16 أكتوبر 2014

بلال فضل يكتب لـ"مدى مصر" : يمكن البعيد يفهم!

وأغلب الذين يوافقون على الإجراءات القمعية التي تقوم بها دولة السيسي ضد مدنيين مسالمين، لم تثبت جهة قضائية، بعد تحقيق عادل، أن لهم صلة بالإرهاب أو العنف، سيعطونك مبررات عالية الصوت، ومطعّمة بكلمات كبيرة، عن الوطنية والخيانة وهيبة الدولة، لأنهم لا يعتقدون أن ما تعرض له الأبرياء من قمع يمكن أن يحدث لهم، طالما اختاروا المشي جوه الحيط، ولن يفهموا أي حديث عن خطورة الظلم، إلا لو حدث أن اكتووا بناره.
لن يتخيل أحد من هؤلاء أن ما حدث، مثلاً، مع رسام الكاريكاتير الموهوب، أحمد نادي، يمكن أن يحدث له: ذهب أحمد، بصحبة ابنه ذي الثماني سنين، إلى مقر الشركة التي يعمل فيها، ليُري ابنه منظر الشركة المطل على النيل، ابنه أحب المنظر، فأخرج موبايله، وبدأ في تصويره، ليفاجأ الاثنان، بعد قليل، بكتيبة قوات خاصة، تداهم المكان، لأنهم اعتقدوا أن أحداً يصور السفارتين الأميركية والبريطانية اللتين يطل عليهما المكتب.
سيبك من كون هذه السرعة المبهرة في التدخل يفتقدها ملايين المواطنين الذين لا يسكنون إلى جوار سفارات الدول العظمى، أو منازل كبار قيادات الدولة، واسمع باقي القصة التي كان يمكن أن تنتهي، حين اكتشف الضباط أن الصور التقطها طفلٌ، أضاف إليها، بطريقة طفولية، تنانين وديناصورات، لكنها تحولت إلى كابوس مفزع، بعد سلسلة من التطورات تسبب فيها عميد شديد الوطنية، اعتبر الصور الطفولية خطراً، لن يزول بمجرد مسحها، ليتم، فجأة، القبض على الأب و"نقّاشين"، شاء حظهما العثر أن يكونا وقت المداهمة يمارسان عملهما في تشطيب المكتب.
يروي أحمد نادي، في تدوينةٍ طويلةٍ، كتبها على حسابه بالفيسبوك، "في القسم، دخلت المباحث محتجز مع الجنائيين، واتخانقت على إني مش مقبوض عليا، وإن لو ابني اتحجز معايا هيكون على جثتي، دخلوني لضابط المباحث، شرحت له الموقف، كان محترم جداً وأبدى استياءه من العك، وأمرهم أن يردوا لي التليفون أكلم زميلي، يرجع ابني البيت الأول، كده موضوع الولد اتحل... بعدها، وصل المحامي عمرو إمام، وده كان شيء مريح، وتحوّل مهم، بعدها اتغيرت نبطشية الأمناء، وجُم أمناء جدد حصل معاهم مشادات كلامية، لما فكروا يقلوا أدبهم عليا، ولقوا رد فعلي عنيف، في نص كل ده كم أخبار مغلوطة من الأمناء إني هاترحل لاظوغلي، وهيطلع دين أمي وكلام كده، ولبخ كتير حصل وقلة أدب، والحقيقة أنا عرفت أرد كويس، وماعدّتش كلمة، فمش متضايق أوي.
بعد انتظار عشر ساعات، جه ضابط الأمن القومي، ودخلونا واحد واحد متغميين، بس أنا اتحقق معايا أطول وقت، اتغمت عينيا بفانلة عم مصطفى النقاش، المتهم بإنه إخوان اللي قلعوه هدومه، وغموا عينيا بفانلته... فاجأتهم بصوت عالي وعيني معصوبة: ريحتك حلوة يا عم مصطفى... كنت متعمد طول الوقت أطمنه، علشان هو كان زعلان جداً، وحاسس إنه رايح في داهية، وإننا هنا بسببه، وقدام ضابط أمن الدولة، اتشمّر بنطلوني، وأمروني إن إيدي تفضل جنبي وبدأ التحقيق، الأسئلة دارت حوالين انتمائي السياسي، وليه مربي دقني، وباشتغل إيه، وإن نقابة المهندسين كلها إخوان، رغم إني مش مهندس، ويا ترى انتخبت مرسي ولا شفيق، رديت وأنا موجه وشي للضابط، وكنت مبتسم وهادي وبارد بسخرية، أحيانا، والأهم كنت ثابت انفعالياً جداً واتسألت عن علاء عبد الفتاح، وبعد نقاش ومجادلة تقريباً الضابط زهق مني، وخرجوني أنا واللي معايا، بعد تحرير استمارة اشتباه لتأمين موقفهم، لإننا كنا نعتبر مخطوفين، أنا كنت قلقان على ابني جداً، وعلى النقّاش المتهم إنه إخوان، والحمد لله الموضوع مر بسلام".
أظن أنك لو كنت حي الضمير صاحي العقل، فأنت تمتلك، الآن، حتماً أسئلة عديدة عن مدى قانونية وأخلاقية، بل وجدوى كل ما حدث، بكل تفاصيله المزعجة؟ وعما كان سيحدث، لو لم يكن أحمد نادي يستطيع أن يصل إليه محامٍ حقوقي للدفاع عنه، وما الذي كان سيحدث لعم مصطفى النقاش، لو لم يتمسك أحمد بالدفاع عنه؟ ثم إذا كان مجرد كون أي مواطن "إخوان" قد أصبح تهمة، تستوجب القبض الفوري من دون تحقيق، ولا إجراءات قانونية، وكانت "مصر" الدولة مرتاحة لذلك، وترى أنه أمر سيحقق لها الاستقرار والعدل، فكيف يمكن اتهام شخص بأنه إخوان، لمجرد أن الضابط شايف كده، من دون أن يتم إثبات كونه من الإخوان أصلا؟ وما الذي يمكن أن يحمي أي مواطن عادي في مصر من التعرض لهذا المصير؟ وما الذي سيبقى في ذاكرة الطفل سمير، وذاكرة آلاف الأطفال الذين تعرضوا لتجارب مشابهة، حين يكبرون عن دولة عبد الفتاح السيسي؟ وكيف يمكن أن تقضي على الإرهاب دولة تتفنن في صناعته كل يوم؟ 

ليست هناك تعليقات: