17 سبتمبر 2014

زهير كمال يكتب: بين نصرالله وداعش أو بين الحداثة والتخلف

وَرُبَّمَا أُمَمٍ تَهْوَى أَبَا لَهَبٍ *** لليَوْمِ مَا خَلَعَتْ مِنْ جِيدِهَا المَسَدَا
مِنَ المُطِيعِينَ حُكَّامَاً لَهُمْ ظَلَمُوا *** وَالطَّالِبِينَ مِنَ القَوْمِ اللئامِ جَدَا
نهج البردة لتميم البرغوثي
في خطابه الأخير بتاريخ 15 آب/ أغسطس 2014 بمناسبة نصر تموز 2006 تطرق السيد حسن نصرالله الى ظاهرة داعش التي بدأت تنتشر بسرعة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط وتهدد كافة الأوضاع القائمة ، وكان في منتهى الذكاء عندما قارن بين غفلة الشعوب عندما بدأ اليهود يتسللون بالتدريج من أوروبا الى فلسطين في بداية القرن العشرين، وعندما بدأت الشعوب بالإحساس بالخطر كان الأوان قد فات لعمل شيء يوقف النكبة في عام 1948.
وبالطبع فإن مشكلة داعش تختلف ، فالمطلوب هو تحطيم الدول وعودة المجتمعات العربية الى عصر البداوة ، ولنا في الصومال مثل حي حيث لا وجود للدولة منذ أكثر من عشرين عاماً والناس تعيش أقرب مايكون الى حياة العصور الوسطى.
في هذا المقال سأتناول ظاهرة داعش في النقاط التالية :
1. النشأة .
2. المثل الأعلى .
3. التوقيت .
أولاً: النشأة
في الفلسفة الماركسية يطلق تعبير البروليتاريا الرثة على كل من يقوم بأعمال غير إنتاجية في المجتمع، أي هم الجزء من المجتمع الذي يعيش على هامش الحياة الاقتصادية ، ومن أمثلة ذلك خدم المنازل وماسحو الأحذية والعتالون والمتسولون والباحثون في القمامة والعاطلون عن العمل بشكل دائم .
وفي مجتمعاتنا العربية فإن نسبة هؤلاء الى عدد السكان الكلي هي نسبة كبيرة . صحيح أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لهذه النسبة وإن وجدت فهي مزورة فالدولة القطرية من المحيط الى الخليج تخشى الحقيقة. وهي لا تهتم بها إطلاقاً ، ولوحظ أن هذه الدول بلا استثناء تزور نسبة البطالة وتصغرها حتى لا ينزعج الحاكم.
وخلال خمسين عام لم تقم هذه الدول بعمل خطط مناسبة لتطوير وتشغيل مجتمعاتها لتتناسب مع الزيادة في عدد السكان، مما أدى الى هجرات كبرى من الريف الى المدينة ومن الدول الفقيرة الى الدول ذات الثروة النفطية والى أوروبا والأمريكتين.
عمل المهاجرون في أحط الأعمال التي يأنف من القيام بها أصحاب البلاد الأصليون. ورغم أن دول الخليج تخاف من العرب إلا أنه تسربت اليها نسبة لا بأس بها من مصر وبلاد الشام. أما مزاج القذافي فقد تجبّر في عمال تونس ومصر والفلسطينيين.
كل يوم كان يمر على هذه الأمة المنكوبة بحكامها كان يزيد هذه (الطبقة ) حجماً واتساعاً. هؤلاء هم ملح الأرض الذين يعيشون يوماً بيوم وقد يجدون وجبة غذاء تملأ بطونهم وقد لا يجدون. 
ولعل أصدق مثل يعبر عن أوضاعهم المأساوية هو مأساة العبارة السلام 98 التي غرقت عام 2006 وهي تنقل مسافرين من جدة الى مصر مات منهم قرابة ألف وثلاثمائة نسمة. وصل الازدراء بالحياة الإنسانية مداه ، ترك القبطان وطاقمه السفينة قبل أن تغرق والسفينة القريبة من الحادث لم تبال بالاستغاثة، وبرأ القضاء المصري كل الأغنياء وأصحاب النفوذ ومن لهم علاقة بالحادث ووقف حسني مبارك يتفرج ببلاهة على المأساة.
ماذا تفعل هذه الجماهير المسحوقة وهي ترى الوضع يزداد سوءً ؟
بعد أن وصل الى روعها أن الفقراء لا حامي لهم وليس هناك بارقة أمل في الأفق لم يكن أمامها سوى طريق واحدة : الإنتحار!
فعلها محمد بوعزيزي أحد أفراد هذه البروليتاريا الرثة في سيدي بو زيد، رفضت الشعوب هذا الطريق وتصدت بصدورها العارية لأدوات الظلم والقهر وحفظ النظام.
استطاعت أن تخطو الى الأمام خطوة صغيرة وهي إزاحة الرؤساء الذين مكثوا على ظهرها ردحاً طويلاً من الزمن، ولكن هذه الخطوة لم تكن كافية، لم تكن هناك أحزاب تلتقط اللحظة التاريخية وتطورها وتحقق أمل الجماهير في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، حدثت تدخلات كثيرة جرت الشعوب الى الخلف وعدنا الى المربع صفر. تم نسيان السبب الأساس لثورات الربيع العربي واتهموا حركة الشعوب المقهورة بأنها الخريف العربي. 
كانت الأحداث تسير الى الخلف في كل الأقطار العربية، فعلى سبيل المثال فقد الفلسطينيون الأمل في العودة الى ديارهم ، تخلى عنهم محمود عباس بسلطته الفلسطينية التي لا مكان لهم فيها.
هؤلاء الفلسطينيون المحبوسون في مخيمات مكدسة عن آخرها يعيشون في ظروف غير إنسانية، وكانوا يصبرون على مصائب الدنيا وتعسف الأنظمة، بدأوا يدركون حقائق الحياة ، فالى أين يلجأون؟
في العراق وسوريا تم تحويل ملايين السكان الى بروليتاريا رثة بعد أن تم تهجيرهم من مدنهم وقراهم. عندما حاولوا في الأنبار إصلاح الأوضاع بالاعتصامات السلمية فضها المالكي ذو النزعة الطائفية بالقوة. 
فقدت البروليتاريا الرثة أي أمل وهي ترى ثروة العراق توزع على المحاسيب، وتسرق وتكدس في جيوب الفاسدين، فالى أين يلجأون؟
ولا شك أن المثل المصري، رغم حدته، ينطبق على باقي الدول العربية:
في القاهرة وحدها 2 مليون نسمة يشاركون الموتى سكنهم و3 ملايين يعيشون في عشوائيات لا تصلح لسكنى البشر، 11 مليون مصابون بالأمراض الوبائية، استهتر بهم النظام وأعطاهم أملاً كاذباً أنه سيعالجهم بعد الإنتخابات. 
نصف عدد السكان يعيشون على أقل من دولار واحد في اليوم.
مشكلة عصرنا هذا وجود تلفزيون يعرض على هؤلاء البؤساء نموذج حياة الأغنياء عبر قصص الأفلام والمسلسلات، دخلوا الى البيوت المرفهة وشاهدوا كيف يسكن فرد واحد في غرفة نوم مريحة وكيف يجتمعون على مائدة عامرة باللحوم والدجاج والفواكه، وقاموا بالمقارنة مع وجبتهم اليومية الدائمة منذ ولدوا، الفول.
قاموا بالثورة مرة أخرى بعد فشل الإخوان المسلمين المتوقع.
كان آخر أمل لهذه الجماهير نجاح حمدين صباحي في الانتخابات التي تمت سرقتها بشتى السبل، فالنظام القديم ما زال قوياً.
برنامج صباحي لو قيد له النجاح، كان سينتشل مصر من نكبتها، فقد اهتم بالشباب والمستقبل والعدالة الانتقالية والتصالح.
فالى أين يلجأ هؤلاء المحرومون؟
رغم أن شعب مصر عبر تاريخه شعب مسالم ولكن سيأتي يوم يتحسر فيه النظام على الإخوان المسلمين، إذ أنهم في غاية الاعتدال قياساً بداعش مصر.
المقال القادم هو عن المثل الأعلى لداعش وسيكون بعنوان
(إذا كان هناك نكاح فلا بأس من الجهاد)

تعليق المدونة: نتفق في كل ما جاء بالمقال وما حملته رؤية المفكر زهير كمال الخاصة ببواعث الفساد للتمرد والثورة لكننا نختلف فيما ذهب اليه باعتبار ما حدث رفي 30 يونيو ثورة مصرية ولكنها في الحقيقة ثورة مضادة على الثورة الحقيقية وهى 25 يناير
وان كانت ثورة يناير تمخضت عن طموحات اقل من المتوقع منها بوصول محمد مرسي للرئاٍسة كشخًص وليس كفكر.. لاننا لا يجب ان نعترض على فكر ان جاء للحكم بمسار ديمقراطى.

ليست هناك تعليقات: