18 سبتمبر 2014

المفكر القومى محمد سيف الدولة: إغلاق مصنع المناضلين

((الطالب إلِ هيخل بالنظام هنديله فوق دماغه)) رئيس جامعة القاهرة
***
((أحد أهم سمات الأنظمة المستبدة الخائفة من شعوبها، هو حظرها للعمل السياسى فى الجامعات))
فالجامعة هى المصنع الوحيد فى مصر الذى يعد ويربى الشباب وطنيا وسياسيا؛
يدخلها الشباب مادة خام، ويتخرجون منها وقد تحّول معظمهم الى كوادر وطنية مُسيَسة واعية بكل ثوابتنا الوطنية ومدركة ومستوعبة لكل هموم البلد ومشاكل الناس، ودائما ما يكونون قاطرة هامة فى الانتفاضات والثورات الشعبية.
ولقد اكتسبت الجامعة هذا الدور بسبب تميزها عن المؤسسات و التجمعات الأخرى بخمس خصائص محددة :
1) الخاصية الأولى هى انها تضم داخل أسوارها نموذجا مصغرا لمصر، فطلابها يمثلون كل المشارب والاتجاهات والطبقات والمناطق وهو ما يمكنهم جميعا من المشاركة فى أوسع دوائر للتفاعل والحوار والمعرفة والنشاط والتدريب بشكل لن يتكرر ثانية فى حياتهم .
2) الخاصية الثانية هى ان غالبية الطلبة بطبيعة الحال متحررين من معظم المسئوليات والالتزامات والضغوط التى يعيشها باقي فئات المجتمع، مما يعطيهم حرية أكبر بكثير فى الحركة والتعبير والمعارضة والغضب والتمرد .
3) الخاصية الثالثة هي ان الشاب فى هذا المرحلة من عمره يكون بكراً ( لسه بخيره )، لم تكسره الحياة بعد، لم يتعلم أمور المرونة والمهادنة والنفاق والخضوع والخنوع والتوفيق والتلفيق وباقي قائمة اللعنات التي تصيبنا بها الحياة العملية .
4) الخاصية الرابعة هي ان ضخامة أعداد الطلاب وتجمعهم فى مكان واحد، تجعل منهم قوة ذات شأن، تمثل جماعة ضغط من الوزن الثقيل، يُعمَل لها ألف حساب ان هى اتفقت على موقف او قضية ما.
5) الخاصية الخامسة : هى ان الحركات الطلابية تكون عصية على العزل والحجب والحصار، فالطلاب لهم أهل وبيوت وأحياء وقرى ونجوع منتشرة فى ربوع مصر كلها، يعودون اليها كل يوم أو كل اسبوع ، يغذونها بما تعلموه، ويؤثرون فيها ويتأثرون بها .
كما إنها عصية على التشهير التى تقوم به الدولة ضد كل معارضيها، فهم لا يزالون صغارا أبرياء يفكرون ويتحركون على الفطرة والسجية . وأى تجريح فيهم لن تكون له مصداقية . 
***
لكل ما سبق لم يكن غريبا أن يكون طلبة الجامعة فى مقدمة الصفوف فى ثورة 1919، وكذلك فى معارك مقاومة الاحتلال الانجليزى قبل 1952، وكانوا هم مفجرى مظاهرات 1968 ضد أحكام الطيران بعد النكسة، وطليعة الشعب فى 1971 و1972 فى الضغط على النظام من أجل التعجيل بالحرب وتحرير الأرض، وأخيرا وليس آخرا أن يكونوا فى القلب من ثورة يناير.
ولم يكن غريبا أن تكون معظم القيادات الحالية لكافة الأحزاب والقوى والجماعات السياسية المختلفة هي ابنة و خريجة هذا المصنع العريق . تربت كلها فى ساحاته ، وبعد تخرجها واصلت أدوارها فى مؤسسات البلد الرسمية أو الشعبية ، المعارضة أو الحكومية .
***
ولأن الجامعة كانت هكذا دائما مصنعا للوطنية والوطنيين،
ولأن الوطنية بالضرورة، ضد الأمريكان والصهاينة وحلفائهم من الفاسدين وأغنياء الحرب والسلام .
ولأنها بالضرورة مع الاستقلال و فلسطين والمقاومة والأمة العربية والاسلامية وكل المظلومين والمقهورين فى العالم .
ومع أغلبية الشعب من الناس البسطاء الطيبيين أصحاب البلد الحقيقيين .
لذا قام نظام السادات/مبارك، نظام كامب ديفيد بإغلاق هذا المصنع بالضبة والمفتاح، حين أراد اعادة صياغة مصر على مقاس أمن إسرائيل ومصالح الأمريكان فى الفترة من 1974 حتى 2011.
وبالفعل تم تحريم وتجريم العمل السياسى بالجامعة بموجب اللائحة الطلابية لعام 1979، في ذات العام الذى وقعت فيه مصر وإسرائيل معاهدة السلام، وبذلك تم اغلاق مصنع المناضلين فى مصر بقرار مصرى امريكى اسرائيلى مشترك.
ولتأمين هذا الوضع الاستبدادى بالقوة، تم تأسيس البوليس السياسي للطلبة، المسمى بحرس الجامعة .
والذى تولى مهمة حصار ومطاردة ووأد أى تحركات طلابية داخل الحرم الجامعى .
***
· ومن يومها لم يعد لدينا فى مصر مصدرا مركزيا لإعداد الشباب وطنيا وسياسيا.
· بل أصبح العمل الوطني الجاد تهمة يعاقب عليها القانون .
· وتم حرمان جيلا كاملا على امتداد أكثر من 30 عاما من التربية الوطنية، ثم تم تجريده بالتدريج من قيم الانتماء وحب الوطن .
· وحتى أولئك الطلاب الذين تمكنوا من تحصيل تربية وإعداد وطنى وسياسى من مصادر أخرى، أصبحوا يشعرون بالغربة والعزلة داخل الحرم الجامعى، الذى كان يعاملهم وكأنهم ظاهرة شاذة أو متطرفة أو مخيفة أو ثقيلة الظل .
· وهو ما انعكس بوضوح على حالة معظم الأحزاب السياسية المعارضة فى المجتمع، التى انقطع عنها المدد الجماهيري الطبيعى التلقائى، حين كان الخريجون يواصلون نشاطهم الوطنى والسياسى فى مؤسساتها، ويضخون دماء جديدة كل عام فى شرايينها ، مما ساهم فى إيقاف نموها وتطورها ، فانحصرت وضعفت و تقلص تأثيرها وتضاءلت قواعدها وكادت أن تندثر .
***
وهو ما توافق تماما مع الأهداف الصهيونية فى مصر، والتى عبر عنها أحد قادتهم بوضوح حين قال : ان السلام مع مصر على المستوى الشعبى لم يتحقق بعد، وانه على إسرائيل أن تنتظر رحيل الجيل الحالى، وميلاد جيلا مصريا جديدا لا يعاديها .
***
فلما قامت ثورة يناير، نجحت فى اعادة الحياة والاعتبار الى العمل الوطنى والسياسى فى الجامعة، وكان للطلبة ادوارا رئيسية فى صياغة مطالبها وخوض معاركها والتصدى لأعدائها.
***
ولكنهم اليوم يحاولون اعادة الامور الى ما كانت عليه، فبعد أن اعادوا قبضتهم الأمنية الى الجامعة، وأباحوا لقوات الأمن باقتحام الحرم الجامعى وضرب واعتقال الطلبة والطالبات من داخلها، فى سابقة تاريخية هى الأولى من نوعها، وتقديمهم الى محاكمات عاجلة، وإصدار قرارات بالفصل الجماعى. وبعد أن ألغوا انتخاب القيادات الجامعية، وجعلوها مرة أخرى بالتعيين من رئيس الجمهورية. فانهم يتحدثون اليوم عن لائحة طلابية مماثلة للائحة 1979 سيئة السمعة، ويحظرون العمل السياسى أو تكوين الأسر السياسية، بل ويهددون المخالفين بالويل والثبور، على حد تعبير رئيس جامعة القاهرة. وبهذا المعدل، لا نستبعد أبدا أن يستعيد الأمن السيطرة على حركة تعيين اعضاء هيئات التدريس وترقياتهم، أو أن يقوم بشطب ترشيح آلاف الطلبة للانتخابات وتزويرها، أو يراقب مجلات الحائط...الى آخر كل تلك الممارسات التى "هرمنا" تحت سياطها لعقود طويلة.
***
ان الدفاع عن حق العمل السياسى فى الجامعة، هو الدفاع عن الحق فى الانتماء و فى الوعى والمعرفة والعلم والمشاركة والتفاعل والايجابية والحوار وتبادل الآراء والمعلومات والخبرات. هو دفاع عن أحد أهم ركائز الأمن القومى المصرى، هو دفاع عن مصنع المناضلين الأوحد فى مصر، هو دفاع عن الوطنية المصرية الحرة الصادقة النقية، هو دفاع ضد اعادة انتاج نظام مبارك، هو دفاع عن مصر فى مواجهة أى مشروعات مستقبلية لبيعها على غرار اتفاقيات كامب ديفيد والتبعية للامريكان، وفى مواجهة مخاطر القهر والاستبداد والاستغلال والإذلال والترهيب والإرهاب، هو دفاع عن قيم الثورة والحرية والعدالة والكرامة والمساواة، بل هو دفاع عن حق من أبسط الحقوق الانسانية.
انقذوا الجامعة .
*****
القاهرة فى 18 سبتمبر 2014

ليست هناك تعليقات: