08 أغسطس 2014

اسرائيل شامير يكتب : بيارق مزيفة ، حيل قذرة، وتفكيك العراق

المقالة المهمة كاتبها (اسرائيلي) من أصل روسي ويكتب بالروسية. يتميز بموقفه المناهض للعنصرية الصهيونية وللشوڤينية اليهودية وللدور الذي تلعبه المنظمات اليهودية الداعمة للكيان الصهيوني ووسائل الإعلام التي تملكها أو توجِّهها لغسل الأدمغة وتزوير الحقائق. وبسبب مواقفه تتهمه المنظمات الصهيونية بمعاداة الصهيونية ، وقد ترجم العديد من كتبه الى العربية ، ولكن بلدا مثل فرنسا منع كتبه وحاكم ناشره.
في هذه المقالة يشرح بوضوح ماذا أرادت أمريكا من العراق وكيف تعمل على تفكيكه ، ولماذا ، . مقالة جديرة بالاطلاع.
******************

بيارق مزيفة ، حيل قذرة، وتفكيك العراق

بقلم : اسرائيل شامير
ينحدر المجتمع العراقي شيئا فشيئا الى الفوضى ، والكوميديانات وكتاب السخرية والمعلقون من كل الانواع اثاروا ضجة كبيرة حول عدم كفاءة وغباء قادتنا. ولكن كما قالت صحيفة سبيكتاتور الكندية مؤخرا اذا حدث ان الولايات المتحدة لا يديرها اغبياء "ينبغي على المرء الاستنتاج ان الفوضى والفقر والحرب الاهلية في العالم الاسلامي ، ليس نتائج غير مقصودة، بل هي بالضبط اهداف السياسة الامريكية.
كما في 11 ايلول التي اطلقت "الحرب على الارهاب" فإن عدم الكفاءة هو التفسير (المفضل) ، لسيناريو الكابوس في العراق اليوم. ولكن خطة تقسيم العراق عرقيا وطائفيا موجودة في سجلات منشورة. واحياء لخطط صهيونية مبكرة ، دعا المجلس الامريكي للعلاقات الخارجية مؤخرا لانهاء "دولة العراق غير الطبيعية" بحجة تنوعه الاثني ، يقولون ان العراق هو بناء مصطنع ومزيف ونتاج قرارات استعمارية في بداية القرن العشرين. وهذا ينطبق على الكثير من دول لعالم ولكن مع ذلك تبنى الفكرة مجموعات من (خبراء) لايحلمون بمناقشة وضع اقليم كيبيك، او الباسك او ايرلندة الشمالية. وبشكل نمطي ، اعتبر المحلل السياسي مايكل كلير مؤخرا ان العراق هو "دولة مفبركة من اجل تسهيل الاستيلاء على النفط في المنطقة وان البريطانيين خلقوا "مملكة العراق" الخيالية بلصق ثلاثة اقاليم من الامبراطورية العثمانية وانزلوا عليها بالباراشوت ملكا مزيفا جاءوا به من البلاد التي اصبحت السعودية" . وبقبوله منطق ادارة بوش الكاذب للاحتلال، عزا كلير المقاومة السنية بانها الرغبة في الحصول على حصة في عوائد النفط في التقسيم المستقبلي للبلاد. ومالم يفكر فيه هو ان تكون المقاومة تتجاوز (السنة) او انها قائمة بسبب الوطنية العراقية او الحاجة الى تقرير المصير.
ان السهولة التي يقرر بها الاكاديميون الغربيون اعادة تشكيل البلدان التي يختارونها يعود الى تراث الاستشراق المستمر. ففي اسلوب كلاسيكي يرجع الى القرن التاسع عشر، تقول الطبقة الثرثارة ان العراق ، رغم تاريخ خمسة الاف سنة ، لايمكنه الان من ادارة نفسه وهكذا فإن مصيره يجب ان تقرره قوى خارجية. ان الدولة التي تماسكت وصمدت في 1991 خلال ستة اسابيع من اكبر حملة قصف في التاريخ (التي حسب الامم المتحدة ارجعت العراق الى عصر ماقبل الصناعة) واستمرت هذه البلاد في العيش والصمود لمدة 12 سنة من اقسى واشمل عقوبات فرضت على شعب من الشعوب، اصبح الان في خبر كان، كما يزعم الخبراء الغربيون. ومن اجل تعزيز نظريتهم ، يعاد بث اسطورة العداوات الطائفية القديمة وحجة "التدخل الانساني" ، وتلقم للصحف ووسائل الاعلام التي تنشرها بدون تحر او فحص حقيقة الهجمات (الطائفية) او حتى عرض وجهات نظرالعراقيين العاديين، الذين يلومون الاحتلال وصنيعته الحكومة في احداث الفوضى .

تفكيك العراق
بدأ التحضير للعراق مباشرة بعد العدوان في 1991 مع فرض مناطق حظر الطيران في الشمال والجنوب ، بمعاونة الاعلام الغربي الذي بدأ يتحدث عن البلاد بصفتها ثلاثة اقسام معادية لبعضها البعض.

لقد اقيم المسرح.
أول خطوات تنفيذ الخطة المدبرة لتدمير المجتمع العراقي كان بالنهب المنظم للمتاحف (فقدت 170 ألف قطعة) وحرق المكتبات بعد 2003.
كان هناك جانبان للنهب، الاول عشوائي وفوري، والثاني هو التهريب المنظم للاثار من اوروك ونمرود ونينوى ومسجد النبي يونس.
السرقة كانت تحتاج الى بنى تحتية لوجستية مهيأة، في حين ان بيع الغنيمة صار سهلا بتدمير منظم لكل اراشيف وسجلات المتاحف ، وحين نصح اول رئيس للاحتلال وهو الجنرال جي جارنر بالحفاظ على الجيش العراقي واقامة حكومة تحالف ، أقاله وزير الدفاع رامسفيلد وجاء بخلفه بول بريمر الذي حل الجيش والمؤسسات الوطنية المهمة اضافة الى "اضاعة" 9 بليون دولار من عائدات النفط العراقي .
وقد شكل الجيش الدمية (العميل) من المليشيات الكردية والشيعية ، وهي حركة متعمدة خصيصا لزرع بذور الطائفية . في هذه الاثناء بدأ قتلة مجهولون في اغتيال الاكاديميين العراقيين لإفراغ البلاد من عقولها وبهذا منع العراق من المعافاة.
وحين نشطت جماعات المعارضة المسلحة في البلاد ، حدثت سلسلة من الاحداث التي تحمل طابع عمليات سرية مصممة لإذكاء الصراع الطائفي وتشويه المقاومة العراقية . فيما يلي ملخص لأهم تلك الاحداث المريبة:
بعد 12 سنة من وجودها في العراق ، تستهدف الامم المتحدة
حين انفجرت شاحنة محملة بالمتفجرات عند مقر الامم المتحدة بعد اربع شهور من الاحتلال ، وقتلت فيمن قتلت المبعوث سيرجيو فيرا دي ميلو و 19 آخرين ، شخص بريمر المجرمين كونهم احد اثنين :
"ازلام صدام او مقاتلون اجانب". ولكن على اية حال كان احمد الجلبي أحد عناصر مجلس الحكم قد تسلم انذارا قبل الهجوم بإسبوع، بأن "هدفا سهلا" سوف يهاجم ، ولكنه ليس "سلطة الائتلاف او قوات التحالف" ولكن الامم المتحدة التي سحبت حمايتها في ذلك اليوم ، لم تحذر.(صحيفة آسيا تايمز 20 آب 2003)

كربلاء وبغداد
في تشرين ثان 2003، والمقاومة تنزل الخسائر بقوات الاحتلال، بدأ الاعلام والحكومة المؤقتة بقرع طبول غسيل دماغ طائفي.
بعد اسابيع من التخويف بحرب اهلية، حصلت تفجيرات منسقة قتلت 143 شيعيا في كربلاء وبغداد، ووضع اللوم على "القاعدة" ولكن الصحفي روبرت فسك سأل السؤال البديهي "اذا كانت هناك جماعة سنية عنيفة تريد ان تخرج الامريكان من العراق، لماذا تريد أن تستعدي السكان الشيعة ضدها وهم الاغلبية في العراق؟" لم يجب أحد، واستمرت الهجمات غير المبررة .

الإسكندرية
في بداية شباط 2004 زعمت السلطات الامريكية انها حصلت على رسالة من العراق تسأل "القاعدة" للمساعدة في صنع حرب أهلية. وتقريبا على الفور كما لو انه تأكيد للرسالة ، حدث انفجار قتل 50 من الشيعة في مدينة الاسكندرية. اعلنت الاندبيندانت "الارهابيون يشعلون حربا اهلية" مما يناقض اقوال سكان المدينة الذين ، بدون استثناء ، وصفوا الانفجار على انه قصف جوي "سمعوا صوت مروحية ووشيش صاروخ يهبط قبل الانفجار" والانفجار نفسه ترك حفرة عمقها ثلاثة امتار ، وهو ما يتركه صاروخ وليس سيارة مفخخة (الاندبيندانت 11/2/2004) .

القاعدة في العراق
كما هو حال المنظمة الأم ، لا شيء يبدو حقيقيا بالنسبة لهذه الجماعة حتى 2004 ، لم تنبس القاعدة وهي (سنية) بأي كلمة ضد الشيعة.
ولكن فيما تتصاعد المقاومة العراقية ، طفا الى السطح فجأة الاردني (الميت) ابو مصعب الزرقاوي وهو يدعو الى الحرب ضد الشيعة (الكفار) ، ومضى لشن حملة موازية للهجوم على المدنيين بدلا من جيش الاحتلال . في السنوات التالية ، اينما ارادت القوات الامريكية شن عدوان في العراق ، كان يقال ان الزرقاوي "مختبيء" في تلك المنطقة، ودائما ينزلق من بين ايديهم ويهرب الى منطقة اخرى. في تشرين ثان 2004 دمرت الفلوجة وقتل الالاف من اهلها ومع ذلك كانت المراقبة الامريكية من الشدة ، بحيث انها شاهدت الزرقاوي بساقه الخشبية يهرب من اليوم الأول! كان الزرقاوي مثل سلاح دمار شامل متحرك يظهر عند اللزوم.
وبقيت قصته لا تصدق حتى النهاية ، فإن الصورة التي بثت وهو مقتول ، تظهر جسدا خاليا من الاصابات الا من بضعة خدوش بينما الرجل قتل بقنبلة زنة 500 رطل.
نك بيرغ ومارجريت حسن وفضيحة ابي غريب في نيسان 2004، اصبحت الفلوجة المدينة المقاومة الاولى وتحت سيطرة المقاومة، وفي نفس الوقت أثار الاضطهادالامريكي جيش المهدي في النجف ووجدت الولايات المتحدة نفسها تشن حربا على جبهتين، وبرزت مظاهر التعاطف بين السنة والشيعة حيث تجمع في 9 نيسان حوالي 200 الف سني وشيعي للصلاة في جامع سني في بغداد حيث حذر الخطيب من حرب اهلية يصنعها الاحتلال حتى يطيل امد بقائه. وقد خرجت الى شوارع العالم احتجاجات على قصف الفلوجة، ثم ظهرت صور التعذيب في ابي غريب مما قضى على البقية الباقية من مصداقية امريكا في العالم، ومن اجل مكافحة هذه الدعاية الضارة بدأت جماعات مقاتلة غير معروفة تختطف الاجانب وتصدر فيديوات بشعة عن ذبح هؤلاء الرهائن.
كان اول ضحية هو رجل الاعمال نك بيرغ وقيل ان الزرقاوي هو الذي ذبحه بيده ثأرا لما حدث في ابي غريب. ولكن وسائل الاعلام الخاصة والمستقلة جادلت في صور الذبح وبعد فحص من قبل جراح طب شرعي مكسيكي اتضح ان الرجل في الصورة كان ميتا بالفعل قبل الذبح.
مارجريت حسن عاشت في العراق 30 عاما ومتزوجة من عراقي وقد عملت طوال حياتها في خدمة العراقيين ومعارضة العقوبات والغزو الامريكي البريطاني، وكانت تتحدث العربية جيدا مما يمكنها من الدفاع عن نفسها لو كانت الجماعة التي خطفتها هي جماعة (مقاومة ) حقا، ولكن المجموعة التي خطفتها لم تصرح عن نفسها ولم تطلب اية مطالب ولم تظهر معها على الفيديو واضعة اقنعة على الوجوه او ذكر آيات قرآنية، لاشيء. وفي حين ان كل النساء اللواتي خطفن كان يطلق سراحهن فيما بعد حين يدرك الخطفون انهن لا علاقة لهن بالاحتلال، ولكن ليس مارجريت حسن . ومع ان محكمة عراقية قد حكمت على عراقي اسمه مصطفى سلمان الجبوري اتهم بتسهيل خطفها بالسجن مدى الحياة ، ولكن لا احد حتى الان ، تبنى اختطافها وقتلها.

خيار السلفادور
بعد وقت طويل من بدء ظهور اكوام الجثث على الارصفة ، ضحايا قتلة مجهولين، نشرت مجلة نيوزويك خبرا عن خطة للبنتاغون لاستخدام فرق الموت المكافحة للتمرد للقضاء على المقاومين العراقيين وانصارهم.
وتأكد مايسمى "الخيار السلفادوري" والذي اطلق نسبة لحملة مشابهة في امريكا الوسطى في الثمانينيات ، بالتقارير التالية التي اشارت الى تورط وزارة الداخلية العراقية في فرق الموت.
وفيما يتزايد عدد الضحايا، أبرز الاعلام السائد الاخبار من زاوية متطرفي السنة يستهدفون مدنيين شيعة ابرياء. ولكن الحقائق اظهرت قصة مختلفة. طبقا لتقرير من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ، فإن أغلب هجمات المقاومة (75%) منها كانت موجهة الى القوات الاجنبية ، وهي تتجاوز بكثير اي هجمات اخرى في المسح الذي رتبت فيه الهجمات حسب العدد ونوع الهدف واعداد القتلى والجرحى. وفي تناقض شديد عن الصورة التي يقدمها الاعلام السائد، فإن الاهداف المدنية كانت تشكل 4.1% من الهجمات فقط.
وبعد خروج 300 الف من جماهير الشيعة وهي اكبر مظاهرة في بغداد منذ 1958 تساءل السيد جنيد علام "هل كان سيخرج الى الشارع هذا العدد من الشيعة احتجاجا على الاحتلال لو كانوا يعتقدون ان المقاومة المسلحة التي يكثر فيها السنة كانت تهدف الى قتلهم؟" (موقع left hookبقلم م. جنيد علام في 18 نيسان 2005)

السيارات المفخخة
شهد عام 2005 تصاعدا في عمليات السيارات المفخخة ومعظمها موجه الى اهداف مدنية . ورغم انه قيل ان شبكة الزرقاوي لا تزيد عن 1000 شخص في العراق ولكن يبدو كأن لديه معين لاينضب من الرجال المستعدين للتضحية بأنفسهم للجهاد. ولكن كان هناك تفسير آخر.
(يأتي الكاتب بأمثلة عن قصص تفخيخ الأمريكان لشاحنات يفتشونها ويدسون فيها عبوات دون ان يعلم صاحبها ويرشدونه للذهاب الى مناطق معينة ويفجرون الشاحنة عن البعد.
يشير الى مصادر: مدونة د.عماد خدوري ومدونة ريفربيند)
القوات الخاصة البريطانية (ساس) في البصرة
يتحدث الكاتب عن واقعة الرجلين الذين يرتديان ثيابا عربية في مركبة محملة بالمتفجرات واعتقالهما من قبل القوات العراقية ثم اقتحام القوات البريطانية للسجن والافراج عنهما.
أزمة الرهائن الكاذبة
في السنة الثالثة للاحتلال اصبحت خطط تدبير فوضى طائفية اكثر وضوحا. في احدى الوقائع ابلغت شرطة بغداد قادة جيش المهدي بان مسلحين قرب قرية المدائن كانوا يحتجزون 150 مدني شيعي . وحين ارسل جيش المهدي مقاتلين الى تلك المنطقة للتفاوض لاطلاق سراحهم ، اطلقت عليهم النار وفقدوا 25 رجلا وقال مساعد في جيش المهدي "اعتقد ان هذا كان كمينا واطلاق النار كان كثيفا جدا"، مضيفا ان المهاجمين استخدموا قناصة واسلحة آلية ثقيلة. ولم يكن اهالي المنطقة على علم بأزمة الرهائن المفترضة ولم يكتشف اي رهائن هناك .
سامراء والحرب الأهلية "
ألا يمكن ان يكون هذا شيئا جيدا ؟"
رغم ان غسيل الدماغ الطائفي كان مؤثرا بوضوح ولكن العراقيون استمروا في طرد فكرة الحرب الاهلية.
في اعقاب تفجير القبة الذهبية في سامراء ، ارتفع معدل القتل الطائفي في العراق الى درجة كبيرة وكان المسؤولون عن التفجير كما شهد حراس الجامع يرتدون زي الحرس الوطني حسب.
والقوات المشتركة العراقية الامريكية التي كانت تقوم بدوريات في المنطقة المحيطة ، ساعدوا هجمات الميليشيا على مسجد سني في "رد فعل" مدبر مسبقا.
كان رد فعل معظم العراقيين العاديين مختلفا تماما. وطبقا لسامي رمضاني "لم تكن اي من مسيرات الاحتجاج الفورية موجهة ضد الجوامع السنية . وقرب المسجد المفجر نفسه، شارك السكان السنة مع الاقلية الشيعية في المدينة في ادانة الاحتلال واتهموه بمسؤوليته عما حدث. في الكوت قامت مسيرة يقودها جيش المهدي في حرق الاعلام الامريكية والاسرائيلية. في مدينة الصدر ببغداد خرجت مسيرة هائلة ضد الاحتلال. ولكن الاعلام الغربي استمر في التشبث بكل واقعة منفردة كدليل على تفكك اجتماعي لايمكن علاجه. وقد كتب دانيل بايبس شاعرا بالارتياح لأن الصراع الطائفي يقلل الهجمات على القوات الامريكية حيث يقاتل العراقيون بعضهم بعضا. ثم بثت شبكة فوكس للانباء تصريحاته بعنوان على الشاشة يقول "اللجوء للحرب الاهلية ؟ حرب اهلية شاملة في العراق. هل يمكن ان تكون شيئا جيدا ؟"
التاريخ باعتباره سرا
مفتاح تبرير الهجمة الاستعمارية على العراق هو انتاج لا ينقطع من الأكاذيب. والصهيوني توماس فريدمان شبه عراق صدام بما كانت عليه الاباما من تفرقة عنصرية ايام شنق السود على الأشجار، حيث كان يعتبر الشيعة والاكراد في منزلة اقل من البشر. ولم يفكر فريدمان اثناء تحليله في الاشارة الى حقيقة ان وزير الصحة كان كرديا وان اثنان من الشيعة شغلا منصب رئيس الوزراء (سعدون حمادي ومحمد الزبيدي) او ان نائب الرئيس كان مسيحيا. في واقع الأمر ان العراقيين كانوا نادرا ما يسألون عن ديانة او عرق القادة والمسؤولين. لم يكن ذلك مما يهمهم.
في اثناء ذلك كانت الاشاعات تجد صدى لدى منظمات (حقوق الانسان) حول قيام النظام العراقي بقتل 70 الف انسان كل سنة بدون ان يلاحظ احد. ولكن رغم كل ما يقال عن النظام، فإن الزائر الذي كان يمر في بغداد في التسعينيات لم يكن يرى دبابات او مفخخات او اختطافات او ضربات جوية او نقص في الوقود او الكهرباء او معسكرات اعتقال كبيرة . وكما قال مايك وتني "لم يكن لصدام نية تفكيك الدولة والجيش والمؤسسات المدنية ، ولا نهب المتاحف او قتل المدرسين والمفكرين ، او التطهير العرقي للمسحييين والسنة ، او اثارة العنف بين المذاهب.
لم يكن لصدام خطط زيادة سوء التغذية ولا تخفيض تدفق الماء النظيف ولا قطع الكهرباء او ازالة شبكة الحماية الاجتماعية زيادة الفقر والبطالة، او وضع العراقي ضدالعراقي في معركة ضارية للبقاء.
لم يتبن صدام نظرية المحافظين الجدد حول الدمار الخلاق، التي دفعت بشعب كامل الى الفوضى بتخريب النسيج الاجتماعي العراقي وادت بالناس الى اللجوء الى الميليشيات من اجل أمانهم. "
ان الحقيقة هي ان اقتراب ذروة الانتاج النفطي العالمي تهدد في اضعاف القوة الامريكية ومن هنا لم يكن يسمح لعراق صدام ، وهي دولة نفطية غنية ومستقلة في اهم بقعة ستراتيجية في العالم ان تستمر في البقاء.
ولكن المقاومة الشرسة للاحتلال اجبرت الولايات المتحدة الى اللجوء الى خطتها البديلة (رسميا لم يكن لديها خطة بديلة) . في هذه الخطة يحدث شيء مثل الخطة التي اقترحها عوديد ينون لبلقنة البلاد.
ينبغي تفكيك الدول المستقلة القائمة ، الى دويلات ضعيفة اقرب الى المحميات. التفاصيل قد تختلف ولكن تفكيك يوغسلافيا خدم بدون شك كنموذج.
كتبت ديانا جونستون "في التسعينيات لم يعد المجتمع الدولي الذي تقووده الولايات المتحدة مهتما ببناء الأمم، بل أن تدمير الدول كان هو الشكل المناسب للتوافق مع متطلبات العولمة الاقتصادية (كتاب "حرب الأغبياء الصليبية: يوغسلافيا والناتو واوهام الغرب" للكاتبة ديانا جونستون 2002). ومن اجل هذه الغاية ،ـ في العراق كما في يوغسلافيا، تحالفت الولايات المتحدة مع "مفككي الدول" و زعماء الطائفية، وهي تنادي علنا باحترامها للسيادة الوطنية.
ومن ازالة اي سوء فهم، اوضح منظرو المحافظين الجدد بقولهم "التوترات الطائفية "الطبيعية" سوف تتصاعد في غياب دولة قمعية لاخضاعهم. ولهذا السبب ، وتحت قيادتهم الحميدة (المحافظين الجدد) سوف يترك العراق ليتحلل الى مكوناته الاثنية.

العراق يقاوم
بعد قصف العراق في 1991، كان اعلان جورج بوش الاب عن "نظام عالمي جديد" من الهيمنة الامريكية، تبنت منابر السياسة الخارجية، فكرة الغاء الدول.
في الواقع، إن فرض نموذج التقدم الغربي على العالم بعد الحرب العالمية الثانية هو الذي انهى استقلال الدول التقليدي. 
الايديولوجية (الجديدة) كانت ببساطة الاعتراف بالحقائق على الارض.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، توقع دعاة فكرة اللا دولة وهم يحتفلون بذلك الانهيار، اقتراب (نهاية التاريخ) الذي سيرى كل شعوب العالم تندمج في حياة استهلاكية رأسمالية مدينية معولمة.
وهكذا فإن "التنوع الفوضوي للثقافات والقيم والمعتقدات التي كانت سببا للصراعات في الماضي" سوف تزول بعملية التوحد السياسي والثقافي. مازال الوقت مبكرا لتخمين نهاية لهذه الرؤية الهاذية، ولكن في كل انحاء العالم ، يكافح الناس لصنع مستقبلهم ، بدون الاستماع الى نصيحة الصفوة المتفوقة.
في العراق، الوعي بالصورة الكبيرة اكبر منه في اي مكان آخر. ولهذا لم يتحقق الانهيار في صراع طائفي شامل. وبينما تتصاعد المقاومة المسلحة في صراعها ضد الولايات المتحدة فهي ايضا تواجه الارهابيين الجهاديين السلفيين ، وهناك حلية تعلق في الرقبة اصبحت شديدة الرواج بين العراقيين تراها على الارصفة وفي التلفزيون في اعناق المذيعات وهن يقرأن نشرة الاخبار، الحلية بشكل خارطة العراق.
وحين بثت محطات التلفزيون صور الشباب الذي يحمل الكلاشينكوف ويقف كتفا لكتف في مواجهة اقوى جيش في العراق في الفلوجة، كانت الصور ترمز لمقاومة اسطورية. ولكن الى جانب المقاومة المسلحة، فإن الصحفيين والمفكرين والنقابات والعراقيين من كل الطبقات وكل في مجاله، يواجهون الهيمنة العسكرية الشركاتية. وعلى كل انسان ذي ضمير ان ينضم اليهم.

ليست هناك تعليقات: