قوادة ، لكن حذائها أشرف وأطهر من الكثير من قوادي السياسة والمال والفكر . حقيقو خيروني في أن أعيش تحت رحمة بعض الساسة الفاسدين والساقطين الذين أعرفهم جيدا وبين أن تحكمني القوادة سالي ستانفورد .. ماذا سأختار ؟
fearkingdom@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: